قراءة في اتفاقية العاشر من آذار وأسباب عدم إنجازها في الوقت المحدّد

عباس شيخموس

الشعب السوري بكل أطيافه وأعراقه بات يترقّب انتهاء المهلة التي تم التوافق عليها في (اتفاقية 10 آذار) ببنودها الثمانية، والتي نصّت في بندها الأخير على أنّه “تعمل وتسعى اللجان التنفيذية على تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي. فقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، التي سلكت خطّاً مغايراً (الخط الثالث) خلال الأزمة السورية، هدفت إلى دحر الإرهاب عن مناطقها، وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي ومن يدور في فلكه من التنظيمات الإرهابية، وتجنيب المنطقة الدمار الذي لحق بمختلف المدن والمناطق السورية، ونقل تجربتها الديمقراطية إلى باقي المناطق السورية.

فاتفاقية 10 آذار التي باتت أرضية للانتقال بسوريا إلى مرحلة البناء والإعمار، بعد أكثر من عقد من الدمار والقتل والتهجير والصراع ما بين النظام السوري السابق وداعميه (الروس والإيرانيين) وبين مختلف ما تسمّى بقوى المعارضة (الحكومة الانتقالية وحكومة الإنقاذ). هذا الاتفاق الذي وقّع عليه مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية مع أحمد الشرع الرئيس المؤقت لسوريا، لوقف المجازر بحق أبناء الساحل؛ حيث نصّ الاتفاق على وقف كامل لإطلاق النار على جميع الأراضي السورية، لكن النظام الجديد لم يلتزم بهذا البند؛ فبعد مجازر الساحل توجّه النظام لارتكاب مجازر أفظع في الجنوب السوري بحقّ المكوّن الدرزي، ونتيجة الضغوط الإسرائيلية رضخت الحكومة المؤقتة في دمشق لوقف المجازر في السويداء، وقد عبّر أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) على أنّه ارتكب خطأً في مهاجمة السويداء، ليس بسبب المجازر التي ارتكبتها فصائله المنضوية في الجيش السوري، بل نتيجة ما ترتّبت عليه من نتائج عكسية وخروج السويداء من قبضته بسبب التدخّل الإسرائيلي السياسي والعسكري، وعدم قرائه الصحيحة للواقع السياسي الداخلي والإقليمي والدولي؛ حيث كان يعتقد أنّه قادر على بسط سيطرته على كامل الجغرافية السورية بالقوّة العسكرية، وإخضاع جميع المكوّنات عن طريق المجازر، على غرار منطقة الساحل، التي لم تكن تشبه باقي المناطق بعد هروب النظام البعثي وتفكّك جميع وحداته العسكرية التي كانت مرتبطة ببعض الشخصيات من آل الأسد أو المقرّبين منهم، وما آلت إليه المنطقة الجنوبية من تبعات سياسية وعسكرية أخرجت السويداء عن السيطرة الفعلية للنظام السوري الجديد، وبدأت تظهر معها ملامح إدارة ذاتية وقوّة عسكرية في الجنوب السوري.

لم تتوقّف التهديدات من قبل النظام الجديد؛ فبعد منطقتَي الساحل والجنوب السوري باتت التهديدات نحو شرقي الفرات (الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، وقوات سوريا الديمقراطية) تتزايد، وبدأت الآلة الإعلامية للنظام وداعميه الإقليميّين كتركيا، وبعض الدول العربية كقطر، تعمل على زعزعة استقرار المنطقة من خلال تحريض المكوّن العربي ضدّ الكرد، وكأنّ الإدارة الذاتية هي إدارة كردية، متناسين أنّ هذه الإدارة هي إدارة ديمقراطية تديرها جميع المكوّنات في مناطق الإدارة الذاتية، وبدأت تلك الأطراف تعمل على الترويج بأنّ موعد استخدام القوّة العسكرية قد اقترب، على الرغم من أنّ اتفاق 10 آذار لم ينصّ على استخدام القوّة العسكرية في حال فشلت اللجان التنفيذية في تطبيق الاتفاق. لكن؛ ونظراً لطبيعة النظام الجديد، والفكر الذي يحمله، وارتباطه العضوي بدولة الاحتلال التركي التي ما تزال تصرّ على منحها الضوء الأخضر من الولايات المتحدة لتنفيذ عدوانها الجديد ضدّ المنطقة، فإنّ هذا النظام لا يرغب بإنجاح هذا الاتفاق، ويتّخذه حجّةً للبدء بعملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية، على الرغم من أنّه لم يتّخذ أيّة خطوة باتّجاه تنفيذ هذا الاتفاق.

