خطاب الكراهية والتضليل الإعلامي يفكّك سوريا

شرفان سيف الدين

المقالة تعبر عن رأي الكاتب

بعد مرور أكثر من خمسة عشر عاماً على ربيع الشعوب الذي اجتاح الشمال الإفريقي والشرق الأوسط، والذي نتج عنه تغيير في بنية بعض الأنظمة الحاكمة؛ تعيش معظم هذه الدول حالة يُرثى لها من الانقسام المجتمعي داخل هذه البلاد على صعيد الجغرافيا، كما في ليبيا التي تعيش حالة من الانقسام بين حكومة بنغازي في الشرق وحكومة طرابلس في الغرب. والسودان الذي انفصل عنه جنوبه كدولة مستقلّة بعد صراع مرير وطويل أفضى إليه كحلّ نهائي، ومن ثم ما يجري حالياً في السودان من صراع داخلي يعيشه كأسوأ مأساة في المنطقة والعالم، وكذلك اليمن الذي يعيش حالة انقسام حادّ ما بين الحكومة المعترف بها دولياً وحكومة الحوثيين، والذي يعيد إلى الأذهان حالة اليمن المنقسم ما بين الشمال والجنوب في تسعينيات القرن الماضي. أمّا في سوريا وبعد أكثر من نصف قرن على حكم عائلة الأسد وأكثر من ستّة عقود على حكم حزب البعث كمنظومة سياسية، وبعد أربعة عشر عاماً من قيام الشعب في وجه هذا النظام وبعد سقوطه منذ أكثر من عام، باتت سوريا تعيش حالة من الاغتراب والتفرقة بين مكوّناتها وعلى جميع الأصعدة الاجتماعية والقومية والجغرافية والدينية والمذهبية وغيرها. ربما تكون هذه أيضاً نتيجة طبيعية لحالة الاحتقان والتراكم المرحلي لكل ما سبق، نتيجة السياسة التي انتهجها النظام البائد على مدار نصف قرن، وسياسة النظام الجديد منذ تسلّمه السلطة، والتي زادت من الشرخ بين مكوّنات الشعب السوري وخلال مدة قصيرة.

ماذا بعد عام على سقوط نظام البعث السوري؟

لم يكن خافياً فيما ما سبق ولا حالياً أيضاً أنّ سقوط النظام السوري السابق قد جاء نتيجة تفاهمات دولية أولاً، وأخرى إقليمية ثانياً، خاصة بعد استلام إسرائيل لملف الشرق الأوسط والإشراف المباشر على التغييرات التكتيكية والاستراتيجية فيها، وبالتحديد بعد كل من:

  • أزمة كورونا العالمية.
  • الاتفاق الإبراهيمي مع بعض دول الخليج وإمكانية توسيعه مع الدول الباقية منها.
  • استلام حركة طالبان لأفغانستان بعد عقدَين من السيطرة المباشرة الأمريكية.
  • الحرب الروسية – الأوكرانية التي كانت بمثابة الصفعة القوية للاتحاد الأوربي والناتو بشكل خاص.
  • وأخيراً مغامرة حركة حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين أول من عام 2023م.

كل ما سبق من الأسباب والعوامل كانت كفيلة لإسرائيل بأن تقضي على التوسّع الإيراني بشكل خاص في الشرق الأوسط، وقطع أذرعها في كل من الجنوب اللبناني وسوريا واليمن والعراق، وحتى الاستهداف المباشر لإيران نفسها في تموز من صيف 2025م، وضرب مواقعها الاستراتيجية وشخصياتها المهمة وذات الثقل في اتخاذ القرارات المصيرية ضد إسرائيل ومصالحها في المنطقة. من المؤكّد أنّ سقوط النظام السوري ومنظومة البعث كان نتيجة وليس هدفاً، وتبيّن كل ذلك من خلال وصول هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وتحت مسمّى “إدارة العمليات” لحملة ردع العدوان وتحالفاتها مع بعض الفصائل ممّا يسمى بالجيش الحر، والانطلاق من أقصى الشمال الغربي، وبالتحديد من محافظة إدلب، في السابع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2024م، والوصول إلى العاصمة دمشق في الثامن من ديسمبر/ كانون أول من نفس العام، أي في غضون أحد عشر يوماً فقط، بحيث يؤكّد مدى توافق هذه الدول على الإسراع في إسقاط أذرع إيران في المنطقة، وقطع طرق الإمداد فيما بين المركز طهران والفروع في كل من دمشق ولبنان.

