عثمنة الغدر والقتل بقانون

القتل والغدر هي سمة رافقت التاريخ العثماني منذ ان وجدوا كسلطة، ولو عدنا الى التاريخ نجد ان :سليمان القانوني قد قتل ابنين له هما مصطفى وبايزيد لشكه فيهما كما و قتل حفيده الرضيع من ابنه مصطفى وأحفاده من ابنه بايزيد، والأمثلة كثيرة، فالسلطان محمد الثالث وقبل دفن أبيه ( ويقال بأنه سمم والده ) قتل تسع عشرة أخا له خنقا، ودفنهم في اليوم التالي مع ابيه، وحين استقر الحكم له قام المدعو  محمد الفاتح هذا بسن قانون واضح وصريح ولا لبس فيه يجيز فيه قتل الاخوة، يقول: ” وإن تيسرت السلطنة لأحد من أبنائي، فإنه ومن أجل المصلحة العامة يصح له قتل إخوته، إن هذا قانون آبائي وأجدادي، وهو كذلك قانوني، ولقد جوز أكثر العلماء ذلك، فليعمل بموجبه حالًا “.  والأمثلة كثيرة فلم يبق سلطان عثماني الا وقتل العديد من اخوته او أبناء عمومته او أعمامه خوفاً من فقدان السلطة، وتطورت عمليات القتل حتى وصلت الى جرائم الإبادة التي مارسها أحفاد العثمانيين بحق الشعوب من لكرد والأرمن مثلاً.

وفي الأمس القريب  كرر التاريخ نفسه مع مقتل العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية في تركيا خوفاً من زعزعة سلطة آل عثمان، فقد تم قتل رئيس الوزراء عدنان مندريس شنقاً في بداية الستينات، حين شكَّ العسكر( حماة الاتاتوركية )  فيه و رأوا ان الرجل يحاول ان يطبق الديمقراطية الحقيقية في تركيا، كما وقتلوا رئيسهم الليبرالي تورغوت أوزال في التسعينات حين عرفوا ان الرجل يتجه لوضع حد للاقتتال في شمال كردستان، وإجراء مفاوضات مع حزب العمال الكردستاني.

اما في الوقت الحاضر فلا يفوتنا ما قام به أردوغان قبل عدة سنوات حين لفق موضوع الانقلاب العسكري، واتهم الداعية التركي فتح الله كولان ( الاب الروحي لأردوغان ) بانه يقف وراء محاولة الانقلاب، ليقوم بتصفيات مروعة ضد كل من يخالفه، او كل من يشك في ولائه له، فتم ارتكاب المجازر بحق المئات من العسكريين والمدنيين على حد سواء.

ولم تمر فترة حتى بدأت الأوضاع الاقتصادية والسياسية في تركيا تتدهور، مما خلق حالة من عدم الرضى في الشارع التركي، من جهة ومن جهة أخرى توترت العلاقات بين نظام اردوغان وبين الغرب لا سيما الولايات المتحدة الامريكية، وبدأت الانتقادات الامريكية تتكرر لنظام أردوغان، فما كان منه الا ان يلجأ الى قانونه جده محمد الثالث والذي يجيز له قتل الأخوة، فقام بتسهيل عملية قتل ( أخيه في العقيدة ) أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش لينال رضى الامريكان وبالطبع رضى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وقد كان له ذلك، وبعدها ازدادت جرائمه وهجماته العسكرية ضد الشعب الكردي، بعد ان اطمئن لوصول هديته الى الرئيس الأمريكي الذي كان بحاجة لتحقيق نصر ما، ليحافظ على شعبيته الانتخابية.

واليوم وبعد ان تدهورت من جديد الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في تركيا، وبعد محاولة داعش ( المدعومة تركياً ) من الهجوم على سجن الحسكة، وبعد فشل الهجوم، واستياء العديد من دول العالم مما حدث، وبعد ان توجهت أصابع الاتهام الى الرئيس التركي أردوغان، قام الأخير مرة أخرى ولجأ الى قانون جده الفاتح، فقدم قريبه، وشريكه في الدم ( التركماني ) عبدالله قرداش زعيم داعش الجديد هدية للرئيس الأمريكي جو بايدن والذي لا يكن وداً حقيقيا للرئيس التركي ونظامه كما هو معروف.

ان سياسة القتل وتصفية الخصوم، والمقايضات ليست بجديدة على كيان دولة الاتراك، فخلال الأزمة السورية وعلى مدى سنواتها العشرة، قام نظام أردوغان بتصفية العديد من القيادات العسكرية المعارضة او مقايضتهم ( حسين هرموش مثلا )، بالإضافة الى العديد من المعارضين والشخصيات السياسية، جدير بالذكر ان تقديم البغدادي وقرداش كهدايا لم يكن من منطلق التعاون في محاربة الإرهاب بل لتحسين صورته في الغرب، والسؤال الذي يتبادر الى الذهن من سيكون الهدية الثالثة.؟ لننتظر.

 

زر الذهاب إلى الأعلى