توافق أمريكي روسي محتمل في سوريا

تعتبر الولايات المتحدة وروسيا اللاعبان الأساسيان في الأزمة السورية وبيديهما خيوط الحل، إلا أن لكل منهما أهداف واستراتيجيات معينة فالأولى تؤكد أن تواجدها في سوريا وبشراكة مع قسد لإنهاء التنظيمات الإرهابية ومنع داعش من الظهور، إلى جانب حماية مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، أما روسيا فترى في سوريا مركزاً اقتصادياً وعسكرياً لحماية أمنها القومي “مشروع نقل الغاز إلى أوروبا ” وتواجدها في المياه الدافئة “البحر المتوسط ملتقى القارات الثلاث” لتكون ضمن الأحداث العالمية وعودتها كقطب ثان. إلا أن تأزم الملف السوري نتيجة تدخل القوى الإقليمية “تركيا وإيران” خلقت خلافات بين الطرفين خاصة مع شراء تركيا لمنظومة S400 الروسية هذه الخلافات بين دولتين نوويتين وفي حيز جغرافي صغير أمر بالغ الخطورة سيؤثر على الأمن والسلم الدوليين، حتى لا يتم التصادم تم اعتبار نهر الفرات الحد الفاصل بين القوتين في سوريا.

تركيا التي هي عضوة في حلف الناتو حليفة الولايات المتحدة سلكت طريقاً مغايراً للسياسة الأمريكية في سوريا إلى جانب صفقة S400  الروسية  ومؤتمرات استانا وسوتشي، فإن الاجتياح التركي لمنطقة كري سبي وسري كانيه جعلت الولايات المتحدة تقرر الانسحاب من المنطقة الحدودية حتى لا يحدث أي تصادم عسكري مع تركيا، مما أدى إلى توغل روسي في شرق الفرات. هذه السياسة التي انتهجها أردوغان بعيدة عن الولايات المتحدة جعلت الولايات المتحدة في فترة بايدن تتبع سياسة تجاهل تركيا وجعلها وحيدة في سوريا وفسح بعض المجال لروسيا للقيام بعمليات عسكرية محدودة على إدلب بحيث تكون تركيا وحيدة أمام الضغوط الروسية وذلك لإرغامها للعودة للمسار الصحيح كحليف للولايات المتحدة وقد يهدف بايدن من ذلك توحيد المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وتشكيل جسم معارض جديد  “لذلك لا نرى أي موقف من الولايات المتحدة تجاه القصف الروسي على مناطق إدلب على عكس الفترات الماضية التي كانت تقف ضد أي عملية عسكرية روسية في إدلب. كما أن للولايات المتحدة مخاوف من عودة التنظيمات الإرهابية والتي تنتشر في مناطق الاحتلال التركي، خاصة بعد سيطرة طالبان على أفغانستان حيث شدد بايدن على أن “خطر الإرهاب في أفغانستان تراجع مقارنة مع ما كان عليه قبل هجمات 11 أيلول 2001″، وأكد على وجود تهديدات أخطر بالنسبة للولايات المتحدة في العالم وأن  “القاعدة وداعش انتشرا، وهناك خطر أكبر على الولايات المتحدة يأتي من سوريا ومن شرق أفريقيا”، لذا تعمل تركيا على دمج مرتزقتها ضمن تشكيل جديد لإبعاد تنظيماتها الإرهابية عن دائرة خطر القصف الأمريكي وعدم إدراج فصائل أخرى ضمن لوائح الإرهاب. هذا إلى جانب الميليشيات الإيرانية في سوريا والخطر الصيني.