الخطوات التي اتّخذتها السلطة الجديدة لتطبيق اتفاق 10 آذار:

تتضمّن اتفاقية 10آذار ثمانية بنود تضمن لتكون قاعدة تُبنى عليها التفاهمات لإنهاء الأزمة السورية بشكل كامل على جميع الجغرافية السورية، وتضع البلاد على طريق الديمقراطية والإعمار؛ إلّا أنّ النظام الجديد يتذرّع بأنّ قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لم تتطبّق بنود اتفاقية 10 آذار، لكنّ الحقيقة هي أنّ النظام السوري الجديد هو الذي لم يتقيّد بتنفيذ بنود الاتفاقية، ويمكن تفسير ذلك من خلال النقاط التالية:

  • “ضمان حقوق جميع السوريين في المشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناءً على الكفاءة، بغضّ النظر عن خلفيتهم الدينية أو العرقية.”

لم تتّخذ السلطة الجديدة أيّة خطوة تجاه هذا البند، وهو بند مرتبط في المقام الأول بالسلطة الجديدة لضمان حقوق جميع السوريين، ابتداءً بالإعلان الدستوري الذي يُعَدّ نسخة مطابقة لدستور سلطة البعث، ومروراً بقانون الانتخابات لانتخاب أعضاء مجلس الشعب؛ حيث نصّ القانون على أنّ ثُلث الأعضاء يعيّنهم الرئيس السوري (صلاحيات الرئيس الجديد)، أمّا الثلثان الباقيان فيتمّ تعيينهم من خلال الانتخابات لكن وفق شروط لجنة الانتخابات، بمعنى أنّ كل مَن هو ضدّنا لا يحقّ له الترشّح للانتخابات، كما تم استثناء مناطق الإدارة الذاتية والسويداء من عملية الانتخابات، إلى جانب اتّباع سياسة اللون الواحد التي انتهجها النظام السابق، وكذلك سياسة “أدلبة” سوريا.

أمّا في مناطق الإدارة الذاتية ومنذ تأسيسها، فتشارك جميع المكوّنات في إدارة المنطقة دون تمييز.

