داود أوغلو بين الانحياز للوفاق الديمقراطي أو القضاء عليه

إنَ الزخرفة الرئيسية للهوية القومية التركية التي تعمل على رسمها حكومة العدالة والتنمية الفاشية يومياً بالنسخة الحديثة أو الجديدة للجمهورية التركية، ومحاولة إقناع المجتمع التركي والعالمي بصورة هذه الزخرفة الهندسية الإسلاموية المعتدلة، وتحت هذا الغطاء الإسلامي الأوليغارشي والديكتاتوري الذي عمل أردوغان على تضمينه في الدستور بعد الانقلاب عام 2016، قام هذا التحالف القائم بين العدالة والتنمية AKP والحركة القومية MHP بتغيير ملامح الحياة السياسية والاجتماعية في تركيا، وتعتبر الخطوات التي قامت بها هذه الثنائية المتحالفة بقيادة أردوغان بعد عام 2016 من تغيير النظام من البرلماني إلى الرئاسي وتقييد جميع السلطات بيد أردوغان، فقد كبح جماح المؤسسة العسكرية وتصفية العناصر المضادة لهذا التحالف وللسياسة الجديدة من الاعتقالات والسجن المؤبد، وقطع مراحل في القضاء على المعارضة السياسية الشرعية وخاصة الكرد وبمختلف تمثيلاته السياسية في نظام الإدارة المحلية والبرلمانية والمجازر التي حدثت في المدن الكردستانية والاقتصاد المتأزم، كلها شبيهة للغاية بالعقد الأول والثاني من سلطة حزب الشعب الجمهوري CHP أي ما بين أعوام 1923 ـ 1935 فالذهنية السياسية الإقصائية طغت على كليهما، والنقطة البالغة الأهمية من هذه المقاربة بين مراحل التبلور والظهور والتسيُد من هيمنة حزب الشعب الجمهوري في بدايات الجمهورية التركية، وبدايات ظهور العدالة والتنمية ومراحل هيمنتها التي مرت بها وصولاً إلى الوقت الراهن، هي الانشقاقات والخلافات الحاصلة في صفوف كلا الحزبين،  فحزب العدالة والتنمية ونتيجة سياسة ونهج أردوغان ظهرت خلافات وانشقاقات في صفوف الحزب ومن المؤسسين لهذا الحزب كعبد الله غول وداود أغلو وعلي بابا جان، ويتشابه هذا الموقف إلى حد كبير مع فترة الخلافات التي ظهرت في الحزب الجمهوري بين مصطفى كمال أتاتورك ذو النهج الليبرالي وعصمت إينونو ذو النهج العسكري الفاشي في السيطرة على الحكم وارتكابهم مجازر كبيرة بحق الكرد في عام 1925 في آمد و 1936 في ديرسم والذي توج فيما بعد بوسام الهيمنة العسكرية على مفاصل الدولة واستمرار هذا النهج بالإضافة إلى الإبادة الثقافية للكرد وبشكل مختلف وممنهج مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم وتحالفه مع حزب الحركة القومية.

