سوريا أمام مُفترَق طرق

بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على السلطة في دمشق، وتعيين أحمد الشرع رئيساً مؤقّتاً للجمهورية السورية؛ عملت الحكومة المؤقّتة (حكومة الإنقاذ) على فرض سياسة الإقصاء واللون الواحد على المجتمع السوري، واستولت على السلطة التنفيذية والقضائية في سوريا، وتعمل حالياً على بسط سيطرتها على السلطة التشريعية من خلال إجراء انتخابات مجلس الشعب على مقاسها، والأمر لا يتعلّق فقط بتعيين ثُلث أعضاء المجلس من قبل الرئيس المؤقّت، وإنّما يتعلّق بشروط تعيين المرشّحين؛ وهو ما يعني سيطرة الهيئة على كامل أعضاء مجلس الشعب وإقصاء ثلاث محافظات (الحسكة والرقة والسويداء) من العملية الانتخابية. هذا إلى جانب سيطرة آل الشرع على الاقتصاد السوري من خلال استحداث صناديق سيادية، كما أنّ المجازر التي ارتُكبت بحق المكونَين السوريَّين (العلوي والدرزي) قد أسفرت عن مطالبات الدروز بالاستقلال عن دمشق، أو بإدارة ذاتية ضمن سوريا فيدرالية، وإنشاء قوة عسكرية (الحرس الوطني)، كما دفعت بالعلويّين في الخارج إلى إنشاء المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا ضمن سوريا فيدرالية.

أمّا الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية، والتي وُلِدت من رحم الأزمة السورية وحاربت الجماعات الإرهابية، وفي مقدّمتها تنظيم داعش، وحرّرت شرقي الفرات من هذه الجماعات والتنظيمات التكفيرية، وأنشأت نظاماً ديمقراطياً في مناطقها، فقد باتت قدوة لكل المناطق والمكوّنات السورية نحو نظام ديمقراطي تتمتّع كل المكوّنات السورية بحقوقها ضمن نظام فيدرالي.

هذا الدور الذي تلعبه الإدارة الذاتية بات يشكّل في نظر النظام الجديد تهديداً له؛ لأنّ سلطة دمشق ترى في هذا الدور تقليصاً لسلطتها من جهة، وبسبب الضغوط التركية التي تمنع من الوصول إلى اتفاق من جهة أخرى. لذا ومن هذا المنطلق؛ بدأت الحكومة الانتقالية بالتهرّب من مسؤولياتها وبدأت كذلك بعرقلة تنفيذ اتفاق 10 آذار بين الشرع وعبدي، وفي الوقت نفسه توجّه الحكومة المؤقّتة الاتّهامات لقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية بعرقلة تنفيذ الاتفاق، وذلك على الرغم من الزيارات المكّوكية لقيادات الإدارة الذاتية الديمقراطية إلى دمشق لإنهاء حالة التوتّر، ومنع البلاد من الدخول في أزمة داخلية كبيرة، وتحريك المفاوضات؛ سعياً من الإدارة للوصول إلى اتفاق يُنهي حالة الفوضى والانقسام في سوريا.

أسباب تعثّر المفاوضات بين الطرفَين

المفاوضات بين الإدارة الذاتية الديمقراطية والنظام السوري الجديد ذات طبيعة صعبة للوصول إلى اتفاق نهائي؛ وذلك نتيجة لوجود تدخّلات إقليمية ودولية تؤثّر في مسار المفاوضات، وكذلك بسبب اختلاف الطرفَين في مشروعَيهما، لذا فإنّ تعثّر المفاوضات بين الطرفَين يعود لأسباب كثيرة، ومن أبرزها:

