الجولاني ومحاولات التعويم.. هل سينجح؟

زعمت “هيئة تحرير الشام” الفرع السوري لتنظيم القاعدة، أنها قطعت علاقاتها مع التنظيم الأم قبل خمس سنوات، مستخدمةً خطاباً حول مكافحة الجماعات الإرهابية الأخرى على أمل اعتراف أمريكا وبقية دول العالم التي لا تزال تصنفها جماعة إرهابية، بأنها حركة سياسية بعيدة عن التطرف.

تسيطر “هيئة تحرير الشام”، التي يتزعمها أبو محمد الجولاني، على محافظة إدلب في شمال غربي سوريا، واتخذت مسميات متعددة فمن “جبهة النصرة” إلى “جبهة فتح الشام” وصولاً إلى “هيئة تحرير الشام”، ضمن سلسلة من الإجراءات لتعويم نفسها، مدّعيةً إدارة شؤون الناس في المحافظة. فيما تواصل “الهيئة” من قمعها وانتهاكاتها بحق أهالي إدلب، ولم تُظهر بعد أي تراجع في سلوكياتها المتطرفة من جرائم معاركها الماضية التي ارتكبتها أو انتهاكاتها الحالية لحقوق الإنسان.

استغلت “الهيئة” التفاهمات التي جرت في 5 آذار 2020 بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس النظام التركي رجب أردوغان حول وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد الرابعة، فأصبحت إحدى أهم التشكيلات الإرهابية التابعة للنظام التركي في هذه المنطقة. ويأتي هذا التنسيق بين النظام التركي و”الهيئة” كنتيجةً لتوافق أمريكي- تركي، تعهدت من خلاله “الهيئة” بمحاربة كل التنظيمات الراديكالية وقياداتها.

واستفادت “الهئية” بإحكام سيطرتها على إدلب، في ظل حالة الاستقرار النسبي نتيجة الرفض “حلف الناتو” لأي عملية عسكرية في المحافظة، تقوم بها دمشق بدعم من موسكو. فالنظام التركي يدّعي أن أي عملية عسكرية ضد المحافظة سوف تتسبب بأزمة إنسانية جديدة، تتمثل بارتفاع عدد النازحين لنحو مليوني نازح.

كما تستغل “الهيئة” وزعيمها محاولات التعويم الدولية والترويج لها إعلامياً، لتظهرها على أنها حركة إسلامية معتدلة، بعيدة عن العنف ولا تعارض المصالح الغربية. فبعد رفض وزارة الخارجية البريطانية التعليق على تقريرٍ روسي حول لقاء بين ممثل عن هيئة الاستخبارات الخارجية البريطانية “MI-6″ المبعوث الخاص البريطاني الأسبق إلى ليبيا، جوناثان باويل” والجولاني، في سوريا، حول إمكانية شطب اسم “هيئة تحرير الشام” من قائمة التنظيمات الإرهابية. كشفت قناة WarGonzo في “تيليغرام” تفاصيل محاولة اقتحام عناصر من “الهيئة”، مقر مسلم الشيشاني قائد تنظيم “جند الشام”، الذي يتهم “الهيئة” بخيانة الأفكار الجهادية. ويسعى النظام التركي لتبرئة “الهيئة” من صفتها الجهادية وتقديمها كمعارضة علمانية.

أما الموقف الأمريكي، جاء من خلال، التصريح اللافت الذي أطلقه المبعوث الخاص السابق لسوريا جيمس جيفري لقناة PBS News، في شهر نيسان من العام المنصرم، حيث أكد جيمس جيفري حسب معهد كوينسي السياسي الأمريكي أن الفرع السوري لتنظيم القاعدة “ذخر للاستراتيجية الأميركية في سوريا”، وأن “هيئة تحرير الشام” هي “الخيار الأقل سوءاً من بين الخيارات المختلفة بشأن إدلب”.

