الرئيس الأمريكي المنتخَب دونالد ترامب وسياسته في الشرق الأوسط توقّعات أم متغيّرات
الوضع في الشرق الأوسط:
منذ بدء عملية حماس في 7 أكتوبر تقف منطقة الشرق الأوسط على صفيح ساخن بين حماس وإسرائيل بعد أسر الرهائن المدنيين الإسرائيليين، وكادت المنطقة برمّتها أن تدخل في حرب شاملة؛ لأنّ حماس هي أحد الأذرع الإيرانية في غزة، وحزب الله ذراع إيران الأساسية في لبنان وسوريا، والحشد الشعبي ذراعها في العراق، والحوثيون ذراعها في اليمن والبحر الأحمر، لمشاركة الأذرع الإيرانية (سابقة الذكر) في مساندة حماس بمواجهة إسرائيل، وتفاقمت الحرب بين الأطراف المذكورة ووصلت إلى مقتل حسن نصرالله وبعض نوّابه وقادة آخرين، وإلى اغتيال إسماعيل هنية في إيران، وإلى الهجمات السيبرانية التي تمّت خلالها تفجير أجهزة الاتصال لحزب الله وقتل المئات من عناصره، ثم تلتها الهجمات الإيرانية بالصواريخ البالستية وشاركت الولايات المتحدة والحلفاء في صدّ هذه الصواريخ للحدّ من أضرارها، وبعد ذلك تسبّبت الهجمات الإسرائيلية على معاقل حزب الله في الضاحية الجنوبية في بيروت بدمار شبه كامل لأبنيتها، و طال الدمار الكامل غزة ومدنها وبلغ عدد القتلى فيها أكثر من 40 ألفًا من سكانها إضافة إلى الجرحى والمهجّرين، ثم قتل السنوار (الرئيس الأخير لحماس)، وبلغ عدد النازحين في لبنان أكثر من 700 ألف من المدنيين دون مأوى، وتصاعدت الحرب والضربات الإسرائيلية حتى تم اجتياح الجنوب اللبناني، ثم كان الردّ الإسرائيلي بتوجيه ضربات لإيران نفسها طالت القواعد العسكرية للحرس الثوري الإيراني والدفاعات الجوية، أي أنّ الهجمات الإسرائيلية لم تقترب من المفاعلات النووية الإيرانية، ومن المرجّح أنّ ذلك قد تمّ بناءً على نصائح أمريكية، حتى لا تصل إلى حرب إقليمية شاملة، وتحرّكت الولايات المتحدة الأمريكية ساعية إلى التهدئة ووقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل وبمشاركة دول العربية مثل مصر وقطر وسلطنة عمان وغيرها ولكن دون جدوى، كما تحرّكت الجهود الدولية لوقف الحرب في لبنان وإبعاد حزب الله عن مساندة غزة وتحقيق وقف إطلاق النار ولكن دون جدوى، ورغم عقد القمة العربية والإسلامية في الرياض مرّتَين متتاليتَين لتحقيق الوقف الفوري لإطلاق النار وحلّ المسألة الفلسطينية، ورغم مشاركة الدول العربية في القمة الأوربية الشرق أوسطية ولكن دون أن تأتي هذه الجهود ثمارها، وكذلك رغم المشاركة في قمة بركس في قازان برئاسة روسيا على أساس حلّ الدولتين.
لازالت الحرب مستعرة ولازالت الهجمات الإسرائيلية مستمرّة في الضاحية الجنوبية في لبنان، وكذلك في حمص والقصير وبعض مناطق دير الزور ضمن الأراضي السورية، مستهدِفة مخازن حزب الله وأسلحته ومسيّراته، وتلوح في الأفق ملامح اتفاقية لوقف إطلاق النار في لبنان، ولكن يبدو أنّ مساراتها لم تنضج بعد.
انتهت الانتخابات الأمريكية بفوز الرئيس الأسبق دونالد ترامب، الذي بدأ، كمرحلة التمهيدية، باختيار الأعضاء المهمّين في حكومته مع المستشارين، كما التقى الرئيس جو بايدن ليأخذ منه بعض النصائح والتوصيات لمهمّته القادمة، ولا يزال مستمرّاً في إعداد طاقمه، ولا تزال أمامه قرابة شهرين للمباشرة بعمله في البيت الأبيض، وهي فترة كافية لإسرائيل لتحقّق أهدافها العسكرية، كما تزعم، في ضرب طرق الإمداد لحزب الله في سوريا ولبنان وحمص والقصير.
