زيارة وزير الخارجية التركي إلى واشنطن

دولة الاحتلال التركي باتت اليوم في مأزق، فالتهديدات التي يطلقها رأس النظام التركي ومستشاروه حول أحقّية دولة الاحتلال التركي بالشمال السوري “الميثاق الملّي” وأنّ هذه الأراضي تابعة للسلطنة العثمانية وكأنّهم أصحاب هذه الأرض، متناسيين بأنّهم غرباء عن هذه المنطقة وأنّهم أوجدوا لأنفسهم موطئ قدم في المنطقة باسم الدين وبالقوة، ولتثبيت أقدامهم قاموا بارتكاب مجازر بحقّ السكان الأصليين من كرد وأرمن.

اليوم وبعد احتلال أجزاء واسعة من الشمال السوري بالتعاون مع القوى الكبرى وبالأخص روسيا، وعدم قدرة الاحتلال التركي على تنفيذ تهديداته الجديدة في احتلال كوباني وتل رفعت ومنبج، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التركية يتوجّه النظام التركي نحو التصالح مع النظام السوري وبرعاية روسية، بهدف الوقوف في وجه الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، لكن يبدو أنّ العوائق كثيرة أمام هذا التصالح، إضافة إلى الرفض الأمريكي القوي لهذا التقارب، فالوقت لم يعد كافيًا لأردوغان ولا بدّ له من إيجاد مخرج يخدمه في الانتخابات الرئاسية.

أمام أردوغان طريقان لتنفيذ تهديداته واحتلال أجزاء جديدة، وهنا قد تكون كوباني التي ألحقَتْ اول هزيمة بتنظيم داعش الإرهابي، وكون هذه المدينة تفصل بين مناطق الاحتلال التركي في شرقي وغربي الفرات في الشمال السوري الهدف الأول له:

  • الاستمرار في سياسته للتصالح مع النظام وعقد الاجتماعات على مستوى وزراء الدفاع، والتي قد تفضي إلى لقاء وزيري الخارجية “شاويش واوغلو وفيصل مقداد” ومن ثم التحضير للقاء يجمع رئيسي النظامين التركي والسوري، لوضع النقاط على الحروف في محاربة الإدارة الذاتية وتجديد “اتفاقية أضنة”. وبما أنّ هذه الاجتماعات تجري برعاية روسية، فإنّ ذلك يؤثر على العلاقات التركية الأمريكية من جهة، ومن جهة أخرى تزايد الرفض الشعبي الكبير في الشمال السوري المحتل لهذه الخطوة، والتي قد تسفر عن توجّه شعبي مع بعض الفصائل والشخصيات السياسية الرافضة لهذا التقارب نحو التصالح مع (قسد)، مما قد يشكّل تهديداً لتواجدها العسكري في الشمال السوري المحتلّ، وبالتالي خروج المنطقة من قبضتها الأمنية والعسكرية. كما أنّ اقتراب موعد الانتخابات التركية وتدنّي شعبية أردوغان وحزبه يجعل من النظام السوري مُصرًّا على مطالبه، ما يجعل من هذا التقارب صعب الحدوث في هذا التوقيت، لذا على أردوغان تقديم تنازلات كبيرة للنظام “سياسة روسية لرفع سقف المطالب لإحراج أردوغان” في سبيل هذا التصالح الذي يخدمه في الانتخابات.
  • التوجّه نحو الولايات المتّحدة للحصول على الضوء الأخضر في كوباني: على الرغم من كون الطرفين حلفاء إلّا أنّ مشروع الطرفين مختلف، فالمشروع التركي استعماري “العثمانية الجديدة” يكمن في احتلال الشمال السوري وإنهاء الإدارة الذاتية، كما أنّ جميع المناطق التي احتلّتها تركيا أتت نتيجة اتّفاق تركي – روسي، ولم تخدم الولايات المتّحدة وسياستها في المنطقة. أمّا الولايات المتّحدة فإنّ مشروعها وبحسب زيارة المسؤولين الأمريكيين لأنقرة ومناطق الإدارة الذاتية فيكمن في التصالح مع الإدارة الذاتية وتوحيد مناطق ما تُسمّى بالمعارضة مع مناطق الإدارة الذاتية، للوقوف في وجه النظام السوري وروسيا وإنشاء نظام لا مركزي في سوريا.

إنّ الزيارة المرتقبة لوزير خارجية دولة الاحتلال التركي مولود شاويش أوغلو إلى واشنطن تأتي نتيجة صعوبة التصالح مع النظام في الوقت الحالي، وإنّ الوقت لم يعد في صالح أردوغان ولا بدّ للنظام التركي من تقريب وجهات النظر مع الولايات المتّحدة، أملاً منه في الحصول على الضوء الأخضر الأمريكي في كوباني قبيل موعد الانتخابات، إلى جانب ملفّات أخرى أهمّها استكمال صفقة F16)) بعد إلغاء صفقة F35)) من طرف الولايات المتّحدة. ولحصول مولود شاويش أوغلو على الضوء الأخضر من الولايات المتّحدة لا بدّ له من أن يدرك أنّ الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا باتت أمراً واقعياً لا يمكن تجاهله على الخارطة السورية، فعودة النظام إلى مناطق الإدارة الذاتية والتي تعني سيطرة روسيا على المنطقة أو انسحاب الولايات المتّحدة من المنطقة ستكون أوّل هزيمة جيوسياسية للولايات المتّحدة في صراعها مع روسيا، لذا على وزير الخارجية التركي معرفة هذه الحقيقة وأنّ التقارب أو التصالح مع الإدارة الذاتية وتوحيد ما تُسمى بالمعارضة والإدارة الذاتية وعودة الأمن والاستقرار إلى المنطقة وخروج تركيا من الفلك الروسي ضروري للولايات المتّحدة وسياستها في المنطقة، وفي هذه الحالة قد تكون كوباني ضحية التقارب التركي الأمريكي الجديد في سوريا.

أمّا بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية فهي لن تقبل بجعل كوباني ضحية للسياسات الدولية، ولن تساوم الأتراك على كوباني رمز التضحية والمقاومة، وإنّ جميع الأبواب مفتوحة لها لمنع تركيا من احتلال كوباني، وأوّلها التصدّي للاحتلال التركي واشعال كامل الشمال السوري بعمليات عسكرية، وليس من المستبعد أن يكون بدعم روسي، فقد شدّد القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية على رغبتهم في السلام، وفي الوقت ذاته استعدادهم للقتال حتى النهاية في حال تعرّضوا لأيّ هجوم.

زر الذهاب إلى الأعلى