مجازر داعش وخطر عودتها من جديد

مجازر داعش وخطر عودتها من جديد

في العصر الحديث ظهر ما كان من الممكن أن يحمل في جُعبته انعطافهً كبيرةً في التاريخ من كافة النواحي، والذي حتى بعد زواله الجغرافي لازالت آثاره مستمرة بذات الخطورة والمخاوف المحدقة من كل صوب أنه” تنظيم داعش”، هذا الإرهاب الذي يمكن تصنيف مجازره ووحشية القتل الفردي والجماعي ضمن أبشع مجازر شهدها التاريخ الحديث. عندما يتم التحدث عن مجازر داعش تتصدرها مجزرة الشعيطات التي حصلت في آب من العام /2014/ تلك المجزرة التي استهدفت عشيرة كاملة بمنطقة دير الزور، والتي اشتعلت شرارتها الأولى أثر قتل شاب في منزله من قبل عناصر مغاربة من تنظيم داعش في بلدة أبو حمام ومن ثم إعدام جاره ذبحاً بالسكين على الملأ في سوق القهاوي وعندها “هبّة الشعيطات” الذين انتفضوا في وجه إرهابي داعش وأحرقوا مقراته وطردوهم خارج المنطقة. كان رد التنظيم وحشياً وذلك بِجلّب أكثر كتائبهم إرهاباً وهمجية وهي كتيبة ما تسمى” البتار” المغاربية وقصف البلدة بشكل عشوائي، واستمرت المعارك بشكل دموي لمدة ثلاثة أسابيع كانت المقاومة كبيرة من قبل أبناء الشعيطات ما أجبر داعش على جَلّب عشرات ألاف إرهابي من العراق لتضطر قبيلة الشعيطات على أثر ذلك للانسحاب نحو القلمون الشرقي، ولم يتبقَ إلا المدنيون والذين امتلأت لاحقاً شوارع وساحات “الكشيكية والغرانيج وأبو حمام” بجثثهم في مشهد يدمي القلب، كل ذلك نتيجة فتوى من أميرهم الإرهابي” أبو عبدالله الكويتي” بقتل كل من بلغ الحُلُم من أبناء الشعيطات وسلب أموالهم وتهجيرهم، لاحق التنظيم الإرهابي كل من ينتمي إلى العشيرة ليُصبح القتل على الهوية! حيث أعدم من أبناء العشيرة 70 في الميادين   150 في هجين 170 في بلدة العشارة وفي حقل العمر وتم اعتقال500 شخص أعدم منهم300   شخص ووفق إحصائية للمرصد السوري لحقوق الأنسان فقد أعدم أكثر من700   شخص وهُجر أكثر من 5000 شخص فيما لايزال مصير المئات مجهولا حتى الأن.

هكذا كانت تعمل داعش في إخضاع أي منطقة لسيطرتها بالترهيب والإعدامات الميدانية فأعمالهم الإرهابية بحق شعوب المنطقة لا يمكن وصف بشاعتها، بإرهابهم هذا تعددت المجازر والقاتل واحد وقبل مجزرة عشيرة الشعيطات ارتكب داعش ما هو أكثر بشاعة ففي الثالث من آب2014 ارتكب داعش أفظع المجازر وأبشعها في التاريخ المعاصر بحق الإيزيديين في شنكال، أرتقت هذه المجزرة إلى التطهير العرقي والإبادة الجماعية، حيث طالت رجال الإيزيديين وشيوخهم ولم تستثن طفلا أو إمرأة حيث تم الكشف عن/83/ مقبرة جماعية حتى الآن علما أن هناك مقابر لم تكتشف بعد والتي راح ضحيتها نحو خمسة ألاف ايزيدي.

هذا الإرهاب الذي لم يسلم منه لا البشر ولا الشجر ولا الحجر،  تم تقديم آلاف الشهداء في سبيل التخلص والتحرر من ظلمه من قبل مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية الذين ألقوا المسؤولية على عاتقهم والتصدي لهذا الإرهاب، هذه القوات التي مازالت تحارب وتلاحق خلايا داعش وذئابها المنفردة دون أي تقدير من القوى الدولية بل تلتزم الصمت حيال استهداف المسيرات التركية لمن أوقف داعش والذي يبادر للذهن بأنها تنتقم لداعش فهذه الاستهدافات سواء بالمسيرات أو القصف العشوائي لا تفرق بين مدني وعسكري فمن بين ضحايا المسيرات أطفالاً ونساءً وشيوخاً ومن آثار تلك القذائف تدمير منازل وتهجير عائلات.

