الدولة التركية في كنف النظام المهيمن

يعتبر تأسيس الدولة القومية العلمانية التركية على يد كمال أتاتورك في عشرينات القرن الماضي وتجزئة المنطقة عن طريق “سايكس بيكو ووعد بلفور”, اللبنة الأساسية في التغيرات التي حدثت في الشرق الأوسط حينها و تحولها إلى دول ذات طابع قومي. وإن الأزمات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط في الوقت الحالي والتدخل التركي السافر في الشؤون الداخلية للدول المتأزمة من خلال حزب AKP وزعيمها أردوغان ومع المخططات المحاكة من قبل النظام المهيمن في المنطقة ستجعل المنطقة أمام مفترق طرق إما التبعية الكاملة للنظام المهيمن أو التحرر من تلك التبعية. ومع فشل جميع أنظمة الشرق أوسطية في إرساء الديمقراطية يبقى مشروع الأمة الديمقراطية الحل الوحيد والأمثل لمنطقة الشرق الأوسط على أقل تقدير، وستكون تركيا محور هذا التحول، كون تركيا هي مركز التحولات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في بدايات القرن العشرين، وستلعب الدور الرئيسي في الأحداث والمتغيرات المقبلة. من هنا لابد من فهم تكوين الدولة التركية بعد انهيار الخلافة العثمانية وحتى الوقت الحاضر وبالأخص الأدوار التي لعبها كلٌّ من حزبي “الشعب الجمهوري  CHP- العدالة والتنمية AKP”  CHP في بداية القرن العشرين وAKP في بداية القرن الحادي والعشرين.

الدولة القوموية التركية

فبعد انهيار السلطنة العثمانية وتشكل الدولة التركية الحديثة “الدولة القومية العلمانية” على يد أتاتورك وحزب CHP بدعم من بريطانيا وفرنسا واليهود ومن ثم الولايات المتحدة وتحديد الدور المناط لها اتجاه إسرائيل خلال عشرينيات القرن الماضي, حيث لعبت تركيا دورها على أكمل وجه تجاه إسرائيل فهي أول دولة شرق أوسطية اعترفت بإسرائيل وكانت أساساً لظهور الدول القومية العربية بغية القضاء على الأمة الإسلامية وتقسيم الشرق الأوسط بين إنكلترا وفرنسا بناء على معاهدة سايكس – بيكو ووعد بلفور، ولولا ذلك فإن بسط الهيمنة الإنكليزية وإنشاء إسرائيل التي كانت ستشكل نواتها في المنطقة كان سيغدو بعيد المنال، مادام يحافظ على وحدة الأمة الإسلامية داخل العالم الإسلامي. لذا فالدور المناط بالجمهورية المنضوية تحت ديكتاتورية CHP القوميّ العلماني، هو أن تشقَّ الطريق المؤدي إلى تمزيق أوصال وحدة تلك الأمة. ومع حلول الألفية الثانية ومجيئ حزب العدالة والتنميةAKP إلى سدة الحكم برئاسة أردوغان “الذي تشكل على يد الثالوث، أمريكا وإنكلترا وإسرائيل” تم تحديد دور جديد لتركيا في المنطقة محورها أيضاً دولة إسرائيل. إذاً فإن السياسة التركية يتم رسمها من قبل الغرب “بريطانيا والولايات المتحدة وإسرائيل” وشبكة الغلاديو الجهة الرئيسية في الانقلابات العسكرية التي شهدتها تركيا في العقود الماضية نتيجة خروج تركيا من المسار المرسوم لها وذلك بغية تصحيح مسار الدولة التركية في سياسات الشرق أوسطية.

دور حزب العدالة والتنميةAKP في المنطقة

يقول المفكر والزعيم الكردي عبد الله أوجلان في مجلده الخامس مانيفستو الحضارة الديمقراطية – القضية الكردية ” فالجمهورية العلمانية والقوموية التركية كانت في الأساس كياناً تمهيدياً على طريق المؤدية إلى إسرائيل خلال عشرينيات القرن الماضي. ومع حلول أعوام الألفين يراد من تركيا إتباع الراديكالية الإسلامية، بغية تصييرها جمهورية تركية إسلامية معتدلة، تهدف إلى إخراج القومويتين الإيرانية والعربية من كونهما خطر يهدد إسرائيل.”