بكل تأكيد؛ إنّ هذه النتيجة التي كانت بتوافقات دولية وإقليمية، كما أسلفنا، قد جاءت لصالح وهوى الشعب السوري الذي ذاق الأمرّين على مدار عقد ونصف، وكانت فسحة وبصيص أمل لهم بأن يكون القادم أفضل، لكن ما جرى بشكل متسارع من طرف الحكومة السورية المؤقّتة، والتعيينات في المناصب، والتسلّط على مفاصل الدولة والمؤسسات بشكل طاغٍ، وإقصاء باقي شرائح ومكوّنات المجتمع؛ قد أدّى إلى ردّ فعل عكسي على المجتمع، كما أنّ أحداث الساحل السوري في آذار، وكذلك أحداث السويداء في تموز من العام الحالي كانت مفصلية وذات ردّ فعل عكسي على دمشق وحكومتها المؤقّتة أيضاً، خاصةً مع دخول إسرائيل بشكل مباشر على الخط، وتنفيذها ضرباتٍ على محيط القصر الجمهوري ووسط دمشق على كل من مبنيَي وزارة الدفاع وهيئة الأركان.

شمال وشرق سوريا في مرمى خطاب الكراهية:

كانت استجابة الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا إيجابية تجاه كل ما حدث ويحدث على عموم الجغرافية السورية؛ فكان الاتفاق الأمني ما بين قائد قوات سوريا الديمقراطية والرئيس السوري المؤقّت في العاشر من آذار الأمل المرجوّ لكل السوريين، خاصةً المناطق التي يحتلّها الجيش التركي والفصائل السورية التابعة له، مثل عفرين وجرابلس وكري سبي (تل أبيض) وسري كانييه (رأس العين)، إلّا أنّ التكشير عن الأنياب الخبيثة ما لبث أن تبيّن مبكّراً في كل من مدينة منبج وسد تشرين، ومحاولة تلك الفصائل الدخول إلى شرق الفرات، ولكن بعد مقاومة أكثر من شهرين باءت جميع تلك المحاولات بالفشل؛ ممّا أوجب التدخّل الدولي وبالتحديد الأمريكي لإيقاف كل تلك الهجمات وإصلاح ذات البين بدون رضى الطرفين أساساً، ولم تكن اتفاقية العاشر من آذار سوى نوع من الاتفاق الطردي لتهدئة الأوضاع، ومع مرور الوقت أصبح خطاب الكراهية ضدّ مناطق شرق الفرات وضدّ الإدارة الذاتية هدفاً يومياً، خاصةً من قبل التيّار المحسوب على فصائل ما يسمّى الجيش الحرّ والتيّار أو الجناح السياسي المحسوب عليهم والمتسلّقين الجدد حول الحكومة المؤقّتة، ولو أنّنا وفي حسبة بسيطة راجعنا تاريخ هؤلاء الأشخاص، الذين يتمثّلون فقط في أفراد، لوجدنا أنّهم هم أنفسهم مَن كانوا يعادون ما كانت تُعرَف بحكومة الإنقاذ، والتي كانت تدير الأمور في إدلب وأريافها، وبالتالي تتّضح الصورة بشكل أوضح على مدى سطحية هؤلاء وانتهازيّتهم تجاه الثورة السورية ومدى انبطاحهم لمَن يقود المرحلة، في تطبيق سافر للمقولة الشعبية (معاهم معاهم.. عليهم عليهم).

مَن يدير سوريا سابقاً وحالياً هم مجرّد بيادق صغيرة:

المعضلة السورية الأساسية تكمن في العقلية الصغيرة التي كانت تدير سوريا تحت عباءة تطبيق الأجندات الخارجية، فبشار الأسد وحزب البعث كانا غارقَين تحت النفوذَين الروسي والإيراني على حساب السوريين أنفسهم، وتبيّن كل ذلك من خلال التسريبات التي تكشف يوماً بعد آخر مدى استهتار وعبثية القيادة مع دماء الشعب لإشباع نرجسيتها ومصالحها الشخصية الضيّقة فحسب، اليوم وبعد عام كامل من سقوطهم ما زالت نفس العقلية تدير المشهد ولكن بشخوص ووجوه أخرى، فتسلّط هيئة تحرير الشام على جميع المفاصل يزيد من الشرخ في المجتمع السوري، وعليه يتم بين الحين والآخر طرح أسماء من المعارضة التكنوقراطية أو المنشقّين السابقين عن النظام البعثي كحلول وسطية للملمة السوريين حولهم ومنحهم شيئاً من الراحة النفسية من التيار الإسلامي المتشدّد، وكنوع من الخصخصة السياسية وتقاسم السلطات، كما يجري في لبنان والعراق، كنوع من مراضاة الجميع ولو بشكل عرفي دون توثيق ذلك بتواقيع رسمية، ليتحوّل مع مرور الزمن هذا العرف إلى نوع من القانون المجتمعي.

