الردّ الإسرائيلي على إيران وشكل الردّ الإيراني

بعد مقتل اسماعيل هنية (رئيس حركة حماس) ومقتل حسن نصر الله (زعيم حزب الله اللبناني)، بالإضافة إلى مقتل ضباط من الحرس الثوري وفيلق القدس الإيراني، جاء الردّ الإيراني على إسرائيل؛ فقد وصل عدد الصواريخ التي أطلقتها إيران إلى مئات الصواريخ، حيث تصدّت إسرائيل وحلفاؤها لتلك الصواريخ، إلّا أنّ الردّ الإسرائيلي لم يكن مباشراً؛ فقد امتصّت الضربة وأعلنت أنّها ستردّ في الوقت المناسب. إنّ الاجتماعات الإسرائيلية والأمريكية والاتصالات بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، حول الردّ وبنك الأهداف، قد جعلت العالم يترقّب طبيعة الردّ الإسرائيلي والمواقع التي ستستهدفها إسرائيل؛ “المفاعلات النووية – القواعد العسكرية ذات الصلة بضرب إسرائيل – المنشآت النفطية – شخصيات عسكرية كبيرة في الجيش الإيراني؟”

هذه الاجتماعات وبنك الأهداف قد وضعت إيران في دائرة الخطر، ودفعتها أيضاً لتحديد بنك الأهداف في إسرائيل، وذلك في حال ردّ إسرائيل واستهدافها المنشآت الحيوية الإيرانية لتحدّد أهدافها.. “حقول النفط والغاز البحرية الإسرائيلية في البحر المتوسط – موانئ تصدير النفط – إلى جانب المفاعل النووي الإسرائيلي”.

إنّ السياسة التي اتّبعتها إسرائيل تجاه الردّ الإيراني من خلال جعلِها تنتظر وتترقّب طبيعة الردّ الإسرائيلي، قد جعلت إيران تتخبّط وتخشى الإضرار بمنشآتها الحيوية؛ فإسرائيل لن تكون وحيدة، بل ستكون معها الولايات المتحدة وبريطانيا وقواعدها المنتشرة في الشرق الأوسط.

فلماذا تأخّر الردّ الإسرائيلي؟ وهل ستضرب إيران؟ وكيف ستكون طبيعة الردّ الإيراني؟ وما هي النتائج المترتّبة على ذلك؟

تأخُّر الردّ الإسرائيلي:

هل تخشى إسرائيل من الردّ الإيراني في حال استهدفت منشآتها الحيوية أم أنّها تخشى من اندلاع حرب إقليمية واسعة في منطقة الشرق الأوسط، أم أنّ هدف إسرائيل من تأخير الردّ إنّما هو دفع إيران لتقديم تنازلات في بعض الملفات؟

إسرائيل كان بمقدورها الردّ على إيران في نفس اللحظة التي توقّف فيه الردّ الإيراني، إلّا أنّها قد تخشى من اتساع نطاق الحرب وخروجها عن نطاق السيطرة. فهي، مع الولايات المتحدة، تريد أن تكون جميع الأزمات تحت السيطرة؛ بحيث تكونان قادرتين على استيعابها ومنعها من الخروج عن السيطرة، كي لا تسمح لروسيا أو الصين أو أي طرف مضادّ لهما باستغلالها؛ فاتّساع نطاق الحرب في منطقة الشرق الأوسط لن يخدم إسرائيل ولا الولايات المتحدة، فمنطقة الشرق الأوسط هي منطقة نفوذ أمريكية، ويجب أن تكون الأزمات وطريقة التحكّم بها مدروسة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية إنّ إسرائيل تحاول من خلال تأخُّرها في الردّ أن تحصل على تنازلات كبيرة من إيران، وبالأخص في لبنان فيما يتعلّق بحزب الله؛ من خلال فكّ ارتباطها بحماس (إن صحّ التعبير بفلسطين وليس بحماس فقط) وبالتالي؛ ستكون بداية فكّ الدول العربية ارتباطها بالقضية الفلسطينية، أو نزع سلاح حزب الله أو إبعاده إلى شمال نهر الليطاني. وفي سوريا من خلال سحب ميليشياتها من سوريا، وبالتالي؛ ستكون المرحلة الأولى لحل الأزمة السورية، أمّا المرحلة الثانية فستكون بإجبار دولة الاحتلال التركي على سحب قواتها من الشمال السوري المحتلّ وتسليم مرتزقتها للنظام، من خلال إجراء مصالحة بين الطرفين؛ وهو أمر لن يكون صعبًا على الولايات المتحدة وإسرائيل بعد إخراج إيران من سوريا، من خلال منح الضوء الأخضر للنظام وروسيا وقوات سوريا الديمقراطية لتحرير الشمال السوري المحتلّ وجعل تركيا في حرب استنزاف مع النظام وروسيا؛ وما تخشاه تركيا هو أن تكون بمفردها في ساحة الأزمة السورية؛ وبذلك تكون روسيا والولايات المتحدة قد تخلّصتا من الدول الإقليمية “إيران وتركيا” في سوريا وأبطلت دورهما في جعل الأزمة السورية بعيدة عن الحلّ، وستكون الأزمة السورية على خُطى الحلّ الدولي. وهذا الحلّ سيكون وفق أطماع هذه الدول “الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل” في سوريا.

