صراع النفوذ الدوريات الأمريكية في مواجهة الدوريات الروسية

ما إن تخرج دورية روسية من إحدى قواعدها الجديدة في شمال وشرق سوريا حتى تصطدم بدورية أمريكية وهذا يؤدي إلى مشاحنات بينهما تنتهي بتراجع الدورية الروسية وعودتها إلى قاعدتها، وقد بات هذا المشهد يتكرر في المنطقة وآخرها ما حصل في قرية خربة عمو في ريف قامشلو، الأمر الذي يستوجب وضع استفهامات حول ما يجري.

فقد جاء القرار الأمريكي بالانسحاب من شمال وشرق سوريا لتفادي الاصطدام بالجيش التركي  الذي أصر على احتلال المنطقة بحجة إقامة منطقة آمنة وحماية حدودها الجنوبية وبتحريض روسي، فالولايات المتحدة أدركت أن تواجدها في المنطقة قد يؤدي إلى حدوث مواجهة مباشرة مع الجيش التركي في حال تعرض جنودها لنيران الجيش التركي مما قد تضطر القوات الأمريكية للرد على الجيش التركي حليفها في الناتو مما سينعكس سلباً على الحلف وتفاقم الخلافات التركية الأمريكية أكثر لصالح روسيا هذا من جهة, ومن جهة أخرى فإن تواجد الجيشين الأمريكي والتركي على مقربة من بعضهما، بالإضافة إلى التحريض الروسي الذي أصبح يؤرِّق الولايات المتحدة ولقطع الطريق أمام النوايا الروسية؛ قررت امريكا الانسحاب من المناطق الحدودية رغم محاولتها منع تركيا بالقيام بأي عملية عسكرية على شمال وشرق سوريا. كما هدفت الولايات المتحدة من الانسحاب إدخال القوات الروسية إلى المنطقة لتشكيل حاجزاً بينها وبين تركيا وبالتالي سيقع على كاهل روسيا منع الجيش التركي من التمدد أكثر في المنطقة, كون روسيا لا ترغب بالتمدد التركي ضمن الأراضي السورية مما سيشكل عائقاً كبيراً أمامها في بسط سيطرة قوات النظام على كامل الأراضي السورية. فبعد الانسحاب الأمريكي من المنطقة قلت أو حتى انعدمت حدة التصريحات بين الولايات المتحدة وتركيا وكان بداية عودة التنسيق الأمريكي التركي في الأزمة السورية وانتقلت المواجهة بين تركيا وروسيا في المنطقة سواء في إدلب أو في شمال وشرق سوريا. إلا أن الانسحاب الأمريكي قد أثر وبشكل سلبي على مكانتها في المنطقة  وزعزعت العلاقة القوية بين الجيش الأمريكي وقوات سوريا الديمقراطية مما سمح لروسيا التقرب من قوات سوريا الديمقراطية وتسعى لتشكيل قوات جديدة مرتبطة بقاعدة حميميم, وأصبحت الدوريات الروسية تجوب المنطقة الحدودية التي كانت فيما مضى تحلم بالتواجد في هذه المنطقة أوبناء علاقات جديدة مع قوات سوريا الديمقراطية خاصة بعد تدهور العلاقات بين الطرفين ومنحها الضوء الأخضر للجيش التركي بغزو واحتلال عفرين.