  • “الاعتراف بالمجتمع الكردي كجزء أصيل من الدولة السورية، وضمان حقوقه في المواطنة والحقوق الدستورية”. وهو بند مرتبط أيضاً بالسلطة الجديدة من خلال الاعتراف بالمجتمع الكردي (القومية الكردية) كجزء أصيل من الدولة السورية، هو ما لم تقم به السلطة الجديدة من خلال عدم اعترافها بالكرد حتى الآن، وانتهاج سياسة النظام البعثي في تجاهل القومية الكردية سياسياً وثقافياً في الدستور السوري، ومن أبسط الأمور التي تجاهلها النظام السوري الجديد هو عدم الاعتراف بعيد النوروز كعيد وطنيّ، وتأكيده على عيد الأم في 21 أذار كعطلة رسمية بدلاً من عيد النوروز، وبالرغم من الاعتراف باللغة الكردية إلّا أنّه تمّ إدراجها كلغة أجنبية، وهو ما يعارض الاعتراف بالكرد كجزء أصيل من الدولة السورية، وكأنّ الكرد قد جاؤوا إلى سوريا من محيطها الإقليمي ولم يكونوا تاريخياً جزءاً من أرضهم (روج أفا) وضمن النسيج السوري. حتى الآن يرفض النظام السوري الاستماع للجنة المنبثقة عن الكونفرانس الكردي الذي انعقد في مدينة قامشلو حول مطالب الكرد وحقوقهم المشروعة.
  • “وقف إطلاق النار على جميع الأراضي السورية”. يأتي هذا البند لإنهاء سياسة المجازر والعمليات العسكرية على كامل الجغرافية السورية، إلّا أنّ النظام السوري الجديد لم يتقيّد بهذا البند وما يزال يؤمن بسياسة ارتكاب المجازر لإخضاع المكوّنات السورية لسلطته، فبعد مجازر الساحل تم إطلاق عملية عسكرية ضدّ الجنوب السوري (محافظة السويداء) وارتكاب بمجازر بحق المكوّن الدرزي، إلى جانب العملية العسكرية في حيي شيخ مقصود والأشرفية في حلب والتي هي جزء من الإدارة الذاتية وعمليات عسكرية متفرقة على طول نهر الفرات تقوم بها فصائل يقال عنها بانها فصائل غير منضبطة. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد حتى مدنية حمص لم تسلم من سياسة النظام الجديد القائمة على الانتهاكات والمجازر وبات المكوّن العلوي هدفاً رئيسياً للنظام الجديد.
  • “دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز”. وهو بند مرتبط باللجان التنفيذية لكلا الطرفين. رغم تصريحات الإدارة الذاتية وقادة قوات سوريا الديمقراطية حول الانفتاح على دمشق والعمل على تطبيق آلية الاندماج، ورغم أنّ أحد بنود العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية ينصّ على أنّ الثروات هي ملك للشعب السوري؛ إلّا أنّ النظام السوري ما يزال يصرّ على تسليم كافة المؤسسات المدنية والعسكرية لسلطة دمشق، والتركيز على الدمج العسكري وإغفال الجانب المدني، ولا سيما ما يتعلّق بحقوق الكرد في روج آفا، ومشاركة جميع المكوّنات السورية في إدارة الدولة، لذا لم تسفر المفاوضات عن أي تقدم. حتى زيارة قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي لإجراء مفاوضات مع أحمد الشرع في دمشق وبرعاية أمريكية لم تسفر عن اتّفاق خطي، بل أسفرت عن اتّفاق شفوي لاعتبارات إقليمية مرتبطة بالنظام السوري الجديد.
