حرب الطرق التجارية في سوريا

سوريا ذات الموقع الاستراتيجي  والممر التجاري الهام قديماً “طريق الحرير” وحديثاً “حزام واحد طريق واحد” حيث تشكل سوريا بوابة آسيا البحرية على البحر المتوسط  والبوابة البرية  نحو مصر وشمال أفريقيا وحتى نحو دول الخليج، لذا كانت سوريا مطمعاً لكثير من الدول العالمية من أجل السيطرة على الطرق التجارية. فقبل الأزمة السورية كان النظام السوري يجني من تجارة العبور “الترانزيت” مليارات الدولارات، إلا أن الأحداث التي عصفت بسوريا أخرجت هذه الطرق التجارية من سيطرتها، وبعد 2015 تدخلت روسيا بشكل مباشر في الأزمة السورية للحفاظ على النظام من الانهيار ولقطع الطريق أمام المشاريع الغربية التي تهدف لنقل الغاز من الخليج “إيران وقطر” إلى المتوسط ومن ثم إلى الأسواق الأوروبية بأسعار زهيدة عبر الأراضي السورية مما سيشكل خطراً على الأمن القومي الروسي. حيث طرحت روسيا في البداية مصطلح سوريا المفيدة بسبب سيطرة الجماعات المسلحة على مساحات كبيرة من الجغرافية السورية في بداية الأزمة “مفهوم سوريا المفيدة أطلقه بشار الأسد على المناطق التي اضطر إلى الانسحاب إليها، مرجعاً ذلك إلى نقص في الطاقات البشرية، ولا تزيد مساحة هذه المناطق على 25% من مجمل مساحة البلاد. وتعتبر هذه المنطقة هي قلب سوريا الحيوي والاستراتيجي وتشمل دمشق وحمص وحماه والساحل السوري. حيث استغلت روسيا الأزمة السورية لبناء قواعد عسكرية لها “حميميم وطرطوس” وتأمين نفوذها على البحر المتوسط والوقوف في وجه المشاريع الغربية للحفاظ على أمنها القومي وتقوية اقتصادها من خلال نهب ثروات سوريا “غاز، نفط، فوسفات” ووضع يدها على الطرق التجارية فيها للتمدد اقتصادياً نحو بقية الدول في الشرق الأوسط.

فالموقع السوري جعلها تمتلك طرق تجارية دولية تخدم الاقتصاد الروسي وامتداداً للمشروع الصيني “حزام واحد طريق واحد” حيث يعتبر الطريقان M  وM5 من أهم الطرق التجارية  “الترانزيت” التي تربط الشرق بالغرب والشمال بالجنوب فطريق M4 الذي يوازي الحدود التركية يمتد من معبر تل كوجر على الحدود العراقية مروراً بجنوب قامشلو باتجاه تل تمر نحو عين عيسى فمنبج فالباب فحلب ومن ثم سراقب “وهي عقدة مواصلات يتفرع منها طريق M5 ” باتجاه جسر الشغور وصولاً إلى ميناء اللاذقية على البحر المتوسط . وهو طريق حيوي تتواجد عليه معظم القوى الدولية والإقليمية والمحلية في سوريا “الولايات المتحدة، روسيا، إيران، تركيا، قوات سوريا الديمقراطية، مرتزقة تركيا، قوات النظام”. هذا الطريق شهد تغيرات وعدم استقرار بعد الاجتياح التركي ومرتزقتها لمنطقة سري كانيه وكري سبي والوصول إلى طريق M4. أما طريق M5 فيربط الشمال بالجنوب ذات الثقل السكاني من حلب إلى سراقب فمعمرة النعمان فحماة ثم حمص فدمشق وصولاً إلى معبر نصيب الحدودي مع الأردن ويتفرع منه طريق من دمشق باتجاه الحدود اللبنانية. حيث تسيطر قوات النظام على كامل هذا الطريق باستثناء طريق حلب – سراقب – معرة النعمان، حيث تشهد هذه المنطقة عمليات عسكرية مع تقدم قوات النظام المدعومة بالطيران الحربي الروسي باتجاه هذا الخط للسيطرة عليه.

وعند النظر لخريطة الأزمة السورية فإن الأحداث التي تجري في الوقت الراهن تكمن في السيطرة على الطرق التجارية الاستراتيجية فتركيا مع هدفها الرئيسي في احتلال مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وإحداث  تغييرات ديمغرافية والقيام بالتطهير العرقي في المنطقة, ترغب بالسيطرة على طريق M4 الاستراتيجي من خلال السيطرة على تل تمر وعين عيسى والسيطرة على مدينة كوباني لربط المنطقة بمنطقة درع الفرات ومن ثم مد نفوذها نحو باشور كردستان والعراق وتنفيذاً لمخططها “الميثاق الملّي” الذي يهدف في السيطرة على الشمال السوري بالكامل وباشور كردستان، وأمام الأطماع التركية وبعد الانسحاب الأمريكي من المنطقة الحدودية في شمال وشرق سوريا تدخلت روسيا ودخلت المنطقة بهدف منع تركيا من السيطرة على طريق M4 حيث تهدف روسيا بوضع يدها على كامل هذا الطريق وانشاء قاعدة عسكرية لها في مطار قامشلو يخدم الأهداف الروسية في منع التوغل التركي أكثر والسيطرة على الطريق بالاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية. كما أن اجتماع  كلّ من أردوغان وبوتين في مدينة سوتشي الروسية بتاريخ 17 سبتمبر (أيلول) 2018، تمخض عنه وثيقة أطلق عليها اتفاقية إدلب أو سوتشي، حيث نصت الاتفاقية على عدة بنود أهمها التركيز على ضرورة فتح الطرق الدولية أمام حركة الشاحنات التجارية بغض النظر إلى من تتبع، وهو ما تعهدت تركيا بتنفيذه، إلا أن سيطرة جبهة النصرة المدعومة من تركيا على طريق حلب –سراقب- معرة النعمان والتدخل التركي غير المباشر في عرقلة تنفيذ هذا الاتفاق جعلت روسيا والنظام تتخذها حجة بشن عملية عسكرية على جبهة إدلب لسيطرة على الطريق وربط حلب بحماه وحمص ودمشق, حيث باتت السيطرة على هذا الطريق ضرورية بعد موافقة ترامب على قانون قيصر والضغوط الاقتصادية على النظام, فسيطرة الجماعات المسلحة على أجزاء من تلك الطرق أجبر النظام على اتخاذ طرق أكثر طولاً وأكثر كلفة غير صالحة لنقل الإمدادات العسكرية إلى مناطق سيطرتها في الشمال السوري بالإضافة إلى تأثيرها الكبير على حركة التجارة مما كلفت خزينة الدولة أموالاً كثيرة أثرت على الاقتصاد السوري وعلى قيمة الليرة السورية. لذا باتت السيطرة على طريق حلب –سراقب- معرة النعمان وبعد ذلك جسر الشغور ضرورية ومسألة وقت لربط المدن السورية ببعضها وربط حلب بالساحل وتنشيط الحركة التجارية والعسكرية في حال استمرت معركة تحرير إدلب وبقية المناطق من الاحتلال التركي وتطهيرها من مرتزقتها.

زر الذهاب إلى الأعلى