مجزرة السويداء حلقة جديدة في مسلسل نزيف الدم السوري شكلت الهجمات غير المتوقعة لتنظيم داعش الإرهابي على عدد من القرى والمناطق في محافظة السويداء جنوبي سورية مفاجأة كبيرة لأبناء المحافظة، التي ظلت طوال سنوات الأزمة السورية بعيدة نسبياً عن النزاع والمواجهات المسلحة. وبحسب حصيلة غير نهائية من مصادر رسمية وأهلية فقد وصل عدد الضحايا إلى نحو 500 شخص نصفهم من القتلى ومثلهم من الجرحى والمصابين، إضافة إلى اختطاف ما لا يقل عن 50 شخصاً من المدنيين واقتيادهم إلى المنطقة التي لا يزال يسيطر عليها إرهابيو داعش في بادية السويداء شرقي المحافظة. هجمات داعش تزامنت مع اقتراب قوات النظام السوري من استكمال سيطرتها على كامل المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة المسلحة في ريف محافظتي درعا والقنيطرة في جنوبي سورية وذلك بدعم جوي روسي، ترافق مع تخلي الولايات المتحدة عن الفصائل المسلحة وإعلانها عدم تقديم أية مساعدة لهذه الفصائل ضد قوات النظام التي سحبت معظم عناصرها من شرقي محافظة السويداء ودفعتهم للمشاركة في جبهات القتال ضد المعارضة في درعا والقنيطرة، ما سمح لداعش باستغلال نوع من الفراغ الأمني الذي خلفه توجه قوات النظام إلى محافظة درعا لشن هجومه الدموي ضد أهالي السويداء الذين كانوا – وفقاً لمصادر أهلية – يعيشون في حالة من الأمان وعدم توقع التعرض لأية هجمات إرهابية بهذا الحجم. وكان اللافت في المعلومات التي تحدثت عن هجمات السويداء أن معظم المشاركين في الهجوم هم من عناصر داعش الذين جرى نقلهم قبل نحو شهرين من أحياء جنوبي العاصمة دمشق إلى بادية السويداء بموجب اتفاقات بين النظام وداعش برعاية روسية، ما دفع جهات معارضة إلى اتهام النظام بالوقوف وراء هذه الهجمات بشكل مباشر من خلال السماح بتجمع الإرهابيين وتنظيم صفوفهم من جديد، وإيصال رسائل لأهالي السويداء بأنهم في خطر محدق وعليهم الانخراط إلى جانب النظام بشكل كامل وخاصة أن هذه المحافظة بقيت إلى حدٍّ ما بمنأى عن الصراع بين النظام والمعارضة، واحتفظت بنوع من الخصوصية مع عدم رغبة أهاليها ومعظمهم من الطائفة الدرزية بأن يكونوا طرفاً في المحرقة السورية، كما أن تمكن النظام من استعادة السيطرة على معظم المحافظات الجنوبية من خلال القتال أو المصالحات والتسويات يدفعه إلى التفكير باستعادة سيطرته الكاملة على السويداء كذلك والعودة إلى حكمه المباشر فيها. في حين اتهم النظام وحلفاؤه التحالف الدولي وتحديداً الولايات المتحدة بتوفير مناطق يستطيع فيها داعش البقاء وشن هجمات بين الحين والآخر، وتهديد قوات النظام ومناطق سيطرته. وبغض النظر عن هذه الاحتمالات والاتهامات كانت الهجمات على السويداء رسالة واضحة من داعش بأنه لا يزال موجوداً وقادراً على تنفيذ ضرباته وارتكاب المزيد من المجازر وقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين والأبرياء في أي مكان يستطيع الوصول إليه، واستغلال حالة الفراغ والخلافات بين القوى العالمية حول سورية للبقاء لأطول وقت ممكن في الجيوب الصحراوية النائية التي لا يزال مسيطراً عليها داخل سورية والعراق، وبالتالي فإنه من المتوقع أن يعمد هذا التنظيم الوحشي إلى محاولة ضرب مناطق أخرى في التجمعات السكانية المحاذية للبادية السورية، وتنفيذ أعمال إرهابية سواء بشكل فردي أو جماعي. مجزرة السويداء شكلت صدمة لأبناء الشعب السوري في كافة أنحاء البلاد خاصة أنها جاءت في وقت كان هذا الشعب يأمل فيه باقتراب التوصل إلى تسوية وحل ينهي معاناته المستمرة لأكثر من سبع سنوات، والتخلص من آثار الحرب والدمار والصراع الدولي وتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية والدولية على أرضه، ومرة أخرى كانت المآسي والمجازر الدموية من نصيب السكان المدنيين الذين يعتبرون الحلقة الأضعف في الحرب السورية، والأكثر عرضة للتقتيل والإجرام الذي طال جميع المحافظات السورية من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. وكانت السويداء وأهلها هذه المرة هم ضحايا الإجرام الداعشي الذي لا يختلف عن ممارساته السابقة في عدد من المدن السورية، على غرار ما حدث في مدينة كوباني قبل نحو ثلاث سنوات وغيرها من المناطق، ولا يستبعد في جميع هذه المجازر بحق أبناء الشعب في سوريا وجود أيادٍ خفية لاستخبارات الدول الإقليمية والدولية التي تسعى إلى إطالة أمد الصراع في سوريا، وخلق بؤر جديدة للتوتر والاقتتال داخل سوريا كلما خفت المواجهات العسكرية في منطقة ما، وتوجيه رسائل بأن الأزمة السورية ستبقى مستمرة إلى أن يتم التوصل إلى حلول ترضي هذه القوى والدول وليس ما يرضي السوريين.