أردوغان بتبنيه الفكر الإخواني واستلامه لزعامة الإخوان بدأ بمعاداة مصر بعد سقوط حكم الإخوان فيها، ومعاداة المملكة العربية السعودية لتحل محلها كزعيمة للعالم الإسلامي السني من خلال استغلال قضية خاشقجي وتشويه صورة المملكة، إلى جانب معاداته لدولة الإمارات والدخول في تحالف “إن جاز التعبير” مع دولة قطر الممول الرئيسي لجماعة الإخوان وتمتين علاقاته مع كلٍ من تونس “سابقاً” والجزائر ضد الدول المذكورة المناهضة للإخوان. ومحاولته لإسقاط النظام السوري مستغلاً الأزمة وإقامة نظام إخواني في سوريا. وبعد فشل أردوغان في إزاحة المملكة العربية السعودية من زعامة الإسلامية وفشله في التأثير على نظام الحكم في مصر ومع ازدياد الخطر الإيراني في المنطقة بعد الأزمة السورية، ومع تأزم الوضع الاقتصادي في الداخل، ومع التطور الملحوظ التي شهدته العلاقات العربية الإسرائيلية وقيام كل من الإمارات والبحرين بتطبيع علاقاتهما مع إسرائيل ورغبة بعض الدول العربية حذو الإمارات والبحرين، بدأ أردوغان بتغيير سياسته في التقرب من هذه الدول “مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات” وحتى مع إسرائيل التي في الأساس لم تنقطع العلاقات مع الأخيرة “, يمكن القول بأنها كانت بروبوغاندا ” لزيادة شعبيته في الأوساط العربية والتنظيمات الإسلامية. وبالتالي يمكن القول بأن تركيا لعبت دوراً رئيسياً في هذا الإطار. أما بالنسبة لإيران فهناك علاقات عسكرية واستخباراتية بين تركيا وإسرائيل لتحجيم دور إيران في المنطقة  من خلال “عمليات اعتقال خلايا إيرانية في تركيا وضرب المواقع الإيرانية سواء في الداخل أو في سوريا من قبل إسرائيل يصب في هذا الاتجاه”. حيث لا تتوانى السلطات التركية بإطلاق تصريحات تعلن عن اعتقال خلايا إيرانية تريد ضرب المصالح اليهودية في الداخل التركي.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أصبح الراعي الأول للتنظيمات الإرهابية، واستغلال هذه الورقة لخدمة أجندته السياسية من خلال اتباع سياسة المعايير المزدوجة سواء في الداخل الأوروبي أو في الشمال السوري. فسياسة أردوغان تجاه الغرب، تكمن باستغلال إسلام فوبيا لخدمة أطماعه وأنه قادر على حماية الغرب من التنظيمات الجهادية من خلال رعايته للتنظيمات الإرهابية وأن أردوغان برعايته لتلك التنظيمات يوجه رسالة للغرب بأن سياسته تخدم الغرب بالدرجة الأولى ويمنع التنظيمات الجهادية من تنفيذ هجمات ضد المصالح الغربية، فقد أعلنت الشرطة التركية باعتقال 15 شخصا لصلتهم بداعش والتخطيط لهجمات على قنصليتي السويد وهولندا وكنائس ومعابد يهودية، إثر حادثة حرق القرآن في الآونة الأخيرة. وبالمقابل يعمل أردوغان على استغلال جميع الأزمات المعادية للإسلام “عمليات إرهابية داخل المساجد، حرق القرآن” بإطلاق تصريحات مناهضة لتلك الدول لترويج لنفسه كمدافع عن المسلمين. فسياسة أردوغان الإسلاموية لم تأتِ من فراغ بل هو مخطط ومرسوم له من قبل النظام العالمي المهيمن، فتصريحات أردوغان الداعمة للإسلام لا ترتقي إلى الأفعال وتبقى ضمن إطار الأقاويل التي تزيد فقط من شعبيته في العالم العربي والإسلامي والتدخل في شؤونها الداخلية.

الخروج عن المسار

على الرغم من كون تركيا عضو في حلف الناتو وإن ما يقوم به أردوغان يدخل في خدمة النظام العالمي إلا أن ذلك لا يعني بأن تركيا ليست لديها أجندة قد تكون معارضة للنظام العالمي وخريطة الطريق المرسومة لها، فأردوغان الذي يرى نفسه وريث السلطنة العثمانية وأن تركيا فيما مضى كانت أكبر قوة في العالم يطمع في إعادة أمجاد العثمانيين حيث بدأ بتنفيذ مشروعه العثماني “الميثاق الملّي” تزامناً مع ما يسمى بالربيع العربي مستغلاً الفوضى في أغلب الدول العربية وبالأخص “سوريا وليبيا والعراق وحتى مصر” والقيام باحتلال مناطق من الشمال السوري وباشور كردستان واستمرار أطماعه باحتلال المزيد من الأراضي في الشمال السوري “مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا”، هذه الأطماع باتت تشكل ضغط على الولايات المتحدة, فقيام أردوغان باحتلال كري سبي وسري كانية “تل أبيض ورأس العين” سمحت للقوات الروسية بعد الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية التوغل في شرقي الفرات حيث كانت منطقة محرمة على القوات الروسية ومناطق نفوذ أمريكية خالصة إثر اتفاق أمريكي روسي لمنع التصادم بين القوتين واعتبار نهر الفرات الحد الفاصل بين القوتين.