  • عدم قدرة النظام السوري على التخلّص من الهيمنة التركية، واتّخاذ أي قرار سياسي، خصوصاً تجاه المفاوضات مع قوات سوريا الديمقراطية أو حول شكل نظام الحكم في سوريا، دون الحصول على الضوء الأخضر التركي؛ والزيارات المكّوكية بين الطرفَين عند حدوث أي مستجدّات سياسية على الساحة السورية أو الإقليمية أو الدولية مؤشّر واضح على الضغوط التركية التي تمارَس على النظام الجديد. لكن في المقابل؛ هناك ضغوط إسرائيلية تعدل الكفّة لدى النظام في حال كانت المطالب أو الشروط التركية تفوق قدرته على تنفيذها، (منطقة السويداء التي باتت تسير وبخطى سريعة نحو إدارة ذاتية وتطالب بنظام فيدرالي، وبالرغم من كونها منطقة جغرافية صغيرة ولا تمتلك تلك القوة الكبيرة القادرة على مواجهة قوات الأمن العام والجيش السوري إلّا أنّ الضغوط الإسرائيلية وتهديداتها – وإن كانت هناك ضغوط تركية على النظام للسيطرة على السويداء ومنع إقامة إدارة ذاتية تقرّب سوريا من نظام فيدرالي- ستمنع النظام الجديد من تنفيذ عملية عسكرية جديدة ضد السويداء).
  • السياسة التي ينتهجها النظام الجديد داخلياً؛ فالعقلية السلفية والتكفيرية التي يحملها النظام تجاه المكوّنات والقوميات السورية (العلويين والدروز والكرد) ورفض النظام لأي دور لها في بناء سوريا وإقامة نظام ديمقراطي، قد بدت واضحاً في المؤتمر الوطني والإعلان الدستوري من دون إشراك هذه المكوّنات، ورفض النظام لأيّ مؤتمر وطني جامع يشمل جميع المكوّنات والقوميات في سوريا، واتّهامه لها بتهم مُعَدّة مسبقاً، كانفصاليين أو تابعين لفلول النظام وغيرها من التهم، كما بدت تلك العقلية من خلال المجازر المرتكبة بحق الطوائف غير السُّنّية (كالعلويين والدروز والكرد).
  • التناقض الكبير بين المشروعَين، مشروع لا مركزي ديمقراطي ومشروع مركزي ديكتاتوري لا يختلف عن النظام السابق؛ الأمر الذي يجعل المفاوضات بين الطرفين عسيرة.
  • إصرار النظام الجديد على المركزية واعتباره لأيّ طرح بعيد عن المركزية محاولة للانفصال أو الاستقلال عن دمشق، دون أن يأخذ مساوئ النظام المركزي طيلة نصف قرن ولا تداعيات الأزمة السورية على المجتمع السوري بعين الاعتبار؛ وهذا الإصرار ناجم عن الدعم التركي ودعم من بعض الدول العربية؛ وهو ما يمنع نجاح المفاوضات بين الطرفَين.
  • محاولات النظام السوري كسب الوقت؛ إمّا محاولة منه لإنشاء قوة عسكرية موازية لقوات سوريا الديمقراطية ليتمكّن من قلب موازين القوى، أو انتظار ما قد ينتج عن المفاوضات مع إسرائيل، أو انتظار الانسحاب الأمريكي من شرقي الفرات لشنّ عملية عسكرية ضدّ شرق الفرات.
  • إصرار قوات سوريا الديمقراطية على انضمامها إلى الجيش السوري الجديد ككتلة عسكرية مستقلة؛ فقوات سوريا الديمقراطية لديها تحفّظات حول الجيش السوري الجديد وهيكليته العسكرية التي تضمّ إرهابيّين مدرَجين على قوائم الإرهاب، ولديهم سجلّ حافل بالانتهاكات ضدّ الكرد والعرب في كري سبي وسري كانييه وفي عفرين، كالإرهابي محمد حسين الجاسم والمعروف بـ”أبو عمشة” متزعّم فصيل سليمان شاه (العمشات)، وكذلك الإرهابي أحمد الهايس والمعروف بأبو حاتم شقرا متزعّم فصيل أحرار الشرقية، وغيرهما من الإرهابيين؛ كما أنّ فصائلهما، وعلى الرغم من انضمامها إلى الجيش السوري، قد بقيت محافظة على هيكليّتها العسكرية ككتلة عسكرية، وهو ما بدا واضحاً خلال مجازر الساحل والسويداء.
  • إصرار الإدارة الذاتية على النظام اللامركزي؛ فالإدارة الذاتية الديمقراطية ترى أنّ النظام المركزي قد أثبت فشله على مدى أكثر من نصف قرن، وأنّ النظام اللامركزي هو النظام الذي يضمن حقوق كافّة المكوّنات السورية، وأنّ الإدارة الذاتية الديمقراطية التي ولدت من رحم الأزمة السورية قد أثبتت نجاح مشروعها الديمقراطي.

