غاز الشرق الأوسط وأوروبا

غاز الشرق الأوسط وأوروبا

مع تصاعد الحرب الروسية الأوكرانية، ورغبة الولايات المتحدة الأمريكية في تقليل اعتماد حلفائها الأوروبيين على الغاز الروسي، حيث بات غاز الخليج وإيران وإقليم كردستان ومصر وإسرائيل يشكل بدائل محتملة للغاز الروسي لتزويد أسواق أوروبا بالطاقة. ولتحويل الحاجة الأوروبية للطاقة إلى فرصة لدول الشرق الأوسط، فقد شهدت المنطقة عدة اجتماعات إقليمية منها (قمة النقب)، التي ناقشت فيها الولايات المتحدة وإسرائيل ودول المنطقة المطبعة معها الحلول المطروحة لإمداد أوروبا بالغاز.

فلدى إسرائيل خيارات عدة لنقل من 20 إلى 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى أوروبا سنوياً، وتعتبر تل أبيب نقل الغاز عبر الأراضي السورية إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا إحدى الخيارات المطروحة، وذلك من خلال “خط الغاز العربي” الواصل من مصر وإسرائيل للأردن وسوريا ولبنان، والذي كان من المفترض إتمام المرحلة الرابعة منه ليصل إلى حلب السورية محاذياً الشهباء وعفرين وصولاً إلى مدينة كِلِّس بطول 60 كيلو متراً وبكلفة غير مرتفعة.

إن نقل الغاز عبر هذا الخط إلى تركيا، تعترضه عوائق جيواستراتيجية، كحالة الفوضى وعدم الاستقرار وتعدد مناطق النفوذ، وكذلك عدم موافقة النظام السوري على هكذا مشروع بسبب الخلافات مع النظام التركي.

وأمام تعثر خط أنابيب “إيست ميد” من إسرائيل عبر اليونان إلى أوروبا وفضلاً عن تكلفته الباهظة التي تقدر بـ 6 مليارات دولار، يعد نقل الغاز من حقل ليفياثان البحري إلى تركيا، عبر خط أنابيب بطول 550 كيلو متراً وبكلفة 1.5 مليار دولار، أحد الخيارات البديلة بالنسبة لإسرائيل. ويرجح خبراء أن تقوم الإمارات بتمويل هذا الخط وذلك لعدم رغبة أنقرة أو بالأحرى عدم قدرتها على التمويل وذلك بسبب التدهور الاقتصادي الذي تعانيه تركيا.

وفي إطار الحاجة الأوروبية للغاز، تؤكد زيارة رئيس حكومة جنوب كردستان إلى أنقرة ومن ثم إلى لندن وجود خطة غربية لتصدير غاز جنوب كردستان عبر تركيا إلى أوروبا وبإشراف إسرائيلي. كما كشفت تقارير إعلامية، عن المحادثات التي تمت بين مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين مع مسؤولي الحكومة حول خطط نقل الغاز. فوفقاً لمجلة “غلوبس” الاقتصادية، شاركت دول خليجية في هذه المحادثات، كما طرحت الإمارات أن يكون هناك خط أنابيب غاز من الخليج عبر العراق يُربط بالخط التركي. ولكن إسرائيل ترى أن هذا الخط حل طويل الأمد فضلاً عن التحديات الأمنية التي تواجهه.

وتأتي العملية العسكرية الأخيرة لجيش الاحتلال التركي على بعض مناطق جنوب كردستان من أجل إنهاء الوجود الكردي فيه، وبداية السيطرة ومن ثم التحكم بالثروات النفطية، فضلاً عن التتريك الاقتصادي المتغلغل في جنوب كردستان منذ سنوات، من خلال استثمارات طويلة المدى، وجعلها سوق لتصريف المنتجات التركية، ومع نقل الغاز من الإقليم في حال تم اعتماد الخطة من خطوط حقلي خورمو الغازي في أربيل وجمجمال في السليمانية إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا، لقاء عائدات مالية تقدر بـ 24 مليار دولار سنوياً، وعندها ستهيمن تركيا أكثر على قرارات حكومة جنوب كردستان.

وبناءً على ذلك، تحاول حكومة جنوب كردستان من خلال الرهان على النظام التركي في التفاهم مع الحكومة الاتحادية حول هذه الخطة، حسم الخلافات حول الطاقة مع بغداد، والضغط على الاتحاد الوطني الكردستاني الرافض لتصدير غاز مناطقهم، وكذلك الحد من الضغوط الإيرانية عليها في هذا المجال.

 وفي سياق مصالح الطاقة للأطراف الإقليمية، حمل استهداف إيران لأربيل بصواريخ باليستية رسالة لكل من النظام التركي وإسرائيل بأن إيران لن تتهاون في الدفاع عن مصالحها في المنطقة، فطهران التي تعاني من عقوبات دولية تعتبر خطة تصدير الغاز هذه تضعف مكانتها كموردٍ رئيسي للغاز لتركيا والعراق، وهذا ما قد يدفع إلى اصطفاف سياسي معارض لهذا الخط وبالتالي تعطيله.

ومع تزايد مؤشرات قرب إحياء الاتفاق النووي، تتطلع إيران، التي تملك ثاني أكبر احتياطي للغاز في العالم بعد روسيا، إلى إمكانية تقديم غاز بديل عن الغاز الروسي لأوروبا عبر تنفيذ “خط الصداقة” لضخ الغاز من حقل بارس في جنوب إيران، مروراً بالعراق وسوريا ومن ثم إلى أوروبا. ولكن هذا الخط لم ينفذ بسبب الحرب السورية وما فرضته من تحديات أمنية، فضلاً عن الإشكاليات التمويلية لكل من طهران ودمشق في ظل العقوبات المالية الخانقة المفروضة عليهما. فيما لا تزال طهران تراهن على تنفيذ هذا الخط من خلال إحياء الاتفاق النووي مع واشنطن والذي يقضي برفع الولايات المتحدة العقوبات عنها.

واستناداً إلى ما سبق، رغم انشغالها بالحرب في أوكرانيا، لا تزال روسيا تهيمن على أسواق الغاز الطبيعي الأوروبية، بالإضافة إلى حضورها بقوة في صراعات الغاز شرق المتوسط، فيما تحاول أنقرة استغلال تداعيات الحرب على “أمن الطاقة الأوروبي” من خلال موقع تركيا الاستراتيجي كممر رئيسي لخطوط نقل الغاز إلى القارة العجوز.

إن خطوط الغاز التي تم ذكرها آنفاً، تعترضها الكثير من التحديات، خاصة عامل الوقت، فأوروبا بحاجة في حال قررت تخفيض اعتمادها على الغاز الروسي، الوصول إلى إمدادات غاز طبيعي مستقرة ودائمة وسريعة قبل الشتاء القادم، كما قد تدفع التحديات الجيوسياسية لهذه الخطوط إلى مزيدٍ من التصعيد أو صفقات سياسية في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى