ديناميات الحوار بين إقليم شمال وشرق سوريا ودمشق

لم تكن الأزمة السورية قائمة على إسقاط النظام فقط، بل امتدت لأكثر من نصف قرن مضت، وكانت قائمة على الدوغمائية ورفض الاعتراف بمكوّنات الشعب السوري؛ فهذا النظام “النظام البائد” عمل على تفكيك النسيج السوري لضمان استمراريته، وهو ما أدّى إلى خلق أزمة خانقة بين مكوّنات الشعب السوري والسلطة المركزية. إنّ ربيع الشعوب الذي عصف بالمنطقة، ومن ضمنها سوريا، لم يكن من أجل إسقاط الأنظمة الحاكمة فحسب؛ بل من أجل نيل الحقوق السياسية والثقافية والاقتصادية ضمن نظام ودستور يحفظ تلك الحقوق ويمنع أي سلطة حاكمة جديدة من إعادة استخدام أساليب النظام البائد لخدمة نظامه الجديد.
بقدر ما كانت هناك نتائج إيجابية في الأزمة السورية والتي أنهت النظام القمعي في سوريا، فإنّها كذلك أفرزت نتائج سلبية خلقت أزمة بين مكوّنات الشعب السوري، كان سببها في المقام الأول تلك الفصائل العسكرية المرتبطة بأجندة خارجية “إقليمية”، خاصة تلك العمليات المرتبطة بالتغيير الديمغرافي في الشمال السوري المحتل، وبُعد تلك الفصائل عن تطلّعات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية، وارتكابها (مرتزقة العمشات والحمزات والسلطان مراد) مجازر بحق المكوّنات، كالمكوّن العَلوي والدرزي، بغضّ النظر عن الانتهاكات التي ارتكبها المرتزقة أو دولة الاحتلال التركي بحق الشعب الكردي في مناطقه المحتلّة (عفرين وكري سبي وسري كانيه)، أو التي ارتكبها النظام البعثي على مدار نصف قرن، وكذلك العمليات العسكرية التي استمرّت حتى بعد سقوط النظام.
وتكمن المعضلة الكبيرة لدى النظام الجديد في عدم اعترافه بمكوّنات الشعب السوري، وذلك من خلال الإعلان الدستوري وفرض سياسة اللون الواحد ورفضه التضحيات التي قدّمتها أطراف ناضلت في سبيل إيصال الشعب السوري إلى مستقبل أفضل يقوم على شكل نظام جديد ديمقراطي تعدّدي يُنهي معاناة الشعب السوري ويحافظ على وحدة الأراضي السورية.
أهمية الحوار في سوريا
بعد سقوط نظام الأسد 8/12/2024 بات الحوار بين مكوّنات الشعب السوري والقوى الوطنية الفاعلة ضرورياً لحلّ ما خلّفته الأزمة السورية على مدار أكثر من عقد، وإزالة آثار السياسة التي انتهجها النظام البعثي على مدار أكثر من نصف قرن، والتي كانت السبب الرئيسي في تفكيك النسيج السوري ووصول سوريا إلى ما هي عليه اليوم.
فالحوار البنّاء والمفاوضات بين تلك الأطراف بعيداً عن التدخّلات الخارجية سيُجنّب الشعب السوري المزيد من الأزمات التي قد تعصف بالبلاد وقد تكون مخاطرها أكبر؛ كون الحوار سيكون بين مكوّنات الشعب السوري والقوى الوطنية؛ وفي حال التغاضي عن الحوار الوطني أو فشل المفاوضات فإنّ ذلك قد ينذر بتفكّك المجتمع السوري وتمزيق وحدة الأراضي السورية، وقد تستغلّ التنظيمات الإرهابية ذلك سواء في خدمة أجندتها في سوريا أو لخدمة أجندة الجهات الخارجية التي قد ترغب في استمرار الأزمة السورية. حيث أنّ المكوّنات السورية بعد مجازر الساحل باتت تخشى تكرار نفس السيناريو في مناطقها؛ لذا تتجه نحو تشكيل مجالس عسكرية خاصة بها لحماية أبنائها من الفصائل الإرهابية والجماعات المنفلتة داخل الجيش السوري الجديد، وتعمل كذلك على المطالبة بحقوقها الدستورية. كما أنّ الوضع الحالي يفرض أن تكون هناك خطط وبرامج للاستفادة من التجارب والخبرات العملية بشكل أفضل لمواجهة التحديات المشتركة؛ فأيّ اتفاق سوري أو حوار وطني سيقطع الطريق أمام جميع أشكال التدخّلات، وسيكون بمثابة قطع للذرائع، وبناء علاقات حُسن الجوار بناءً على المصالح الوطنية العُليا.
العمل المشترك بين الإدارة الذاتية والحكومة المؤقّتة
- اتفاقية “شيخ مقصود والأشرفية” والتوصّل إلى خطّة عمل واضحة تتضمّن جدولاً زمنياً من أجل عفرين وعودة المهجّرين إليها، إلى جانب ملف تبادل الأسرى وتبييض السجون لدى الطرفين، وخلق الحجج من قبل سلطة دمشق قد يأتي نتيجة الضغوط التركية عليها، خاصة فيما يتعلّق بأسرى وحدات حماية المرأة لديها.
- اتفاقية عبدي – الشرع، وإنهاء جميع الهجمات والعمليات العسكرية داخل الأراضي السورية. كما تمت مناقشة القضية الكردية بوصفها قضية وطنية سورية؛ حيث شملت المباحثات القضايا الأساسية المتعلّقة بالإدارة الذاتية ومؤسساتها، إلى جانب القوات العسكرية والأمنية، وكيفية دمجها كجزء من المؤسسات الوطنية السورية، وقد تم الاتفاق على استمرار المفاوضات التفصيلية من خلال لجان مختصة، مع بحث آليات عمل المؤسسات السيادية بالتنسيق مع دمشق، وضمان خصوصية المؤسسات المحلّية بما يعبّر عن إرادة المجتمعات المحلّية في إدارة شؤونها وتمثيل تطلّعاتها.
- اتفاق مبدئي حول النفط بين قسد والحكومة السورية، حيث أكّدت الإدارة الذاتية الديمقراطية أنّ الثروات الموجودة، مثل النفط والغاز وما إلى ذلك، هي ملك الشعب السوري، وأنّها مستعدّة لتسليمها للسلطة في دمشق بعد التوافق على نظام الحكم في سوريا، وتُعتبر رغبة الإدارة الذاتية في توزيع الثروات في سوريا بشكل يحقّق العدالة الاقتصادية لكل السوريين خطوة إيجابية من قبلها.
- اتفاقية سد تشرين ووقف العمليات العسكرية حول محور سد تشرين.
- مخيم الهول والذي يضمّ الآلاف من عوائل تنظيم داعش؛ حيث تم النقاش دون التوصّل إلى اتفاق نهائي حول كيفية إعادة العوائل السورية إلى مناطقها وتأهيلها لدمجها في المجتمع، وسماح قسد لوفد من دمشق ولأوّل مرّة بزيارة مخيم الهول يُعتبَر بادرة حُسن نيّة لإنهاء ملفّ المخيّم أو حتى في طبيعة أو شكل إدارته.
- وهناك ملفّات ما تزال قيد النقاش، كملفّ التعليم.
بغضّ النظر عن وضع سلطة دمشق للعراقيل أمام التفاهمات والاتفاقيات المبرمة مع الإدارة الذاتية، والتي قد تكون نتيجة لتدخّلات إقليمية غير معلنة؛ إلّا أنّ مجرّد وجود اجتماعات دورية ومستمرّة يخلق نوعاً من الطمأنينة لدى الشعب السوري بجميع مكوّناته؛ فالتوافق ما بين السلطة في دمشق والإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا سيشكّل بداية مرحلة جديدة لكلّ سوريا وبجميع مكوّناتها للبدء بمرحلة البناء السياسي بمشاركة جميع الأطياف، وكذلك سيؤدّي لإسدال الستار على مرحلة عاش خلالها السوريون جميع أشكال البؤس والحرمان والاستبداد، وسيُنهي كل الصراعات الدموية منذ سيطرة نظام البعث وحتى الآن.
كما ترى الإدارة الذاتية أنّ نجاح الحوار المرتقَب يتطلّب عدم وضع شروط مسبقة عليه للوصول إلى الأهداف، فضلاً عن أهمية التعامل الواضح لفهم مشروع الإدارة واستيعابه.
الأطراف الخارجية الفاعلة في سوريا
قبل سقوط النظام كانت سوريا مقسّمة بين فريقين متباينين؛ الفريق الأول انتهى بسقوط النظام “النظام السوري البائد وإيران وروسيا” أمّا الفريق الثاني “الولايات المتحدة وتركيا ومعها إسرائيل وفرنسا” الذي بات يتحكّم بالملف السوري بشكل مطلق.
