سوريا ما بين مشروعَين متناقضين
كرديار دريعي

(ترجمة عن الكردية- قسم الترجمة)
في العاشر من آذار 2025 تمّ توقيع اتفاقية بين القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية السيد مظلوم عبدي والرئيس السوري المؤّقت الجولاني، وكان لكلّ طرف منهما أهداف وغايات من توقيع هذه الاتفاقية؛ فالجولاني كان قد تعرّض للاتّهامات، وبعد المجازر المرتكبة ضدّ العلويين بدأت الشكوك والاستفهامات تحوم حول مدى جدّية محاولاته في إنهاء الحرب وتجاوز ذهنية الحقد والانتقام. في الطرف المقابل وفي ظلّ المجازر المرتكبة كانت هناك تحضيرات من قبل تركيا وفصائل المرتزقة التابعة لها لاحتلال غرب كردستان (روجافا)، كما كانت هناك مخطّطات من قبلهما لتأجيج صراع كردي – عربي في مناطق الإدارة الذاتية، وفي الرقة ودير الزور كانت هناك بدايات لحالات من الفوضى والفلتان؛ بمعنى أنّ الظروف كان مهيّأة لاندلاع شرارة الاقتتال الداخلي (الحرب الأهلية)، لذا تمّ توقيع الاتفاقية بين عبدي والجولاني.
لكن؛ بعد توقيع الاتفاقية ما مصير المفاوضات بين الإدارة الذاتية ودمشق، وبين قوات سوريا الديمقراطية والجولاني، وما هي النتائج المرجوّة منها؟ هذا ما يثير الشكوك والتساؤلات؛ فالمفاوضات تتمّ بين مشروعَين وذهنيّتَين متناقضتَين فرضتهما الأوضاع السياسية والتحوّلات في المنطقة.
ألم يكن هناك بديل للأسد أم أنّه لم تكن هناك رغبة أصلاً لإيجاد بديل؟
على مدى أربعة عشر عامًا من الأزمة السورية، لم تتمكّن القوى المعارضة لنظام الأسد، والتي كانت تعمل تحت شعار الحرية والمساواة والديمقراطية، من الاستجابة لمطالب الشعب السوري؛ بل على العكس تماماً؛ فقد استجابت لأجندات تركيا وقطر، كما أنّ بعضها قد أصبح ركيزة قوية لاحتضان تنظيمات كالقاعدة وداعش؛ الأمر الذي أدّى إلى تفكّك نظام الأسد وانهياره داخليًا، كما أدّى لإفراغ المعارضة من مضمونها وفقدانها لمعناها؛ حيث لم تعد لقضايا الديمقراطية والمساواة وأخوّة الشعب السوري أيّ وجود في برنامجها، وحلّ محلّها تبادل الاتهامات، وتكفير المكوّنات، وتحوّل الهدف من إسقاط نظام الأسد إلى القضاء على الشعب الكردي وفرض نظام إسلاميّ متطرّف على سوريا، وترويج أيديولوجية الإخوان المسلمين والجهاديين؛ وقد ساهمت هذه الظروف في تقسيم وتدمير مكوّنات الشعب السوري وزعزعة الثقة فيما بينها، وهذا ما خدم مصالح الدول الإقليمية وبعض القوى الدولية، وأطال عمر الأزمة السورية.
في شمال وشرق سوريا هناك بديل ديمقراطي يعتمد التعدّدية والمساواة، وهنا نقصد الإدارة الذاتية الديمقراطية، التي تأسّست وفق ذهنية ديمقراطية وعلى أساس أخوّة الشعوب، إلّا أنّ هذه الإدارة قد تعرّضت للهجمات التركية بذريعة أنّها تطالب بالانفصال، وبحجّة محاربة الإرهاب، كما أنّ بعض القوى الدولية، وبحجّة مراعاة مخاوف تركيا ومصالحها الخاصة، سمحت بهجمات المعارضة ضدّ الإدارة الذاتية؛ بمعنى أنّهم لم يسمحوا بتقديم الإدارة الذاتية كبديل، وقد تم ذلك بشكل ممنهج، حيث لم تكن هناك إرادة حقيقية لوضع سوريا على طريق الحلّ والاستقرار.