  • “تأمين عودة جميع المهجّرين السوريين إلى مدنهم وقراهم، وضمان حمايتهم من قبل الدولة السورية”. تضمّ بعض المناطق السورية نازحين ومهجّرين نتيجة الأزمة السورية والأوضاع الأمنية، وبعد سقوط النظام البعثي عاد الكثير من هؤلاء إلى مدنهم وقراهم باستثناء مهجّري عفرين وكري سبي وسري كانيه، وهو بند تصرّ عليها الإدارة الذاتية وقسد لتُنهي معاناة مئات الألوف من عفرين وكري سبي وسري كانيه، إلّا أنّ النظام السوري الجديد لم يتّخذ أيّة خطوة تجاه إنهاء معاناة هؤلاء المهجّرين، وقد تكون هذه الخطوات مرتبطة بسياسة الدولة التركية التي تمنع عودة هؤلاء المهجّرين إلى مدنهم وقراهم لاستكمال سياسة التغيير الديمغرافي في الشمال السوري المحتل، كما أنّ الفصائل العسكرية التي تدير تلك المناطق هم من مرتزقة تركيا، ومرتبطون عضوياً بالدولة التركية، ولا سلطة كاملة لأحمد الشرع عليهم ولا يمكن إخضاعهم، لاعتبارات يمكن ربطها بالتعاون العسكري بينهما إبّان الأزمة السورية، ولحاجة أحمد الشرع إليهم لتنفيذ العمليات العسكرية في المناطق السورية.
  • “دعم الدولة السورية في مواجهة فلول الأسد وجميع التهديدات التي تستهدف أمن سوريا ووحدتها”. وهو أمر متّفق عليه بين الطرفين، إلّا أنّ المشكلة التي تعتري تطبيق هذا البند هي تبرير المجازر بحق أبناء الشعب السوري بحجّة ملاحقة فلول النظام، بمعنى أنّ كل مَن يخالف سياسة النظام الجديد يتم اعتباره من فلول النظام السابق وتتمّ محاسبته، كما حدث أثناء مجازر الساحل بحجّة أنّهم من فلول النظام السابق.
  • “رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بثّ الفرقة بين كافة مكوّنات المجتمع السوري”. لا يوجد أي مكوّن يرغب بتقسيم سوريا، حتى المكوّن الدرزي يرفض دعوات الانقسام، إلّا أنّ السياسة التي ينتهجها النظام السوري الجديد، والمجازر والانتهاكات التي تم ارتكابها بحق المكوّنات السورية، قد دفعت هذه المكوّنات لإنشاء إدارات ذاتية، ولولا هذه المجازر والانتهاكات لما آلت الأمور إلى هذا الحد. إلّا أنّ فكرة التقسيم التي يروّج لها النظام ما هي إلّا دعوات تحريضية وخلق للذرائع للقيام بانتهاكات ومجازر بحق المكوّنات لفرض سلطته بحدّ السيف؛ فحجم ومستوى خطاب الكراهية والتحريض الذي تضخّه شخصيات مرتبطة بالنظام يشير إلى استمرار النظام السوري الجديد في سياسته الممنهجة التي يمكن ربطها بدولة الاحتلال التركي، كما أنّه مؤشّر على عدم التزام النظام بهذا البند وعدم رغبته بتحقيق السلام بين مكوّنات الشعب السوري. أمّا الإدارة الذاتية فمطلبها الرئيسي هو إقامة نظام فيدرالي، ورفض أي دعوات لتقسيم سوريا، إلّا أنّ النظام السوري الجديد يدّعي أنّ النظام الفيدرالي أو اللامركزي هو شكل من أشكال التقسيم؛ وهذا بحدّ ذاته ذريعة لشنّ أي عملية عسكرية مستقبلية ضدّ مناطق الإدارة الذاتية.
  • “تعمل وتسعى اللجان التنفيذية على تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي”. رغم محاولات الإدارة الذاتية إجراء مفاوضات مع دمشق لرأب الصدع بين الطرفين، إلّا أنّ النظام السوري الجديد – ورغم إدراكه التام باستحالة عودة سوريا إلى ما قبل 2012- لم يقم حتى الآن بتشكيل لجان تنفيذية للتفاوض مع الإدارة الذاتية لتطبيق اتّفاق 10 آذار، ويروّج النظام السوري أنّه إذا ما فشلت المفاوضات مع انتهاء المدة المحدّدة وهي نهاية عام 2025 فإنّ الخيار العسكري مطروح لحلّ الخلاف، حيث تم تفسير نهاية العام الحالي كتبرير للقيام بعملية عسكرية ضدّ قوات سوريا الديمقراطية؛ وهذا التفسير مرتبط بأجندة تركية بعد فشل تركيا في الحصول على الضوء الأخضر الأمريكي لشنّ عدوان عسكري ضدّ مناطق الإدارة الذاتية.