إن الاعتراف بالهيئة، وإزالتها من قوائم الإرهاب، يدفع الجولاني للاستفادة من تجربة حركة طالبان في أفغانستان، وكذلك ما فعلته أيضاً أمريكا مع “الحزب الإسلامي التركستاني”، فالتفاهم الأمريكي مع النظام التركي يشي بإبقاء منطقة إدلب تحت سيطرة المعارضة، شريطة إنهاء التنظيمات الراديكالية الرافضة للتعليمات التركية الجديدة واستئصال قياداتها كأتباع الشيشاني وخلايا من “داعش”، و”حراس الدين”، التي اعتبرها الجولاني سابقاً مكوناً عسكرياً أساسياً في الساحة السورية.

بالمقابل، لا توجد رغبة روسية بإعادة تأهيل “الهيئة” ورفع صفة الإرهاب عنها. فموضوع ” هيئة تحرير الشام” ما زال قيد التفاوض والمساومة بين جميع الأطراف، هذا ما أكده البيان الختامي للجولة السابعة عشرة لما يسمى مسار أستانا، مما يصعّب موقف الجولاني.

وفي هذ الإطار، يأتي تكثّيف أبو محمد الجولاني ظهوره الإعلامي لترسيخ صورته بـ “اللباس المدني”، كـ”رجل دولة”، حيث ظهر مجتمعاً بأعضاء حكومته الجديدة التي قام بتشكيلها مؤخراً، وموجهاً بالسياسات التي يجب أن تنفذها “حكومة الإنقاذ”، كما ظهر مرّة أخرى ليُعلن افتتاح مشروع طريق حلب- باب الهوى، وذلك بغية كسب الحاضنة الشعبية وتسهيلاً في الحصول على دعمها. فيما استطاع الجولاني في السنوات الأخيرة السيطرة على المفاصل الاقتصادية في محافظة إدلب، فأنشأ عدداً من الشركات المحتكرة لسلع عديدة، بينها شركة “وتد” لتجارة النفط وشركات عقارية تنفّذ مشاريع بدعم مالي تركي- قطري، إضافة إلى الحوالات المالية وغيرها.

وفي أوائل نوفمبر 2017، شكلت “الهيئة” التي تسيطر على محافظة إدلب عسكرياً “حكومة الإنقاذ”، لتسيطر بدورها مدنياً وإدارياً. ورغم نفي الأخيرة تبعيتها لـ”الهيئة”، لكنها مشرفة على إدارتها من خلال “مجلس الشورى العام” وأغلبية أعضائه ينتمون لـ”الهيئة” ويناصرونها.

ويسعى الجولاني من خلال دعم الاقتتال الداخلي وتعميق حالة الفوضى بين الفصائل الإرهابية المتناحرة في الشمال السوري المحتل لقضم تلك المناطق بدعمٍ تركي، محاولاً الاستفادة من الأصوات المطالبة بتعويم “حكومة الإنقاذ” على حساب “الحكومة المؤقتة” (حكومة الائتلاف) المتهمة بالفساد. فضلاً عن استغلال المطالبة بوحدة الفصائل المسلحة بما فيها “الهيئة”، لحلها والسيطرة عليها.

 

ومن الجدير بالذكر، أنه في 3/2/2021، نشرت وزارة العدل الأمريكية على مواقع التواصل الاجتماعي، صورة لزعيم “هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولاني، مرتدياً بدلة رسمية، وذلك للتذكير بمكافأة مالية قدرها 10 ملايين دولار كانت قد عرضتها لمن يدلي بمعلومات عنه. وكتبت الوزارة عبر صفحتها “مكافأة من أجل العدالة”: “يمكنك أن تلبس بدلة حلوة أيها الوسيم، لكنك تبقى إرهابياً”.

ويبدو أن محاولات الجولاني، زعيم ” هيئة تحرير الشام ” لنزع صفة الإرهاب عنهم، تبقى رهناً لميزان الدول الفاعلة في الأزمة السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى