ممرّ داوود وأنْساق سياسة الهيمنة

تطوّر خطاب الكراهية بشكل غير مسبوق في السنوات العشر الأخيرة، وعلى الرغم من أنّه ينساق في سيرورة الصراع العقائدي بأنواعه الدينية والطائفية والمذهبية والسياسية، والمتمحورة حول تصديق الـ “نحن” وتكذيب الآخر وحتى شيطنته، إلّا أنّه في وقتنا الراهن قد تحوّل إلى وسيلة ديماغوجية تهدف إلى الهيمنة على إرادة المجتمعات عبر اختلاق تصوّرات عن التعرّض لخطر كبير وشيك، وإدارتها في سياق نظرية المؤامرة بحرفية تبدو أكبر من تلك التي كانت تُدار في فترة الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة.
في المجتمعات الشرق أوسطية تُعَدُّ الديماغوجيا وسيلة رئيسية لدى السياسيين ورجال الدين في سعيهم لتحقيق طموحاتهم السلطوية، كما أنّها تُعَدُّ وسيلة للأنظمة والتنظيمات لضمان استمرار تسلّطها على أتباعها وتجنيد المزيد من المريدين؛ ففي سوريا مثلاً تُعَدُّ التنظيمات القومية والدينية من أبرز الفواعل في أزمات البلاد، والفظائع التي ترتكب فيها تحدث على يد أشخاص ينساقون وراء دعاية التكفير والتخوين والتآمر مع الأعداء، والتي تُعَدُّ بدورها مفرداتٍ رئيسيةً لخطاب الكراهية الذي ينشط بفعالية في الفضاء الإعلامي السوري الناطق باللغة العربية والذي تديره الأنظمة الإقليمية والتنظيمات العابرة للحدود الوطنية، والتي باتت تُعرّف نفسها في أنساق ديماغوجية تحت شعارات: محور المقاومة، وانتظار المهدي المنتظَر، والخلافة العثمانية لهزيمة الصليبيين، ومواجهة الصهيونية، ومقاومة الليبرالية، والدفاع عن الأمن القومي، وتحرير القدس، والخلافة على منهج النبوة وغير ذلك، ويتم استخدامها لطمس معاناة المجتمعات وتأجيل بناء الحضارة إلى حين وصول “القائد المُلهم” إلى السلطة وربّما يتم تأجيلها إلى إشعار آخر ريثما ينتصر القائد الملهم على المؤامرات الكونية التي تُحاك ضدّ جهوده، وفي الوقت نفسه يُستخدَم لتجنيد العقول والمقاتلين لقتال المجتمعات الأخرى المختلفة التي يحوّلها خطاب الكراهية إلى وحوش تتوجّب إبادتها، ومرة أخرى فإنّ الفظائع التي ارتُكِبت بحق العلويين والدروز والكرد في سوريا تُعبّر عن هذه الحقيقة.
يظهر مصطلح “ممر داوود” فجأة في سياق هذا الخطاب الخطير كعامل في أنساق ديماغوجية الهيمنة، وعلى الرغم من كونه فكرة انبثقت في سياق عملية السلام بين الدول “العربية والإسلامية” ودولة إسرائيل، استخدمتها الأنظمة السلطوية مثل: إيران وتركيا، وكذلك التنظيمات القومية العربية، والجماعات الإسلامية مثل داعش والقاعدة وهيئة تحرير الشام والإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي، في دعايتها التجنيدية وخطابها التحريضي ضد الرافضين لمناهجها، خاصة الديمقراطيين والمعتدلين دينياً والليبراليين والطوائف غير السُنّية. وعلى الرغم من أنّ “ممر داوود” فكرة طرحها بعض الباحثين ولم تلقَ الاهتمام من قبل الحكومة الإسرائيلية، ورغم كونه مشروعاً غير قابل للتطبيق نسبياً وفقاً للوصف الذي يتم تعريفه به، عملت المؤسسات الإعلامية لهذه الأنظمة السلطوية على المبالغة في الوصف السلبي لهذا المصطلح وكأنّه حقيقة يتم العمل على تطبيقها لضرب الأمة الإسلامية والعربية، وباتت إحدى المواد الرئيسية في الترويج لما يسمّى “خطر الصهيونية والصليبية والتهديدات التي تواجه الأمة”، كما باتت محرّضاً في عمليات التجنيد وتنفيذ عمليات القتل، بل تمّ استخدامها كذريعة لتكفير أو تخوين الخصوم والمنافسين المحلّيين الذين بدورهم يتداولون هذا المصطلح.
