العقوبات الغربية على روسيا

 

فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا عقوبات متنوعة على روسيا، على إثر قيامها بشن عملية عسكرية واسعة النطاق على أوكرانيا. وقد ازدادت وتيرة العقوبات مع مرور الوقت حتى أن الرئيس الروسي لم يكن يتوقع هذا الكم من العقوبات التي ستطال روسيا. وقد طالت العقوبات البنك المركزي الروسي وصندوق الثروة السيادي، بالإضافة إلى إزالة بعض البنوك الروسية من نظام “سويفت” للتحويلات المالية العالمية، كما شملت العقوبات تجميد أصول الرئيس فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف ووزير دفاعه سيرغي شويغو، كما قرر الاتحاد الاوروبي حظر شراء الفحم الروسي والذي يقدر بمليارات الدولارات، وانضمت الولايات المتحدة إلى بريطانيا والاتحاد الأوروبي وكندا في حظر جميع الرحلات الجوية الروسية من استخدام مجالها الجوي، إلى جانب إغلاق الموانئ في وجه السفن الروسية، وقد قررت الولايات المتحدة وبريطانيا حظر النفط والغاز الروسي في رد على الغزو الروسي لأوكرانيا، وتعهد الاتحاد الأوروبي بإنهاء اعتماده على صادرات الغاز من روسيا بحلول عام2030, وغيرها من العقوبات التي طالت كافة القطاعات حتى الرياضة لم تسلم من العقوبات الغربية. وفي المقابل أعلنت روسيا، إغلاق مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية القادمة من 36 دولة سبق أن اتخذت إجراء مماثلا بحقها، كما وهددت بفرض عقوبات ضد الغرب، تتضمن تقليل أو قطع إمدادات الغاز لأوروبا.

وبالرغم من أن هذه الحرب هي بين روسيا وأوكرانيا إلا أن الحرب الحقيقية هي بين الولايات المتحدة وروسيا. بين دولة تحاول أن تكون قطباً ثانياً أو على الأقل أن تكون شريكة في النظام العالمي وبين دولة ترفض وجود دولة تقاسمها مناطق النفوذ في النظام العالمي. وحتى تستطيع الولايات المتحدة من إزاحة روسيا كمنافس لها على النظام العالمي كان عليها من اتباع سياسة العقوبات. لا مجال للشك بأن الولايات المتحدة أفسحت المجال لروسيا لشن حرب على أوكرانيا التي باتت على حد  زعم روسيا  تشكل تهديداً لها  بسبب مطالبتها بالانضمام إلى حلف الناتو. إلا أن روسيا على الرغم من استعداها للحرب منذ عدة سنوات واستعدادها لجميع السيناريوهات، إلا أنها لم تتوقع هذا الكم الهائل من العقوبات من الغرب، فالولايات المتحدة الأمريكية تحاول من خلال العقوبات تقويض الاقتصاد الروسي وتحويل أوكرانيا إلى مستنقع لاستنزاف قدرات روسيا العسكرية والاقتصادية وبالتالي إزاحتها من الساحة العالمية كمنافس للولايات المتحدة الأمريكية كقطب ثان.

إلا أن الولايات المتحدة حتى الآن لم تستطع التأثير بشكل مباشر على الاقتصاد الروسي أو على الروبل الروسي، كون تلك العقوبات تحتاج إلى فترة زمنية حتى تظهر بوادر تأثيرها على الاقتصاد الروسي، إلى جانب وقوف بعض الدول إلى جانب روسيا ولو بشكلٍ غير علني، واستطاعت روسيا بفضل مكانتها العالمية كمصدر للغاز والنفط الحفاظ على اقتصادها من الانهيار بل ازداد تحسن قيمة الروبل مقارنة بما قبل الحرب، حيث تم ربط الغاز والنفط بالروبل بدلاً من الدولار كما تم ربط الروبل بالذهب هذه السياسة أفرغت العقوبات الأمريكية من مضمونها إلى حد ما، لذا بدأت الدول الغربية البحث عن بدائل للغاز الروسي سواء من شمال أفريقيا ” الجزائر ثالث مزود لأوروبا من الغاز، ومن الغرب ومن نيجيريا”، لكن هذه الدول لن تستطيع سد حاجة أوروبا فهي بحاجة إلى غاز الشرق الأوسط لسد حاجتها من الغاز والاستغناء عن الغاز الروسي. كما لا بد من انضمام دول أخرى إلى العقوبات الغربية على روسيا، كدولة الاحتلال التركي حيث ستلعب دوراً بارزاً في زيارة تأثير العقوبات الغربية على روسيا، كما وقد تتحول تركيا إلى منطقة لعبور الغاز الشرق أوسطي إلى أوروبا بدلاً من الغاز الروسي.

وفي هذا السياق تحاول الولايات المتحدة عزل روسيا عالمياً، سياسياً عبر طرد الدبلوماسيين أو تقليص عدد العاملين في السفارة كما فعلت بريطانية وألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، واقتصادياً عن طريق وقف اعتماد الدول الأوروبية على واردات النفط والغاز الروسي, وحظر المنتجات الروسية، والضغط على حلفاء وشركاء روسيا وفرض عقوبات عليهم في حال تم خرق العقوبات المفروضة على روسيا، بحيث إن نجحت الولايات المتحدة في سياستها تجاه روسيا ستصبح روسيا محاصرة وفي طريقها لتصبح اقتصاداً شبه مغلقاً، مما سينعكس سلباً على العالم وقد تنشأ أزمة غذائية عالمية. هذا وتوقّع البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية أن ينكمش الاقتصاد الروسي بـ10% العام الجاري. ففي جميع الأحوال فإن روسيا ستعاني من أزمات اقتصادية جراء العقوبات الغربية عليها والتي ستنعكس على الوضع العسكري في أوكرانيا وقد تزيد من التصعيد ، ويكون العالم أمام أزمة اقتصادية كبيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى