زيارة وزير خارجية إيران للسعودية والترقّب الحذر

 

 

بعد الوساطة الصينية عادت العلاقات بين إيران والسعودية منذ آذار الماضي، وكان لذلك أثر كبير على  التغيّرات الدبلوماسية في الشرق الأوسط، وقد أكّد وزير خارجية إيران في العاصمة السعودية يوم الخميس على أهمية الوحدة والتعاون والحوار، وأنّ العلاقات بين الجانبين-حسب تصريحه- تتّخذ مساراً صحيحاً،  وبدا من خلال الاجتماع وتصريحات الجانبين أنّه لم يتجاوز الجانب البروتوكولي سياسياً وإعلامياً، وفيها شدّد عبد اللهيان على دعم إيران للقضية الفلسطينية، فيما تخوض السعودية مفاوضات مع الولايات المتّحدة حول التطبيع المرتقَب مع إسرائيل، وربّما هذه من أهم بواعث الزيارة الايرانية من خلال وزير خارجيتها للسعودية في هذا التوقيت بالذات، في محاولة من إيران تقويض النفوذ الامريكي في منطقة الشرق الاوسط وسوريا بالتحالف مع روسيا والصين، وتشكيل حلف وقطب مناهض للولايات المتحدة وإسرائيل؛ لذلك قدّمت إيران الدعم الكبير لروسيا في حربها مع أوكرانيا.

 ورغم مناقشة التعاون الاقتصادي والأمني بين الجانبين، إلّا أنّه لم يتم التوقيع على اتفاقيات جديدة، إنّما كان التركيز حول الترتيب لفتح السفارتين في عاصمة الدولتين كل من طهران والرياض، علماً أنّ السعودية قد أكملت الإجراءات لفتح السفارة وتعيين السفير الإيراني لاستكمال فتح السفارة الإيرانية في السعودية، كما طُرِحت فكرة لقاء قادة البلدين دون تحديد موعد لذلك، وتسعى إيران لتدعيم فكرة توحيد العالم الإسلامي السنّي والشيعي وطرح حوار وتعاون إقليمي تقصد فيه إيران مجابهة الغرب والولايات المتحدة وإضعاف نفوذها خاصة في الخليج والعراق وسوريا، وفي المقابل تردّ الولايات المتحدة بتزويد منطقة الشرق الاوسط بحاملات الطائرات بنوعيها ف16 وف35 وزيادة عدد جنودها إلى 3000 ودعم حلفائها في شرقي الفرات وقوات سوريا الديمقراطية وقاعدة التنف، وسط ضربات إسرائيلية مستمرّة على السلاح الإيراني ومرتزقته مع الحرس الثوري ومخازن أسلحته في سوريا ومحيط دمشق والبادية وغيرها، ورغم الخلافات القوية والمتناحرة بين الدولتين الإقليميتين (السعودية وإيران) فقد كان لاستئناف العلاقات بين الجانبين أثر على العرب والدول العربية؛ فقد جرى إلى حدّ ما انفتاح الدول العربية على دمشق، مثل سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة  والسعودية والأردن والعراق، وعودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، وتطوّر ما تُسمّى بالمبادرة العربية التي لم تأتِ أُكُلَها بعدُ، ورغم دعم الجانبين لقوى وفصائل في اليمن وسوريا ولبنان لكن نستطيع القول أنّه قد جرى بعض الركون والهدوء في معسكر اليمن الذي تدعمه إيران، نتيجة للجهود السعودية لدعم السلام والاستقرار في المنطقة، والملاحَظ من هذه الاتفاقية الإيرانية -السعودية برعاية صينية تحوّل في الأسلوب الإيراني السياسي في التعاطي مع البلاد العربية، خاصة الدول الخليجية والسعودية والإمارات، وتفتح معها قضايا الأمن والتجارة، سعيًا منها لتكون أكثر فائدة من الغرب والولايات المتحدة، والتي ترى طهران أنّها تبتزّ حلفاءها من العرب ذوي العلاقة والأحلاف التقليدية مع أمريكا، والذين هم في حالة خوف وقلق من المارد الإيراني المتسلّح بالفكر الديني الشيعي، ويدفعهم نحو طلب العون من أمريكا واسرائيل في الحماية والدعم بالسلاح، والدليل إقامة بعض دول الخليج العربي علاقات مع دولة إسرائيل، مثل سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة البحرين، في محاولات أمريكية حثيثة أن يصل الامر إلى المملكة العربية السعودية، بل وصل الأمر بدولة الإمارات إلى الانضمام إلى تحالف بحري مع إيران، لحماية مصالحها رغم احتلال إيران للجزر الإماراتية في الخليج (طنب الكبرى وطب الصغرى وأبو موسى)، ومالت إيران أكثر إلى الدول العربية، وتسعى بشكل قوي  لتطبيع العلاقات مع مصر وكذلك مع سلطنة عمان في مجال اتفاقيات التنمية لدعم الاستقرار في جوارها، والملفت أنّ إيران تدعو إلى منتدى إقليمي دون مشاركة أمريكا وإسرائيل، في سعي منها لتقوية القطب المناهض لأمريكا بمشاركة مع الدول المناهضة  للسياسة الغربية؛ كل هذا لا يعني أنّ الأمور بين إيران والدول العربية تجري على ما يُرام؛ فلا تزال إيران تحتلّ الجزر الإماراتية كما نوّهنا، ولاتزال على خلاف مع الكويت حول حقل غاز مشترك جوارهما، ومع السعودية لدعمها الحوثيين في اليمن، ويبدو أنّ إيران قد أدركت أنّها باعتمادها سياسة القوة إنّما تثير الرعب في جيرانها العرب، وتدفعهم للوحدة والوقوف صفّاً واحداً تجاه ذلك، وتدفعهم للاحتماء بقوى خارجية كبرى كالولايات المتحدة وإسرائيل؛ لذلك سعت إيران لتغيير استراتيجيتها لتصبح أكثر ليناً وجاذبية لدول المنطقة، ولذلك سعت إدارة بايدن نحو تقارب يصل إلى حدّ  التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وهذا ما لا تريده طهران بل تصبح قلقة بشأنه.

