الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط بعد القضاء على داعش

شمال وشرق سوريا المحور الاساسي

بعد تأسيس تنظيم القاعدة في عام 1988 إلى جانب حركة طالبان كان الهدف منه محاربة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان وإخراجهم منها، والتي أجبرت الاتحاد السوفييتي على الانسحاب من أفغانستان في عام 1989، وبعد سيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان أصبحت أفغانستان مركزاً لتنظيم القاعدة بدأت بتنفيذ أعمال إرهابية. وبعد أحداث 11/أيلول/ 2001 في الولايات المتحدة التي شكلت نقطة التحول في الاستراتيجية الأمريكية في العالم، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على الإرهاب، والرد عسكرياً على أفغانستان لتسليم بن لادن المتهم بأحداث 11/أيلول، ومن خلال العملية العسكرية ومحاربة الإرهاب تغلغلت الولايات المتحدة في أفغانستان وانشأت قواعد عسكرية فيها ” قاعدة بغرام”، ومن ثم تدخلت في العراق واسقطت صدام حسين عام2003 والسيطرة على العراق. وبعد مرور عشر سنوات على محاربة تنظيم القاعدة، ومقتل زعيمها أسامة بن لادن في 2/ أيار/2011، ظهر تنظيم أخر تحت مسمى تنظيم داعش ” الدولة الإسلامية في العراق والشام” وسيطرته على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا وإنشاء خلافة في مناطق سيطرته ومركزها مدينة الرقة، وبعد فشل الولايات المتحدة بتدريب بعض الفصائل المسلحة المنضوية تحت ما يسمى بالجيش الحر في تركيا لمواجهة تنظيم داعش في عام 2015 وعدم ثقتها بتلك الفصائل بسبب عدم قيام تلك الفصائل بمهامهم في محاربة تنظيم داعش بل كانت تقوم بتسليم او حتى بيع اسلحتهم وانضمامهم للتنظيمات الإرهابية فور دخولهم الأراضي السورية، لذا توجهت الولايات المتحدة نحو وحدات حماية الشعب وبدأت بدعمها والإعلان عن تشكيل قوات سوريا الديمقراطية من جميع مكونات المنطقة  ” كرداً وعرباً وسريان وتركمان” في10/10/2015  والتي قامت بتحرير المناطق من سيطرة التنظيم والقضاء عليه عسكرياً بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. كما قامت الولايات المتحدة بإنشاء قواعد عسكرية لها في شمال وشرق سوريا “رميلان وكوباني وعين عيسى والتنف….” لتقديم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب ، وفي 23/3/2019 تم الإعلان عن القضاء على تنظيم داعش والآن تسعى الولايات المتحدة بإنشاء منطقة آمنة لإحداث توازن في المنطقة ولمنع ظهور تنظيم داعش من جديد.

الولايات المتحدة من خلال التطورات الأخيرة وأبرزها: ظهور الحرب الباردة بسبب تنامي القوة العسكرية الروسية، القوة الاقتصادية الصينية المتصاعدة بشكل رهيب وحتى العسكرية، ورغبة روسيا إنشاء تحالفات جديدة ومحاولتها إنهاء حلف الناتو من البوابة التركية من خلال بيعها منظومة أس400 وزيادة الخلافات التركية الأمريكية، تحاول الولايات المتحدة العودة وبقوة إلى منطقة الشرق الأوسط من جديد، وتمتين علاقاتها مع دول المنطقة. فالولايات المتحدة مع انشاء قواعد عسكرية وتقديم الدعم العسكري لقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب والمرأة، هذه القوة قد تلعب دوراً كبيراً في سوريا لمواجهة التمدد الإيراني ولمنع ظهور تنظيم داعش ولوقف التمدد التركي في سوريا، كون لهذه القوات مشروع ديمقراطي تهدف إلى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية والحفاظ على المكتسبات التي حققتها، خاصة أن تركيا حليفة الولايات المتحدة بدأت تبتعد عنها منذ انقلاب 15/7/2016 وعقد صفقة اس400 مع روسيا والتي سيتم تسليم تركيا للمنظومة في شهر تموز من هذه السنة، وتشكل هذه الصفقة تهديداً للولايات المتحدة وحلف الناتو، لذا تحاول الولايات المتحدة منع تركيا من شراء تلك المنظومة من خلال موافقتها لبيع منظومة باتريوت الأمريكية لتركيا وتقديم حوافز اقتصادية لها في فترة تشهد تركيا أزمة اقتصادية ومع انتهاء مهلة إعفاء الدول الثماني من بينها تركيا “بداية شهر أيار” لوقف استيراد النفط الإيراني أو مواجهة العقوبات الأمريكية والتي ستؤثر بشكل كبير على الاقتصاد التركي، وآخرها تهديد نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس 3/4/2019 في حديث بواشنطن للاحتفال بالذكرى الـ70 لتأسيس حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إنه “يتوجب على تركيا أن تختار، هل تريد البقاء كشريك هام في أكثر حلف عسكري نجاحا في تاريخ العالم؟ أم تريد المخاطرة بأمن هذه الشراكة باتخاذها قرارات متهورة تهدد حلفنا”. وبالمقابل تقوم روسيا بالضغط على تركيا في ملف إدلب والشمال السوري لمنعها من إلغاء صفقة اس400، حيث تعتبر صفقة اس400 مهمة لروسيا لسحب تركيا إلى طرفها والذي سينعكس بشكل مباشر وسلبي على وضع تركيا في حلف الناتو وحدوث خلافات تركية غربية.