فالسياسة التي يتبعها أردوغان وأطماعه التوسعية لا تدخل في خدمة الغرب بل تجعل من تركيا دولة غير موثوقة وتخطو خطوات أكبر مما هو مرسوم له. فأردوغان بتبنيه المشروع العثماني الجديد والذي يهدف لاحتلال مناطق واسعة من الشمال السوري والعراقي والتدخل في شؤون الدول المجاورة والإقليمية وإيجاد موطئ قدم في تلك الدول والانفتاح نحو روسيا بعد عام 2016 حيث تنامت العلاقات بين الطرفين والتي توجت بصفقة S400 رغم المعارضة القوية من الناتو لثني تركيا عن شراء هذه المنظومة الروسية، ولم تتوقف العلاقات بين الطرفين عند هذا الحد بل وصلت إلى قيام روسيا ببناء محطة نووية في مرسين التركية ومحطات نووية أخرى حيث أعلن الرئيس التركي أردوغان، إن أنقرة وموسكو تعملان على إنشاء محطة طاقة نووية ثالثة. بل وصل إلى حد رغبة أردوغان بالتنسيق مع روسيا في التعاون لإنتاج منظومة S500 وغيرها من الاتفاقات الاقتصادية “السيل التركي” لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا. إلى جانب العلاقات التركية مع الصين العدو الرئيسي للولايات المتحدة. وبالتالي فإن تركيا من خلال سياسة أردوغان باتت تتجه نحو منزلق خطير.

أردوغان بأطماعه التوسعية واقتراب مئوية معاهدة لوزان يحاول إيجاد موطئ قدم له على الساحة الدولية وذلك بإعادة الأراضي التي يزعم إنها انسلخت عنها بعد انهيار الدولة العثمانية سواء في الشمال السوري ومن ضمنها حلب وباشور كردستان ومن ضمنها الموصول وكركوك، إلى جانب أجزاء في أوروبا “تراقيا الشمالية والغربية” وأرمينيا وغيرها من المناطق التي يزعم فيها بأنها أراضي تركية. وكون النظام العالمي يراد من تركيا إتباع الراديكالية الإسلامية، بغية تصييرها جمهورية تركية إسلامية معتدلة، تهدف إلى إخراج القومويتين الإيرانية والعربية من كونهما خطر يهدد إسرائيل.” باتت اليوم تنزلق عما هو مخطط له وتتجه لتصبح ” وهو أمر مستحيل” لأن تكون دولة إقليمية وطيدة تكون مؤهلة لأن تكون قوة عالمية، وفي سبيل ذلك يقوم بعقد اتفاقيات “اقتصادية وعسكرية” مع دول تشكل تهديداً على النظام العالمي،أو تحاول بأن تكون شريكة في هذا النظام كروسيا والصين.

تركيا إلى أين؟

تركيا تحت سلطة AKP “حزب العدالة والتنمية” وزعيمها أردوغان تؤدي دورها المناط لها من قبل النظام العالمي وبالمقابل هذا الدور المناط إليها يحاول أردوغان مضاعفة حصته مقابل تلك الخدمات والسبيل إلى ذلك حمايته من الانقلابات العسكرية من خلال تخفيف وصاية الجيش عليه، وهو ما حدث بالفعل بعد انقلاب 2016 وسيطرة أردوغان على المؤسسة العسكرية وعلى كامل مفاصل الدولة وتحويل تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، وبالرغم من ذلك فهذا لا يعني أن هناك انسجام تام بين AKPوالنظام المهيمن، فأطماع أردوغان بمضاعفة حصته ومشروعه العثماني الجديد وتقوية علاقاته مع الدول العظمى كروسيا والصين يضيق الخناق على النظام المهيمن ويضعه في مأزق. فالسياسة التي ينتهجها أردوغان وتعامله مع مناطق ما يسمى بالربيع العربي وبالأخص مع الأزمة السورية وتناقضاته مع السياسة الأمريكية والتوجه نحو روسيا والصين، جعلت تركيا في مأزق مع الغرب في بعض الملفات التي لا يفترض من الدولة التركية القيام بها.

