الدروز في المشهد السوري

عباس شيخموس

عباس شيخموس
عباس شيخموس

يشكّل الدورز قرابة 3% من سكان سوريا، وينتشرون في الجنوب السوري وبالأخص في محافظة السويداء (المعقل الرئيسي للدروز) وفي بعض أرياف دمشق (جرمانا وأشرفية صحنايا) ذات الغالبية الدرزية، ولهم امتداد جغرافي في لبنان والجولان الواقعة تحت سيطرة إسرائيل.

لم تنخرط السويداء، كغيرها من باقي المحافظات الداخلية، في الأزمة السورية، بل بقيت شبه محايدة رافضة الانحياز المطلَق تجاه أي طرف من أطراف الأزمة السورية “النظام السوري وما تسمّى بقوى المعارضة أو الجيش الحرّ”، إلّا أنّها عانت من هجمات الإرهابيين من تنظيم داعش، خاصة أحداث 2018 التي راح ضحيتها العشرات من الرجال والنساء والأطفال، إلى جانب عمليات الخطف والتوتّرات الأمنية التي كانت تحدث بين الفصائل العسكرية في السويداء وقوات النظام البائد.

 من أهم الفصائل العسكرية في السويداء والتي تأسست مع بدايات الأزمة السورية هي: حركة “رجال الكرامة” التي تأسّست على يد الشيخ وحيد البلعوس الذي اغتيل بانفجار سيارة مفخّخة عام 2015، واستلم قيادتها نجلاه فهد وليث البلعوس، ومنها أيضاً “لواء الجبل” الذي أسّسه مرهج الجرماني والذي اغتيل في عام 2024، هذا وقد تم تأسيس المجلس العسكري للسويداء بعد سقوط نظام الأسد 8/12/2024 تحت قيادة العقيد طارق الشوفي.

الدروز والنظام السوري الجديد

بعد سقوط نظام الأسد وسيطرة هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني “حالياً الرئيس المؤقت أحمد الشرع” على دمشق، وتسلّم السلطة وتشكيل حكومة انتقالية، توتّرت العلاقة بين الحكومة الانتقالية ومحافظة السويداء خاصة بعد مجازر الساحل التي ارتكبتها بعض الفصائل المنضوية ضمن الجيش السوري الجديد وبالأخص “الحمزات والعمشات”؛ فبعد مجازر الساحل حدثت صدامات عسكرية عنيفة بين الجيش السوري الجديد والطائفة الدرزية في المناطق ذات الغالبية الدرزية في دمشق وريفها (جرمانا وأشرفية صحنايا) ولم تتوقّف الصدامات العسكرية بين الطرفين، كما باتت السويداء عُرضة لهجمات من جماعة مسلّحة غير معروفة، إلى جانب رغبة أحمد الشرع بمدّ سيطرته على السويداء ونزع سلاحها وحصرها ضمن الجيش السوري الجديد، إلّا أنّ الطائفة الدرزية، على غرار باقي الطوائف والمكوّنات السورية، ترفض الإعلان الدستوري وشكل الحكومة الانتقالية ونظام الحكم ذي اللون الواحد، بالإضافة إلى رفضها تسليم سلاحها وليست لديها مشكلة في تنظيم السلاح، ولكن ليس تسليمه، بحيث يبقى ضمن الحدود الإدارية للمحافظة وتابعاً للدولة.

النظام السوري الجديد لا يرفض فقط أي حوار وطني يتم فيه نقاش الوضع السوري وشكل الحكم، بل يصرّ على المركزية والسيطرة على كامل الأراضي السورية وفق إملاءات خارجية إقليمية، باستثناء الشمال السوري المحتلّ القابع تحت سيطرة مرتزقة تركيا وجيش الاحتلال التركي، ويرفض إقرار حقوق المكوّنات السورية ضمن دستور موحّد يعكس التنوّع الثقافي والعرقي في سوريا.

بالرغم من أنّ هناك توافقاً دولياً حول حماية الأقليات “المكوّنات ” في سوريا وضمان حقوقها في الدستور السوري كشرط للانفتاح على النظام الجديد، وهو ما يتعارض مع بعض الأجندة لأطراف إقليمية لها تأثير كبير على النظام الجديد؛ وهو ما قد يؤدّي بسوريا إلى صراع طائفي في حال كان القرار السياسي خاضعاً للأجندة الإقليمية، فسقوط نظام الأسد قد أنهى النفوذ الإيراني في سوريا، وأنهى تبعية دمشق لطهران، لكن في المقابل حلّ محلّه النفوذ التركي الأكثر خطورة؛ فلم تشهد سوريا مجازر بحق المكوّنات بحجم المجازر المرتكبة بحق الطوائف السورية وفي فترة وجيزة، فما إن تنتهي مجزرة بحق طائفة ما حتى تبدأ مجزرة بحق طائفة أخرى، وكأنّ هناك توافقاً أيديولوجياً بين النظام السوري الجديد والأيديولوجية التركية القائمة على محو أي دور للطوائف والأعراق التي تطالب بحقوقها السياسية والاقتصادية والثقافية، وتدعو لبناء نظام ديمقراطي في سوريا.