وبالمقارنة بين الضغوط الأمريكية والروسية على تركيا، فإن تركيا غير قادرة على المضي بصفقة اس400 وهي تعلم أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي وستفرض عقوبات عليها إلى جانب العقوبات الأوروبية، مما قد يعني انهيار الاقتصاد التركي الذي يعاني بالأساس من أزمة اقتصادية نتيجة تدهور الليرة التركية، وهذا سينعكس سلباً على وضع أردوغان والتخوف من قيام احتجاجات ضده تؤدي بالنتيجة إلى إزاحته من الحكم ومحاكمته. لذا ستعمل تركيا للاستفادة من صفقة “اس400” للحصول على بعض المكاسب من الولايات المتحدة في شمال وشرق سوريا، والقبول بشروطها في المنطقة الآمنة، بالإضافة إلى مطلب تركي تتعهد فيها الولايات المتحدة حماية المناطق التي تحتلها في الشمال السوري من روسيا التي لن تقبل بإلغاء صفقة اس400 وهي التي غضت الطرف عن مقتل طياريها وسفيرها وتنازلها عن عفرين رغم ان روسيا قد استفادت من تركيا في السيطرة على الكثير من المناطق السورية من خلال مناطق خفض التصعيد وتبادل المناطق، لذا فإن إلغاء صفقة اس400  يعني موت استانا وسوتشي، لذا فقد تعمل روسيا على دفع النظام بالقيام بعملية عسكرية على إدلب، وإن اجتماع رؤساء أركان الجيش الإيراني والعراقي والسوري في دمشق 18/3 قد يصب في ذلك الاتجاه وقد تعمل روسيا على دعم عمليات غضب الزيتون وقوات تحرير عفرين، واللعب على ملف الدستور ضد تركيا. وبالمقابل فأن الولايات المتحدة والدول الغربية قد ترفض أي عملية عسكرية على إدلب بحجة الوضع الإنساني وعدم إحداث أي أزمة جديدة قد تؤثر على أمن الدول الأوروبية من خلال تدفق المهاجرين إليها، ومن المحتمل جداً ولتجنب حدوث أزمة دولية حصول توافق أمريكي روسي تركي، تتخلى تركيا عن اس400 مقابل التنازل عن إدلب لروسيا وليس من المستبعد حينها القيام بعملية عسكرية روسية تركية على إدلب، ومقابل تنازل تركيا عن اس400  قد تسمح الولايات المتحدة بمشاركة تركيا في المنطقة الآمنة، وهو ما لن يقبله مجلس سوريا الديمقراطية وعفرين محتلة من قبل تركيا. لذا تعمل الولايات المتحدة على تقريب وجهات النظر بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا، وذلك للحفاظ على حلفائها في المنطقة. حيث تشترط  قوات سوريا الديمقراطية الاحتلال التركي بإخراج الجماعات الإرهابية من عفرين وعودة أهالي عفرين إلى مناطقهم، كمدخل للبدء بالمفاوضات.

فوجود قوات سوريا الديمقراطية حليفة الولايات المتحدة في شمال وشرق سوريا التي خصصت ميزانية لها ومع مشروع قانون حماية الكرد، واستمرار الدعم العسكري ووجود القواعد الأمريكية في باشور وروج آفا كردستان، والتقارب بين حزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني نتيجة مساعي أمريكية، مما قد يعني وجود مخطط أمريكي في منطقة الشرق الأوسط يكون للكرد دور كبير في الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط وبالأخص شمال وشرق سوريا “روج آفا”، بعد التمدد الصيني الروسي في منطقة الشرق الأوسط “مشرع طريق الحرير الجديد “حزام واحد وطريق واحد”  ومشرع خط سكة الحديد دمشق بغداد طهران وربط المشروعين، ووضع إيران وروسيا يديهما على مينائي اللاذقية وطرطوس، لذا فقد بات ضرورياً في الاستراتيجية الأمريكية السيطرة على مدينة البوكمال لقطع الطريق أمام التمدد الروسي الصيني الإيراني ووضع يدها على الجزء الذي يشكل مدخلاً إلى البحر المتوسط مما قد يقلل من أهمية سيطرة روسيا وإيران على المينائين، كون الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة تعتمد على حليفها الجديد الكرد كقوة لم يعد بالإمكان تجاهلها “قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب والمرأة.                                                                                                                         يتبع……………… 

                                                                   

زر الذهاب إلى الأعلى