هذه الدول – وإن اختلفت فيما بينها – إلّا أنّها تبقى شركاء وحلفاء ويمكنها حلّ خلافاتها بوضع خطوط حمراء فيما بينها مع الحفاظ على مصالحها في سوريا بغضّ النظر عن تطلّعات الشعب السوري. كما أنّها تمتلك التأثير على النظام الجديد ومنعه من اتخاذ خطوات من شأنها أن تعزّز الديمقراطية، ويمكنها أن تفرض إملاءاتها على الحكومة المؤقتة، وهنا نخص بالذكر الدولة التركية، الجار الذي يرفض أي شكل جديد للنظام السوري ويصر على المركزية ويرفض دستوراً جديداً يضمن حقوق المكوّنات السورية وحقوق الشعب الكردي في روج آفا، بعكس الدول الأخرى (أمريكا وفرنسا وإسرائيل) التي ليست لديها أي إشكالية تجاه شكل النظام في سوريا “مركزي – فيدرالي – لا مركزي” إلّا أنّها تؤكّد على حماية حقوق المكوّنات “الأقلّيات” السورية.
الأطراف الداخلية الفاعلة
- الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع
بصرف النظر عن التدخّلات الخارجية التي ساعدت في إسقاط النظام فإنّ هيئة تحرير الشام كانت اللاعب الرئيسي في العمليات العسكرية التي أنهت وجود النظام البائد، ثم شكّلت حكومة انتقالية ذات لون واحد، وإعلان دستوري رفضته أغلب مكوّنات الشعب السوري.
- نقاط القوة
استطاعت الحكومة المؤقتة تعويم نفسها بفضل الدعم الكبير الذي قدّمته المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة، والمصالح الدولية والإقليمية التي تتطلّب منها الانفتاح على هذه الحكومة – رفع العقوبات الدولية عن النظام الجديد – الاستثمارات الاقتصادية التي بدأت مع رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية واليابانية – وجود قوى إقليمية (تركيا وبعض الدول العربية) داعمة لها.
- نقاط الضعف
الإصرار على اللون الواحد، ولا تمثّل الشعب السوري بكل أطيافه ومكوّناته، وعدم قدرتها على كبح الفصائل الموالية لتركيا في الشمال السوري المحتل، وجود فصائل غير منضبطة ضمن تشكيلات الجيش السوري الجديد، التعيينات العسكرية لقادة فرق متّهمين بارتكاب انتهاكات ومجازر، وجود خلافات مع المكوّن الدرزي والعلوي ومع الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، ورغبة هذه المكوّنات في إقامة نظام ديمقراطي تعدّدي، بروز خلافات عقائدية بين تنظيم داعش والرئيس المؤقّت السيد أحمد الشرع؛ وهو ما قد يشكّل تهديداً عليهم، خاصة مع وجود مقاتلين، سواء مقاتلين أجانب أو سوريين، ما يزالون يحملون فكر التنظيم داخل مؤسسات النظام العسكرية والأمنية.
- الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا
تشكّلت الإدارة الذاتية في خضمّ الأزمة السورية، وسلكت طريق مغايراً قائماً على مبدأ الحفاظ على مناطقها وحمايتها من التنظيمات الإرهابية، وتحرير المناطق من تنظيم داعش الإرهابي في شرقي الفرات، وعدم التصادم لا مع النظام البائد ولا حتى ما كانت تُسمّى بالمعارضة السورية ولا مع فصائلها المسلّحة، وإنشاء إدارة ذاتية يضمن حقوق كل المكوّنات في مناطقها، ويُعَدّ نموذجاً يمكن أن يكون نواة لنظام سوري أشمل قائم على الديمقراطية والتعدّدية، وقد امتلكت الإدارة الذاتية قوة عسكرية وأمنية منضبطة تتشكّل من أبناء جميع المكوّنات “قوات سوريا الديمقراطية والأسايش” وهي ذات خبرة قتالية عالية في محاربة التنظيمات الإرهابية وفي نشر الأمن.