في 8-12-2024، سقط نظام الأسد، وفي مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد ونهاية نظام البعث الذي دام لأكثر من ستة عقود، كثُر الحديث عن شكل سوريا الجديدة، كما كثُر الحديث عن قيم ومعايير الديمقراطية واللامركزية وإنهاء الحروب والصراعات؛ إلّا أنّ الذين تمّ جلبهم إلى سدّة الحكم في سوريا لم يحملوا معهم القيم والمعايير السابقة، وفي الوقت نفسه هم جزء من تنظيم القاعدة وهم مدرجون كذلك على لوائح الإرهاب! والمثير للاستغراب هو أنّهم مطالَبون بالديمقراطية واحتضان جميع المكوّنات والأديان والطوائف! وأن يبنوا سوريا جديدة! فكيف يمكن لأيديولوجية جهادية أن تتقبّل الديمقراطية والتعدّدية؟!
يمكننا القول إنّ عملية إيجاد بديل للأسد من خلفية وعقلية جهادية ولخدمة مشروع التفكّك الإقليمي قد تمّت بشكل ممنهَج؛ فنموذج كنموج شمال وشرق سوريا إذا ما تمّ تطبيقه في دمشق فإنّه بكلّ تأكيد لن يدخل في خدمة تقسيم سوريا. زعيم هيئة تحرير الشام (الجولاني)، انشقّ عن تنظيم القاعدة وعمل مع داعش، ثمّ انشقّ عنها وأسّس جبهة النصرة، وأخيراً سمّى حركته بهيئة تحرير الشام، دخل الجولاني دمشق بموجب اتفاق إقليمي ودولي، وشكّل إدارة لنفسه سمّاها الحكومة المؤقّتة؛ فبدلًا من أن تكون القوى الديمقراطية هي البديل للأسد، جعل مهندسو خارطة الشرق الأوسط الجديد من الجولاني بديلًا له؛ وذلك لتنفيذ مخطّطهم في تقسيم وإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط وسوريا.
الأجندات الدولية والإقليمية.. وسياسات عدم إيجاد الحلول
ممّا لا شكّ فيه أنّه لو كانت لدى القوى الدولية رغبة حقيقية لإيجاد حل للأزمة السورية بما يتوافق مع مطالب الشعب السوري، لكان نموذج الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا هو البديلَ الأنسبَ للنظام البعثي، ولكن ذلك لم يحدث بذريعة أنّ الإدارة الذاتية هي إدارة كردية، وأنّه لو حدث ذلك لتصدّرت قضية الصراع الكردي- العربي المشهد على يد الدول الإقليمية – وخاصة تركيا – ولتمّ الاعتراف بهيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري كحماة لوحدة الأراضي السورية والقومية العربية، واعتبارها قوىً وطنية، ولتعرّض الشعب الكردي للإبادة الجماعية. ومن ناحية أخرى؛ لو تم إدخال الجيش الوطني السوري إلى دمشق، لدلّ ذلك على تسليمها إلى تركيا، وهذا ما لن يخدم إسرائيل أو أوروبا أو الدول العربية أو الولايات المتحدة؛ ولذلك تم تسليم دمشق إلى هيئة تحرير الشام باعتبارها قوة جهادية مصنّفة على لائحة الإرهاب، وغير مرتبطة بالدولة التركية تماماً، كما أنّها مستعدّة للقبول بالمخطّطات الدولية والإسرائيلية بدرجة كبيرة، وفي الوقت نفسه لا تستطيع فرض سيطرتها على كامل التراب السوري، وستبقى حكومة ضعيفة بحيث لا يمكنها أن تشكّل عائقاً أمام تنفيذ السياسات الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة.
وقد تمّ منح الجولاني فرصة الاستمرار وتمكين الذات؛ وذلك بحجّة أنّه قد تغيّر وأنّه ترك عقلية الدعوة إلى الجهاد ونشره في العالم، وأنّه سيؤسّس لسوريا تعدّدية وأنّه رئيس مؤقّت؛ حيث تمّ رفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، وتمّت استعادة العلاقات مع العالم العربي، وفتح باب الزيارات والعلاقات مع الغرب، وكانت هناك محاولات لإزالة هيئة تحرير الشام والجولاني من لوائح الإرهاب، والأهم من ذلك كلّه هو توقيع اتفاقية العاشر من آذار مع القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية الجنرال مظلوم عبدي؛ لتعني هذه الخطوة استعداد الجولاني وقبوله للحوار مع المكوّنات وقبوله بسوريا تعدّدية، وذلك بعد ارتكاب المجازر بحقّ العلويين وبروز الوجه الحقيقي للجولاني وأهدافه في بناء سوريا إسلامية سُنّية على أساس الشريعة. كما أنّ قوات سوريا الديمقراطية كانت تمرّ بظروف عصيبة؛ حيث كانت الدولة التركية والفصائل التابعة لها تقرع طبول حرب كردية – عربية، وكانت تسعى لتشويه صورة قوات سوريا الديمقراطية على أنّها قوّة مناهضة للسلام والحل. ولقطع الطريق أمام حرب داخلية ولإيقاف المجازر وعمليات الإبادة بحقّ العلويّين قامت قوات سوريا الديمقراطية بتوقيع الاتفاقية. كان من ضمن الأجندات الدولية إبقاء سوريا في حالة من الغموض والتفكّك وتعايش المتناقضات والانقسام؛ بمعنى تقاسم القوة والنفوذ.