ولاستبيان حقيقة هذا الأمر؛ ينبغي رفع مستوى الوعي السياسي لتحليل الأسباب الكامنة وراء استغلال “ممر داوود” كوسيلة ديماغوجية ومادة إعلامية تحمل بين طياتها خطاب الكراهية وتنذر بأخطار مزعومة تهدّد الأمة، واستخدامه في تشريع استباحة حياة وحقوق المجتمعات. وفي سبيل ذلك من المفيد البحث بموضوعية في كل من خلفية هذا المشروع، وأهداف الجهات التي تستغلّه، والأسباب الكامنة وراء الترويج له، وتداعياته على السلم والأمن في المنطقة؛ وذلك بالاستناد إلى مجموعة من المعطيات السياسية والأمنية والاقتصادية ذات الصلة في المنطقة.
o خلفيات ظهور مصطلح “مشروع ممر داوود”
لدى البحث في العديد من الدراسات والتحليلات الإسرائيلية والدولية، المتعلّقة بالأفكار الصهيونية والعقيدة السياسية والأمنية لدولة إسرائيل؛ لم يتم العثور على مصطلح “ممر داوود” (David Corridor) كمشروع يربط إسرائيل بجغرافية كردستان. بشكل عام؛ أطلقت إسرائيل اسم داوود على عدد من الممرّات التي أنشأتها في أوقات سابقة، فمثلاً تداولت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تسمية “ممر إلى مدينة داوود” لربط مناطق السيطرة الإسرائيلية في القدس الغربية بالمقدّسات اليهودية في البلدة القديمة في القسم الشرقي من مدينة القدس، خاصة الموقع الأثري الذي يعود إلى العصر البرونزي ويقع جنوب الحرم القدسي الشريف ويسمّى في الوثائق التاريخية بـ”مدينة داوود”، ولا يوجد في التاريخ ذكر لممر أو طريق عبره الملك داوود إلى العراق أو سوريا أو حتى مصر، بعكس الرحلات الشهيرة للنبي إبراهيم إلى ميزوبوتاميا وبلاد الشام ومصر والحجاز. من ناحية أخرى بَنَت إسرائيل في أيار 2024 “ممر ديفيد” (ممر داوود) وهو ممر جديد نسبياً ( ) موازٍ لمحور فيلادلفيا لعزل قطاع غزة عن سيناء، والسيطرة على معبر رفح والأراضي المتاخمة له في سياق حربها على حركة حماس؛ حيث يلاقي هذا المعبر رفضاً من قبل المصريين والفلسطينيين، إلّا أنّه بات أمراً واقعاً.
وبعد حرب عام 1973 أنشأت القوات الإسرائيلية ممرّاً عسكرياً لوجستياً في هضبة الجولان باسم “ممر داوود” ( ) يمتدّ بمحاذاة الحدود السورية حتى منطقة تل فارس في الجنوب، بشكل موازٍ للسياج الحدودي.
أمّا بخصوص أول طرح لفكرة “ممر داوود” فقد كان خلال فترة رئاسة ترامب الأولى من قبل السياسي الأمريكي وليد فارس (المستشار السابق للرئيس دونالد ترامب)، ( ) وذلك في سياق دعوته لإنشاء ممر يربط مرتفعات الجولان بالقواعد الأمريكية في شمال العراق وشمال وشرق سوريا، ودعم أنظمة الحكم المحلية التي تدعم العَلمانية وتخوض حرباً ضدّ تنظيم داعش، وذلك في إطار السياسة الأمريكية المُعلَنة في المنطقة.
وعلى الرغم من المعطيات السابقة؛ إلّا أنّ مصطلح “ممر داوود” كان خارج سياق اهتمامات الأيديولوجيين القوميين والإسلاميين، وتُعَدُّ وسائل الإعلام التركية الناطقة بالتركية والعربية أول من روّج لهذا المصطلح، وذلك عبر حملات إعلامية ممنهجة بعد قبول تنظيم حماس الخوض في مباحثات مع السلطات الإسرائيلية في صيف عام 2024 وإعلان مسؤولين إسرائيليين عن سعيهم لإجراء تغييرات سياسية في خريطة الشرق الأوسط، وعدم دعوة تركيا إلى الانضمام لمشروع الطريق “الهندي- الأوروبي” أو “طريق السلام الإبراهيمي” أو الوصول إلى مشروع “نيوم السعودي”( ) في المثلث الحدودي بين مصر والسعودية والأردن، بالإضافة إلى تعثّر مشروع طريق التنمية الذي يربط الخليج برّاً مع أوروبا عبر تركيا لأسباب أمنية ولوجستية. ويبدو أنّ وسائل الإعلام الموالية للجمهورية الإسلامية الإيرانية قد حذَت حذوَ تركيا وتبنّت المصطلح للتحذير من مؤامراتٍ غربيةٍ ضدّ المجتمعات المحلّية بهدف تسويق نفسها كقوة مقاومة في المنطقة وبهدف حماية مناطق نفوذها، ويبدو أنّ هناك تقاطعاً بين النظامَين عند هدف عرقلة أي هيمنة إسرائيلية على الجنوب السوري وإيجاد بيئة أمنية وأيديولوجية مناهضة لها.