- نقاط القوة
تُعتبر الإدارة الذاتية من أفضل النماذج التي شهدتها المناطق السورية خلال الأزمة السورية قُبيل سقوط النظام مقارنة بمناطق ما يُسمّى بالإتلاف السوري المعارض “الحكومة المؤقتة ” في الشمال السوري المحتل، وبمنطقة هيئة تحرير الشام “حكومة الإنقاذ” في إدلب، وحتى بمناطق النظام البائد، فبامتلاكها قوات الأمن الداخلي “الأسايش” استطاعت نشر الأمن في مناطقها، كما أنّها تمتلك قوة عسكرية كبيرة متمثّلة بقوات سوريا الديمقراطية، شراكة قسد مع التحالف الدولي في محاربة تنظيم داعش واستمرار دعمها رغم الضغوط التركية لإنهاء هذه الشراكة، نسيج اجتماعي متماسك بين مكوّنات المنطقة، امتلاكها عقداً اجتماعياً يضمن حقوق جميع المكوّنات في المنطقة، وحدة الصف الكردي، ومحاولات بعض المكوّنات في سوريا تطبيق نموذج الإدارة الذاتية في مناطقها، كما أنّ المكوّن الكردي الذي يشكّل المكوّن الثاني في المجتمع السوري يؤيّد مطالب الإدارة الذاتية في تغيير شكل الحكم في سوريا، ويؤيّد صياغة دستور جديد يضمن حقوق جميع مكوّنات الشعب السوري، إلى جانب غنى مناطقها بالثروات الباطنية والمحاصيل الاستراتيجية.
- نقاط الضعف
لا تمتلك قوة دعم دولية فاعلة تجاه مشروعها السياسي ” مطالبة الإدارة بتغيير نظام الحكم في سوريا فيدرالي أو لا مركزية” على الرغم من تأكيد المجتمع الدولي على حقوق المكوّنات السورية، وعداء تركي ومرتزقتها المستمر للإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية وتأثيرها على الوضع الأمني والاقتصادي في المنطقة، والمصالح الدولية التي قد تؤثّر على مشروعها الديمقراطي.
نقاط الاختلاف والتوافق التي تجمع الطرفين
- نقاط الخلاف بين الطرفين:
لكل طرف إيديولوجية مختلفة، وهناك خلاف بينهما حول شكل نظام الحكم في سوريا (فالحكومة الانتقالية تصرّ على المركزية، أمّا الإدارة الذاتية فتطالب باللامركزية)، وهناك خلاف حول شكل الجيش السوري الجديد (فالحكومة الانتقالية تصرّ على ضمّ قوات سوريا الديمقراطية للجيش السوري الجديد دون أي خصوصية، وهنا للدول الإقليمية تأثير عليها تجاه هذا المطلب، بينما تصرّ قوات سوريا الديمقراطية على خصوصيتها ضمن الجيش السوري الجديد، خاصة أنّها شريكة التحالف الدولي في محاربة تنظيم داعش)، كما أنّ الحكومة الانتقالية تطالب ببسط سيطرتها على كامل جغرافية الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، بينما ترفض الإدارة الذاتية وتؤكد على مكتسباتها التي ارتوت بدماء عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى طيلة الأزمة السورية. وغيرها من نقاط الاختلاف حول ملفات إدارية وتعليمية …
- نقاط التوافق بين الطرفين
الطرفين متّفقان على تشكيل جيش سوري جديد؛ أي أنّ قوات سوريا الديمقراطية لا ترفض الانضمام إلى الجيش السوري الجديد، وهي نقطة جوهرية يمكن البناء عليها والوصول إلى تفاهمات في المستقبل القريب بإنشاء جيش وطني جديد وفق هيكلية معينة، وجود اتفاقية بين مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية والسيد أحمد الشرع الرئيس السوري المؤقّت ويمكن اتخاذها قاعدة لتفاهمات سياسية واقتصادية وعسكرية أوسع، وجود ثقة إلى حدّ ما بين الطرفين من خلال اللجان والاتفاقيات المبرمة بينهما، والأهم من ذلك عدم وجود أي تصادم عسكري بين الطرفين حتى الآن، وهو مؤشر إيجابي لنجاح أي حوار أو مفاوضات بين الطرفين في المستقبل.
المفاوضات بين الوفد الكردي المشترك والحكومة الانتقالية
بعد توحيد الصف الكردي، تم تشكيل وفد لإجراء مفاوضات مع الحكومة الانتقالية حول حقوق الشعب الكردي في سوريا والمتمثّلة ضمن الوثيقة التي انبثقت من المؤتمر الكردي 26/5/2025، هذا الوفد هو جزء من وفد الإدارة الذاتية الذي يضمّ باقي المكوّنات من عرب وسريان وآشوريين، وجزء من مشروع الإدارة الذاتية، ليكون هذا الوفد الذي سيذهب إلى دمشق جامعاً لكلّ مكوّنات المنطقة ككتلة واحدة للمطالبة بحقوقها الدستورية، وتحويل سوريا إلى نظام ديمقراطي تعدّدي يضمن حقوق الشعب الكردي وحقوق المكوّنات السورية بجميع أطيافها. وإنّ نجاح الوفد الكردي المفاوض مع الحكومة المؤقّتة سيكون بمثابة حجر الأساس لدستور دائم يضمن حقوق المكوّنات السورية.