فالأزمة السورية بنتائجها الحالية فتحت المجال لحدوث تقاربات بين دول كانت تاريخياً أعداء وبينها حروب، واليوم تجلس تركيا مع روسيا وإيران على طاولة واحدة، وقيام أردوغان بعقد صفقات عسكرية ونووية مع روسيا والتي توجت في المرحلة الأولى بصفقة S400 الروسية وبناء مفاعلات نووية ولم يتوقف أردوغان عند هذا الحد فإلغاء صفقة F35من طرف الولايات المتحدة واستبعادها من برنامج F35 لأسباب كثيرة منها خشية الولايات المتحدة من كشف أسرار افضل مقاتلة لديها من قبل الروس عن طريق منظومة S400 التي اشترتها تركيا واستخدام الطائرة ضد حلفاء وشركاء الولايات المتحدة “اليونان وقوات سوريا الديمقراطية” إلى جانب الرفض الإسرائيلي، جعل أردوغان يتجه نحو روسيا فهناك نقاشات بين الطرفين حول شراء طائرة SU57 الحربية الروسية أو حتى قيام روسيا بضم تركيا لبرنامج تصنيع الطائرة الحربية وهو ما يشكل كابوساً حقيقياً لحلف الناتو، وهو ما سيعزز العلاقة بين الطرفين عسكرياً واقتصادياً، هذا إلى جانب علاقتها مع إيران والبدء بعقد اجتماعات ثلاثية “تركية إيرانية مع النظام” برعاية روسية لحل الأزمة السورية وعودة العلاقات التركية مع النظام السوري، والتي تتمحور حول الإدارة الذاتية ونجاحاتها في سوريا ومشروعها الديمقراطية ووأدها قبل انتشارها في بقية المناطق السورية، بالإضافة إلى علاقة تركيا الاقتصادية مع الصين ودول بريكس، كل ذلك يجعل تركيا تتجه نحو الانزلاق من المحور أي الخروج من فلك النظام المهيمن وتوجه نحو النظام الجديد المراد تشكيله من قبل روسيا والصين. ونتيجة الأزمات التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط تحلم تركيا بأن تكون دولة إقليمية وطيدة مؤهلة لأن تغدو قوة عالمية قادرة على الوقوف في وجه من يقف ضد أطماعها الاستعمارية.

ومن جهة أخرى فإن أردوغان يسلك طريق آخر في نفس الوقت وهو إعادة علاقاته مع محيطه من الدول الإقليمية “مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية” التي حاربها لتنفيذ مخططه العثماني بعد فشل مشروعه الإخواني في المنطقة وتدهور الوضع الاقتصادي التركي نتيجة تدخلاته الخارجية وسياسته الاقتصادية غير المجدية، ومن خلال تحالفاته الجديدة يعتقد أردوغان بإمكانه إعادة بناء تركيا لتغدو دولة محورية في المنطقة.

وفي هذا الشأن يقول المفكر والزعيم الكردي عبد الله أوجلان وفي نفس المجلد الذي يركز فيه على سقوط الدولة التركية “حيث أن تركيا الحلقة الأضعف في النظام القائم واحتمال انقطاعها عن النظام ليس ضعيفاً. ويتحقق هذا الانقطاع على محورين: المحور الأول “إذا لم يكن خداعاً” هو التطلع إلى تحالف مع إيران وسوريا، بل حتى مع روسيا ودول بريك “حالياً بريكس”، والذي يُنعَتُ بالانزلاق المحور. حيث يهدف فيه إلى التحول لدولة إقليمية وطيدة مؤهلة لأن تغدو قوة عالمية قادرة على الوقوف في وجه هيمنة إسرائيل وأمريكا وإنكلترا والاتحاد الأوروبي. وانطلاقاً من الوجود الذاتي والتوازنات العينية للجمهورية التركية الحالية، فإن عبور هذا الطريق أمرٌ صعب للغاية، وإن لم يكن مستحيلاً. أما محور الانقطاع الثاني، فهو وارد من خلال تحديث التحالفات……”