إن الاستقرار والأمان النسبي الذي حققته قوات سوريا الديمقراطية بدماء شهدائها تنتهكها الآن تركيا بكل السبل والطرق بحرب سياسية وعسكرية واقتصادية الأمر الذي يطيل من عمر الأزمة السورية، بالإضافة إلى أهم جانب وهو تقديم المتنفس لخلايا داعش لإعادة إحياء نفسها وضرب المنطقة والعالم في أي لحظة، فهذه التهديدات تقوض جهود مكافحة إرهاب داعش وتخفف من القبضة الأمنية على عناصره المترقبين لزعزعة الاستقرار والانقضاض، لإحياء تنظيمهم الزائل من جديد.

إن التهديدات التركية من الممكن ان تكون الباب الذي يُفتح على مصراعيه لعودة داعش، فأكثر أصحاب المصلحة في زعزعة الاستقرار في الشمال السوري هو تنظيم داعش لتنفيذ مخططاته بالعودة من جديد وأي عملية عسكرية أو حتى استمرار القصف والتهديدات المزعزعة للاستقرار، تعطي لخلايا داعش النائمة القدرة على التواصل بأريحية وتوسيع مجال نشاطهم الجغرافي، وفي ظل مكافحة قوات سوريا الديمقراطية لآثار داعش وخلاياها والتي تستمر في حملاتها الأمنية لضبط الاستقرار وتقويض إمكانية داعش من تنفيذ أي عمليات إرهابية داخل سوريا أو خارجها. والجدير بالذكر أن الهجوم على سجن غويران في الحسكة يُنذر بخطر كبير لقدرات خلايا داعش النشطة والمُخطط الذي كان مرسوماً للسيطرة على مدينة الحسكة والتمدد سريعا هذا كله يمكن أن يكرر تنفيذه بأعداد أكبر وإمكانيات أكثر إذا ما استمرت تركيا بمخططاتها وتهديداتها وإشغال قوات سوريا الديمقراطية بجبهات أخرى على طول الحدود في الشمال، كما لابد من الأخذ بالحسبان أن مخيم الهول قنبلة موقوتة ويمكن أن ينفجر في أي دقيقة وما يشير إلى تحركات خلايا التنظيم داخل المخيم عمليات الاغتيال التي تحصل بين الفينة والأخرى وحفرهم لأنفاق وكل ذلك يدل على وجود نواة للتنظيم داخل المخيم. وعليه يتوجب على المجتمع الدولي الكف عن مسايرة تركيا على حساب السلام والأمن العالميين، وخطر تكرار مجازر أخرى مثل مجزرة عشيرة الشعيطات أو تطهير عرقي كالذي حدث مع الإيزيديين في شنكال. فأي هجوم لتركيا هو إشارة خضراء لداعش للعودة من جديد وتنفيذ مخططات إرهابية جديدة ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال التصعيد الكبير لداعش بمواكبة تصعيد اللهجة التركية بتهديداتها وقصف المسيرات والمدفعية على طول الشريط الحدودي، كما يمكن الإشارة إلى أن خلايا داعش تقوم بتنفيذ عمليات اغتيال لشخصيات عشائرية مستهدفين تمسك أبناء العشائر بسياسة الإدارة الذاتية وإحداث شرخ في القوة التنظيمية للقوات الأمنية والعسكرية وهذا يخدم بالدرجة الأولى أجندة الدولة التركية ويتضح أيضا من خلال هذه المواكبة للتصعيد وجود تعاون بين هذه الخلايا والاستخبارات التركية.

المتغيرات المتسارعة في الأزمة السورية والتقلبات في المواقف يبقي الباب مفتوحاً أمام كل الاحتمالات وكلها تدور في أمكانية عودة داعش وهي حين عودتها قد تتلقى الدعم من الدول الإقليمية الراغبة في الهيمنة على المنطقة، ويبدو إن خلاياها تتلقى بشكل منسق التوجيهات والمعدات من قبل الأطراف المتربصين بالإدارة الذاتية.

على الرغم من قيام قوات سوريا الديمقراطية بحماية مكونات المنطقة وحتى العالم من مجازر داعش، إلا أنها لم تتلق من المجتمع الدولي ما هو منتظر منه وذلك عبر التنديد بالاستهدافات والتهديدات التي تنتقم لهزيمة داعش ليس إلا.

زر الذهاب إلى الأعلى