أما بالنسبة للعلاقات التركية الروسية فرغم نجاح روسيا في خلق شرخ في العلاقات التركية الأمريكية والتقارب التركي الروسي خلال الفترة الماضة إلا أن روسيا تدرك استحالة خروج تركيا من المظلة الغربية، لذا استطاعت روسيا عن طريق تركيا إنهاء الجماعات المسلحة في الداخل وحصرها في إدلب والشمال السوري, ولا تتوقف روسيا عند هذا الحد بل تهدف للسيطرة على كامل الشمال السوري وبالأخص طريقM4 فاتفاق بوتين أردوغان “مناطق خفض التصعيد” لم ينجح فما زالت التنظيمات الإرهابية تشكل خطر على روسيا ففي 11/9 نشر تنظيم “القاعدة” كلمة لزعيمه أيمن الظواهري تحدث خلالها عن تطورات كثيرة “سياسية وعسكرية”، كان اللافت بينها تلك الخاصة بسوريا، إذ أشاد بالهجوم الذي استهدف موقعا للقوات الروسية في منطقة تل السمن بريف الرقة، مطلع العام الحالي. الهجوم تبناه حينها تنظيم “حراس الدين” المرتبط بتنظيم القاعدة. ووصف الظواهري حادثة تل السمن بـ”العملية الموفقة”، وأضاف إن “إنهاك العدو هو واجب المرحلة”، متحدثا عن “عمليات استنزاف خلف الخطوط”. هذا إلى جانب التنظيمات الإرهابية كهيئة تحرير الشام “جبهة النصرة ” والفصائل المرتزقة التابعين لتركيا. كما أن العلاقات الروسية التركية في الآونة الأخيرة تمر بمرحلة عدم الثقة “صفقة الطائرات المسيرة التركية لأوكرانيا ورغبة كل من بولندا وجورجيا شراء تلك الطائرات ورغبة تركيا بإنشاء قواعد عسكرية في أذربيجان والتواجد التركي في أفغانستان وتأثيره على الدول المجاورة – الناطقة باللغة التركية – إلى جانب التنظيمات الإرهابية المتواجدة في إدلب” وتصريح أردوغان بأن تركيا لا تعترف بتبعية شبه جزيرة القرم لروسيا وهي في السابق لم تؤيد العقوبات الغربية على موسكو بعد ضم القرم. فروسيا تحاول إنهاء هذه التنظيمات واستعادة الشمال السوري، وقد تهدف في المرحلة الأولى السيطرة على طريق M4 بين سراقب وجسر الشغور، والمرحلة الثانية إدلب وعفرين ومناطق درع الفرات. فروسيا لا يمكن لها القيام بعملية عسكرية كبيرة ما لم تأخذ الضوء الأخضر الأمريكي. كما أن قانون قيصر يشكل عقبة كبيرة أمام الاستثمارات الروسية في سوريا وتمنعها من جني ثمار تدخلها العسكري.

ضمن هذا السياق هناك نقاط تقارب بين الولايات المتحدة وروسيا تتمثل 1- خطر التنظيمات الإرهابية. 2- مخاوف الولايات المتحدة من التمدد الإيراني. 3- مخاوف روسيا من التمدد العسكري التركي في أوروبا الشرقية “صفقة الطائرات المسيرة” وعدم رضى بايدن من السياسة التي تنتهجها تركيا في سوريا. 4- الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي. 5- قانون قيصر. لذا من المحتمل جداً أن يحصل تقارب أمريكي روسي في سوريا والوصول إلى صيغة موحدة تقوم على سوريا فيدرالية تتكون من منطقتين منطقة تحت الحماية الروسية وتشمل مناطق النظام. والمنطقة الثانية يتم دمج مناطق الاحتلال التركي بمناطق الإدارة الذاتية “حيث أثبتت الإدارة الذاتية موقفها الحيادي ” الخط الثالث” من الأطراف المتصارعة إلى جانب أنها لا تشكل أي تهديد لأي من القوى العالمية والإقليمية ونجاحها في إدارة المنطقة وفي محاربة التنظيمات الإرهابية وهذه المنطقة ستكون تحت الحماية الأمريكية. مقابل ذلك سيتم رفع قانون قيصر عن سوريا والسماح لروسيا بالسيطرة على طريق M4 والبدء بمحاربة التنظيمات الإرهابية في سوريا وإخراج الميليشيات الإيرانية، وكبادرة حسن نية بدأت الولايات المتحدة بتخفيف العقوبات عن النظام ” نقل الغاز من مصر إلى لبنان عن طريق سوريا وبدء عودة العلاقات بين النظام والأردن عن طريق فتح معبر نصيب الحدودي يقابل ذلك فشل قمة سوتشي بين بوتين وأردوغان ورفض بايدن استقبال أردوغان أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة. لذا فإن أي تسوية للأزمة السورية في المستقبل ستكون أمريكية روسية إسرائيلية ولن تكون تركيا طرف فيها طالما بقيت بعيدة عن الولايات المتحدة وتتبع سياسة مغايرة لها.

زر الذهاب إلى الأعلى