عدم تطبيق الاتّفاق

إنّ سبب عدم تطبيق الاتفاقية يعود إلى تعنّت النظام الجديد على النظام المركزي، والذي أثبت فشله طيلة العقود الماضية، ويعود كذلك إلى عدم القراءة الصحيحة للواقع السياسي والعسكري والاقتصادي والدولي لما يحدث في سوريا؛ وكأن إعادة بناء البلاد مرتبط بالنظام المركزي لا بتوافق القوى الوطنية وإنهاء الإرهاب في سوريا. عدم تطبيق اتفاقية 10 آذار من جانب النظام السوري الجديد مرتبط  بعوامل داخلية وخارجية تساهم في إفشال تطبيقها؛ فالنظام السوري الجديد لا يدرك أو أنّه يتجاهل إمكانية استحالة عودة سوريا إلى ما قبل 2012 (أي إلى النظام المركزي) وبسط سيطرته السياسية والعسكرية على كامل الجغرافية السورية، فالأزمة السورية على مدى أكثر من عقد، والتدخّلات الإقليمية والدولية، والخلافات العسكرية بين مختلف القوى والفصائل المسلّحة والأيديولوجيات المختلفة، والتي لديها نظرة مختلفة حول شكل الحكم في سوريا، والسياسة التي ينتهجها النظام السوري الجديد (سياسة الإقصاء) وعدم الاعتراف بحقوق المكوّنات السورية (العلويون والدروز والكرد)؛ قد أثّرت بشكل جذري على سوريا وعلى شكل النظام فيها. فبعد مجازر السويداء بحق المكوّن الدرزي بات من الاستحالة أن يتقبّل المكوّن الدرزي هذا النظام القائم على التكفير والاقصاء والمجازر، وبات يرفض أي سلطة فعلية لهذا النظام على السويداء، وتعمل على إنشاء إدارة ذاتية وقوّة عسكرية كضامن لحقوق وأمن المكوّن الدرزي.

كما أنّ التدخّلات الإقليمية (التركية والإيرانية والإسرائيلية) قد أثّرت بشكل مباشر وغير مباشر على شكل النظام سوريا وما آلت إليه سوريا؛ فتركيا تحتلّ الشمال السوري ويديره مرتزقتها الذين يأتمرون بأمرها ولا سلطة فعلية للنظام السوري الجديد عليها، وبالتالي فإنّ تركيا التي تطالب ببقاء النظام المركزي في سوريا هي على أرض الواقع تحتلّ الشمال السوري وتدعم مرتزقتها، وهي في الواقع ضدّ النظام المركزي؛ فهي لا ترغب بالتخلّي على مناطق نفوذها في الشمال السوري، وإنّما غايتها إنهاء الإدارة الذاتية وضمّ مناطق الإدارة الذاتية لمناطق نفوذها. أمّا إسرائيل – وبعد سقوط النظام البعثي – بدأت تتحرّك عسكرياً في الجنوب السوري، وقد ساعدت سياسياً وعسكرياً في إيقاف المجازر المرتكبة بحق المكوّن الدرزي، وتعمل على تثبيت وجودها العسكري في المناطق التي سيطرت عليها بعد سقوط النظام البعثي، كما تعمل على إنشاء منطقة منزوعة السلاح في الجنوب السوري بالتعاون مع الولايات المتحدة وروسيا. وقد بات الجنوب، على غرار الشمال السوري، خارج نطاق سيطرة النظام السوري الجديد. وبالتالي؛ فقد ساهمت القوى الإقليمية بتغيير سوريا وجعلتها تسير بشكل غير مباشر نحو نظام لا مركزي، والدوغمائية التي ينتهجها النظام السوري الجديد هي التي منعته من تطبيق اتفاقية 10 آذار.

أمّا الولايات المتحدة، ورغم انفتاحها على هذا النظام واستقبالها لأحمد الشرع في واشنطن، إلّا أنّ هناك خطوطاً عريضة لا بدّ للنظام السوري الجديد من تنفيذها؛ فالنظام السوري الجديد أو هيئة تحرير الشام تضمّ ضمن صفوفها فصائل إرهابية، ولهذه الفصائل ارتباطات مع تنظيم داعش، بالإضافة إلى وجود مقاتلين أجانب من ذوي الفكر الجهادي الذي يشكّل تهديداً أمنياً على سوريا وعلى الولايات المتحدة. أمّا قوات سوريا الديمقراطية، ومنذ تأسيسها ودخولها في التحالف الدولي، فتعمل على تطهير مناطقها من الإرهاب، ولا يمكن لها الاندماج في جيش يضمّ في صفوفه فصائل مسلّحة لها تاريخ حافل بالانتهاكات بحق الكرد والعرب في مختلف مناطق الإدارة الذاتية (عفرين – كري سبي وسري كانيه – منبج وفي أحياء حلب ذات الغالبية الكردية). لذا؛ تصر قوات سوريا الديمقراطية على الاندماج في الجيش السوري ككتلة عسكرية لها خصوصيتها وليس كأفراد، لضمان أمن مناطقها من الإرهاب.

