تداعيات استفتاء باشور كردستان

ما تزال انعكاسات الاستفاء الذي أجراه رئيس إقليم كردستان السيد مسعود البرزاني عام 2017 في إقليم كردستان مستمرة حتى يومنا هذا، فبعد إجراء الاستفتاء خسر الاقليم أغلب المناطق “المتنازع عليها” التي تم تحريرها من قبضة تنظيم داعش الإرهابي إلى جانب مدينة كركوك لصالح الحكومة الاتحادية، ، إلى جانب تخفيض موازنة الإقليم من 17% إلى 12.6%  من الموازنة العامة للحكومة الاتحادية، وفتح قضية المعابر واستثمارات وعوائد النفط. ولم تتوقف الانعكاسات عند هذا الحد، فقد ظهرت خلافات كبيرة وعميقة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني بعد انسحابهم من مدينة كركوك. هذه الخلافات سواء أكانت داخلية من خلال اتباع سياسة الاقصاء وإضعاف الآخر، أو خارجيه من خلال تحالفاتهم مع الأحزاب والكتل البرلمانية العراقية للحفاظ على مصالحهم الشخصية، والتي أثرت بشكل كبير على دور الكرد في الحياة السياسية العراقية.

إن السياسة التي انتهجها الحزب الحاكم في باشور كردستان في الآونة الأخيرة من خلال تقديم مرشحهم الرئاسي هوشيار زيباري لرئاسة العراق دليل كبير على الفجوة العميقة التي حصلت بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم وفتح نزاع هامشي بين الكرد أنفسهم حول رئاسة الإقليم. حيث أن هناك اتفاقاً بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي ومن أحد بنوده أنه إذا كانت رئاسة الإقليم لطرف فإن رئاسة الجمهورية تكون للطرف الآخر، وهذا يعني أن رئاسة الجمهورية من استحقاق الاتحاد الوطني. وقد أصدرت المحكمة الاتحادية في العراق، وهي أعلى سلطة قضائية في البلاد، قراراً باستبعاد هوشيار زيباري نهائياً عن الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية بعد تعرضه لاتهامات بالفساد عندما كان وزيراً للمالية في الحكومة الاتحادية على إثرها تم إقالته من منصبه في 23/أيلول/2016. كما أصدرت المحكمة الاتحادية  15/2/2022 حكما يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان، الصادر عام 2007، وإلغائه لمخالفته أحكام مواد دستورية، فضلا عن إلزام الإقليم بتسليم الإنتاج النفطي إلى الحكومة الاتحادية. وقد شمل القرار إلزام حكومة الإقليم بتسليم “كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في الإقليم والمناطق الأخرى، والتي كانت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان تستثمره، وتسليمها إلى الحكومة الاتحادية والمتمثلة بوزارة النفط العراقية، وتمكينها من استخدام صلاحياتها الدستورية بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره، ومراجعة كافة العقود النفطية التي أبرمتها حكومة إقليم كردستان بخصوص تصدير النفط والغاز وبيعه.

إن سيطرة الحزب الديمقراطي على أغلب مقدرات البلاد خاصة النفط والغاز جعلت تلك الثروة تنحصر في جيوب بعض العوائل الحاكمة، في الوقت الذي يعيش فيه غالبية المواطنين الكرد أوضاعاً اقتصادية صعبة، وتصاعد موجة الهجرة العكسية إلى البلدان الأوروبية ، مما دفع بالكثير من المعارضين الكرد في الداخل والخارج للإعلان عن دعمهم لقرار المحكمة الاتحادية القاضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان، وذلك لتسهيل مراقبة عوائد النفط والغاز وكيفية صرفها من قبل حكومة الإقليم وليضع حداً للفساد المستشري في الإقليم. ومن المرجح أيضاً حصول تفاهمات تركية عراقية في المستقبل لضرب الإقليم اقتصادياً من خلال زيادة الحصار عليه ونشر الفتن في الداخل لإحداث اقتتال كردي –  كردي للتمدد داخل الإقليم عسكرياً.

إذاً فالسياسة التي ينتهجها الإقليم في التعامل مع دولة الاحتلال التركي “العدو الرئيسي للكرد” بعيداً عن الحكومة العراقية والقضية الكردية واتباع سياسة الإقصاء في الداخل، والسيطرة على مقدرات البلاد من قبل بعض العوائل في الإقليم، جعلت من باشور كردستان ساحة لسجال دول الجوار، وتعطيهم دفعاً قوياً لتوحيد المواقف لتحقيق أهدافهم، وتضع مكتسبات الإقليم في دائرة الخطر، وتسرّع الخطى نحو ثورة شعبية، والتي قد تستغلها الحكومة الاتحادية والدول الإقليمية لتحقيق أهدافها بإضعاف باشور كردستان وتقويض دورهم في العملية السياسية العراقية، وقد يمتد تأثيرها إلى روج آفا بشكل خاص ومناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا بشكل عام، ما لم يحصل توافق بين الحزبين الرئيسيين ينهي الخلافات ويوحِّد الصّف في مواجهة التحديات التي تعصف بباشور كردستان.

 

زر الذهاب إلى الأعلى