المفاوضات مابين مشروعَين متناقضَين
إذا ما قمنا بالتدقيق في هيئة تحرير الشام وتحليلها فسنجد أنّها تمتلك ذهنية جهادية، وتأسّست على أساس الفكر السلفي لتنظيم القاعدة، وترى في الشريعة أساساً في حكم االمجتمعات وإدارتها، ولا تعترف بمصطلحات من قبيل الديمقراطية والمساواة والتعدّدية، وتعتبر كل مَن يخالف أيديولوجيتها وعقليتها الجهادية كافراً وضالّاً، وترى في القضاء عليهم فرضاً إلهياً. هيئة تحرير الشام لا تعترف بالتعدّدية ولا بالأديان والمذاهب الأخرى، وترى في أعرافها وثقافتها أساساً لكلّ شيء، وترى أنّه ينبغي على جميع أفراد المجتمع أن يفكّروا ويتعاملوا على طريقتها، وعليهم أن يتخلّوا عن خصوصياتهم الثقافية والدينية والأخلاقية. أمّا بخصوص المرأة فترى هيئة تحرير الشام أنّه ينبغي عليها أن تنجب الأطفال وتهتمّ بالرجال، وعليها أن تبقى حبيسة جدران المنزل؛ فهيئة تحرير الشام – وتحت راية الإسلام – ترفض مبدأ الحياة المشتركة، بل على النقيض من ذلك؛ تفضّل الهيمنة والسيطرة والتحكّم، وكلّ مَن لا يقبل بنظامها ومبادئها ترى فيه عدوّاً وخائناً وكافراً، كما ترى أنّ الكرد والعلويين والدروز وأتباع الديانات والمعتقدات المختلفة يشكّلون خطراً عليها ويخطّطون للتآمر ضدّها؛ ولذلك ترى في القضاء عليهم وإبادتهم ضرورة لا بدّ منها.
في المقابل؛ هناك تناقض كلّي بين مشروع هيئة تحرير الشام ومشروع قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية؛ فقوات سوريا الديمقراطية تأسّست على مبدأ الأمة الديمقراطية وحرية المرأة وأخوّة الشعوب واللامركزية، وتعترف بجميع المكوّنات والأديان والمذاهب، وتناضل من أجل التعايش المشترَك بينها، ولا تميّز بينها، وتتّخذ من حرية المجتمعات أساساً لها، وتفصل السلطات (القضائية والتنفيذية والتشريعية) عن بعضها، وترى بضرورة فصل الدين عن السياسة، وتعتمد مبادئ الديمقراطية في الإدارة الذاتية للمجتمعات، كما ترى في الحوار والتعايش أساساً لأيّ حلّ، وفيما يتعلّق بالمرأة ترى أنّ المرأة هي أساس المجتمع، وتناضل لدرجة كبيرة ضدّ ذهنية التمييز على أساس الجنس، وترى في حرّية المرأة حرّيةً للمجتمع.
من خلال المقارنة ما بين هذين المشروعَين والذهنيّتَين (هيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية) يتبيّن أنّ المشروعَين غير متطابقَين ولا يمكن لهما التعايش معاً. إذاً؛ لمَ الحوار؟ وما هي النقاط التي يمكن الاتّفاق عليها بين الطرفَين؟
الصراع ما بين الذهنيّتَين والمشروعَين
المعارضة الإسلامية – سواء الإخوان المسلمين أو السلفيّين والجهاديّين – اعتبرت الفكر البعثي، الذي ارتكز على القومية العربية، نظاماً طائفياً (علوياً)؛ ولذلك اعتبرت سقوط نظام الأسد انتصاراً للطائفة السُّنّية على العلويين الشيعة، وعرّفت عن نفسها على الفور كدولة أموية؛ فالحركات السلفية والجهادية لديها مشروع ديني (الإسلام السُّنّي)؛ ولذلك لا تعترف بالقوميات، والأقلّيات، والمكوّنات، والثقافات؛ وبحسب أيديولوجيتها، فإنّ كل مخالف لعقيدتها إمّا أن يصبح مسلماً أو أنّه سيُباد، وهي الآن تسيطر على دمشق، وارتكبت المجاز ضدّ العلويين، وفجّر عناصرها أنفسهم بين صفوف المسيحيّين، ونهبوا وأذلّوا الدروز.