وبالتوازي؛ تقوم تركيا بشنّ هجمات ضدّ جنوب كردستان وضدّ شمال شرق سوريا بالمسيّرات والمدفعية التي تطال المدنيين والمنشآت الاقتصادية وورش العمال ومراكز النفط والغاز والأفران والمؤسسات الخدمية والمدارس والمراكز الصحية والمستشفيات؛ وتحثّ الخلايا النائمة من تنظيم داعش على التحرّك لشنّ الهجمات والقيام بالتفجيرات وخلق الفوضى وعدم الاستقرار وترويع السكان بغاية التهجير وإفراغ المنطقة من سكانها، كما أنّ الحرب مستعرة في السودان بين الجيش السوداني وفصائل الدعم السريع التي كادت أن تكون شاملة في جميع مناطق السودان، تلك الحرب أدّت لنزوح مئات الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ والمرضى والجرحى، ناهيك عن الفيضانات التي تجتاح السودان؛ وهو ما فاقم الوضع الإنساني أكثر من المتوقّع، وتسبّب بتدمير البنية التحتية الضعيفة أساساً في السودان، و لازالت الحرب الروسية – الأوكرانية في أوجها وسط تقدّم للجيش الروسي في مناطق أوكرانية.
المواقف الدولية المتوقّعة لترامب:
يمكن التكهّن ببعض مواقف ترامب الدولية، وذلك بناء على خبرته السابقة عندما كان رئيساً للولايات المتحدة في الدورة السابقة لجو بايدن أثناء فوزه على المرشّحة الديمقراطية هيلاري كلينتون التي وصفت بعض مواقفه – آنذاك – بالمزاجية أو الارتجالية، ومن المرجّح أنّ هذه الصفة لم تتغيّر كثيراً وإنّما طرأ عليها شيء من التحسّن، سيكون من المتوقّع أنّ جلّ اهتمام السياسة الخارجية الأمريكية ستتوجّه نحو الصين من الناحية الاستراتيجية والاقتصادية، ومن المتوقع أنّها ستكون متوازنة وحذِرة في ذات الوقت؛ كون الصين بدورها تمثل قوة اقتصادية كبيرة تستطيع أن تواجه الولايات المتحدة بالمثل، خاصة إذا ما فرضت رسومًا أو عقوبات على الواردات الصينية. أمّا بخصوص الحرب الروسية – الأوكرانية فمن المرجّح أن يميل ترامب إلى إنهاء هذه الحرب (كما جاء في وعوده الانتخابية)، وسيعطي جلّ اهتمامه لتحميل الأطلسي والاتحاد الأوربي تكاليف تكاد تكون مماثلة للتكاليف التي تضعها الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنّه ليس من المستبعَد أن تكون هناك هدنة أو صفقة تنهي هذه الحرب؛ وذلك بسبب علاقته الجيّدة مع الرئيس الروسي بوتين الذي يشابهه في البراغماتية، ولهذا؛ فإنّه من المرجّح أنّ الرئيس الأوكراني لن يكون سعيدا بفوز ترامب، ومن المتوقّع أن يستمر ترامب، وربّما يكون أكثر تشدّداً، مع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي للمساهمة في ميزانية الحلف بشكل أكثر فعالية، كي لّا تتحمّل الولايات المتحدة القسم الأكبر من العبء المالي من حيث ميزانية الحلف المخصّصة للتسليح والمعدّات وغير ذلك.
ولن نتوسّع كثيراً في هذا الجانب، لأنّ جلّ اهتمامنا يركّز على المواقف المحتمَلة التي سوف يتّخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منطقة الشرق الأوسط والحرب والصراع الدائر هناك، خاصة في الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل، وفي غزة والضفة الغربية، وفي سوريا في أماكن تواجد الفرقة الرابعة للجيش السوري المساند لإيران وفي أماكن وجود عناصره ومخازن أسلحته وفي حمص والقصير ودير الزور، خاصة تلك الواقعة على طريق إمداد حزب الله بالأسلحة والمواد اللازمة والمؤن وغيرها.
المواقف المحتمَلة لترامب في منطقة الشرق الأوسط:
يبدو أنّ الرئيس الإسرائيلي سعيد بفوز ترامب؛ وذلك بسبب العلاقة الوثيقة السابقة بين الطرفَين، لقد أعلن ترامب خلال وعوده الانتخابية أنّه يؤيّد إنهاء الحروب، وتمنّى أن يحقّق نتنياهو أهدافه قبل وصوله إلى البيت الأبيض، لذا؛ فإنّ هذه الفترة التمهيدية هامة لإسرائيل لتحقيق التقدّم في غزة وفي لبنان وفي الضاحية الجنوبية من بيروت وفي الحدود الجنوبية مع إسرائيل، وإعادة قوات حزب الله إلى ما بعد نهر الليطاني شمالاً، والوصول لهدنة ووقف إطلاق النار في لبنان بصيغة جديدة متجاوزة القرار الأممي السابق 1701 وإعادة السيادة للجمهورية اللبنانية والجيش اللبناني، (وكان مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي لاريجاني في دمشق وفي بيروت لوضع لمساته على اتفاق وقف إطلاق النار)، والقضاء نهائياً على حماس عسكريا والقضاء على حزب الله وإضعافه عسكريًا ولوجستياً، ومن المتوقّع أيضًا عقد اتفاق بعد حرب غزة وإعادة الرهائن المدنيين إلى إسرائيل، وتكون إدارة غزة دولية أو باتفاق مع حكومة محمود عباس في رام الله. وبذلك يكون التغيير قد تحقّق في الشرق الأوسط فيما يتعلّق بغزة ولبنان، خاصة إذا ما استجاب الرئيس الأمريكي لمطالب وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان (الذي يصفه ترامب بالصديق) في حلّ الدولتَين ولكن على نحو متغيّر وجديد. ومن المتوقّع أن تُستأنَف المفاوضات مع السعودية لتحقيق الاتفاق مع إسرائيل، حيث كانت تلك المفاوضات نشِطة بين الجانبين قبل هجمات 7 أكتوبر (التي مثّلت هدفاً إيرانياً آنذاك).