ضمن هذا السياق؛ إنّ الحوار الوطني هو بين طرفين يشكّلان محور الحل في سوريا، وقد يجنّب سوريا حرباً أهلية وأزمة جديدة تكون ذات تأثيرات أكبر من تأثيرات الأزمة التي عصفت بالبلاد زمن النظام البائد، وقد يتعدّى تأثيرها الداخل السوري لتطال المنطقة برمّتها.
فهناك نقاط قوة وضعف لدى كلا الطرفين، إلّا أنّه يمكن التعويل على النقاط والملفات التي تجمع الطرفين، ويمكن الاستفادة من نقاط القوة لبناء دولة ديمقراطية تعدّدية؛ فالشراكة القوية التي تجمع قسد بالتحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، ومطالب المجتمع الدولي من الحكومة السورية المؤقتة بالتعاون مع قسد لمحاربة الإرهاب تشكّل نقطة ذات أهمية كبيرة للنظام الجديد الذي ما يزال في موضع الاختبار رغم رفع العقوبات عنه، خاصة بعد إعلان تنظيم داعش الإرهابي وجود خلاف عقائدي مع السيد أحمد الشرع، وقيام التنظيم بشنّ هجمات إرهابية ضدّ حكومة السيد أحمد الشرع. لذا يمكن التعويل عليها في زيادة التنسيق بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري الجديد، خاصة في ظل عدم قدرة الشرع على ضبط الفصائل المنضوية تحت راية الجيش السوري الجديد، ووجود مقاتلين ما يزالون يتبنّون فكر التنظيم، حيث رفض التحالف الدولي انضمام الجيش السوري للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، وهو ما يدخل ضمن إطار عدم ثقة التحالف الدولي بالنظام الجديد، إلّا أنّ التنسيق المباشر مع قوات سوريا الديمقراطية والوصول إلى اتفاق حول هيكلية الجيش السوري سيكون دافعاً قوياً نحو قبول التحالف بضم الجيش السوري الجديد للتحالف الدولي في محاربة تنظيم داعش؛ فوجود قسد ومن ورائها التحالف الدولي سيشكّل دعماً كبيراً للشرع في محاربة التنظيم بشكل جدّي وفي زرع الثقة بين النظام والمجتمع الدولي.
كما أنّ تأكيد الإدارة الذاتية على أنّ الثروات الموجودة في مناطقها، مثل النفط والغاز وما إلى ذلك، هي ملك الشعب السوري، وأنّها مستعدّة لتسليمها للسلطة في دمشق، كما أنّ قدرة الحكومة المؤقتة على تنفيذ الاتفاقيات المبرمة مع قوات سوريا الديمقراطية، والتي تتعلّق بوقف إطلاق النار، وتمكّنها كذلك من ضبط الفصائل الموالية لتركيا، وإعادة النازحين إلى مناطقهم في “عفرين كري سبي وسري كانيه” ستكون خطوات كبيرة نحو سوريا ديمقراطية، ودستور موحّد يحفظ حقوق جميع المكوّنات في المجتمع السوري.
النظام الجديد ما يزال ضعيفاً؛ وضعفه يأتي من تهميشه للمكوّنات، وعدم قدرته على ضبط الأمن على كامل الجغرافية السورية، ووجود مناطق ما تزال محتلّة من قبل الدول الإقليمية، لكن تبقى المعضلة الأهم للوصول إلى حوار وطني بنّاء هي قدرة السيد أحمد الشرع على التخلّص من التبعية التركية، والتي تشكّل أكبر عائق أمامه للوصول إلى اتفاقيات نهائية بينه وبين الإدارة الذاتية، أو اتفاقيات مع المكوّنات السورية الأخرى، مثل العلويين والدروز، فالتأثير التركي على السيد أحمد الشرع وحكومته الانتقالية ما يزال واضحاً، وإنّ مبادرة السيّد عبد الله أوجلان للسلام قد تُنهي وتُبطل حجج أردوغان تجاه الإدارة الذاتية وتجاه شكل النظام في سوريا، وبالتالي قد تُسهم في إيصال سوريا إلى بَرّ الأمان.