إنّ ما حدث في الساحل السوري من مجازر ارتكبت بحق المكوّن العلوي يرجع في أحد اسبابه إلى عدم وجود إدارة ذاتية وعسكرية لحماية حقوق العلويين وحماية أبنائهم من تبعات الأزمة السورية وما نتج عنها من أزمة طائفية وحقد من قبل تلك الفصائل تجاههم، هذا إلى جانب وجود أجندة إقليمية تعمل على تحريك بعض بيادقها من مرتزقتها لارتكاب مجازر بحق مكوّنات الشعب السوري لأجندة مرتبطة بها في سوريا؛ وهذا ما ينطبق على المكوّن الدرزي الذي لا يختلف عن المكوّن العلوي، فرغم وجود قوة عسكرية إلّا أنّ عدم وجود رؤية واضحة وموحّدة تجاه مستقبل سوريا وهيكلية الجيش السوري الجديد، إلى جانب وجود خلافات بين فصيل رجال الكرامة ولواء الجبل من جهة والمجلس العسكري في السويداء من جهة أخرى، وعدم وجود رؤية واضحة حول مستقبل منطقتهم، قد أثّر على الوضع الأمني للدروز.

إنّ إصرار أحمد الشرع لبسط سيطرته على السويداء بالقوة بدلاً من لغة الحوار، على الرغم من عدم وجود أية نوايا لدى الطائفة الدرزية في الانفصال، أو تكوين قوة عسكرية خارج إطار الجيش السوري الجديد، قد يفتح للدول الإقليمية أبواباً جديدة لتنفيذ أجندتها في سوريا.

إسرائيل والطائفة الدرزية

لدى إسرائيل مخاوف من النظام الجديد في سوريا؛ فهي لا تعترف بالنظام الجديد حتى الآن وعلى رأسه الرئيس المؤقَّت أحمد الشرع وتتّهمه بالإرهاب، كما أنّها هدّدت الجيش السوري الجديد بقصف أي قوة عسكرية تريد الدخول إلى الجنوب السوري (المحافظات الثلاث: القنيطرة ودرعا والسويداء) فهي تراها فصائل إرهابية، ولا يجوز لها التمركز في الجنوب السوري.

إنّ توتّر العلاقات والعمليات العسكرية التي تشهدها المنطقة، بِغضّ النظر عن المتسبّب في هذه الأحداث، وكذلك المشهد العام يؤكّد وجود صراع بين الجيش السوري الجديد والطائفة الدرزية؛ وهذا الصراع قد يكون أحد أسبابه هو تبلور الرؤى في السويداء حول شكل الحكم في سوريا “نظام لا مركزي أو فيدرالي” وهو ما يتوافق مع الأجندة الإسرائيلية في الجنوب السوري، وتستغلّه إسرائيل وتدّعي حماية الطائفة الدرزية، حسب التصريحات الإسرائيلية، بالرغم من نفي شيوخ الطائفة الدرزية وقادتها العسكريين أي علاقة لهم مع إسرائيل.

قد تندرج الأجندة الإسرائيلية ضمن إنشاء منطقة عازلة بحيث لا تشكّل أي تهديد على الأمن القومي الإسرائيلي، وتمنع تمركز الجماعات أو التنظيمات الإرهابية في الجنوب؛ لأنّ تواجد تلك الفصائل يُعَدّ بمثابة تواجد للنفوذ التركي في الجنوب، فتمدّد النفوذ التركي في سوريا بات يؤرّق إسرائيل حتى وإن كانت الدولة التركية شريكتها وعضو في حلف الناتو، فتركيا لديها علاقات قوية تربطها بالجماعات والتنظيمات الإرهابية، لذا؛ فإن تواجد تلك الفصائل يشكّل خطراً على الأمن القومي الإسرائيلي، خاصة أنّ إسرائيل قد نجحت في إبعاد الميليشيات الإيرانية من سوريا عموماً ومن الجنوب خصوصاً، لما للجنوب السوري من أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لإسرائيل؛ فالتصريحات الإسرائيلية حول الجنوب السوري، وخصوصاً حول حماية الطائفة الدرزية، تأتي ضمن إطار حماية أمنها القومي من الجماعات والتنظيمات الإرهابية ومن تمدّد النفوذ التركي.