لذا باتت الولايات المتحدة تدرك خطر التمدد الروسي في المنطقة واحتمال خسارتها لمناطق نفوذها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وحتى شعبياً لصالح روسيا بعد أن أصبح تواجدها حسب تصريحات ترامب فقط حماية حقول النفط, ولتفادي خروج المنطقة من يدها بدأت تقوم بتسيير دوريات في المنطقة وبالأخص على طول الطريق الاستراتيجي M4 وفي مراكز البلدات الواقعة على الطريق مثل تل تمر ومنع القوات الروسية من الوصول إلى معبر سيمالكا مع باشور كوردستان، مما أدى إلى حدوث تصادم مع الدوريات الروسية في أكثر من منطقة والتي كادت أن تصل إلى حد الاشتباك لولا تدخل عناصر من قوات سوريا الديمقراطية لفض الاشتباك بين الطرفين، كما أن قيام الجنود الأمريكيين باستطلاع آراء أبناء المنطقة حول رغبتهم بتواجد القوات الأمريكية أو الروسية مؤشر على أن الولايات المتحدة بدأت فعلاً تخاف من فقدان ثقة أبناء المنطقة وقواتها قوات سوريا الديمقراطية بها، وأن روسيا بدأت تنافس الولايات المتحدة على شمال وشرق سوريا، فهدف روسيا هو السيطرة على كامل طريق M4 من تل كوجر حتى اللاذقية لذا بدأت بتسيير دورياتها على طول الطريق الدولي وتتمركز في البلدات الواقعة على هذا الطريق مثل كرباوي (ابو راسين) وعين عيسى ومنبج بعد الانسحاب الأمريكي منها وتحويل مطار قامشلو إلى قاعدة عسكرية، بالإضافة إلى العمليات العسكرية التي تشهدها محافظة إدلب والتي أدت إلى سيطرة قوات النظام على مدينة معرة النعمان الاستراتيجية ومن ثم السيطرة على الطريق الواصل بين مدينة سراقب والريحانية وجسر الشغور, وهنا قد تحدث صفقة بين تركيا وروسيا بتسليم تركيا طريق الريحانية-جسر الشغور لروسيا مقابل تسليم منطقة كوباني لتركيا, حيث تهدف تركيا ربط منطقة درع الفرات بسري كانية وكري سبي أو إدخال منطقة تل رفعت بتلك الصفقة، وجميع تلك الأهداف تخدم مصالح روسيا الاقتصادية في السيطرة على الطريقين M4  وM5 ومن ثم البدء بالتمدد الاقتصادي نحو دول الخليج وشمال أفريقيا ودول حوض المتوسط عن طريق مينائي طرطوس واللاذقية كون الطريقين يدخلان ضمن المشروع الصيني “حزام واحد طريق واحد”. أمام هذه المستجدات لم يعد يقتصر الهدف الأمريكي على حماية حقول النفط واستخراجه  بل في منع القوات الروسية من بسط سيطرتها الكاملة على طريق M4  والوقوف في وجه التمدد الروسي في الشرق الأوسط, كما تعمل على تثبيت قدمها في المنطقة من خلال تقوية قواعدها العسكرية مثل قاعدتها الجديدة في تل بيدر وحقل العمر إلى جانب قاعدة التنف بالإضافة إلى منع التمدد الإيراني في المنطقة ومنع ظهور تنظيم داعش.

وأمام هذه المعطيات قد تشهد منطقة شمال وشرق سوريا تنافساً روسياً أمريكياً لتثبيت وجودهما بشكل أقوى وإلغاء أحدهما للآخر، فروسيا تستمد قوتها من شرعية تواجدها في سوريا واستراتيجيتها الواضحة في تمسكها بسوريا ونظامها وأيضاً من الاستراتيجية غير الواضحة للولايات المتحدة في سوريا، بعكس الولايات المتحدة التي تعتمد على قوتها السياسية والاقتصادية والعسكرية وشراكتها مع قوات سوريا الديمقراطية في بقاء قواتها في المنطقة والتي تهدف للحصول على مكاسب اقتصادية وهي السياسة التي يتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعكس استراتيجية البنتاغون في التمسك بالأرض والوقوف في وجه التمدد الروسي وقد ينتهي هذا التنافس من خلال تقديم تنازلات اقتصادية في المنطقة لأحدهما وهذا يتوقف على استراتيجية كِلا القوتين في سوريا.

زر الذهاب إلى الأعلى