سيناريوهات مستقبل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا

بعد ظهور تنظيم داعش الإرهابي في سوريا وسيطرته على مساحات واسعة من سوريا وبدعم من دولة الاحتلال التركي وتهديدها لمناطق روج آفا استطاعت وحدات حماية الشعب والمرأة من وقف زحف هذا التنظيم وحماية مناطقهم ومن ثم تشكيل قوات سوريا الديمقراطية من أبناء شعوب المنطقة، لاستكمال مشروعهم في دحر تنظيم داعش وإنشاء إدارة ذاتية في شمال وشرق سوريا، بالمقابل فقد خسر ما يسمى بالائتلاف السوري المعارض والمدعوم من تركيا جميع مناطق سيطرتهم لصالح النظام عن طريق اتفاقيات جرت بين روسيا وتركيا وانحسر تواجدهم في إدلب، ونظراً لوجود العداء التركي التاريخي للشعب الكردي، قامت بالتعاون مع مرتزقتها في الائتلاف السوري باحتلال عفرين وسري كانية وكري سبي، بعد فشلهم في إسقاط النظام السوري. لكن بالرغم من ذلك فقد أثبتت شعوب المنطقة في شمال وشرق سوريا نجاح مشروعهم في الإدارة الذاتية لمناطقهم وتلقي الدعم من المجتمع الدولي، لكن هذا المشروع لم يلقَ ترحيباً من تركيا وإيران والنظام السوري بالرغم من عدم مطالبة الإدارة الذاتية بالانفصال عن سوريا بل ما تزال تطالب بالوحدة السورية على عكس مناطق الاحتلال التركي التي اصبحت مرتبطة بتركيا ثقافياً واقتصادياً وعسكرياً، إن نجاح الإدارة الذاتية جعلت كل من النظام وداعمها روسيا وتركيا ومرتزقتها تصب جهودها في إشعال الفتن في شمال وشرق سوريا، والقيام بعمليات اغتيال لبعض رموز العشائر العربية، كاغتيال سليمان الكسار متحدث عشيرة البكارة وسليمان الويس من نفس العشيرة، وكان أخرها اغتيال أحد شيوخ قبيلة العكيدات مطشر الحمود الهفل، خاصة بعد نجاح الإدارة الذاتية في جذب الشركة الأمريكية ” ديلتا كريسنت أنيرجي ” للاستثمار في مناطقهم، والتي ستنعكس ايجاباً على الوضع الاقتصادي لشعوب المنطقة، وعلى الرغم أنه بقي إعلاناً حتى الآن، لم تتقبل روسيا التي تحاول تقوية نفوذها عسكرياً واقتصادياً في مناطق الإدارة الذاتية ومن ثم إضعاف الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية هذه الاتفاق، قبل البدء بأي تسوية سياسية في سوريا، فروسيا تسعى بكل جهدها لحلٍ يناسبها ويضمن مصالحها، وإذا بقي الوضع على ما هو عليه فالخاسر الأكبر اقتصادياً هو الطرف الروسي بالدرجة الأولى، حيث أن قانون قيصر يمنع أي شركة أو دولة بالاستثمار في مناطق سيطرة النظام، وكون أن قوات سوريا الديمقراطية شركاء الولايات المتحدة والتحالف الدولي، وأن مناطق الإدارة الذاتية مستثنية من العقوبات، فتطمح روسيا بالحصول على عقد استثمار النفط بدلاً من الشركة الأمريكية وذلك من أجل تعويض خسائرها في سوريا وتحكيم قبضتها على شمال وشرق سوريا. وأمام هذا الواقع بين نجاحات الإدارة الذاتية والأزمات الاقتصادية التي تعصف بالنظام وعدم جني روسيا ثمارها الاقتصادية وفشل تركيا باحتلال شمال وشرق سوريا قد تضع الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية أمام عدة سيناريوهات:
1ـ تحالف روسي تركي ومعهم النظام لإنهاء الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية عسكرياً بموجب اتفاقية تضمن مصالحهم: على غرار عمليتي “غصن الزيتون ونبع السلام” التي أدت لاحتلال عفرين وكري سبي وسري كانية وذلك في حال قامت الولايات المتحدة بالانسحاب من سوريا، إلا أن هذا السيناريو بعيد بعض الشيء، فتحالف روسيا مع تركيا التي هي عضو في حلف الناتو لن يلقى الرضى والقبول من الولايات المتحدة فتواجد الولايات المتحدة في شمال وشرق سوريا مرتبط بعلاقتها مع قوات سوريا الديمقراطية، فالقضاء على قوات سوريا الديمقراطية وإنهاء الإدارة الذاتية يعني خسارة الولايات المتحدة لنفوذها في سوريا وخروجها من العملية السياسية السورية لصالح روسيا وتركيا، بالإضافة إلى أن روسيا تحاول استعادة إدلب الواقعة تحت سيطرة الاحتلال التركي، فحدوث تحالف بين الطرفين يتطلب وضع النقاط على الحروف بما يتعلق بمناطق الاحتلال التركي في الشمال السوري خاصة إدلب، حيث لن تقبل تركيا بالتنازل عن مناطقها لصالح النظام مقابل إنهاء الإدارة الذاتية كون ذلك يعني خسارتها في الأزمة السورية.