  إنّ السياسية التي ينتهجها أحمد الشرع وجيشه، والضغوط  الأمنية والعسكرية الكبيرة على الطائفة الدرزية، سواء في السويداء أو في مناطق ذات الأغلبية الدرزية كجرمانا وأشرفية صحنايا، ورفض النظام الجديد لأي حوار من شأنه نقل سوريا إلى برّ الأمان، قد يدفع الطائفة الدرزية لطلب الحماية من أي جهة خارجية خشية تعرّضها لمجازر في المستقبل القريب، طالما أنّه لا يوجد دستور موحّد يحمي ويحفظ حقوق المكوّنات، ولا توجد ضوابط أمنية تتم بموجبها محاسبة مرتكبي الجرائم؛ فالتعيينات التي يقوم بها أحمد الشرع في الجيش السوري الجديد، كتعيين المرتزق حاتم أبو شقرا، قائد فصيل ما يُسمّى بأحرار الشرقية، قائداً للفرقة 86 العاملة في محافظات دير الزور والرقة والحسكة في شمال شرقي سوريا الواقعة ضمن مناطق الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، وتعيين فهيم أرطغرل عيسى، الموالي لدولة الاحتلال التركي، نائباً لوزير الدفاع في الحكومة الانتقالية، وقبل ذلك تعيين المرتزق محمد الجاسم الملقب بأبو عمشه، متزعّم فصيل سليمان شاه، قائداً للفرقة 25 في محافظة حماة، إلى جانب تعيينات في مناصب كبيرة من جنسيات غير سورية ممّن لديهم تاريخ حافل بالإرهاب، كلّ ذلك قد جعل من هذا الجيش الجديد جيشاً لا يمكن الوثوق به، بل ويشكّل خطراً على المكوّنات السورية والشعب السوري قبل أن يكون خطراً يهدّد الدول الإقليمية؛ وهو ما قد يدفع بالمكوّنات السورية الأخرى لتشكيل مجالس عسكرية محلّية من أبنائها، لحمايتها ومنع ارتكاب مجازر بحقّ أبنائها، على غرار مجازر الساحل بحق الطائفة العلوية.

إنّ الاتفاقيات الموقَّعة بين الدروز والجيش السوري الجديد لتهدئة الأوضاع العسكرية والأمنية بين الطرفين لن تفضي إلى نتائج مستدامة، بل هي مجرّد اتفاقيات مؤقَّتة تنتهي بمجرّد حدوث خرق أمني من أي طرف كان، طالما بقيت هذه العقلية التي ينتهجها النظام الجديد، سواء بتعييناته لشخصيات إرهابية وغير مرغوب بها لا داخلياً ولا خارجياً، أو باتباع سياسة اللون الواحد وإنكار حقوق المكوّنات السورية، وغيرها من السياسات التي ينتهجها النظام الجديد، والتي تزيد من تعقيد الأزمة السورية وتدخل في خدمة الصراع الطائفي، وتجعل سوريا بلداً يشكّل تهديداً للدول المجاورة وتهديداً للسلم والأمن الإقليميَّين، وقد تدفع بعض المكونات السورية لطلب الحماية الخارجية، ويبقى السلاح وسيلة لحفظ أمنها ووجودها، وإنّ تسليم سلاحها وحصره بيد الجيش السوري  الجديد “الذي بات غير موثوق به عند الشعب السوري” يُعَدّ بمثابة انتحار في ظل الأوضاع السياسية والعسكرية التي تشهدها سوريا بعد سقوط النظام البائد، وهو ما أكّده المتحدّث الرسمي باسم حركة «رجال الكرامة» باسم أبو فخر لـ«الشرق الأوسط»: «موضوع تسليم السلاح يخصّ وزارة الدفاع، وبالنسبة لهذا الأمر لم يبتّ به بعد من قبل الجميع، وسلاحنا لم يشكّل خطراً على أي جهة ولم نعتدِ على أحد، وهو موجود للدفاع عن أرضنا وعرضنا» وإنّ تسليم السلاح يعني الانتحار وهو ما يعني الخشية من ارتكاب مجازر بحق المكون الدرزي.

لذا؛ تبقى الأوضاع الأمنية والعسكرية في سوريا مرتبطة بسياسة أحمد الشرع وبمدى تأثّره بالقوى الإقليمية وبكيفية حل الأزمات الداخلية، إمّا عسكرياً أو عن طريق الحوار، وبمدى استيعابه للتنوّع الثقافي والعرقي والديني في سوريا، وبقدرته على تجنّب صراع طائفي في سوريا وإيجاد نوع من التوازن أو التوافق بين سياسته الداخلية ومتطلّبات المجتمع الدولي في حماية المكوّنات السورية، بعيداً عن الأجندة الإقليمية التي تحاول السيطرة على القرار السياسي وفرض إملاءاتها على دمشق؛ وهو ما قد يخلق نوعاً من الفوضى السياسية والعسكرية في البلاد.

زر الذهاب إلى الأعلى
RocketplayRocketplay casinoCasibom GirişJojobet GirişCasibom Giriş GüncelCasibom Giriş AdresiCandySpinzDafabet AppJeetwinRedbet SverigeViggoslotsCrazyBuzzer casinoCasibomJettbetKmsauto DownloadKmspico ActivatorSweet BonanzaCrazy TimeCrazy Time AppPlinko AppSugar rush