دلالاتُ المكان والزّمان لانعقاد ِالمؤتمر الرابع لمجلس سوريا الديمقراطية

محمد حسن

مجلسُ سوريا الديمقراطية (مسد) هو إطار وطنيٌّ سوريّ، تأسّس في التاسع من كانون الأول /2015 / حيث عقد مؤتمره التأسيسي في مدينة ديريك في شمال شرق سوريا. يتألّف المجلس من مجموعةٍ من الأطراف والشخصيات المستقلّة، ويسعى إلى التغيير الديمقراطي الشّامل، والمساواة بين الجنسين، والعدالة، وبناء نظام يعبّر عن المشروع الوطني؛ لذا فإنّه يناضل من أجل مكافحة التطرّف بكلّ أشكاله، وبناء الإدارات المدنية التي تضع حجر الأساس لنظامٍ سياسيّ ديمقراطي يعتمد مبدأ اللّامركزية، لإنجاح مشاريعِ التنمية المستدامة، والقضاء على التمييز والتسلّط في البلاد.

يُعدُّ مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) المرجعيةَ والمظلّةَ السياسية للإدارةِ الذّاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية، وهو المخوَّلُ بإجراء أيّة عمليةٍ تفاوضيّةٍ معتبراً أنّ السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد هو خيار الحلّ السياسي عبر المفاوضات.

عقد مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) مؤتمره الرابع بتاريخ ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٣ في مدينة الرقة التي تمّ تحريرها من تنظيم داعش الإرهابي، والذي كان يتّخذ من تلك المدينة عاصمةً لدولته المزعومة، وقد شارك في أعمال المؤتمر ٣٠٠ عضو، بين ممثّلين عن الأحزاب السياسية، وشخصياتٍ فاعلة، وممثلين عن الفعاليات الاجتماعية والمنظمات النسوية والمدنية، وممثّلين عن الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، وممثلين عن قوات سوريا الديمقراطية.

إنّ لانعقاد المؤتمر في مدينة الرقة دلالتُه ورمزيّتُه؛ فمدينة الرقة قد تمّ تحريرها من براثن تنظيم داعش، حيث كان يتّخذ منها مركزًا وعاصمة لدولته وخلافته المزعومة، ولا يخفى على أحد أنّ هذه المدينة قد تمّ تحريرها على يد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بالمشاركة والتنسيق مع قوات التحالف الدّولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان التنظيم يرتكب فيها أفظع الجرائم ويقوم بالتضييق على المدنيين ويصادر الحُرّيّات، كما كان التنظيم يتّخذ من مدينة الرقة منطلقا لشنّ العمليّات الإرهابية، وإعداد السيارات المفخّخة وتوجيهها إلى مختلف المناطق للقيام بالتفجيرات الإرهابية التي تستهدف المدنيين قبل العسكريين. لذا فإنّ انعقاد المؤتمر الرابع لمجلس سوريا الديمقراطية في مدينة الرقة يكتسب أهمية مكانية تشير إلى رمزية المدينة وأهمّيتها.

أمّا من حيث الزمان والتوقيت، فيأتي انعقاد المؤتمر في وقتٍ تشهد فيه المنطقة والعالم أحداثاً ساخنة وهامّة، لا بدّ لها أن تؤثّر في مشهد السياسة الدولية، وستنعكس – بطبيعة الحال- على المنطقة ومستقبلها؛ فالأزمة الأوكرانية من ناحية، ومن ناحية أخرى أزمة قطاع غزة التي تعبّر عن أزمة في النظام العالمي من خلال الحرب بين إسرائيل وحماس، كما تبرز الصراع بين أقطابه، وهو أبرز ما يواجه القوى السورية من تحدّيات في إطار علاقتها بالمجتمع الدولي وتعاملها مع المستجدّات. وما يزيد من صعوبة التوافق السوري أكثرَ من أي وقت مضى هو انخراط بعض الأطراف السورية في أزماتٍ إقليمية في وقت تعاني فيه سوريا من حالة تمزّق وانقسام.

كما أنّ الهدف من عقد مؤتمر مجلس سوريا الديمقراطية في هذا التوقيت هو إعادة الأزمة السورية إلى دائرة الاهتمام ولفت الأنظار إليها، فسوريا لازالت تعيش أزماتٍ متفاقمة على مختلف المستويات، وانعكست تلك الأزمات على حياة المواطن وجعلته يفقد الأمل بعودة الأمن والاستقرار إلى الوطن، حيث الفقرُ والدمارُ والقتلُ والهجرةُ والتهجيرُ قد بلغت مستوياتٍ خطيرة.

وجاء المؤتمرُ أيضاً في وقت لايزال فيه خطر عودة التنظيمات الإرهابية التكفيرية قائماً ويهدّد المنطقة برمّتها، تلك التنظيمات التي انتعشت خلال السنوات الماضية، وأعلنت دولتها المزعومة على هذه الأرض وفرضت أفكارَها المتطرّفة، ومارست كلّ أشكال العنف والهمجيّة بحقّ البشر، فالخلايا النائمة لتنظيم داعش تنشُط بين الفينة والأخرى، ولا تتوانى عن استغلال واقتناص الفرص للقيام بأعمال إرهابية هنا وهناك، كما أنّ عناصر تنظيم داعش في السجون، وعائلاتهم في المخيّمات يشكّلون تهديدًا حقيقياً على الأرض، ولا يزال عناصر التنظيم وكذلك عائلاتُهم يؤمنون بفكر التنظيم المتطرّف، وينتظرون الفرصة السانحة لاستجماع قِواهم والعودة من جديد.

تكمن أهميّة انعقاد مؤتمر مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) في الظروف التي تمرّ بها سوريا، وكذلك الأزمات التي تعيشها المنطقة والعالم، كما تبرز أهمية المؤتمر في النتائج التي صدرت عنه، حيث سحبت البساط من تحت أقدام كل المشكّكين في مشروع (مسد) والذين يدّعون أنّه مشروع انفصالي، فانعقاد المؤتمر تحت شعار “وحدةُ السوريين أساسُ الحلّ السياسي وضمانٌ لتحقيق سوريا ديمقراطية تعدّدية لامركزية” يشير إلى أنّ الإطار التنظيمي للمجلس يتّسع لجميع السوريين بمختلف انتماءاتهم ولغاتهم ودياناتهم ومذاهبهم، ويؤكّد أنّه إطار جامعٌ لكلّ السوريين.

المقالة تعبر عن رأي الكاتب

زر الذهاب إلى الأعلى