وعلى الرغم من التدخّل الإسرائيلي المباشر في أزمة الجنوب السوري؛ إلّا أنّه لم يصرّح أي مسؤول إسرائيلي بأيّة إشارة تتعلّق بهذا المشروع، كما أنّه لا توجد أيّة تحرّكات ميدانية تمهّد لتنفيذ هذا المشروع، حتى أنّ قوات التحالف الدولي قد انسحبت من قواعدها الرئيسية في ريف ديرالزور الشرقي (الضفة الشرقية لنهر الفرات) والتي يُفترَض أنّ وجودها هناك – وفقاً لدعاية القوميين والإسلاميين – كان لتأمين هذا المشروع. وعلى الرغم من الضغوط الإسرائيلية لإنشاء ممر لنقل المساعدات الإغاثية من دروز إسرائيل إلى محافظة السويداء؛ إلّا أنّه لا توجد حتى الآن أية مشاريع لتأسيس بنية تحتية لمثل هذا المشروع تجاه شمال وشرق سوريا. من ناحية أخرى يؤكّد العديد من مهندسي إنشاء الطرقات صعوبة تنفيد ممر يقطع البادية السورية الوعرة من السويداء إلى ديرالزور؛ بسبب التكلفة العالية والبيئة الأمنية الهشّة وصعوبة الإنشاء، بالإضافة إلى وجود طريق استراتيجي آخر موازٍ، وهو الطريق (M20) أو ما يُسمّى بـ “الطريق الصحراوي” الذي يربط الحسكة مع دمشق عبر مدينة دير الزور، حيث توقّفت عملية الشحن عبره بدرجة كبيرة في سياق الأزمة السورية. قد يكون الممر عبارة عن منطقة نفوذ تحاول إسرائيل إنشاءه أكثر من كونه طريقاً للشحن الدولي، في إطار استراتيجية عسكرية لقطع طريق طهران- بيروت؛ إلّا أنّ هذا الأمر يمكن تنفيذه من خلال التفوّق الجوي والتزام العراق وسوريا بإغلاق حدودهما أمام نقل الأسلحة والمقاتلين، أو منع مرور القطع والمعدّات التي تدخل في صناعة الأسلحة؛ وهذه السياسة تتّبعها القوات الإسرائيلية منذ سنوات، حيث استهدفت في الكثير من المرات حركة النقل العسكري للفصائل الموالية لإيران في العراق وسوريا ولبنان.
