أردوغان والاستدارة نحو مصر

د. أحمد سينو

بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بدعوة من رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد لحضور القمة العالمية للحكومات في مدينة دبي 13شباط فبراير كضيف شرف، هذه القمة التي تشمل مسؤولين حكوميين من مختلف البلدان، إضافة إلى المنظمات الدولية والمجتمع المدني ومراكز الفكر ووسائل الإعلام وغيرها.

لاشكّ أنّ الهدف من الجولة كانت زيارة مصر لحلّ جملة من القضايا يسعى إليها الرئيس التركي، محاولاً من خلالها التغلّب على جملة من الأزمات الداخلية والخارجية التي وقع فيها في فتراته الرئاسية السابقة، ومنها أزمته الاقتصادية الداخلية خاصة التضخّم المالي وتدهور قيمة الليرة التركية أمام الدولار والغلاء الذي ضرب كلّ المواد الغذائية الأساسية التي تلامس قوت الشعب، والفساد الذي طال معظم المؤسسات خاصة من قبل المقرّبين منه، والبطالة التي أصابت سوق العمل، وأزمة اللاجئين السوريين الجاثمين في المدن التركية والذين يزيد عددهم على 3ملايين وينظر إليهم على أنّهم عالة على المجتمع التركي ويزاحمونه في العمل والاستهلاك، ناهيك عن الكوارث التي ضربت تركيا مثل الزلازل التي ضربت مدناً كاملة وأزالت أحياءً كاملة بسكانها، بمعنى أنّ تركيا تحتاج إلى المليارات من الدولارات لتتعافى من هذه الأزمات مجتمعة، عدا عن مشكلات أردوغان السياسية مع المعارضة والتي تتعلّق بالديمقراطية والأحزاب السياسية، مثل الحزب الجمهوري وحزب السعادة وحزب الأقاليم وحزب الشعوب الديمقراطي وغيرها، وتمسّكه بالنظام الرئاسي وفق الدستور الذي وضعه بأساليب لوى فيها عنق الحقيقة، فقد جنح نحو الانفراد بالسلطة، وسيطر على الجيش ووضع الضباط الموالين له ولحزبه في مناصب رفيعة، ووضع الآلاف من الطلبة والأساتذة في السجون، وسيطر على الإعلام والقنوات التلفزيونية وهيمن على القضاء وعلى البنوك، ناهيك عن حلّ القضايا الدينية والقومية للمكوّنات التي تقطن داخل تركيا، خاصة مسألة حلّ القضية الكردية واعتقال قائدها الأممي عبدالله أوجلان.

 محمَّلاً بكل هذه المسائل الشائكة والأثقال توجّه إلى مصر، بعد قطيعة وتوتّر في العلاقات بين الجانبين طالت مدّتها أكثر من 11 عاماً، على خلفية إزاحة الرئيس المصري “محمد مرسي” المنتخَب بدعم من حركة الإخوان المسلمين، والذي يشابه الرئيس التركي في معتقده السياسي، وعلى إثرها توتّرت الالعلاقات، كما قُطعت وتفاقمت العلاقات بعد التدخّل التركي في ليبيا ودعمها لحكومة طرابلس ورئيسها “السرّاج ” ومن ثم “الدبيبة”، ودعم مصر للجنرال “خليفة حفتر” وكذلك باقي الدول الخليجية عدا قطر.

الرئيس أردوغان لن يغيّر جلده وفكره في زيارته، ولكنّه سيغيّر سياسته كاملة تجاه الملفّات بين مصر وتركيا، بل حتى في غزة، وسوف يتوافق مع مصر على عدم اجتياح رفح وحلّ مسألة الرهائن بين الجانبين؛ لأنّه على يقين تام بأنّ الحركات الإسلامية المتطرّفة لا نجاح ولا مستقبل لها ولم تعد تنفع كثيراً حتى كبيادق وأوراق ضغط، مثل حركة حماس والجهاد الإسلامي وغيرها، فالدولتان التركية والمصرية على علاقة جيّدة مع اسرائيل وهما في تطبيع كامل معها بعيدًا عن الجعجعة الإعلامية.

