تركيا وفوبيا الكرد

تركيا وفوبيا الكرد

أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار في 18 الثامن عشر من شهر نيسان أبريل المنصرم “عن شن عملية عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني” في جنوب كردستان وأطلق عليها اسم ” قفل المخلب ” وبأنها تستهدف معاقل لحزب العمال الكردستاني في مناطق متينا وزاب وآفاشين باسيان.

هذه العملية هي جزء من عمليتين سابقيتين تنفذها تركيا منذ عام 2020 وهما مخلب النمر ومخلب النسر وتدعي تركيا من ورائها حماية حدودها وأمنها القومي، وهي تعد سلسلة من استراتيجية الحرب التركية الأوسع نطاقاً، وتستهدف الوجود الكردي في كل أجزاء كردستان.

إن توقيت هذه العملية يظهر نية تركيا باستغلال الأوضاع سواء في العراق والأزمة السياسية التي يعيشها أو الحرب الروسية الأوكرانية وتقاربها الأخير مع الولايات المتحدة الأمريكية.

والملفت أكثر أن العملية جاءت بعد يومين من زيارة قام بها مسرور بارزاني رئيس حكومة جنوب كردستان إلى أنقرة، التقى خلالها بأردوغان ورئيس الاستخبارات التركية وهو ما يشي عن حالة تنسيق قد تم الاتفاق عليها، لكون حضور رئيس الاستخبارات في الاجتماع.

الأمر الذي أثار حالة من الاستغراب والاستياء الشعبي حتى داخل الإقليم نفسه لا سيما بعد إعلان أردوغان أن “بلاده تتعاون بشكل وثيق مع الحكومة العراقية المركزية والإدارة الإقليمية في شمال العراق”

وبالتزامن مع عمليتها في جنوب كردستان، كثفت تركيا من عملياتها في مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية، ما يدل على أن ما كان يؤخر تركيا عن بدء عمليتها ليس إلا تفاهمات سياسية كانت تحاك في الخفاء

فالعملية العسكرية بحسب ما أعلنت تركيا تهدف للسيطرة على منطقة الزاب التي تعتبر مركز القيادة الخاص لحزب العمال الكردستاني والممر البري الاستراتيجي للحزب إلى تركيا

لكن على ما يبدو أن ثمة أهداف أخرى غير معلنة كوجود نوايا لتركيا بأن تصبح بوابة الغاز إلى أوربا في ظل الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا.

فقد جرت عدة لقاءات بين الرئيس التركي والإسرائيلي ورئيس حكومة جنوب كردستان من أجل تأمين المناطق المفترضة لإنشاء أنابيب الغاز الجديدة ضمن مشروع من كردستان إلى تركيا بديلاً عن الغاز الإيراني.

 وهو ما تعتبره إيران تهديداً لمصالحها الاقتصادية، وردت على ذلك باستهداف أربيل بعدة صواريخ بالستية تحمل رسائل واضحة ومباشرة مفادها أنها لن تقف مكتوفة الايدي.

ومن بين الأهداف غير المعلنة أيضا وجود أطماع تركية في ولاية الموصل التي تشمل أربيل والسليمانية ودهوك وكركوك فهذه المناطق تعتبرها تركيا تابعة لها بموجب الميثاق الملي.

منذ بداية الحملة العسكرية التركية والإعلام التركي يروج عن تحقيق انتصارات وإنشاء قواعد عسكرية في المناطق التي تم تأمينها، لكن المؤشرات الحقيقة بعد أكثر من شهر ونصف توحي بغير ذلك، فالطبيعة الجغرافية المعقدة لتلك المناطق والمقاومة التي يبديها عناصر الحزب المدربون على حرب الجبال، تشير بشكل واضح على أن تركيا لم تحقق أي تقدم على الأرض.

وتجعل من إمكانية حسم الصراع حتى الآن غير ممكنة، كما أن كل المعطيات على الأرض تشير إلى أن الخارطة الميدانية في جنوب كردستان لن تتغير بشكل جذري كا تدعي تركيا.

وهذا ما يثبت فشل التعاطي العسكري التركي كما كل عملياتها السابقة، وأيضاً أن القوة لن تفضي إلى نتائج بل إلى مزيد من إراقة الدماء من الطرفين

القضية الكردية في تركيا تحتاج إلى حل سلمي توافقي يضمن حقوق الكورد، وهويتهم الثقافية ولغتهم الأم وتمثيلهم السياسي بصفة رسمية في البرلمان التركي

ويحقق حكما ذاتياً كردياً

إلا أن الإرادة السياسية في تركيا والتي تتخذ طابعاً قومياً تسعى لغير ذلك وهو ما يظهر جلياً في تعاطيها مع الملف الكردي من حيث التهميش والإقصاء.

 وما تقوم به من إحراق للقرى وملاحقة لنواب وبرلمانين ونشطاء والزج بهم في السجون كل ذلك تحت ذريعة الارتباط بحزب العمال الكردستاني

وهو ما يشير بالطبع إلى أنه لا يوجد أي بادرة لإحلال السلم من قبل الجانب التركي ولا تنوي اتخاذ أي خطوة جدية في مسار السلام بين الكرد والدولة التركية والقبول بالكرد من خلال الدخول في مفاوضات صادقة مع حزب العمال الكردستاني لكونه الممثل الشرعي للكرد، وحل المسألة الكردية قانونياً ودستورياً وسياسياً حسب الشرعية الدولية وحق الشعوب في تقرير مصيرها.

لا إلى فتح جبهات حرب جديدة وبذرائع واهية باتت جلية للقاصي والداني أنها تستهدف الوجود الكردي أين ما كان سواء داخل تركيا أو في دول الجوار كسوريا والعراق التي حقق الكورد فيها شبه إدارات مستقلة

وإن بقاء الحال على ما هو علية في السياسة التركية الرافضة للانفتاح على الملف الكردي واستمرارها في استراتيجية القوة العسكرية تغلق الطريق أمام تحقيق أي فرصة للسلام ويخلق المزيد من التوتر وعدم الاستقرار داخل تركيا نفسها وفي دول الجوار

زر الذهاب إلى الأعلى