 ولدى الولايات المتحدة رغبة ببقاء إيران دولة قوية ونافذة، كما أعربت أكثر من مرّة أنّها لا تسعى إلى تغيير النظام في إيران، وذلك إثر المظاهرات السلمية والاحتجاجات التي عمّت إيران على مدى أشهر متتالية طالت كلّ المحافظات الإيرانية، خاصة في كردستان وطهران وعربستان وبلوشستان وأذربيجان وغيرها على إثر مقتل الفتاة الكردية (جينا أميني) وعُدّت هذه الاحتجاجات بمثابة ثورة المرأة الإيرانية والتي كان شعارها (( جين جيان آزادي )) والتي تعني (الحرية، الحياة، المرأة) ولم يتعدّ دعم الولايات المتحدة سوى بعض خدمات الأنترنت لتحقيق التواصل بين المحتجّين، فسياستها قائمة على الاستفادة من التوتّرات والتناقضات الإقليمية؛ حيث عقدت صفقة لتبادل الرهائن مع إيران الذين كانوا معظمهم من ذوي الجنسية المزدوجة مقابل الإفراج عن أموال إيرانية كانت مجمّدة في كوريا الجنوبية عن طريق سويسرا وقطر، لذلك فكلّ من إيران والمملكة العربية السعودية مدركة للتغيرات الحاصلة في المنطقة، وكلّ يسعى إلى أجنداته في ظلّ التغيّرات الإقليمية، ولذلك يتناهى إلى الذهن أيضاً أن يتقارب النظام السوري والإدارة الذاتية وقوات سوريا الديموقراطية وبرعاية إيرانية، لتحييدها وعدم محاربة القوات الإيرانية وقوات النظام والحرس الثوري الإيراني، ويمكن أن يحصل هذا التقارب إذا ما جرى الاعتراف بالإدارة الذاتية الديمقراطية من قبل النظام السوري.

زر الذهاب إلى الأعلى