فالزيارة مهمة للطرفين المصري والتركي، وقد عادت العلاقات طبيعية بين الجانبين المصري والتركي، وتوقّفت الهجمات الإعلامية التركية ضد الرئيس السيسي باعتباره جنرال وقائد جيش، وقد مهّد وزراء خارجية البلدين لعودة العلاقات الطبيعية، وتوّجتْ بزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمصر، والتي سوف تكون فصلاً جديداً في السياسة التركية وتحقّق الاستدارة التركية الجديدة التي يعمل عليها أردوغان، وسيظهر للعرب والمسلمين كساعٍ للسلام الحقيقي في الشرق الاوسط، كما سيظهر للغرب وأمريكا كزعيم يسعى لتقديم مساعدات عاجلة للمدنيين الفلسطينيين، ويعلن أنّه ضدّ تهجير الفلسطينيين قسرياً، مع أنّه لايزال يمارس التهجير القسري في شمال سوريا وفي عفرين ورأس العين وتل أبيض، كما لم تتوقّف هجمات مسيّراته في شمال وشرق سوريا (مناطق الإدارة الذاتية)، ويسعى أردوغان من جولته إلى مصر كي لا يعود خالي الوفاض، فقد كانت هناك صفقة لمسيّرات “بيرقدار” لمصر، والسعي إلى تنمية التجارة بين الطرفين حتى تصل قيمة التبادل التجاري إلى مبلغ 15مليار دولار، وتشجيع الاستثمارات المصرية في تركيا وكذلك الاستثمارات التركية في مصر، بالإضافة إلى قضايا السياحة والطاقة بين الجانبين، ربّما تُعدّ هذه الزيارة استراتيجية وهامة، لأنّها تعزّز من مكانة تركيا عند الدول العربية خاصة كل من السعودية والإمارات والبحرين وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، وبذات الأمر يلفت أردوغان نظر روسيا وإيران والصين إلى هذه الزيارة خاصة ما تم التفاهم بشأنه في أستانة 21 وقد تكون هذه استدارة لتركيا نحو سوريا والعراق في ظل تغيير سياسته تجاه التطرّف والفصائل الإخوانية المتطرّفة في شمال سوريا والعراق، وربّما يكون أكثر مرونة مع النظام السوري وهو ما قد يحدث اختراقاً ما أو تقارباً مع النظام السوري.

التطبيع مع مصر وعودة العلاقات بين الجانبين وصل حدّ التعامل بالعملات المحلية وتوقيع عدة اتفاقيات تعاون في معظم المجالات، ممّا قد يعود بالنفع على الدولتين، وتستغلّ تركيا موالاة حكومة طرابلس لترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، بعد اكتشاف حقول غاز كبيرة في مياه المتوسط، ممّا أسال لعاب أردوغان الذي يسعى للتسوية مع مصر في هذه المسألة، لمعارضتها السابقة مع قبرص واليونان، فأردوغان يحتاج إلى هذه الاستدارة في السياسة الخارجية لتحقيق مغانم مهمة، وللتغلّب على مشكلاته الاقتصادية والداخلية.

يبقى أن نقول أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بات يكرّر نفسه، وما يقوم به هو مجرّد محاولات لتحسين صورته أمام الغرب رغم أنّه يسعى لتحسين علاقاته مع فرنسا، ورغم محاولاته التقارب والتطبيع مع أرمينيا، إلّا أنّه لا يقدم جديداً على مستوى الشرق الأوسط، فهذه هي الفترة الرئاسية الثالثة له ويسعى – كما فعل كمال أتاتورك- ليكون بيضة القبّان بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، إلّا أنّ المشكلات الداخلية تعصف به، ولن يستمرّ ما لم يقف بجدية أمام القضية الكردية ويحلّها حلّاً ديمقراطياً، ويفرج عن الأممي عبدالله اوجلان، ويتقارب مع المعارضة، ويضغط على الفصائل الموالية له مثل جماعة الائتلاف وغيرها في استعادة الأراضي السورية والمهجّرين قسرياً من عفرين ورأس العين، ويتوقّف عن الهجمات على مناطق شمال وشرق سوريا، ويقوم بحلّ القضية الكردية، ويحدث خرقاً سياسياً في المنطقة، عندها يمكن القول أنّه قد تغيّر في سياسته ويسعى إلى السلام والاستقرار في المنطقة.

المقالة تعبر عن رأي الكاتب

زر الذهاب إلى الأعلى