من الناحية الاقتصادية؛ فإنّ أي ممر تنوي الحكومة الإسرائيلية إنشاءه، أو استخدام الطريق الصحراوي بين الحسكة ودمشق في إطار اتفاقية السلام الإبراهيمي بعد ضمّ دمشق إليها، قد يكون الهدف منه الوصول إلى طريق التنمية الذي يتفرّع عنه طريق إلى معبر “تل كوجر” الدولي بين مقاطعة الجزيرة والموصل؛ وهو ما من شأنه تحويل إسرائيل إلى عقدة الربط بين مشروع “نيوم” والطريق “الهندي- الأوروبي” وطريق التنمية وطريق الحجاز الذي تسعى السلطات التركية إلى إحيائه مجدّداً ( ) بالسيطرة على طريق M5 (طريق عنتاب- حلب- دمشق- العقبة)، ويبدو أنّ هذه الطرق تحمل مكاسب اقتصادية كبيرة لجميع الدول، إلّا أنّها تتعارض مع المشاريع الإيديولوجية الإسلامية الإيرانية والتركية والتنظيمات الجهادية، ومع المشاريع الصهيونية في سياق إستراتيجية الهيمنة على بلدان المنطقة بالسيطرة المباشرة عليها أو تقسيمها أو تأجيج النزاعات المسلحة فيها، وهو ما يحدث على أرض الواقع. ومن ناحية أخرى؛ فإنّ تحقيق السلام الإبراهيمي في المنطقة من شأنه تأسيس كتلة اقتصادية جديدة وقوية في مواجهة الكتلة الاقتصادية التركية- القطرية، وكذلك إعاقة تمدّد النفوذ الروسي والصيني والإيراني في المنطقة، وبالتوازي مع ذلك فإنّ من شأن تنفيذ طريق الحجاز أو طريق التنمية تحقيق مكاسب اقتصادية جديدة لتركيا، إلّا أنّ إظهار تركيا لعِدائها لإسرائيل، ودعمها لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في معظم البلدان العربية، وتوريط سلطة دمشق في ارتكاب مجازر بحق العلويين والدروز والكرد، وإفساح المجال لصعود جماعة الإخوان المسلمين السورية، بالإضافة إلى توقيع المملكة العربية السعودية اتفاقيات ومذكّرات تفاهم تصل قيمتها إلى أكثر من 6.5 مليار دولار مع الحكومة الانتقالية في دمشق، وتصاعد النفوذ السعودي في سوريا؛ إنّما يشير إلى أنّ سوريا قد تحوّلت إلى ساحة صراع جيوسياسي بين العرب وإسرائيل وتركيا وإيران، ويقوّض ذلك الصراع إلى حد كبير الخططَ التركية لضمان حصّتها في طرق الشحن الدولية، ويُبيّن الأهداف الكامنة وراء استغلال “ممر داوود” في تأجيج خطاب الكراهية في المنطقة، وفي التسويق لنظرية المؤامرة بين السوريين.
o ممر داوود في الإعلام الموُجّه
الراوية الخاصة بكل من الإعلام التركي والإيراني والجماعات الإسلامية تشترك في اعتبار ممر داوود “مشروعاً صهيونياً هدفه ربط شمال إسرائيل بإقليم كردستان من خلال طريق يمرّ عبر الجولان- السويداء- ديرالزور- الحسكة، وهدفه تقسيم سوريا إلى كيانات طائفية، وإضعاف السلطة المركزية فيها والسيطرة على ثرواتها، وضرب المقاومة الإسلامية، وتحقيق المشروع الصهيوني من الفرات إلى النيل” ( ) دون تقديم أي دليل ملموس أو وثائق تثبت صحّة هذه الروايات التي تغلَّف بطابع عاطفي تآمري مؤدلج، وتعزّزها بآراء مجموعة من الأشخاص يتم وصفهم بالمحلّلين والخبراء الذين يقومون بدورهم بتضخيم التصوّرات المُختلقة حول هذا الممر والدعوة إلى مواجهته؛ وهو ما يكشف بشكل واضح أجندة الأنظمة والتنظيمات التي تروّج لخطر الممر المزعوم؛ فهي تعلم أنّ عملية السلام في الشرق الأوسط تهدّد بفشل مشاريعها الأيديولوجية التوسّعية، أو أنّها تحاول صرف الأنظار عن علاقاتها مع تل أبيب باتجاه طرف ثالث، كما تحاول من خلاله النيل من النخب السياسية والاجتماعية المحلّية المطالِبة بتطبيق الديمقراطية واللامركزية في إدارة الشؤون الداخلية، وتحاول كذلك العمل على تغذية التوتّرات الطائفية وخلق توتّرات قومية بين مكوّنات المنطقة، والتحريض ضدّ كل مَن يرفض الأجندة التركية أو الإيرانية أو الداعشية بتهمة الارتباط بالمشروع الصهيوني وذلك في نسق ديماغوجي واضح؛ وعلى هذا الأساس يتم تصوير المكوّنات السورية من الدروز والكرد والديمقراطيين العرب على أنّها أدوات تخدم هذا المشروع، وقد كشفت كل من المعارك التي دارت في السويداء، والمجازر التي ارتُكِبت فيها، وحملة التحريض الممنهجة ضد الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية آثار خطاب الكراهية المتولّد عن مثل هذه الأفكار. من المتوقّع أن يستمر استغلال هذا المشروع في عمليات التجييش الطائفي والقومي في كل من سوريا والعراق، وقد يستغلّ تنظيم داعش حالة عدم اليقين في المنطقة وربّما يستغلّ كذلك الثغرات الأمنية في مشهد الصراع بين الدول الإقليمية؛ فيفرض سيطرته مجدّداً على شرق سوريا وغرب العراق.
