ليبيا على خُطى الأزمة السُورية

تتشابه الأزمة الليبية إلى حد كبير بالأزمة السورية من حيث تحول الأزمة من حالة داخلية إلى أزمة دولية نتيجة تدخل الدول الإقليمية والقوى الدولية في الأزمة السورية أو الليبية. فبعد أن كان ما يسمى بالجيش الحر قاب قوسين أو أدنى من دخوله إلى دمشق وتضييق الخناق على النظام ونتيجة التدخل الروسي المباشر في سوريا بدأت سياسة المصالح الدولية تظهر في سوريا ومعها بدأت المعارضة بالانحسار في سوريا بعد تنامي العلاقات الروسية التركية، ويتكرر هذا المشهد في ليبيا بعد أن كان الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر على مقربة من طرابلس بدأ جيشه بالتراجع بعد توقيع حكومة الوفاق الإخوانية مع تركيا اتفاقية التعاون العسكري وترسيم الحدود البحرية والتدخل التركي المباشر في الأزمة الليبية وسيطرتها على كامل الغرب الليبي مع تراجع قوات حفتر بشكل سريع وخسارتها مواقع استراتيجية كقاعدة الجفرة العسكرية ووصول قوات الوفاق إلى مشارف مدينة سرت في وسط البلاد أمام صمت روسي ودون حراك مصري وعربي لما يحدث في ليبيا، وما يشكل ذلك من تهديد الأمن الدول المتوسطية والعربية نظراً لكون هؤلاء المسلحين الذين يقاتلون تحت راية حكومة الوفاق الليبية مصنفين ضمن قوائم الإرهاب الدولية، وبذلك باتت الدول العربية المناهضة للفكر الإخواني مجدداً في خطر بعد زوال خطر تنظيم داعش المدعوم تركياً على يد قوات سوريا الديمقراطية. فعنجهية الدولة التركية المتزعمة للفكر الإخواني ودولة قطر الداعم الأكبر لتركيا وسياستها تجاه الدول العربية تضرب بعرض الحائط جميع الاتفاقيات والمواثيق الدولية وبات تدخلها بشكل علني يخلق حالة خطر إرهابي وبشكل مستدام على المنطقة برمتها، حيث استغلت  تركيا الصراع في سوريا وبالتعاون مع مرتزقتها في الائتلاف السوري فأرسلت الألاف من المرتزقة السوريين إلى ليبيا وبالإضافة إلى الدعم العسكري المباشر من العربات المصفحة والتقنية العسكرية الجوية المتطورة لحكومة الوفاق الإخوانية استطاع أردوغان من تحقيق تقدمٍ على حساب الجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر في غرب ليبيا الذي بات في وضع حرج نتيجة خذلان الدول الداعمة له في حربه ضد الإرهاب والمعادي بالدرجة الأولى لمصر والسعودية والمتمثل في التنظيم الدولي الإرهابي جماعة الإخوان المسلمين، كما أن تنامي العلاقات الروسية التركية والتقارب الحاصل بينهما على خلفية الأحداث في سوريا ومن مجمل القضايا الإقليمية  أثرت بشكل سلبي على الجيش الوطني الليبي.

فتركيا على غرار روسيا في سوريا تهدف إلى بناء قواعد عسكرية لها في ليبيا “قاعدة الوطية الجوية وقاعدة مصراتة البحرية” وربط حكومة الوفاق أكثر بالسياسة التركية ووضع يدها على مقدرات البلاد الاقتصادية لتقوية اقتصادها المتهالك، فسياسة أردوغان العدوانية في الخارج ما هي إلا لحمايته من الداخل المتأزم، لذا فأن مصير أردوغان متعلق بمقدار تدخله في الدول المتأزمة في المنطقة ودعمه لجماعة الإخوان التي تطيل من عمر سلطة أردوغان في تركيا وخداع المجتمع التركي بالحجج الواهية في تدخلاته بشؤون المنطقة، وبالتالي ستستمر هذه السياسة الأردوغانية ويستمر تأزم الوضع أكثر مع ظهور حكومات إخوانية في بعض البلدان العربية كتونس والجزائر وبالنسبة للدول العربية كمصر والسعودية والإمارات، فهذه الدول لم تكن على دراية كاملة بمخاطر سياسة أردوغان وكان من الممكن وضعُ حد له في حال وقفت إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية وقامت بدعمها عسكرياً كما تفعل تركيا مع حكومة الوفاق في ليبيا، ومنعت تركيا من احتلال عفرين وكري سبي وسري كانية حيث كانت ستشكل ضربة قاضية لسياسة أردوغان الخارجية، لذا من مصلحة هذه الدول تقديم الدعم العسكري والمالي للقوى المناهضة للفكر الإخواني كقوات حفتر وقوات سوريا الديمقراطية على اعتبار أن هاتين القوتين تشكلان رأس الحربة ضد سياسة أردوغان الإخوانية الخارجية.

زر الذهاب إلى الأعلى