الردّ الإسرائيلي:

رغم التأخير الذي قد يكون سببه دراسة الولايات المتحدة وإسرائيل كافة الاحتمالات والتداعيات التي ستخلّفها الضربات الإسرائيلية على إيران، إلّا أنّ الردّ الإسرائيلي سيكون حتمياً؛ فإسرائيل لن تتنازل عن حقّها في الردّ، إلّا أنّ الضرر الذي ستلحقه الضربات الإسرائيلية سيتوقّف على الموقف الإيراني:

  • في حال لم تقدّم إيران تنازلات لإسرائيل والولايات المتحدة: ستكون الضربات الإسرائيلية قوية، وقد تلحق أضرارًا كبيرة بالمنشآت الحيوية الإيرانية، وقد ينتج عنها ردّ إيراني غير متوقّع ضدّ إسرائيل والمصالح الأمريكية في المنطقة، وهذا الاحتمال لن يخدم جميع الأطراف؛ فإيران كدولة مركزية لديها الكثير من المشكلات الداخلية، ولن تكون قادرة على ضبطها في حال قامت الولايات المتحدة والغرب بدعم المعارضة الإيرانية في الداخل، وبالتالي؛ يعني تهديد نظام ولاية الفقيه في إيران. أمّا إسرائيل والولايات المتحدة فقد تتلقّى ضربات أقوى وتستهدف المنشآت الحيوية الإسرائيلية والمصالح الأمريكية في المنطقة. وبالتالي؛ اتّساع نطاق الحرب وخروجها عن السيطرة.
  • في حال قدّمت إيران تنازلات لإسرائيل والولايات المتحدة: في هذه الحالة ستكون الضربات الإسرائيلية للمواقع الإيرانية متوقّعة وأقلّ ضرراً، والردّ الإيراني سيكون متوقّعاً بما يخدم السياسة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.

أي أنّ الضرر الذي سيلحق بالمنشآت الحيوية الإيرانية يتوقّف على الموقف الإيراني والتنازلات التي ستقدّمها لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

وكيف سيكون شكل الردّ الإيراني بعد تلقّيها الضربة الإسرائيلية؟ فالولايات المتحدة وإسرائيل لا تنتظران فقط التنازلات التي ستقدّمها إيران بل تنتظران كيف طبيعة ردّها أيضًا، فالردّ الإيراني سيكون بأهمية التنازلات التي ستقدّمها إيران؛ ومن المتوقّع أنّ ذلك الردّ سيخدم الولايات المتحدة في المنطقة “دول الخليج العربي ومصر”.

شكل الردّ الإيراني:

النظام الإيراني جزء من السياسة الرأسمالية العالمية في المنطقة، على غرار الدولة التركية الحديثة التي أسّسها كمال أتاتورك على أنقاض الدولة العثمانية. لذا؛ فإنّها لن تُقدِم على أي فعل قد يؤثّر على مصالح إسرائيل والغرب في المنطقة ما لم تكن تخدمهما.