تركيا تُعَدّ من اللاعبين الإقليميين الأساسيين في إدارة الملف السوري، وتنافس المملكة العربية السعودية في ذلك، لكنّ المشروع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها في المنطقة، إسرائيل، ومن خلفها الكتلة العربية الداعمة لهذا المشروع، لا يتقاطع مع الأهداف التركية المعلنة والمخفية؛ لذا تحاول تركيا دائماً خلط الأوراق لتتمكّن من الخروج بأقلّ الخسائر، فمثلاً حسب المتابعة يتبيّن لنا ما يلي:

  • تركيا ومن خلال المبادرة الأخيرة التي أطلقها السيد عبد الله أوجلان تحاول بشتى الوسائل من خلالها إبعاد الكرد في المنطقة عن أي انفتاح على الغرب، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
  • رأس الهرم في حزب العدالة والتنمية ورئيس تركيا الحالي أردوغان، غير مرتاح لكل هذه العملية أو المصالحة، ولكن يبدو أنّها تُفرض عليه من الدولة العميقة التركية بواجهة زعيم حزب الحركة القومية دولت بخجلي.
  • دولت بخجلي ومن خلفه من الدولة العميقة ليست لديه أي مشكلة في الإطاحة بأردوغان من أجل تركيا ككل.
  • بالأساس العلاقة ما بين القوميّين ممثّلة بالحركة القومية، والإسلاميين ممثّلة بالعدالة والتنمية، هي علاقة تكتيكية وليست استراتيجية، وجاءت نتيجة الانقلاب المزعوم والمشكوك في أمره صيف عام 2016م.

وبالتالي؛ وبحسب كل ما سبق، فإنّ تركيا هي المستفيد الأول من حالة اللااستقرار السياسي في سوريا، وذلك لتصدير مشاكلها الداخلية فحسب.

النتيجة أو خلاصة القول:

إنّ النظام المركزي لم يعد صالحاً في المنطقة، وليس في سوريا فحسب، فخصوصية الأديان والقوميات والجغرافيا المتداخلة تفرض على المنطقة شكلاً ونموذجاً جديداً للتعايش، من خلال الفيدرالية أو اللامركزية أو الاتحادية أو غير ذلك، ضمن تفاهمات تتم عبر الحوار والحوار الجادّ ما بين جميع الأطراف، وليس عن طريق التسويق لخطاب الكراهية والتضليل الإعلامي المسوّق له عبر بعض القنوات المرتبطة بأجندات مشبوهة ومنصّات تُدار من جغرافية معيّنة، إنّ الخلاف ما بين المركز، دمشق، وشمال وشرق سوريا والساحل والجنوب هو خلاف يرتكز بالأساس على الاختلاف العقائدي والأيديولوجي بين رؤىً متناقضة، وليس خلافاً بسيطاً حول مسألة المحاصصة أو التقسيم، وعليه فإنّ الشعب السوري من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه اليوم هو أحوج للاستقرار السياسي والاقتصادي، ولملمة بيته الداخلي والعودة إلى البناء والعمار ووضع السلاح جانباً، وإعلاء صوت العقل فوق أي صوت آخر يحاول التحريض والتسويق لأي خطاب طائفي أو مذهبي أو خطاب كراهية.

زر الذهاب إلى الأعلى
RocketplayRocketplay casinoCasibom GirişJojobet GirişCasibom Giriş GüncelCasibom Giriş AdresiCandySpinzDafabet AppJeetwinRedbet SverigeViggoslotsCrazyBuzzer casinoCasibomJettbetKmsauto DownloadKmspico ActivatorSweet BonanzaCrazy TimeCrazy Time AppPlinko AppSugar rush
Toto Slot idrtoto akuntoto slot gacor slot deposit pulsa tanpa potongan toto slot situs gacor toto slot gaib4d situs toto slot gacor situs toto sontogel hantutogel sontogel gaib4d okewin paten188 okewin mayorbet kiostoto angker4d mayorqq situs toto toto slot gacor sbctoto toto slot rp888 https://toto228.com tribun62 MAXWIN288 SLOT HMSLOT99 slot deposit 1000 slot777 roma link login hoki99 SBCTOTO DAFTAR toto toto slot pulsa kientoto toto titi4d titi4d 8KUDA4D 8KUDA4D situs toto petir135 situs toto situs toto kientoto situs toto situs toto server Thailand city4d slot maxwin slot jepang juara288 citratoto toto slot toto slot naruto888 naruto888 leon188 https://tanuwedsmanu.com/ toto slot toto slot toto agendunia55 toto 4d situs toto situs toto situs toto babeh188 toto togel PEWE4D Toto Toto toto slot toto slot toto slot toto slot bwo99 situs toto PEWE4D toto toto hoki99 login babe138 link alternatif slot gacor slot slot amavi5dallseasonsgardencenter.com.php toto togel sontogel toto slot toto slot toto slot toto slot sesetoto toto slot toto slot toto slot toto slot toto togel situs toto toto slot toto slot toto slot mahjong toto toto slot pajaktoto resmi pajak toto toto slot toto toto toto slot situs toto judi bola benteng786 bandar togel monk4d xyz388 xyz388 slot gacor thailand toto toto toto slot toto toto toto https://aulavirtualfad.intecap.edu.gt/ toto toto situs toto situs toto toto toto slot situs slot toto slot benteng786 toto macau slot gacor toto slot situs slot terpercaya toto slot joker123 gaming toto slot toto togel hoki99 hoki99 traveltoto bwo99 pewe4d benteng786 slot gacor https://bto-ao.co.jp/scaleremover/ omega89 link login eropa99 toto Sex TOTO SLOT toto slot