استناداً إلى ما سبق؛ يمكن تقديم مجموعة من التصوّرات حول أبعاد مشروع “ممر داوود” والأهداف الكامنة وراء التضخيم الإعلامي للمشروع:
1. لطرق الشحن التجارية أهمية استراتيجية كبيرة؛ فقطع تلك الطرق من شأنه فرض حصار على المناطق التي تمرّ من خلالها، كما يمكن استغلالها في الشحن العسكري أيضاً؛ لذلك تُعَدُّ ورقة ضغط مهمّة، وفي نفس الوقت لها فوائد اقتصادية كبيرة. ويمكن الجزم بأنّ الطرق التجارية قد أصبحت أهميتها تضاهي أهمية الأنهار التي نشأت على ضفافها المدن والحضارات؛ فبدلاً من الماء ستتدفّق البضائع والأموال.
2. موقف الأنظمة الإقليمية – خاصة تركيا وإيران – من إشكالية مشروع “ممر داوود” ينبع من هيمنة النظرية الواقعية في العلاقات الدولية ( ) على عقيدتها السياسية، هذه النظرية لم تعد ركيزة أساسية للقوى الرئيسية في النظام الدولي المهيمِن، والتي باتت ترتكز بشكل أكبر على البراغماتية في علاقاتها الدولية.
3. تُعَدُّ وسائل الإعلام التركية والإيرانية والتابعة لجماعات الإسلام السياسي أكثر مَن يركّز على وضع المشروع في إطار نظرية المؤامرة، ويُستغّل بشكل واضح بهدف تأجيج المشاعر المعادية للكرد والدروز، والتسويق للمزاعم التي تعتبر أنّ سقوط “النظام البعثي” قد خدم المؤامرات المزعومة التي تُحاك ضدّ الأمّة، وصرف النظر عن الأزمات الداخلية.
4. لا تزال تركيا من الناحية الاستراتيجية دولة غير عدوّة لإسرائيل وإنّما دولة منافسة لها، ولدى تركيا منافع كبيرة في مشروع طرق الشحن الدولية التي تصل إلى إسرائيل.
5. لدى إسرائيل مصلحة كبيرة ومنافع اقتصادية في الوصول إلى طريق التنمية وطريقَي M5 وM20 في سوريا، وطريق طهران – بيروت، والوصول إلى أنابيب الغاز القطري والتي يُخطَّط لتمديدها نحو الموانئ السورية أو التركية، وأنابيب الغاز والنفط الإيراني والعراقي التي يتم التخطيط لتمديدها نحو الموانئ السورية واللبنانية؛ ويصعب تحقيق هذا الوصول بالقوة العسكرية وإنّما في إطار السلام الإقليمي.
6. تحاول تركيا إحياء طريق الحجاز عبر طريق M5 للوصول إلى العقبة ومشروع “نيوم” وطريق الهندي- الأوروبي.
7. سيطرة إسرائيل على الجنوب السوري سيجبر تركيا على قبول الشروط الإسرائيلية مقابل السماح بتشغيل طريق الحجاز.
ممّا سبق؛ يمكن الجزم بأنّ مشروع “ممر داوود” قد بات عنصراً في معادلة الصراع والتنافس الإقليمي على الرغم من عدم وجوده على أرض الواقع بشكل فعليّ، والأطراف التي تحذّر من خطره إنّما تعمل على تحويله إلى مصدر تهديد للسلام في المنطقة، وفي الوقت نفسه يتم استخدامه كعامل لضرب السلام في المنطقة باختلاق ذرائع لمهاجمة الكرد والدروز والمجتمع الديمقراطي في المنطقة، وتجنيد العناصر لضرب مصالح الخصم والمنافسين؛ وتعبّر عن هذه الحقيقة بشكل واضح كلٌّ من الهجمات ضدّ القواعد الأمريكية في إقليم شمال وشرق سوريا، ومحاولات تحريض العشائر ضد قوات سوريا الديمقراطية، وتصاعد هجمات داعش في مقاطعة ديرالزور، وتزايد الاحتقان الطائفي بين الشيعة والسُنّة في العراق، ومحاولات نزع سلاح الحشد الشعبي، والقضاء على الإدارة الذاتية في شنكال، والتغطية على التنازلات التي تقدّمها سلطة دمشق لإسرائيل من خلال توجيه الاحتقان الشعبي نحو كل من العلويين والدروز والشيعة والكرد.