إيران حدّدت بنك الأهداف داخل إسرائيل، والتي تركّزت على حقول الغاز والنفط الإسرائيلية في البحر المتوسّط، والقواعد الجوية والمفاعل النووية الإسرائيلية. لكن؛ هل إيران قادرة على استهداف تلك المنشآت الحيوية الإسرائيلية وإلحاق الضرر الكبير بها، أم أنّ ضرباتها ستكون غير مجدية ومحدودة وغير مركّزة، أو ستكون عن طريق أذرعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن؟ كما أنّ زيارة الرئيس الإيراني إلى قطر عقب الردّ الإيراني على إسرائيل في الأوّل من أكتوبر قد تدخل في نطاق تقديم تنازلات لإسرائيل مقابل الردّ الإسرائيلي.

ولكن كيف ستستغلّ الرأسمالية العالمية الردّ الإيراني لخدمة أجندتها في المنطقة؟

الردّ الإيراني في خدمة الأجندة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة:

الولايات المتحدة وإسرائيل بحاجة إلى الردّ الإيراني في حال قامت إسرائيل بضرب إيران، فحاجتها كحاجة إسرائيل إلى السابع من أكتوبر لتنفيذ سياستها في قطاع غزة وتدميرها وإنهاء حركة حماس كحكومة في قطاع غزة. قد لا يكون الردّ الإيراني حتميًا على إسرائيل في حال قامت إسرائيل بتنفيذ وعيدها بضرب إيران، وإنّما قد يكون باستهداف الملاحة البحرية في الخليج العربي، من خلال حجز بعض ناقلات النفط وتهديد الملاحة، على غرار استهداف الحوثيين للسفن المتّجهة إلى إسرائيل، بحجّة الدفاع عن قطاع غزة، والتي أثّرت بشكل كبير على قناة السويس وخسرت مصر مليارات الدولارات نتيجة تحوّل حركة الملاحة البحرية العالمية من البحر الأحمر باتجاه مضيق رأس الرجاء الصالح “الدوران حول أفريقيا” إلى جانب استهداف القواعد الأمريكية في شمال وشرق سوريا “شرق الفرات”. إنّ استهداف إيران وأذرعها في العراق واليمن الملاحة البحرية في الخليج العربي سيخدم الولايات المتحدة وإسرائيل، فهذا الاستهداف سيلحق الضرر باقتصادات دول الخليج العربي أكثر ممّا قد يلحق الضرر بالمصالح الغربية في المنطقة، وستدخل دول الخليج العربي في أزمة اقتصادية كبيرة، وقد تستهدف الأذرع الإيرانية المصالح الأمريكية في منطقة الخليج العربي. كلّ ذلك سيؤدّي بالدول العربية للتوجّه نحو إسرائيل والتطبيع معها وتشكيل تحالف عربي إسرائيلي “ناتو عربي” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو مشروع أمريكي بدأ تنفيذه على يد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب “الاتفاق الإبراهيمي” وإنشاء تحالف عسكري؛ وكل ذلك لإخضاع المنطقة للرأسمالية العالمية والحفاظ على نظامها العالمي القائم.

إنّ ما تحدث من أزمات وخلق أزمات أخرى لها انعكاسات قد لا تكون في الحسبان؛ فروسيا والصين لها أطماع في المنطقة، وقد تستغلّان هذه الأوضاع كقوة عالمية يمكن لها حلّ الأزمات، وتوجّه بعض الدول العربية نحوهما كقوة يمكن الاعتماد عليها؛ بهدف تحقيق توازن في علاقتها الدولية وعدم الاعتماد على جهة واحدة سيزيد من الأزمات، وقد تنجرّ منطقة الشرق الأوسط إلى حروب إقليمية كبيرة.

في هذا السياق؛ فإنّ ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط من أزمات إنّما هي نتاج الأنظمة المركزية؛ وهذه الأنظمة لم تكن على قدر المسؤولية، ولم تكن قادرة على تحقيق التعايش السلمي بين مكوّنات مجتمعاتها، أو مع جيرانها من الدول المحيطة بها، ولم تكن قادرة كذلك على إدارة أزمات المنطقة وحلّها بما يخدم شعوب المنطقة. فهذه الأنظمة، ولتتمكّن من إنهاء مشكلاتها الداخلية وعدم خضوعها للدول الكبرى، لا بدّ لها من التركيز على العصرانية الديمقراطية في صياغة الحلول للخروج من أزمات الشرق أوسطية، تلك الأزمات التي تفتعلها الحداثة الرأسمالية في المنطقة والعالم بمساعدة بعض الدول الإقليمية، كدولة الاحتلال التركي وإيران وحتى دولة قطر الإخوانية.

زر الذهاب إلى الأعلى