قانون قيصر ومناطق الإدارة الذاتية

صادقَ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 21/12/2019 على ميزانية الدّفاع لعام 2020 والتي تتضمن قانون قيصر، لحماية المدنيين السوريين ومحاسبة نظام الأسد وداعميه. وقانون قيصر هو مشروع قانون صادق مجلس النواب الأميركي عليه في 15 تشرين الثاني 2016 بأغلبية ساحقة، ويفرض عقوباتٍ جديدةً على كل من يدعم النظام السوري. وتنص الصيغة النهائية لمشروع قيصر على فرض عقوبات على رأس النظام ومختلف أطياف النظام السوري من وزراء ونواب وغيرهم، إضافة إلى الأفراد والشركات الذين يموّلون النظام أو يقدمون المساعدة له. كما يفرض المشروع عقوبات على المصانع السورية، خاصة تلك المتعلقة بالبنى التحتية والصيانة العسكرية وقطاع الطاقة وفرض عقوبات على البنك المركزي السوري. ويذكر المشروع روسيا وإيران بشكل مستمر، ويلوح بفرض عقوبات عليهما مرتبطة بدعمها للنظام السوري. وينص بشكل واضح على أن العقوبات ستفرض كذلك على مسؤولين إيرانيين وروس ممن يدعمون النظام.

يأتي هذا القانون حسب الولايات المتحدة لخنق النظام اقتصادياً وإجباره على وقف انتهاكاته بحق المدنيين، ووسيلة ضغط على النظام للجلوس على طاولة المفاوضات وإيجاد حل سياسي وفق قرار جنيف 2254 ينهي الأزمة السورية. ومع إقتراب دخول قانون قيصر حيز التنفيذ بدأت الليرة السورية تشهد انهياراً تاريخياً غير مسبوق في قيمة الليرة السورية حيث اقتربت الليرة السورية من عتبة 3000 ليرة مقابل الدولار، مع صمت وفشل النظام على كبح هذا التراجع، وارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية في عموم سوريا، ومن ضمنها مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا على الرغم من تأكيد المبعوث الأمريكي لمناطق شمال وشرق سوريا وليام روباك، أن قانون قيصر للعقوبات على سوريا، سيستثني مناطق الإدارة الذاتية، وسيكون هناك عمل وتنسيق مشترك في إطار برامج الدعم الأمريكي. إلا أنه مجرد اقتراب هذا القانون من حيز التنفيذ بدأت شعوب المنطقة تعاني من تبعات هذا القانون كون هذه المنطقة ماتزال تتعامل بالليرة السورية ومع شح الدعم الدولي لمناطق الإدارة الذاتية ومعاناة أبناء المنطقة بالأساس من الأزمة السورية وإرهاب داعش والاحتلال التركي ومرتزقتها وقيامهم بحرق المحاصيل الزراعية، سينعكس تبعات هذا القانون على المنطقة بشكل كبير. بالرغم من أن هذا القانون وضع لخنق النظام إلا أن خبرة النظام في التعامل مع العقوبات وتسييس هذا القانون وإيهام الشعب السوري بأن الولايات المتحدة وحلفائها سبب لهذه الأزمة وقدرته على قلب هذا القانون لخدمته من خلال خلق فتنة في مناطق الإدارة الذاتية التي تتواجد فيها القوات الأمريكية وقوات التحالف، حيث سيعمل النظام وحتى روسيا على دفع بعض العشائر العربية المرتبطة بها للخروج بمظاهرات تندد بالوضع المعيش المتدهور كما حدث في بلدة الشدادي ولكن على الرغم من محاولاتهم إحداث شرخ بين مكونات المنطقة ستشهد مناطق النظام ثورات شعبية تطالب بتحسين الوضع المعيشي وقد تتجه نحو المطالبة بإسقاط النظام ما لم يجد النظام حلول لمواجهة قانون قيصر وهو لا يصبّ في مصلحة النظام وحلفائه، حيث يكمن الحل الوحيد والذي ما يزال يرفضه النظام هو تقديمه تنازلات لإيجاد حل سياسي ينهي الأزمة السورية وبناء نظام سياسي لسوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية يحفظ خصوصية شمال وشرق سوريا ويؤكد دستوريا الحقوق المشروعة للشعب الكردي وشعوب المنطقة والذي سينعكس بشكل إيجابي على الوضع السياسي والاقتصادي والعسكري لسوريا.

لذا فإن قانون قيصر سيف ذو حدين على النظام وعلى الشعب السوري، فإما أن يكون قادراً على إخضاع النظام، أو أنه سيزيد من معاناة الشعب السوري وبالتالي سيكون هذا القانون شريك مع النظام في انتهاك حقوق المواطن السوري بدلاً من أن يكون رادعاً لانتهاكات النظام في سوريا وبالتالي ستتأثر مناطق النفوذ الأمريكي وينقلب السحر على الساحر لصالح النظام. لذا يتحتم على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بتنفيذ وعودها لإيجاد مخرج لمناطق الإدارة الذاتية وتقديم الدعم المالي والاقتصادي لها وتجنيبها تبعات قانون قيصر. وبذلك تكون الولايات المتحدة والمجتمع الدولي قد نجحت بالضغط على النظام وقطعت الطريق أمامها لإحداث أي خرق أو فتنة في مناطق الإدارة الذاتية. وأخيراً قد يكون من المستحيل على الولايات المتحدة إسقاط النظام أو إخضاعه عن طريق قانون قيصر في الأمد القريب، إذا ما تمَّ مقارنتها بالحالة الفينزويلية، حيث لم تستطع الولايات المتحدة من إسقاط النظام الفنزويلي رغم فرض العقوبات الاقتصادية عليها حيث بات الشعب الفنزويلي يعاني من عوز شديد لكل شيء، ويعد توفير المواد الغذائية والأدوية أمراً كارثياً، ناهيك عن عدم توفر الكهرباء وشح الوقود، ومازال النظام المعادي للولايات المتحدة قائم فيها، أي أن المتضرر الأول والأخير هو الشعب وليس النظام.

زر الذهاب إلى الأعلى