سياسة ترامب المتوقّعة حيال إيران:
إنّ دول منطقة الخليج العربي، ورغم حذرها، تبدو أكثر تفاؤلاً بسياسة ترامب القادمة بعد دخوله البيت الأبيض؛ لأنّه من المتوقّع أن يتّبع سياسة أكثر تشدّدًا من السابق مع إيران، ويكون متناغماً أكثر مع نتنياهو في القضاء على ما يُسمّى بمحور المقاومة وأذرعه في الشرق الأوسط برمّته؛ فقد زار ترامب خلال فترة رئاسته السابقة المملكة العربية السعودية وشارك في الاحتفالات في المملكة، ومن المتوقّع أن يعزّز تحالفه مع السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، ويحقّق استقرارً أكبر للتجارة العالمية العابرة إلى البحر الأحمر والخليج وبحر العرب والمحيط الهندي، وليس من المستبعَد أن تُعقَد صفقة في مجال الملف النووي الإيراني؛ لضمان أمن التجارة البحرية العالمية وضمان عدم تدخّل إيران في أمن المنطقة والخليج، وبالتالي تضعف الأذرع الإيرانية التي سبقت الإشارة إليها، بمعنى؛ الموافقة على تقليم الأظافر الإيرانية السابقة، ويتم الإفراج عن الأموال أو الأصول الإيرانية المجمّدة لتحسين عملتها واقتصادها ووضعها الداخلي الهشّ، وبالتالي؛ يحدّ من تدخّلها في العراق، لتتراجع دور الحروب بالوكالة ودور الفصائل المنضوية تحت ألوية الحرس الثوري الإيراني ومن يدور في فلكه، والغالب أنّ ترامب لا يحفل كثيراً بالأوضاع الداخلية للدول الأجنبية ولا بأنظمتها، ويرجَّح أنّه لن يعبث بالوضع الداخلي لإيران؛ فهو يهتم بالمال والأعمال أكثر من الأمور القانونية والدستورية والديمقراطية، فقد سبق لترامب أن نعت الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بدكتاتوري المفضّل.
سياسة ترامب المتوقّعة حيال تركيا والإدارة الذاتية الديمقراطية:
تركيا قلقة رغم علاقات أردوغان السابقة مع ترامب، حيث تربطهما علاقات المال والأعمال من خلال أفراد عائلته، ويرجع ذلك إلى الموقف التركي المتأرجح بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، وكذلك بسبب العلاقات المتوتّرة مع الولايات المتحدة وصفقة الصواريخ الروسية الباليستية S400 والتدخّل التركي في الحرب الروسية – الأوكرانية لصالح روسيا، ناهيك عن تحالف حزب العدالة والتنمية مع الإخوان المسلمين ومع تنظيم داعش، وشنّ تركيا هجمات ضدّ شمال وشرق سوريا واحتلال أراضٍ سورية في إدلب وعفرين وسري كانييه/ رأس العين وكري سبي/ تل أبيض بحجّة تأمين حدودها الجنوبية وأمنها القومي، هذه الذريعة لم تنتهِ منذ أكثر من قرن كامل، وهي (تركيا) تقضم الأراضي السورية في الحدود الشمالية لسوريا ساعية إلى تحقيق استراتيجيتها في خريطة الاتفاق الملّي، ومن غير المتوقّع أن تقوم تركيا بهجوم جديد على الأراضي السورية في ظل تولّي دونالد ترامب للرئاسة؛ لأنّ ذلك سيخلّ بالتوازنات الجديدة في المنطقة ويزيد من النفوذ الروسي والإيراني، ويزيد من فعالية تنظيم داعش، لذا؛ فإنّه من المتوقّع أن تتراجع تركيا عن طموحاتها التوسّعية مؤقّتاً، وليس مستبعَداً أن تلتفت إلى الوضع الداخلي في تركيا وتحاول حلّ الكثير من المسائل العالقة مع الكرد ومع حزب العمال الكردستاني، وتكفّ عن التدخّل في شؤون البلديات التي فاز بها الكرد بطرق ديمقراطية، كما قد تلجأ تركيا إلى مشاكل الدستور التركي الذي لم يتغيّر منذ زمن، وبناء على ذلك؛ يمكن لتركيا الكفّ عن كيل التّهَم لقوات سوريا الديمقراطية التي سوف يتم الاعتراف بإدارتها ومؤسساتها كونها أحد الأطراف في التحالف الدولي ضدّ داعش، ناهيك عن خطواتها القانونية والدستورية والديمقراطية ضمن الوطن السوري.