ترتيبات روسيا في الشمال السوري قبل اجتماع سوتشي

ترتيبات روسيا في الشمال السوري قبل اجتماع سوتشي

بعد خروج أردوغان من اجتماع طهران الثلاثي خالي الوفاض، وإخفاقه في إقناع روسيا وإيران بالموافقة على العدوان العسكري ضد الشمال السوري رغم تأكيد موسكو وطهران الحاجة إلى تهدئة المخاوف الأمنية لتركيا والتركيز على إنعاش “مسار آستانة”، وضرورة إعادة كل الأراضي إلى السيادة السورية. لذا فإن أحد أسباب ذهاب أردوغان إلى روسيا لحضور اجتماع سوتشي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد تكون محاولة منه لتسوية النقاط الخلافية حول الملف السوري.

علماً أن موسكو قامت ببعض الترتيبات في الشمال السوري بعد اجتماع طهران وقبل اجتماع سوتشي، وهو التركيز على خطين:

على خط دمشق- قامشلو، عملت روسيا على تسريع التفاهمات العسكرية بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وقوات الحكومة السورية وبتنسيق مع إيران، من أجل تعزيز التقارب بين الطرفين على الأرض، وهذا ما دفع دمشق لإرسال تعزيزات عسكرية إلى مناطق الشمال السوري، بأرياف حلب والحسكة، لصد أي عدوان تركي محتمل على المنطقة، وهذا ما وضع النظام التركي في جانب وروسيا وإيران في جانب آخر.

كما جاءت المناورات العسكرية التي أجرتها قوات الحكومة السورية وبإشراف روسي، في إطار الاستعدادات لردع أي عدوان تركي في الشمال السوري. فضلاً عن أن هذه المناورات كانت بمثابة رد صريح على تصريحات وزير خارجية النظام التركي مولود جاويش أوغلو حول استعداد أنقرة لدعم دمشق في محاربة قوات سوريا الديمقراطية.

عملياً، روسيا لا تستطيع الإخلال بعلاقتها مع قوات سوريا الديمقراطية من خلال منح الضوء الأخضر لعدوان تركي عسكري على المنطقة. فتدرك روسيا أهمية إبعاد قسد عن أمريكا ودفعها للتقرب والتنسيق مع دمشق. وبالتالي إزاحة واشنطن خارج لعبة تقاسم التوازنات والنفوذ في رسم مستقبل الخارطة السياسية والدستورية والأمنيّة لسوريا.

كما طرحت روسيا في اجتماع طهران مطلب خروج القوات الأمريكية من سوريا. وفي سابقة من نوعها ولأول مرة سيرت القوات الروسية دورية لها في مناطق النفوذ الأمريكي في شمال شرق سوريا في محاولة وصفت الغاية منها استعراض وجود القوات الروسية وجهوزيتها لملء أي فراغ في المنطقة والدفاع عنها.

أما على خط أنقرة- دمشق، تبدو أنقرة التي تعتبر أن الدعم الأمريكي هو السبب الأساسي لتنامي قوة وقدرات قوات سوريا الديمقراطية، أقرب إلى موقف موسكو منها من واشنطن. فموسكو أرسلت رسائل عدة للنظام التركي بأن أنقرة لا يمكنها القيام بأي خطوة في سوريا دون موافقتها والتنسيق معها.

وبدلا عن العدوان العسكري المحتمل على الشمال السوري، يبدو أن إحدى الخيارات المطروحة في ترتيبات موسكو على هذا الخط، هو العودة إلى اتفاق أضنة الذي وقع في 1998م وربما الصيغة المعدلة له من حيث المسافة، بدلاً من المضيّ وراء اتفاقيات تشرين الأول 2019م التي يستحيل تنفيذها.

كما أعطى حضور وزير خارجية الحكومة السورية، فيصل المقداد، في طهران على هامش الاجتماع الثلاثي، زخماً لموسكو في هذه الترتيبات. فجاءت تصريحات وزير خارجية النظام التركي عن استعداد أنقرة لمساعدة دمشق من أجل إنهاء نفوذ قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وهذا ما يفسر بأن النظام التركي مستعد لمقايضات جديدة مع النظام السوري وذلك بالتخلي عن المعارضة وبعض المناطق التي احتلتها في الشمال السوري وربما التمني بعودة سوريا إلى ما قبل 2011م.

في ظل وجود عدة نقاط خلافية بين موسكو وأنقرة حول الملف السوري، سيجتمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس النظام التركي رجب أردوغان في مدينة سوتشي الروسية في الخامس من شهر آب/أغسطس الجاري. ويبدو أن الاجتماع سيتركز فيما يخص الملف السوري على مستجدات الترتيبات الروسية على خط دمشق- قامشلو، خاصة التنافس الروسي الأمريكي على كسب قوات سوريا الديمقراطية؛ لذا قد تكون هذه الزيارة بمثابة إطلاق تفاهمات جديدة بين الدولتين بشأن سوريا وخاصة شمال وشرق سوريا التي تتعرض لعمليات عدوانية من قبل دولة الاحتلال التركي أو بقاء الوضع على ما هو عليه لحين بروز تطورات سياسية وعسكرية جديدة.

زر الذهاب إلى الأعلى