ومثلما جرت تلك المرحلة من استمرار الهوية القومية للنظام في تركيا بالمؤامرات والألاعيب القذرة والانقلابات الخفية والعلنية على السلطة يجري هذا السلوك في راهننا وبشكل أكثر احترافية، وما التكتلات قبيل الانتخابات والتشنجات التي تحصل داخل الائتلاف الحاكم بين تنظيم أرغنكون الجناح الموالي للنهج الأوراسي بالذات والعدالة والتنمية والحركة القومية، والحرب الكلامية في تصاريح رؤساء الأحزاب السياسية، والاتهامات الموجهة إلى المعارضة وبالذات إلى داود أوغلو وحزبه “حزب المستقبل” وحزب الشعب الجمهوري خير دليل على الألاعيب والمناورات الخفية خلف الستار، وذلك بالتوازي مع الاستمرار في الإبادة السياسية والثقافية ضد الكرد. وفي هذا الصدد تظهر الاتهامات بين الائتلاف الحاكم نفسه من جهة والاتهامات الموجهة ضد أحزاب المعارضة من جهة أخرى، سواء بحدوث انقلاب في تركيا أو الانتماء لحركة فتح الله غولان، والمثير في هذا الأمر الاتهامات الموجهة مؤخراً من قبل حزب الشعب الجمهوري وتنظيم أرغنكون المعروفة في تركيا بالدولة العميقة لحزب العدالة والتنمية بأنه الذراع أو الواجهة السياسية لحركة الخدمة في الوقت الذي يتهم فيه أردوغان هذا الاتهام لكل من يقف في وجه سياساته، واتهام دولت بهجلي لأحمد داود أوغلو بأن حزبه يمثل الوجه الجديد لحركة الخدمة، مما يدل على المناورات السياسية التي تجري في الخفاء داخل أجهزة الدولة بغية الحفاظ على السياسة القائمة من قبل الائتلاف الحاكم من جهة، حيث الاتهامات الموجهة إلى المعارضة وخاصة حزب المستقبل بقيادة أحمد دواد أوغلو وهو حزب لم يمضِ على تأسيسه سوى بضعة أشهر، وذلك على خلفية تراجع القاعدة الاجتماعية للحزبين الحاكمين وفقاً للاستطلاعات الرأي الرسمية، والتي قامت بعدة استطلاعات أفادت من خلالها بتراجع شعبية الأحزاب الحاكمة، ومن جهة أخرى سعي المعارضة إلى فضح السياسة الحالية وتوسيع قاعدتها الشعبية.

ومن خلال هذه المستجدات، يبرز سؤال حول مصير حزب “المستقبل” وغيرها من الأحزاب المعارضة في ظل واقع سياسي تركي فاشي، نظراً لموقع داود أغلو في الحياة السياسية التركية وشغله عدة مناصب رئاسية في حكومة العدالة والتنمية، فالحكومة التركية تخشى من ازدياد قاعدته الشعبية، لذلك يشن كل من حزب العدالة والتنمية والحركة القومية الهجمات الإعلامية على حزبه ومؤخراً اتهم رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي بأن حزب داود أغلو هو الوجه الجديد لحركة الخدمة، وما القانون الذي يعده أردوغان مؤخراً “قانون أخلاقيات في السياسة” والذي يهدف إلى حماية حزبه ووضع عقبات أمام كل من يحاول الانشقاق عن حزبه والانضمام إلى الاحزاب المعارضة، تفيد بهذه الحقيقة ألا وهي الحد من تصاعد قوة المعارضة، وأمام هذا الواقع السياسي الصعب في تركيا، والاختلاف في التوجهات السياسية لتركيا بين المعارضة وحكومة أردوغان من الوارد جداً أن ينحاز داود أوغلو إلى الوفاق الديمقراطي مع المعارضة المسحوقة على يد سلطة العدالة والتنمية وخاصة مع الأحزاب الكردية “حزب الشعوب الديمقراطي” بعدما أصبح الكرد وأحزابهم في المعركة الانتخابية للبلديات بأنهم الورقة الصعبة والحاسمة في ترجيح ميزان القوى في المعادلات السياسية والتوازنات التي ستتشكل في المستقبل، وهذا ما يقرأ في تصريحه الأخير وتأكيده على انفتاح حزبه على جميع أطياف المعارضة وعقد التحالفات الانتخابية للحد من هيمنة وسلطة أردوغان، وهذا مرهون بقدرة أحمد أوغلو على استيعابه للواقع الإقصائي النابع من الهوية القومية للنظام السياسي التركي وأيضاً عقد تحالفات استراتيجية مع الكرد كطرف لا يمكن الاستغناء عنه.

زر الذهاب إلى الأعلى