هذا إلى جانب العديد من الملفات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي ما تزال عالقة بين الطرفَين.

دور الأطراف الخارجية

لا يمكن تجاهل دور الدول المنخرطة في سوريا فيما يحدث، بل لها تأثير كبير على ما يجري؛ وذلك لما لتلك الدول من نفوذ على النظام الجديد في دمشق، ولما لها من القوة التي قد تمكّنها من تغيير قواعد اللعبة في سوريا. ولكلّ دولة من هذه الدول استراتيجية تختلف عن الأخرى؛ وهو ما يؤثّر على مجريات الأزمة السورية وعلى سير المفاوضات.

    تركيا

تلعب تركيا دروراً محورياً في إطالة عمر الأزمة السورية وفي إفشال المفاوضات بين الطرفَين، وترفض بشكل قاطع أي حوار وطني يُفضي إلى تغيير شكل النظام الحالي من نظام مركزي إلى نظام فيدرالي أو لا مركزي، وتهدف تركيا إلى إنهاء الإدارة الذاتية، وحلّ قوات سوريا الديمقراطية عن طريق دمجها في الجيش السوري الجديد كأفراد وليس ككتلة مستقلّة؛ فتركيا لديها أجندة لإبقاء سوريا دولة غير مستقرّة لتخدم مصالحها وأطماعها العثمانية.

على الرغم من فشل تركيا في الحصول على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة الأمريكية لشنّ عملية عسكرية بربرية ضدّ مناطق الإدارة الذاتية، إلّا أنّها – وفي حال اتّجهت الأمور في سوريا نحو نظام فيدرالي – باتت تعوّل على النظام الجديد لشنّ عملية عسكرية ضدّ مناطق الإدارة الذاتية، وبدعم عسكري تركي. ما يهمّ تركيا من سوريا هو إنهاء الإدارة الذاتية وتفكيك قوات سوريا الديمقراطية بحجّة أنّ تلك القوات تشكّل تهديداً لأمنها القومي، حتى وإن حصلت بعض المناطق الأخرى على حكم ذاتي؛ فعملياً – وبغضّ النظر عن الإدارة الذاتية – بات الشمال السوري تحت الرعاية التركية ولا سلطة لدمشق عليه، ويديره مرتزقة تركيا من العمشات والحمزات وأحرار الشرقية وغيرهم من مرتزقتها ممّن يسمّون بالجيش الوطني، رغم أنّ تلك الفصائل قد انضوت تحت راية الجيش السوري الجديد.

 ورغم مطالبة السويداء ليس فقط بالفدرالية بل حتى بالانفصال عن دمشق فإنّ تركيا لا يمكنها إطلاق تهديدات تجاه السويداء لأنّها باتت تحت الحماية الإسرائيلية، إلّا أنّ تركيا قد تطلق، وعن طريق مرتزقتها، عملية عسكرية ضدّ مناطق الإدارة الذاتية؛ كون الإدارة هي القوة الرئيسية وحاملة راية الديمقراطية في سوريا. الدور التركي بات معروفاً؛ حيث تعرقل أي حوار وطني بين دمشق والإدارة الذاتية، ولن تسمح للنظام الجديد في دمشق بتوقيع أي اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية الديمقراطية من شأنه السير بسوريا نحو نظام ديمقراطي، وبعد سقوط نظام الأسد تحاول تركيا السيطرة على سوريا؛ إلّا أنّها تصطدم بإسرائيل التي ترفض وتمنع أي ازدياد أو توسّع للنفوذ التركي في سوريا.

الولايات المتحدة الأمريكية:

كقوة عسكرية رئيسية ضمن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش؛ لا تتدخّل الولايات المتحدة الأمريكية في المفاوضات وإنّما يقتصر دورها، إلى جانب محاربة داعش، على منع حدوث أي صراع مسلّح في شرقي الفرات قد يؤثّر على دور قوات سوريا الديمقراطية في محاربة تنظيم داعش. أمّا سياسياً؛ فالولايات المتحدة لديها من القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية ما يؤهّلها للعب دور محوريّ في إنجاح المفاوضات أو تقريب وجهات النظر وإنهاء أي نفوذ إقليمي قد يؤثّر على مسار المفاوضات والسير بسوريا نحو نظام ديمقراطي. إلّا أنّ الولايات المتحدة، وعن طريق مبعوثها توماس برّاك، قد تكون لديها سياسة معيّنة تجاه النظام الجديد وتجاه نظام الحكم في سوريا والمفاوضات، وهي مرتبطة باستراتيجيتها في الشرق الأوسط.

إسرائيل

لدى إسرائيل حسابات خاصة بها؛ إلّا أنّها في خطوطها العريضة جزء من مشروع الشرق الأوسط الجديد؛ حيث استغلّت إسرائيل سيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق لتتمدّد في الجنوب السوري وتسيطر على مناطق استراتيجية هناك، وتعمل حالياً على جعل الجنوب السوري بالكامل منطقة منزوعة السلاح، كما تعمل على منع تمدّد النفوذ التركي أكثر في سوريا، حيث تراه تهديداً لأمنها، وعلى الرغم من أنّ الطرفَين (تركيا وإسرائيل) شريكان وحليفان وتجمعهما علاقات اقتصادية وعسكرية وأمنية؛ إلّا أنّ كلّاً منهما لديه استراتيجية مختلفة، وهو ما يؤدّي لحدوث تنافس وصراع على النفوذ بينهما في سوريا.

روسيا

لم تعد روسيا كما في السابق؛ فقد خسرت الكثير من نفوذها في سوريا، إلّا أنّها ما تزال تملك أوراقاً يمكنها الضغط من خلالها على النظام السوري الجديد للحفاظ على قواعدها العسكرية في المنطقة على الأقل، كما أنّ لروسيا دوراً يخدم الأجندة الإسرائيلية وحتى الأمريكية في سوريا؛ سواء كقوة فصل في سوريا بين النظام الجديد في دمشق، وإسرائيل في الجنوب السوري، أو كقوة تمنع تمدّد تركيا في الساحل السوري.

مستقبل المفاوضات ين الطرفين

يُعَدُّ اتفاق 10 آذار بين الشرع وعبدي قاعدة أساسية يمكنها إنجاح المفاوضات، إلى جانب الزيارات المكّوكية التي تقوم بها الإدارة الذاتية الديمقراطية إلى دمشق لرأب الصدع والتوصّل إلى اتفاق يُنهي الأزمة السورية بشكل كامل؛ إلّا أنّ العقلية التي يحملها النظام الجديد في سوريا، والضغوط التركية التي تمارَس عليه، تؤكّد عدم قدرة الطرفَين على التوصّل إلى اتفاق مشترك، وذلك على الرغم من الجهود الكبيرة التي تقوم بها الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية لرأب الصدع. وليس من الغريب أنّ النظام الجديد، وبدعم من دولة الاحتلال التركي، قد يحاول كسب الوقت لتمكين نفسه وإعداد العدّة وتهيئة الأجواء الداخلية لمهاجمة قوات سوريا الديمقراطية، وفرض سيطرته بالقوة على مناطق الإدارة الذاتية تحت مسمّى “قوات العشائر العربية” (الفزعة العربية)، والتي يدّعي النظام أنّها جماعات منفلتة لا سلطة لدمشق عليها؛ كون النظام الجديد وتركيا يدركان قوّة قسد، ويدركان كذلك أنّ النظام في هذه الحالة سيتلقّى هزيمة كبيرة قد تُنهي سلطته في دمشق، كما أنّ الظروف الداخلية غير ملائمة لهكذا عملية؛ خاصة أنّ الطائفة الدرزية تطالب بنظام فيدرالي وأنشأت قوة عسكرية (الحرس الوطني)، كما أنّ الطائفة العلوية قد أعلنت تشكيل المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا.

إلى أين تتّجه الأحداث

المفاوضات بين الطرفين ماتزال مستمرّة، إلّا أنّهما لم يتمكّنا من إحداث أيّ خرق لرأب الصدع بينهما، وبحسب المؤشّرات المرتبطة بالمفاوضات والضغوط التركية على النظام الجديد، والعقلية التي يحملها هذا النظام، والمجازر التي ارتُكِبت بحقّ المكونَين العلوي والدرزي، وتصريحات المسؤولين وأحدثها جاء على لسان زعيم الحركة القومية التركي العنصري دولت بهجلي الذي هدّد بتدخّل عسكري ضدّ قوات سوريا الديمقراطية، والتجييش الطائفي ضد قسد، وقوبلت تلك التهديدات بتصريح لقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي الذي أكّد جهوزية قسد لأيّ احتمالات عسكرية، مع التمسّك بخيار الحوار والسياسة، والمطالبة بسوريا جديدة لا مركزية؛ هذه المؤشّرات قد تؤكد مسبقاً أنّ المفاوضات مجرّد كسب للوقت من جانب النظام الجديد وداعميه من الدول الإقليمية، كدولة الاحتلال التركي وقطر، لشنّ عملية عسكرية بربرية ضدّ مناطق الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، ما لم تتنازل الأخيرة عن جميع مطالبها الديمقراطية. السؤال الذي يمكن طرحه في هذا السياق هو: لماذا لا تتم المفاوضات على مستوى القيادة من قبل النظام الجديد حتى الآن؟! أليس ذلك دليلاً على عدم جدّية النظام في إجراء المفاوضات.

قد تبدأ العملية العسكرية التي قد يشنّها النظام بدايةً من حيَّي الشيخ مقصود والأشرفية للسيطرة على حلب بشكل كامل، ويحاول النظام الجديد السيطرة على بلدة دير حافر لقطع طريق حلب ومنع وصول الإمدادات إليها، ومن حيّي الشيخ مقصود والأشرفية سيتوسّع نطاق الحرب على طول نهر الفرات، وعلى جبهة كري سبي وسري كانييه المحتلّتَين من قبل الاحتلال التركي واللتَين يديرهما مرتزقته من الفصائل الإرهابية؛ وهو ما قد يؤدّي بسوريا للدخول في دوامة جديدة من الصراع الداخلي.

نتائج العملية العسكرية في حال حدوثها

مَن يهدم لا يصلح للبناء، ومَن يرتكب المجازر من ذبح واغتصاب ونهب وتخريب لا يمكنه بناء سوريا وإعمارها، ومَن يحمل هذا الفكر لا يمكن التوصّل معه إلى حلّ؛ كونه قائم على إقصاء الآخر، وعلى الذبح والاغتصاب والنهب. ومن هذا المنطلق؛ فإنّ ما يجري من أحداث وانتهاكات وتهديدات وتحريض يشير إلى أنّ المنطقة مقبلة على أحداث، وهذه الأحداث لن تكون مماثلة لما حدث في الساحل والسويداء؛ وإنّما ستتجاوزها إلى أبعاد أكثر خطورة قد تؤثّر على الوضع الداخلي في سوريا، وقد تغيّر قواعد اللعبة جذرياً فيها؛ إلّا أنّ هناك عائقاً آخرَ قد يمنع تركيا ومرتزقتها والنظام الجديد في دمشق من القيام بعملية عسكرية، وهو الوجود الأمريكي في شرقي الفرات.

إن حدثت هذه العملية في مناطق الإدارة الذاتية فإنّ ما سينجم عنها سيكون مختلفاً كلياً عمّا حدث في الساحل والسويداء وما أفرزتها من نتائج؛ فإذا ما كانت أحداث الساحل والسويداء محصورة في منطقة ضيّقة ومحدودة من الجغرافيا السورية، فإنّ العملية ضدّ مناطق الإدارة الذاتية قد تشمل مناطق واسعة من سوريا؛ وذلك بسبب انتشار الفكر الديمقراطي بين المكوّنات السورية، خاصّة في الساحل والجنوب، وكذلك بسبب وجود الكرد في أغلب المدن الرئيسية في سوريا، ولديهم امتدادات إقليمية في تركيا والعراق، هذا إلى جانب الشعور القومي والعاطفي لدى الكرد؛ وهو ما قد يؤدّي إلى تحرّك الكرد في جميع أجزاء كردستان وفي شتّى دول المهجر وخصوصاً في أوروبا، لما تمتلكه “روج آفا” من خصوصية كبيرة في قلوبهم. وقد يؤدّي شنّ هذه العملية إلى انهيار عملية السلام داخل تركيا في حال شاركت تركيا في العملية العسكرية؛ وهو ما يعني عودة الصراع المسلّح في تركيا وبوتيرة أكبر من السابق، كما أنّ العشائر العربية المنضوية ضمن الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية ستلعب دوراً محورياً في مواجهة الفصائل الإرهابية ومرتزقة تركيا، وفي مواجهة بعض العشائر الموالية للنظام؛ كون هؤلاء (الموالين للنظام) لديهم سجلّ حافل بالانتهاكات كالقتل والسبي والاغتصاب والنهب، وبالتالي؛ ستكون العشائر العربية الأصيلة أكثر تمسّكاً بإدارتها وبقوات سوريا الديمقراطية، وهو ما أثبتته التجارب في بدايات الأزمة السورية أثناء ظهور ما يسمّى بالجيش الحر وجبهة النصرة وتنظيم داعش الإرهابي، وما حدث في كري سبي وسري كانييه ومنبج من انتهاكات جسيمة طالت المكوّن العربي.

هذه العملية إن حدثت، ورغم الآثار السلبية التي قد تلحق بسوريا اقتصادياً واجتماعياً إلى جانب إعادة إحياء تنظيم داعش من قبل بعض الأطراف الإقليمية، قد تحدّد مصير الدولة السورية؛ إمّا نحو دولة مركزية دكتاتورية ذات أيديولوجية تكفيرية إقصائية، أو نحو دولة فيدرالية تتمتّع جميع الأعراق والمكوّنات والطوائف بحقوقها الدستورية في ظل نظام ديمقراطي. قد تتعرّض الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية لضرر كبير، لكنّ في حال شنّ عملية عسكرية ضدّ مناطق الإدارة الذاتية فإنّ الخاسر الأكبر ستكون تركيا والنظام السوري؛ كون هذه العملية ستكون ذات بعد داخلي وإقليمي ودولي.

إذاً؛ نتيجة النفوذ التركي الكبير في الشمال السوري، والضغوط التي تمارسه تركيا على النظام السوري الجديد، وارتباط الأخير بالأجندة التركية وعدم قدرته على اتّخاذ أي قرار سياسي، إلى جانب سياسة التحريض الممنهجة التي يمارسها النظام الجديد ضد الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، واللعب على وتر العشائر العربية، وعدم وجود أيّة بوادر لإحداث خرق في المفاوضات والتي من شأنها تهدئة الأوضاع الداخلية وتجنيب سوريا حرباً داخلية؛ وإذا لم تتوقّف الدول الإقليمية عن التدخّل في الشؤون الداخلية لسوريا، وما لم تقم الدول الكبرى بالضغط على النظام لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة وفق القرار /2254/ يبدو أ نّ سوريا مقبلة، على أبعد تقدير في عام 2026، على أحداث كبيرة وتبعات لن تقتصر على الداخل السوري، وإنّما ستكون عابرة للحدود.

زر الذهاب إلى الأعلى
RocketplayRocketplay casinoCasibom GirişJojobet GirişCasibom Giriş GüncelCasibom Giriş AdresiCandySpinzDafabet AppJeetwinRedbet SverigeViggoslotsCrazyBuzzer casinoCasibomJettbetKmsauto DownloadKmspico ActivatorSweet BonanzaCrazy TimeCrazy Time AppPlinko AppSugar rush
amavi5d sesetoto situs slot titi4d Situs Slot Toto Slot Situs Toto Situs Slot Situs Toto sontogel idrtoto akuntoto situs slot slot gacor situs slot leon188 naruto 88 Wikatogel babe138 slot login ikut4d slot deposit pulsa tanpa potongan toto slot situs toto toto togel https://id.desapujonkidul.net/ togel pools toto togel toto togel toto slot titi4d karatetoto situs gacor situs toto toto slot toto slot situs toto toto slot toto slot sulebet toto slot ollo4d ollo4d https://news.stkipyasika.ac.id/ https://hmmti.stmb.ac.id/ slot gacor sky99idn sukutoto Jinhoki situs gacor OSG168 slot bonus new member sukutoto sukutoto sukutoto slot deposit 1000 gaib4d sukutoto situs toto http://esefa-cours.uiz.ac.ma/ situs toto slot gacor Toto Rans303 situs toto ollo4d link sontogel hantutogel idn33 naruto 88 situs slot gacor maxwin dvtoto dvtoto slot demo gacor sontogel slot deposit 1000 titi4d login kientoto login gaib4d xbet369 ilmutoto https://sulebet.org/ papua4d toto togel link agustoto link agustoto situs toto slot 4d slot88 situs slot