قضية العلويين والدروز مع حكومة دمشق كانت قضية تعايش؛ لكن بعد ارتكاب المجازر تحوّلت لقضية الدفاع عن النفس وضمان أمنها في مناطقها؛ لا بل إنّ الأمر قد وصل بالدروز إلى حدّ المطالبة بالاستقلال وتقرير المصير، أمّا بالنسبة لقضية قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية مع حكومة دمشق فتتجاوز حدود التعايش والأمن، لتمتدّ إلى مسألة مشروع ومستقبل سوريا عموماً؛ ولذلك فإنّ الصراع على الجغرافيا السورية بعد سقوط نظام الأسد يكمن بين ذهنيّتَين ومشروعين متناقضَين؛ هما ذهنية ومشروع هيئة تحرير الشام من جهة وذهنية ومشروع قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية من جهة أخرى.
إنّ نجاح أيّة أيديولوجية ومشروع منهما هو الذي سيحدّد مستقبل سوريا؛ ولذلك نجد الإخوان المسلمين والسلفيّين والجهاديّين والقوميّين المتشدّدين يدعمون مشروع هيئة تحرير الشام، بينما يقف الكرد والعلويون والدروز والديمقراطيون واليساريون والسُّنّة المعتدلون مع مشروع قوات سوريا الديمقراطية؛ بمعنى أنّ الصراع الحالي يكمن بين أيديولوجيتَين ومشروعَين متعارضَين ومتناقضَين، صراع بين الديمقراطية والمساواة والتعدّدية من جهة ومشروع الدولة الإسلامية ذات اللون الواحد والدين الواحد والمذهب الواحد والشريعة الواحدة من جهة أخرى، صراع بين الديمقراطية ونقيضتها. فإمّا أن تكون سوريا دولة مركزية إسلامية ذات طائفة واحدة تحتكر السلطة، أو أن تكون دولة لامركزية وتعدّدية وتقبل جميع الثقافات والمكوّنات. إذاً؛ فما هي النتائج التي يمكن أن تتمخّض عن المفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق (الجولاني)؟!
المفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق
بذريعة أنّ وجود حكومة إسلامية – سُنّية في سوريا سوف يقطع الطريق أمام النفوذ الإيراني، وسيشكّل حاجزًا أمام الجماعات والتنظيمات الشيعية (حزب الله)، وبدعم من تركيا وقطر، وخلال اجتماع للمجموعات المرتبطة بتركيا (إدارة العمليات العسكرية) في 29 يناير/كانون الثاني 2025 تمّ تعيين “الجولاني” رئيسًا مؤقّتًا لسوريا. وبطبيعة الحال؛ ولإطالة عمر الأزمات في الشرق الأوسط وسوريا، منحت كلّ من الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية الضوء الأخضر لتعيين الجولاني، وذلك بحجّة أنّها وضعت شروطًا معيّنة عليه؛ مثل حماية المكوّنات، ومحاربة الإرهاب، وتشكيل حكومة مشتركة، وكان من بين شروط القبول إجراء مفاوضات مع قوات سوريا الديمقراطية، وأن تصبح قوات سوريا الديمقراطية جزءًا من الجيش السوري الجديد، إلّا أنّ الجولاني لا يستطيع التفاوض بدون تركيا.
في تشرين الأول 2024، دعا زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي إلى إنهاء الإرهاب تحت شعار “تركيا بلا إرهاب”، ورغم أسلوب بهجلي الذي دعا خلال خطابه إلى القضاء على الإرهاب، دون ذكر القضية الكردية، إلّا أنّه أراد القول أنّه ينبغي حلّ القضية الكردية؛ لذا، فإنّ دعوة السيد أوجلان في 27 شباط 2025 لإنهاء الحرب إنّما كانت ردًا على دعوة بهجلي، وبذلك دخلت تركيا في عملية سلام جديدة. تعاملت تركيا مع قوات سوريا الديمقراطية كتعاملها مع حزب العمال الكردستاني الذي أعلن نزع سلاحه وحلّ نفسه، وأعلنت تركيا أنّه ينبغي على قوات سوريا الديمقراطية أن تنضمّ إلى الجيش السوري وتسلّم سلاحها وتعلن حلّ نفسها، وقد تعاملت تركيا بهذه العقلية مع اتفاقية 10 آذار 2025 بين قوات سوريا الديمقراطية وحكومة دمشق.
