ليبيا في مرمى المطامع العثمانية الجديدة

تستمر تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية في تسخين التوترات وتأجيج الصراعات في الملفات التي تركت خلافات بعد ترسيم الحدود البرية والبحرية إبان الاتفاقيات الدولية حول الشرق الأوسط في القرن العشرين، ومن أبرز تلك الملفات مسألة ترسيم الحدود المائية في المتوسط بناء على الاتفاقية الدولية لعام 1982، والتي عالجت موضوع ترسيم الحدود بين الدول المتجاورة وبصرف النظر عن بنود هذه الاتفاقية ومخالفة تركيا لبنودها من خلال  الانتهاكات المستمرة للحدود البرية البحرية في المتوسط مع مصر واليونان وقبرص في التنقيب عن الطاقة، علاوة على ذلك قامت تركيا الأردوغانية بتوقيع اتفاقية مع حكومة فايز السراج الإخوانية الليبية في تركيا بتاريخ 28/11 التي لم يعلن عن تفاصيلها بعد وبقيت غامضة حتى الآن، هذه الاتفاقية التي تم الاتفاق عليها بالخط العريض للتعاون الأمني والعسكري بين تركيا وليبيا في المتوسط، مما أثارت ردود أقوال إقليمية ودولية والتي من شأنها أن تكون أنتهاكاً للقوانين الدولية كونها تؤجج التوتر بين دول شرقي المتوسط في ظل واقع سياسي غير مستقر في ليبيا واستغلال أردوغان حكومة الوفاق لأطماعه العثمانية الجديدة من خلال تأكيد أردوغان على أن ليبيا تركة عثمانية، فالتنسيق والدعم العسكري التركي القطري الموجود مسبقاً لحكومة الوفاق الليبية من تقديم عتاد وأسلحة لها، تشكل لدى الدول المطلة على المتوسط مخاوف جادة. ويعود هذا التقارب بين تركيا وقطر وحكومة الوفاق إلى وجود رابط ايديولوجي متطرف يشكل منبعاً للإرهاب ألا وهي حركة الإخوان المسلمين والتي تدعمها بريطانيا سياسياً وتنظيمياً، بريطانيا الفاعل المتحكم في هذه المعادلة واستخدامها لحركة الإخوان المسلمين وفقاً لرؤيتها، والتي تعتبر من مهندسي هذا النظام العالمي والحاضر الغائب في المعادلة والصراعات الإقليمية، وقد اتخذت حركة الإخوان المسلمين  من قطر وتركيا مركزاً لها حيث الدعم المالي القطري وتبني أردوغان لهذه الحركة أصبحت تركيا القاعدة والمركز الرئيسي للإخوان بعد الإطاحة بحكم مرسي في مصر عام 2013، حيث بات يشكل هذا التمركز الإخواني في تركيا بكل ثقله أرضية خصبة للتوترات جديدة في المنطقة.

فمع عقد مثل هكذا اتفاقيات والتي تشير إلى اليد الطولى لتركيا في المتوسط وخرقها للقوانين المعنية بهذا الأمر، أصبحت عملية تحقيق الاستقرار في المتوسط والعلاقة بين الدول المتوسطية وخاصة العلاقة مع تركيا صعبة للغاية في المستقبل القريب، لوجود منطقة اقتصادية خالصة لليبيا في المتوسط والتي أعلنت عنها ليبيا في عام 2009، ذلك بموجب قانون البحار الإقليمية لعام 1959،  وتكون هذه المنطقة ضمن السيادة الليبية عرضها 12 ميل بحري ولكن هذه المنطقة الاقتصادية باتت في الوضع الراهن مقسمة بين مليشيات حكومة الوفاق وقوات حفتر المدعومة عربياً وأيضاً وجود حدود بحرية بين اليونان وقبرص مع ليبيا لذلك مثل هذه الاتفاقية ستعمق الخلافات بين تركيا وهذه الدول، وتعتبر بمثابة انتهاك لسيادة الليبية نفسها وأنها تخرج عن القاعدة القانونية والدولية لهذا الأمر، وإفساح المجال لتركيا بالتوغل في المتوسط واحتلالها.

وأمام ذلك لاقى هذا التعاون الأمني والعسكري بين حكومة الوفاق وحزب العدالة والتنمية تنديداً إقليمياً

من اليونان وقبرص ومصر، الدول التي تسعى إلى وقف التمدد التركي في المتوسط وإضعاف الوجود التركي في ليبيا ومن أجل ذلك قامت هذه الدول في نوفمبر من هذا العام بالمناورات العسكرية المشتركة في المتوسط لمواجهة التهديدات لمصالح هذه الدول في المنطقة رغم أنها مناورات عسكرية تجري بشكل سنوي، إلا أن الهدف من هذه المناورات السنوية هو إدراك هذه الدول للعقل السياسي التركي من وراء تصرفاتها غير القانونية والتي يكمن خلفها احتلال وخلق مناطق نفوذ لها في المتوسط ومن خلال ارتباط العضوي الذي يربط  حكومة الوفاق بالعدالة والتنمية، وتتجاهل تركيا بهكذا تصرفات لسيادة  قبرص واليونان لهذه المناطق، وبناء على ذلك تكمن ماهية هذه الاتفاقية وأبعادها حول النقاط التالية:

ـ رغبة أردوغان في احتلال المساحات المائية الغير مسموحة لتركيا وفق القانون الدولي، وترى أن حدود تركيا المائية تصل إلى الحدود الليبية، وبذلك تكون لدى تركيا مبرر لعدم الاعتراف باليونان وقبرص نظراً لتجاهلها الحدود المائية لهما في المتوسط.

ـ سعي تركيا إلى تضمين منابع الطاقة لها من الغاز والنفط من خلال هذه الاتفاقية، وخاصة أن تركيا دولة غير منتجة في الطاقة، حيث تستورد أكثر من 85% من الغاز والنفط، وبالتالي طمع تركيا بالثروات في المتوسط، في ظل واقع يؤكد عدم وجود أي منابع للطاقة لها في سواحلها ومناطقها بعرض 12 ميل التي منحتها لها قانون عام 1982، وحسب المسوحات الأخيرة التي أجريت في المتوسط تؤكد على عدم وجود الطاقة في المناطق البحرية التركية الشرعية وفقاً للقانون الدولي، وأن معظم الثروات النفطية والغازية موجودة بين الحدود المائية لمصر واليونان وقبرص وإسرائيل.

ـ محاولة من أردوغان لتحسين الاقتصاد التركي المتأزم والمتدهور، من خلال محاولاته التي تتضمن تقديم الدعم المالي والعسكري لميلشيات حكومة الوفاق بقيادة السراج، لخلق نفوذ مستدام في ليبيا، وبالتالي إنشاء الشركات الاقتصادية فيها في مختلف المجالات من إعادة الإعمار وإنشاء الشركات البترولية، نظراً لغنى الأراضي الليبية بالنفط.

ـ والخطوة الأخرى من التعاون التركي مع حكومة السراج، ضرب الاستقرار الأمني الموجود في مصر لوجود جماعات إسلامية إرهابية ومتطرفة تحت العباءة التركية، وتنشيط حركة الإخوان المسلمين في مصر، في ظل وجود يوتوبيا في مخيلة أردوغان ألا وهي إحياء العثمانية الجديدة.

  

زر الذهاب إلى الأعلى