أزمة النيجر صراع دولي بالوكالة

جمهورية النيجر من الدول الأفريقية، تم تغيير النظام الدستوري والرئيس محمد بازوم بانقلاب عسكري وبدعم من الدول ذات الأنظمة الانقلابية مالي وبوركينا فاسو وغيرها، وقد تكون لروسيا و الصين  أياد خفية في ذلك، لأهمية النيجر الاقتصادية والاستراتيجية بالنسبة لهما، وتعد النيجر من أفقر دول العالم رغم ثرواتها الضخمة والنادرة، وبالاخص مادة اليورانيوم، حيث  تُعتبَر النيجر خامس دولة على مستوى العالم وهذا  ما أسال لعاب فرنسا، والتي اسستغلت ذلك لتعزيز طاقتها الكهربائية والنووية عبر شركاتها، وبها يتم تنوير شوارع باريس في حين الظلام الدامس يلفّ النيجر وعموم مناطقها ونواحيها.

إنّ أبرز ثروات النيجر التي تثير صراعاً دولياً مكشوفًا بين الأطراف المتصارعة بالإضافة الى اليورانيوم والذهب والنفط والنحاس والملح.  وأهم الدول المتنافسة على ثروات النيجر هي فرنسا التي لاتزال شركاتها تستغل مناجم اليورانيوم منذ عقود، وإلى جانبها الولايات المتحدة التي تغلغلت بنفوذها لمواجهة النفوذ الصيني والروسي، إلى جانب الدول الإقليمية المتنافسة بدورها كالجزائر ومجموعة الايكواس الاقتصادية التي تضم دول غرب افريقيا وهي كثيرة حوالي 15 عشرة دولة افريقية كنيجيريا وغينيا وبنين وغيرها، ناهيك عن محاولات التغلغل التركي والإيراني المتصارع هناك؛ لأن النيجر دولة اسلامية وتحاول كلتا الدولتين التسلّل إليها، ولا يستبعد التدخل السعودي والخليجي خاصة الإماراتي، أما روسيا فتحاول التواجد وبسط نفوذها عبر استخباراتها ومرتزقة فاغنر والحصول سريعا على الذهب من النيجر لحل أزمتها في المأزق الأوكراني، وربما تراجع هذا النفوذ أو تعثّر لمقتل زعيم فاغنر (حسب بعض التسريبات) على يد الاستخبارات الروسية، والتي تدعم الانقلابيين العسكريين وإبعاد الحكم الدستوري والرئيس المنتخب بازوم الذي يقبع في السجن.

وقد اتخذت دول المجموعة الاقتصادية الإفريقية قرارًا بالتدخّل العسكري والقضاء على الإنقلابيين العسكريين وإعادة الرئيس المنتخب والحكم الدستوري وبدعم فرنسي وأمريكي وأوربي، وقد منحوا مهلة  للانقلابيين العسكريين لا تتجاوز الأسبوع لإعادة الامور إلى نصابها وإعادة الوضع كمان كان سابقاً في النيجر في مواجهة مع النفوذ الروسي وربّما الصيني و معهم بوركينا فاسو ومالي التي رفضت أي تدخل عسكري من قبل نيجيريا ومجموعة الايكواس الافريقية والنفوذ الصيني المستشري والمتغلغل بهدوء وانسيابيه ليس في النيجر فحسب بل في كل القارة الافريقية للحصول على النفط الافريقي وثرواته.

أمام كل هذا تتواجد كل من فرنسا والولايات المتحدة بقواتها العسكرية بحجة محاربة الارهاب والفصائل المتطرفة والدفاع عن منظمة الحكم الدستوري والديمقراطي ومواجهة الذئاب التركية والضباع الإيرانية التي تتستّر بالدين كل حسب طريقته لنهش حصة من ثروات النيجر، أمّا الدول العربية المجاورة للنيجر خاصة كل من  ليبيا والجزائر التي يبلغ طول حدودها مع النيجر مسافة 1000كم وهي مسافة ليست قليلة، خاصة عندما يتعلّق الامر بالهجرة غير الشرعية إلى أوربا عبر الاراضي الجزائرية، والامر ذاته يتعلّق بالحدود الليبية التي حاولت مرارًا اعادة اللاجئين الأفارقة إلى بلادهم، أما ليبيا فهي مشغولة بصراعاتها الداخلية ولا تكاد تستطيع حل أزمتها المستفحلة حتى الوقت الحاضر، فلا يوجد لها دور إقليمي تلعبه في النيجر، أما الجزائر فقد رفصت الانقلاب العسكري، كما أنها ترفض التدخل العسكري من الطرفين (مجموعة إيكواس وكذلك من بوركينا فاسو ومالي)، و تتميز بموقف مختلف  تجاه الوضع في النيجر، فهي تدعو للوصول إلى حل الأزمة بالمفاوضات والطرق الدبلوماسية بين جميع الأطراف الدولية والإقليمية  من جهة  والداخلية  في النيجر من جهة اخرى، وتلعب الجزائر دوراً وسيطاً لحل الازمة في النيجر وسط تدخلات إقليمية دبلوماسية ساعية للخروج بالنيجر من هذه الازمة التي تتجه إلى حد كبير إلى تراجع الحل العسكري من الأطراف المتصارعة وصعوبة عودة الرئيس المخلوع محمد بازوم إلى السلطة مرة ثانية، خاصة في ظل التفاف فئات كبيرة  من الشعب حول قادة الانقلاب في النيجر، فقد أعلنت الجزائر معارضتها للحل العسكري من كل الأطراف، ودعت إلى عودة الشرعية الدستورية.

وهناك خيارات للأطراف المتصارعة، والمرجّح إيجاد مخرج وحلّ وسط للأزمة في النيجر لمراعاة مصالح جميع الاطراف المتصارعة، وذلك خلال مهلة زمنية يتم فيها انتقال السلطة والعودة تدريجيا إلى الحكم الدستوري عبر انتخابات برعاية أممية يتم فيها استقرار المؤسسات والأوضاع الداخلية وتحسين اقتصاد النيجر، ليكون على علاقة طيبة مع مجموعة الإيكواس -والتي تعدّ النيجر عضواً فيها- ومع دول الجوار كتشاد وليبيا والجزائر ونيجيريا.

الصراع الدولي في النيجر يشابه الصراع الدولي في الكثير من مناطق العالم كما في أوكرانيا وفي سوريا، و التي تكاد أحياناً تصل إلى حدّ التصادم بين طائرات التحالف بزعامة الولايات المتحدة و والطائرات الروسية، بالإضافة إلى ذلك هناك صراع  تركي وإيراني في شرقي سوريا ومناطق الادارة الذاتية  وإقليم كردستان، حيث يحاول كل طرف فرض أجندته و التعدي على سكان المنطقة بعلم ودراية روسيا والولايات المتحدة اللتان تعطيان الاولوية لأجنداتهما في المنطقة، ويبقى الصراع الدولي مستمرًا في النيجر كما في أوكرانيا وسوريا وكردستان وميزوبوتاميا.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى