وكلاء تركيا وإيران في معادلة الانتخابات العراقية  

عانى العراق وعلى مدار عقدين من الزمن من عدم استقرار سياسي وذلك بعد إسقاط النظام البعثي السابق في 2003 حيث أنه ومنذ ذلك الوقت يمر العراق بظروف سياسية غير مستقلة البتة وسط حالة من المد والجزر تمر فيها القوى السياسية فمن ناحية المصالح الإقليمية لدول الجوار ومن ناحية أخرى المصالح الحزبية الطائفية من جهة أخرى والتي تكون عرضة بشكل أكبر للاستهداف والاستغلال من قبل دول الجوار.

مما لا شك فيه فإن الصندوق الأسود الذي شارك الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الامريكية في فتحه في العراق “عدم الاستقرار السياسي، وانعدام السيادة العراقية ” مهد الطريق لظهور الوكلاء على الأرض، الامر الذي أفسح المجال أمام دول الجوار لتشكيل وكلائها ِودعمهم وتغذيتهم بما يتوافق مع مصالحهم الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، ولعل من أبرز الدول الإقليمية التي شاركت في تشكيل الوكلاء على الأرض كانت “تركيا والتي كانت الداعم الأساسي للحزب الديمقراطي الكردستاني والجماعات التركمانية، وإيران التي شكلت المئات من التشكيلات السياسية والعسكرية ودعمت الشخصيات الموالية لها.

إحدى العوامل التي تضمن استمرارية توغل دول الجوار في الشأن العراقي هو عدم الاستقرار السياسي وعدم الوصول إلى صيغة توافقية لتشكيل حكومة وحدة وطنية أو ائتلاف وطني، ولعل الانتخابات الأخيرة التي شهدها العراق وفوز كتلة مقتدى الصدر في الانتخابات البرلمانية لم تكن لصالح كلٌ من تركيا وإيران اللتان عمدتا إلى التأثير على العملية الانتخابية التي يشهدها العراق، حيث عمدت تركيا ومن خلال الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى إقصاء كافة الأحزاب السياسية الكردية واستبعادها بالإضافة إلى محاولة السيطرة على منصب رئاسة الجمهورية مخالفا بذلك الاتفاق المبرم بين القوى الكردستانية حول تقاسم السلطة في الإقليم والعراق وطرح الحزب الديمقراطي مرشحه لرئاسة العراق هوشيار زيباري، لتكون هذه الخطوة محاولة للسيطرة على القرار السيادي للعراق.

من جانبٍ آخر حملت الزيارة الأخيرة التي قام بها قائد فيلق القدس سليمان قآني إلى العراق العديد من التساؤلات وإشارات الاستفهام والشكوك بعد اللقاء الذي جمع بين قآني مع قادة شيعة ممن تم استبعادهم من الانتخابات التي شهدتها  العراق، حيث إن غالبية الكيانات والشخصيات المتحالفة مع إيران لم تحقق أي نتائج في الانتخابات التي شهدها العراق وجرى استبعادها، وزيارة  سليمان قآني تأتي في سياق محاولات التضييق على أي محاولة للتقارب بين الكيانات الشيعية في الساحة السياسية ومحاولة من جانبٍ آخر إفشال المبادرة التي كان قد طرحها الرئيس السابق لجنوب كردستان مسعود البرزاني في توحيد الخطاب السياسي بين التيارات الشيعية في العراق، وذلك كون أي تقارب بين الكتل الشيعية في العراق من الممكن أن يفتح باب التساؤل حول الوجود والنشاط الإيراني في العراق.

لا يخفى بأن المشهد السياسي في العراق يعُّد بالغ التعقيد وبشكل خاص بعد سيطرة مقتدى الصدر على غالبية المقاعد البرلمانية الأمر الذي خلط أوراق الأجندات الإقليمية والدولية في العراق ومن جانبٍ آخر بقاء الولايات المتحدة الأمريكية متفرجة على المشهد دون الاقدام على أي تحرك مما يعني استمرار الضبابية التي تحيط بالمشهد السياسي لمستقبل العراق إلى مستقبلٍ غير معلوم.

زر الذهاب إلى الأعلى