مستقبل الدولة التركية

إن إنشاء الدولة القومية العلمانية التركية على انقاض السلطنة العثمانية على يد الثالوث “إنكلترا وفرنسا واليهود” ومن ثم الولايات المتحدة، هي اللبنة الأساسية لظهور الدول القومية في الشرق الأوسط. حيث باتت حجر الأساس لنظام الدول القومية في الشرق الأوسط. فالدول القومية تشكلت نتيجة حاجة النظام المهيمن إليها لبعثرة وتشتيت الإمبراطوريات السابقة وذلك لتأمين سيرورتها. وكون الدول القومية قد لعبت دورها على أكمل وجه في حماية دولة إسرائيل والاعتراف بها من قبل اغلب الدول، إلا أن الدول القومية بدأت تشكل تهديداً أو على الأقل عائقاً أمام ديمومة النظام المهيمن، فهذه الدول التي تشكلت على يد النظام المهيمن بدأت تخرج عن المسار المرسوم لها وتعقد اتفاقيات اقتصادية وعسكرية مع دول تشكل تهديداً لها ” على النظام المهيمن” كروسيا والصين اللتان باتتا تتوغل أكثر في منطقة الشرق الأوسط على حساب النفوذ الغربي. تعتبر الانتخابات الرئاسية التركية التي ستجري في 14 أيار المقبل مفصلية لأردوغان والدولة التركية وستحدد مكانة تركيا إما كدولة ما تزال في كنف النظام المهيمن وعودتها لتلعب الدور المناط لها أو كدولة مارقة على النظام المهيمن. إن إصرار أردوغان في الفوز في الانتخابات الرئاسية رغم تدني شعبيته في الداخل التركي وتمسكه بالسلطة سيحول تركيا إلى نظام ديكتاتوري وستكون نقطة محورية في مستقبل الدول التركية. ومع وجود أطراف خارجية قد تلعب دوراً في تحديد مسار الانتخابات لصالح طرف ما، ستجعل تركيا دولة تابعة لأحد الأطراف الخارجية. فالتدخل الروسي أو الغربي في الانتخابات التركية لصالح أحد الأطراف المرشحة سيحدد مصير ومستقبل الدولة التركية في المرحلة المقبلة. خاصة أن تركيا ستلعب دور بارزاً في الصراع الغربي الروسي مع اشتداد الصراع في أوكرانيا ولن يرضى الغرب بالسياسة الازدواجية التي تلعبها تركيا في الوقت الحالي، وسيتحدم عليها كونها عضو في حلف الناتو بلعب دور أكبر تجاه روسيا. أما في حال استطاعت روسيا التأثير في نتائج الانتخابات التركية ستجعل من الدولة التركية تدور في فلكها وأكثر ارتباطاً بها. وسيحدث ذلك في حال التجأ أردوغان للحصول على الدعم الروسي في حال كانت ورقته قد انتهت بالنسبة للنظام المهيمن وبالتالي ستكون تركيا بداية الخروج من كنف النظام المهيمن “انزلاق المحور”.

لذا مثلما جاءت الدول القومية لبعثرة الامبراطوريات السابقة سيكون بعثرة الدول القومية “الأنظمة المركزية” لإضعاف النفوذ الروسي والصيني من خلال إعادة صياغة خريطة شرق أوسطي جديدة باتت ضرورية وذلك من خلال تحويل الأنظمة المركزية “دول قومية” إلى أنظمة فيدرالية كمرحلة أولية لإعادة صياغة الشرق الأوسط جديد يمنح الديمومة للنظام المهيمن، ويمكن القول بأن العراق هو النموذج الأولي وقد ينتقل هذا النموذج إلى سوريا وفي حال انتقل إلى تركيا ستكون بداية سقوط تسلسلي للدول القوموية الشرق أوسطية كسقوط أحجار الدومينو. ويتوقف هذا الأمر على الدور الذي ستلعبها تركيا في المرحلة المقبلة والتي ستحددها الانتخابات التركية المقبلة والحرب الروسية الأوكرانية في ظل اشتداد الصراع بين الشرق “روسيا والصين” اللتان ترغبان بتغيير النظام العالمي بما يتلاءم ومصالحها، وبين الغرب الذي يحاول الحفاظ على النظام العالمي الحالي واستمرار ديمومته.

ولا بد من التنويه بأن الدول القومية والأنظمة الجديدة التي تتشكل في الوقت الحالي هي من صنيعة النظام المهيمن وكونها بالنسبة إلى المجتمعات هي مصيدة أو شبكة قمع واستغلال بكل معنى الكلمة ومن الاستحالة الوصول إلى مجتمع ديمقراطي في ظل هكذا أنظمة، إلا من خلال الأمة الديمقراطية التي لا تنحصر بمنظور واحد للغةِ أو ثقافةِ أو دينِ أو تاريخ، وإنما يعبر عن شراكة الحياة التي تسودها التعاضد والتعاون بين المواطنين والمجموعات على خلفية التعددية والحرية والمساواة.

زر الذهاب إلى الأعلى