إلامَ يستند النظام؟

إنّ الدوغمائية التي ينتهجها النظام الجديد، وعدم تقبّله للآخرين وكأن سوريا باتت مزرعة له كما كانت سابقاً مزرعة للأسد، لم تأتِ من فراغ بل تستند على بعض المعطيات التي تجعله متمسّكاً بسياسته تجاه شكل الحكم في سوريا؛ ومنها:

الدعم التركي: حيث تربط هيئة تحرير الشام (النظام السوري الجديد) بتركيا ارتباطاً عضوياً؛ وهذه العلاقة تجعله أسير السياسة التركية، وفي مقابل ذلك يحصل النظام السوري الجديد على دعم تركي إلى جانب الدعم القطري؛ وهذه العلاقة والدعم في نظره يمنحه أفضلية في تنفيذ سياسته في سوريا، وتخلق العوائق أمام تطبيق اتفاقية 10 آذار.

الانفتاح الدولي على النظام الجديد: النظام السوري الجديد يعتقد أنّ الانفتاح الدولي عليه هو اعتراف به ويمنحه دافعاً للسير في سياسته الداخلية، خاصة بعد فشل لجنة تقصّي الحقائق – إن جاز التعبير- (أو لاعتبارات دولية) في إدانة النظام السوري الجديد بارتكاب المجازر بحق المكوّن العلوي والدرزي وعدم محاسبته، كما يعتقد النظام أنّ تجميد العقوبات على سوريا هو اعتراف بالنظام الجديد؛ حيث يسعى النظام السوري الجديد إلى استغلال هذا الانفتاح في دعم سياسته الدوغمائية في سوريا بدلاً من الاستفادة منه في تحقيق الأمن والاستقرار في سوريا.

الدعم العربي: الدول العربية، خاصة الدول الخليجية باستثناء قطر، تعمل على إخراج سوريا من تحت العمامة العثمانية وإعادتها للحاضنة العربية وإعادة بناء سوريا، ونظراً لوجود بعض التحفّظات الخليجية على شكل النظام في سوريا (النظام الفيدرالي) يستغلّ النظام السوري الجديد هذا الدعم وهذه التحفّظات لخدمة سياسته القائمة على النظام المركزي.

الاتفاق الأمني مع إسرائيل: النظام السوري، وبدعم تركي، يعتقد أنّ توقيع الاتفاق الأمني مع إسرائيل ومن ثم التطبيع معها قد يحقّق له مكاسب عدّة؛ أوّلها الاعتراف بالنظام السوري الجديد، ثانياً الحصول على دعم سياسي في السيطرة على المناطق الخارجة عن سيطرته، باستثناء الشمال السوري المحتل (وهي مناطق نفوذ تركية وسلطة النظام السوري الجديد عليها شكلية)؛ فهو يعتقد أنّ كسب إسرائيل يعني كسب الولايات المتّحدة إلى جانبه، وبالتالي تتخلّى الولايات المتحدة عسكرياً عن مناطق الإدارة الذاتية، وتفكّ شراكتها مع قوات سوريا الديمقراطية.

النتائج المترتّبة على فشل اتّفاق 10 آذار:

بالنظر إلى الماكينة الإعلامية السورية القائمة على التحريض ضدّ قوات سوريا الديمقراطية وإثارة الفتن الطائفية ضمن مناطق الإدارة الذاتية، أو في الداخل السوري من خلال الإساءة للكرد، فإنّ النظام السوري الجديد يحاول التبرير للقيام بعملية عسكرية ضدّ قوات سوريا الديمقراطية، فيروّج أنّ قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية ترفضان تطبيق اتفاقية 10 آذار، التي يعتقد النظام السوري أو يفسّرها بأنّها تعني تسليم مناطق الإدارة الذاتية لسلطة دمشق وإنهاء قوات سوريا الديمقراطية ككتلة عسكرية؛ حيث يستند النظام السوري الجديد على الدعم التركي والانفتاح الدولي عليه في شنّ عملية عسكرية ضدّ قوات سوريا الديمقراطية مطلع العام الجديد، أي بعد انتهاء المهلة المحدّدة كما يعتقد. لذا؛ ليس مستبعَداً في هيئة الظروف لدولة الاحتلال التركي أن تدفع النظام الجديد للقيام بعملية عسكرية ضدّ مناطق الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، حتى وإن لم يرغب النظام بذلك؛ كون مرتزقة تركيا وبدعم تركي قد يجبرون النظام السوري الجديد للانخراط في هذه العملية.

