مفاوضو أستانا وخططهم

حملت الجولة السابعة عشر من مفاوضات أستانا بين الأطراف الضامنة لخفض التصعيد في سوريا “روسيا، تركيا، إيران” ملامح توافقات ضمنية وتوزيع المهام والأدوار، ولعل أبرز الأجندات التي تصدرت جدول أعمال روسيا وتركيا بشكل خاص كان وضع مناطق شمال شرق سوريا وكيفية زيادة الضغط على الإدارة الذاتية ومحاولة كبح التقدم الدبلوماسي الذي حققته الإدارة الذاتية في الآونة الأخيرة وبشكل خاص في ظل انفتاح أوربي تجاه الإدارة الذاتية كقوة ديمقراطية استطاعت الحفاظ على كينونتها خلال الأزمة السورية، لذلك شرعت الأطراف الضامنة لمسار آستانا إلى اتخاذ بعض الخطوات التي من شأنها زيادة الضغط  على الإدارة الذاتية سواء عبر العمليات الأمنية والاستخباراتية التي تستهدف مناطق شمال شرق سوريا أو عبر نشر الشائعات وبث الخوف بين المواطنين

فقد خلقت جولات وفود الإدارة الذاتية ومجلس سوريا الديمقراطية هاجساً مقلقاً لتركيا وتنظيم داعش بعد التطمينات التي كانت قد تعهدت بها الإدارة الامريكية والسعي لدرء المخاوف التي تؤرق الإدارة الذاتية ومكونات شمال شرق سوريا والتي تؤثر على عملها، ومن هنا يمكن القول بإن مساعي تركيا بدأت بهدف إغلاق الطريق أمام أي تحرك دبلوماسي من قبل الإدارة الذاتية ومسد وإغلاق الطريق أيضاً امام الانفتاح الدبلوماسي الذي من الممكن أن تشهده الإدارة الذاتية خلال المستقبل القريب لذلك فقد سعت الدولة التركية وعبر وساطات للعبِ دورٍ في زيادة الضغط تجاه الإدارة الذاتية والتي جاءت على شكل حلقات متتالية.

وكانت أولى خطوات الضغط التركي الروسي والتي جاءت بتوافق وتنسيق مع النظام السوري هو إغلاق معبر فيشخابور (سيمالكا) الحدودي والذي يربط بين جنوب كردستان وغربه؛ وبالطبع فإنها تحمل بشكل أكبر رسائل سياسية بعيدة المدى واضحة نظراً إلى التحرك الذي ترافق مع اغلاق المعبر هو الترويج حول الحصار المفروض على مناطق شمال شرق سوريا واستعدادات التي تجريها كلٌ من تركيا والنظام السوري لافتتاح معبر نصيبين الحدودي بالإضافة إلى الترويج الإعلامي الضخم الذي تناوله موالون للنظام السوري حول تفاهمات تقضي بافتتاح معبر الوليد الحدودي (تل كوجر) وبذلك تكون هنالك ضغوط تعرضت لها الإدارة الذاتية كافية بزعزعة ثقة القاعدة الشعبية بها.

ومن جانبٍ آخر كثّفت الدولة التركية استهدافها عبر المسيرات لمناطق شمال شرق سوريا والتي كانت في أغلب الأحيان هي تجمعات للمدنيين والادعاء بأنها مقرات عسكرية بالإضافة إلى تكثيف مراقبة أجواء شمال شرق سوريا وذلك لترهيب وبث الخوف وحث المدنيين على الهجرة من المنطقة ودفع الإدارة الذاتية لتقديم التنازلات لإيقاف الهجمات التي تتعرض لها مناطق شمال وشرق سوريا، إلا أن هذه المحاولات لم تصل إلى مبتغاها وهدفها الأساسي من ذلك هو إضعاف الإدارة الذاتية وزعزعة ثقة قاعدتها الشعبية من مكونات المنطقة التي تؤازرها وتلتف حولها.

وبالعودة إلى التقارب الروسي والتركي فإن ملامح هذا التقارب وهذه التحركات الأخيرة ظهرت خلال سلسلة الزيارات التي كانت قد قامت بها روسيا إلى جنوب كردستان واللقاء مع حكومة جنوب كردستان وسعيها لتقريب وجهات النظر بين بين حكومة جنوب كردستان وبين النظام السوري والتي من شأنها الضغط وإلحاق حكومة جنوب كردستان بمحور الضغط تجاه الإدارة الذاتية على الرغم من تنفيذ حكومة جنوب كردستان لضغوط بإيعاز من الدولة التركية.

لذلك فإن هنالك سيناريوهات عدة من الممكن أن تشهدها المنطقة خلال الفترة المقبلة:

أولاً: استمرار الضغط التركي الروسي السوري على الإدارة الذاتية عبر التهديدات ضد الإدارة الذاتية وبأساليب وأدوات سواءً عينية أو نفسية، بالإضافة إلى زيادة العمليات العسكرية التركية واستهدافها لمناطق شمال وشرق سوريا.

ثانياً: استمرار الإدارة الذاتية بالعمل مع الأطراف والقوى الديمقراطية في الخارج وبالطبع فإن هذه الخطوة من شأنها كسب التأييد الغربي بعد فقدان الأمل لدى القوى الغربية بالمعارضة السورية والتي أثبتت فشلها بشكل واضح في ظل محاولات غربية عربية للبحث عن قوى سياسية تكون بديلاً للمعارضة السورية وسط الحديث عن أطراف وقوى جديدة.

ثالثاً: من الممكن أن تشهد العلاقات السورية التركية تطبيعاُ بشكل رسمي الامر الذي قد يدفع لإعادة ترتيب البيت الداخلي للمعارضة التي تتخذ من تركيا ملاذاً لها وهو ما قد تعتبره أيضاً رسالة واضحة للولايات المتحدة الأمريكية والدول الخليجية التي تدعم حتى وقتنا الراهن بعض التشكيلات والكيانات السياسية ضمن المعارضة السورية، وبالطبع فإن هذه الخطوة من شأنها إعادة تركيا إلى المربع الأول في الازمة السورية وهو الابتعاد عن المصالح الغربية في سوريا أي عدم المساس بها، أم المقصود رفض خدمة الغرب وتحقيق مصالحها في سوريا ومؤازرتها

زر الذهاب إلى الأعلى