منذ توقيع اتفاقية العاشر من آذار والجولاني يماطل في تنفيذها؛ فالجولاني يقبل بالأمور الشكلية، إلّا أنّه – وبناءً على الرغبة التركية – يصرّ على إضعاف الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية ويسعى للقضاء عليهما؛ ولذلك وتحت الضغوط التركية تمّ رفض الاجتماع الذي كان من المرجّح أن يُعقَد في باريس خلال شهر آب 2025 بين ممثّلي قوات سوريا الديمقراطية والجولاني، وذلك بذريعة انعقاد مؤتمر الحسكة لتوحيد موقف المكوّنات في نفس الشهر، حيث رأوا في المؤتمر مخطّطاً يستهدفهم ووجدوا فيه استعداءً لهم.
بغض النظر عن الذرائع والجج؛ فإنّ السبب الأساسي في فشل المفاوضات هي عدم جدّية الجولاني وعدم رغبته في بناء سوريا ديمقراطية تعدّدية تحتضن جميع المكوّنات، هدفه من المفاوضات هو إطالة عمره في السلطة، والتلاعب بالوقت، وكسب الرأي العام، وحسم قضية العلويين والدروز؛ بمعنى تهدئة الجبهة مع شمال وشرق سوريا تكتيكيًا (مؤقّتاً)، وعدم اتّخاذ هذه الخطوات بعيداً عن التوجيهات التركية. هدفه بناء دولة إسلامية سُنّية، وبطبيعة الحال؛ هذا هو ما ترغب به تركيا وتسعى إليه أيضاً.
الخلاصة:
- تم تنفيذ الهجوم على العلويّين ثم على الدروز بشكل ممنهج، وذلك ليتمكّن الجولاني – وبدعم من تركيا – من القضاء على خصومه واحداً بعد آخر؛ فبدأ بالحلقة الأضعف (العلويّين)، ثم اتّجه نحو الدروز، والهدف الأخير هي الإدارة الذاتية؛ لذلك، ليست لدى الجولاني أيّة جدّية بشأن المفاوضات، فهو ينتظر الوضع في تركيا (عملية السلام)، وكذلك ينتظر التحوّلات السياسية مثل: الاتفاق مع إسرائيل، والتعزيز الداخلي، وزيادة الاضطرابات في شمال وشرق سوريا تحت اسم الصراع الكردي – العربي، وفشل عملية السلام في شمال كردستان.
- رغم كل العراقيل سوف تستمرّ المفاوضات، لكن دون أن تتمخّض عنها أيّة نتائج جدّية، ستتوقف بين الحين والآخر، لكنّها ستستمرّ بفعل الضغوط الدولية؛ فلا الجولاني يقبل مطالب قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، ولا الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية تقبلان مطالب الجولاني. تركيا والقوى الدولية تدركان هذه المعادلة جيداً، وتدركان أيضاً أنّ الديمقراطية لا يمكن أن تتّفق مع السلفية أو الإخوان المسلمين؛ لكن هذا الوضع يخدم هذه الأطراف، حتى تبقى المنطقة في حالة عدم استقرار وحالة فوضى، لتتمكّن تلك الأطراف من تنفيذ مشاريعها.
- لا يمكن لقوات سوريا الديمقراطية أن ترى نفسها امتداداً لعملية السلام بين حزب العمال الكردستاني وتركيا، ولا يمكنها – بناءً على ما تريده تركيا – أن تربط مصيرها باتفاقيات داخل تركيا؛ وبالتالي، ووفقاً للصراع الإسرائيلي- التركي الناشئ بين في سوريا، فإنّ إسرائيل ستحاول أن تضمّ قوات سوريا الديمقراطية وتجعلها جزءاً من حساباتها في إضعاف تركيا ووضع حدّ لها، وستضطرّ قوات سوريا الديمقراطية إلى الاستفادة من هذه الحسابات، وستجد نفسها ـ سواء شاءت أم أبت ـ ضمن اتحاد بين عدد من الأقلّيات القومية أو المذهبية (الكرد، والعلويين، والدروز، والمسيحيين).
- – ستشهد سوريا صراعاً ما بين مشروعَين (سوريا الديمقراطية، وسوريا الإسلامية السُّنّية)؛ لذلك، ونتيجة لتزايد نفوذ الدول الإقليمية والدولية في البلاد، ستتّجه سوريا نحو الفيدرالية، أو الكونفدرالية، حيث أنّ المكوّنات والثقافات المختلفة – سواء سلمياً أو في من خلال حرب أهلية – لن تقبل النموذج الإسلامي السُّنّي.