إنّ انضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش، والذي لن يغيّر من المعادلة كسحب ملف مكافحة الإرهاب من قوات سوريا الديمقراطية، قد يكون خطوة أولية لمنع عملية عسكرية بين الجيش السوري الجديد وقوات سوريا الديمقراطية. فوجود قوات سوريا الديمقراطية كحليف للولايات المتحدة وعضو في التحالف الدولي يجبر النظام السوري الجديد على التنسيق معها؛ فلا يجوز لعضوَين في التحالف الدولي محاربة بعضهما بعضاً في سوريا، وبالتالي لا بدّ من اندماج قوات سوريا الديمقراطية ككتلة عسكرية تكون أساس القوّة العسكرية في الجيش السوري الجديد في محاربة تنظيم داعش والفصائل الإرهابية. إنّ اندماج قوات سوريا الديمقراطية – ككتلة عسكرية – في الجيش السوري الذي بات عضواً في التحالف الدولي، والعمل تحت مظلّة التحالف الدولي قد تفضي لنتائج إيجابية في إنهاء الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار في سوريا، وقد تترتّب نتائج عكسية على مرتزقة تركيا، ويكون بداية لتطبيق اتفاقية 10 آذار. إلّا أنّ المشكلة الرئيسية التي قد تعتري النظام السوري الجديد هو قدرته على محاربة تنظيم داعش ومن يدور في فلكه؛ فالجيش السوري الجديد، وأثناء ارتكابه المجازر بحق المكوّنَين العلوي والدرزي، كان ضمن صفوفه الكثير من المقاتلين إلى جانب المقاتلين الأجانب ممّن يحملون شارات داعش، بمعنى أنّ الكثير ممّن انضمّوا إلى الجيش السوري الجديد يحملون الفكر الداعشي؛ فهل يمتلك النظام الجديد القدرة على محاربته؟ وكيف سيكون التنسيق ضمن التحالف لمحاربة تنظيم داعش؟ فقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي، وبالأخص من قبل الولايات المتحدة، هي القوّة الرئيسية في مواجهة تنظيم داعش، ولا يمكن للنظام السوري الجديد تجاهل هذه النقطة، وعليه لا بدّ من التنسيق المباشر معها، واعتبارها القوّة الرئيسية في الجيش السوري في محاربة الإرهاب وملاحقة خلايا داعش وقادته في مختلف المناطق السورية، والاعتماد عليها في حفظ الأمن والاستقرار. في حال رغب النظام الجديد في محاربة الإرهاب وإنهائه في سوريا، فإنّ ما تُسمّى بقوات العشائر وكل الفصائل التي لديها ولاءات خارجية باتت تشكّل تهديداً للنظام الحالي داخلياً وخارجياً، لذا فإنّ النظام السوري الجديد ولوضع سوريا على طريق الديمقراطية وإعادة الإعمار ووحدة الأراضي السورية، عليه أن يعتمد بشكل رئيسي على قوات سوريا الديمقراطية؛ وإنّ توجّه النظام نحو قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية قد يكون على طريق رفع العقوبات بشكل كامل واعادة سوريا لدورها الإقليمي والدولي.