2ـ إشعال نار الفتن في مناطق الإدارة الذاتية: هذا السيناريو معمول به منذ بدايات الأزمة السورية سواء عن طريق تركيا أو النظام وعلاقتهم ببعض الشخصيات العشائرية في دير الزور والرقة وبعض مناطق الإدارة الذاتية، إلا إن الجديد في هذا السيناريو هو استهداف رموز العشائر العربية مثل البكارة والعكيدات مستغلين الانقسامات داخل هذه العشائر واتهام قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية بعمليات الاغتيال التي حدثت في الآونة الأخيرة، حيث تأتي هذه العملية بعد نجاح الإدارة الذاتية باستقطاب الشركات الأجنبية للاستثمار في مناطقهم لتحسين الوضع المعيشي لشعوب المنطقة مما يجعل مكونات المنطقة أكثر تمسكاً بإدارتهم الذاتية، لذلك تهدف روسيا وتركيا والنظام لخلق حالة عدم استقرار في المنطقة وإشعال نار الفتن بين مكونات شعوب المنطقة بهدف منع الشركات الأجنبية من الاستثمار في مناطق الإدارة الذاتية وكون هذه العمليات لن تقتصر على شيوخ العشائر وقيادات قوات سوريا الديمقراطية بل ستطال جنود التحالف وبالأخص الأمريكيين وذلك لتسريع عملية الانسحاب الأمريكي من المنطقة، خاصة أن الرئيس الأمريكي أعلن في أكثر من مناسبة رغبته بالانسحاب من سوريا وهو ما تراهن عليه هذه الدول.
3ـ رضوخ روسيا والنظام للإدارة الذاتية وإنهاء الاحتلال التركي: إن بقاء القوات الأمريكية في مناطق الإدارة الذاتية مع فشل محاولات روسيا والنظام وتركيا بخلق فتنة في المنطقة ودخول شركات أجنبية للاستثمار في مناطق الإدارة الذاتية سيكون من الصعب إنهاء الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا كون هذه الشركات ستمارس ضغوطاً على دولها للحفاظ على استثماراتها في المنطقة وبالتالي ستجبر روسيا والنظام للرضوخ للإدارة الذاتية والقبول بها، إلا أن روسيا تريد تسوية مفصلة على مقاسها الخاص حتى تضمن سيطرتها على كامل سوريا، ومع تنامي الخلافات الروسية التركية سواء في إدلب أو في ليبيا قد تلجأ روسيا إلى الاستعانة بقوات سوريا الديمقراطية في معركتها المرتقبة في إدلب والقضاء على مجاميع الفصائل الإرهابية في مناطق الاحتلال التركي.
إلى جانب ذلك هناك طرق وأساليب قد تتبعها روسيا في شمال وشرق سوريا وهي السماح للطائرات المسيّرة التركية القيام بعمليات عسكرية تستهدف قيادات في قوات سوريا الديمقراطية لإجبار قسد للرضوخ لمطالبها والتعامل معها على غرار علاقتها مع الولايات المتحدة.
وأخيراً وللحفاظ على مكتسبات الإدارة الذاتية التي قدمت الغالي والنفيس من أجل أن تنعم شعوب المنطقة بالأمن والاستقرار، والوقوف في وجه كل من يحاول المساس بها ولتفادي أي سيناريو محتمل يبقى تقوية الجبهة الداخلية وتضامن شعوب المنطقة مع إدارتهم الحل الوحيد للوقوف في وجه جميع المخططات سواء التركية أو الروسية الهادفة لإنهاء الإدارة الذاتية.

زر الذهاب إلى الأعلى