رغم الانفتاح الأمريكي عليه واستقبالها لأحمد الشرع في البيت الأبيض؛ إلّا أنّ الولايات المتحدة لا تثق بالنظام السوري الجديد، بل إنّ اعتماد الولايات المتحدة يقتصر على قوات سوريا الديمقراطية في محاربة وملاحقة خلايا تنظيم داعش في سوريا. يبقى على النظام الجديد بعد دخوله في التحالف الدولي الإيمان المطلق بدور قوات سوريا الديمقراطية والتنسيق معها بشكل كامل في محاربة الإرهاب، وعليه عدم الانجرار أو الخضوع للسياسات الإقليمية التي تهدف لجرّ سوريا إلى مزيد من الأزمات والحروب الداخلية، التي سيكون الخاسر الأكبر فيها النظام السوري الجديد والشعب السوري، لذا لا بدّ من العمل على تعزيز الوحدة الوطنية لبناء سوريا ديمقراطية تعدّدية.

إذاً؛ سوريا تحت حكم النظام السوري الجديد تقف أمام خيارات محدودة؛ فإمّا الانفتاح الدولي عليها ورفع العقوبات بشكل كامل، وتطبيق اتفاقية 10 آذار، ووضع سوريا على مسار الديمقراطية وإعادة الإعمار والبناء من قبل جميع المكوّنات السورية، وهي شروط أمريكية وغربية، ومطلب الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية. أو استمرار الأزمة السورية بشكلها الجديد (مجازر وانتهاكات) وزيادة النعرات الطائفية، بحيث تبقى سوريا دولة فاشلة داخلياً ووكراً للفكر المتطرّف؛ وهذا ما تسعى إليه الجماعات المتطرّفة ودولة الاحتلال التركي ومرتزقتها، بحيث تبقى سوريا دولة غير مستقرّة، كون هذه البيئة مناسبة لهذه الأطراف. يبقى مستقبل سوريا مرتبطاً بالسياسة التي سينتهجها النظام السوري الجديد، وبمدى قدرته على استيعاب جميع المكوّنات السورية ضمن نظام ديمقراطي تعدّدي.

زر الذهاب إلى الأعلى
RocketplayRocketplay casinoCasibom GirişJojobet GirişCasibom Giriş GüncelCasibom Giriş AdresiCandySpinzDafabet AppJeetwinRedbet SverigeViggoslotsCrazyBuzzer casinoCasibomJettbetKmsauto DownloadKmspico ActivatorSweet BonanzaCrazy TimeCrazy Time AppPlinko AppSugar rush
amavi5d sesetoto situs slot Toto Slot sontogel idrtoto akuntoto situs slot slot gacor babe138 slot login slot deposit pulsa tanpa potongan toto slot situs toto toto togel https://id.desapujonkidul.net/ toto togel toto togel toto slot situs gacor toto slot toto slot toto slot gaib4d situs toto slot gacor situs toto sontogel hantutogel sontogel slot deposit 1000 gaib4d okewin paten188 okewin mayorbet kiostoto angker4d mayorqq situs toto toto slot gacor toto sbctoto toto slot rp888 https://toto228.com dentoto toto toto login roma77 tribun62 RP888 MAXWIN288 SLOT HMSLOT99 slot deposit 1000 slot777 roma link login monk4d hoki99 slot deposit pulsa tri https://www.lastchancetattoolv.com/about-us SBCTOTO DAFTAR joker123 TOTO SLOT hoki99 toto toto togel online slot pulsa kientoto toto titi4d situs toto titi4d 8KUDA4D 8KUDA4D 8kuda4d 8kuda4d 8kuda4d situs toto situs toto petir135 situs toto situs toto kientoto situs toto situs toto situs toto server Thailand city4d slot maxwin slot jepang slot gacor 2025 juara288 situs slot citratoto dana100 NIX77 toto slot pewe4d XYZ388 deposit pulsa situs slot slot toto satria123 toto slot situs toto toto toto toto slot hk4d kepo66 slot naruto888 naruto888 leon188 toto https://tanuwedsmanu.com/ toto slot togel online toto slot toto slot toto toto agendunia55 toto toto 4d toto slot situs toto toto slot situs toto situs toto situs toto babeh188 situs toto toto togel kaostogel PEWE4D Toto Toto toto slot toto slot toto slot toto slot bwo99