الوساطة العراقية للاحتواء أم للتطبيع؟!!
بات الملف السوري يُطرح على الطاولة من جديد، ولكن بشكل وصيغة جديدة على الطاولة العربية والأوربية والأمريكية، حيث التحوّلات الكبيرة في المواقف الدولية تجاه النظام السوري، فتحت أي بند تمّ غضّ النظر عن الجرائم التي اتُّهم النظام بارتكابها واستدعت المقاطعة وفرض العقوبات؟ هذه الإجابة تكمن في أروقة ازدواجية المعايير الدولية.
بدأت الإمارات العربية المتحدة قيادة عملية إعادة النظام السوري إلى الحضن العربي وتفعيل مقعده في الجامعة العربية، وحينها تنبّأ المحلّلون بأنّ هناك ضوءًا أخضر قد أُخذ وإلّا لما فعلتها الإمارات، من بعدها تشكّل وفد من البرلمانات العربية وتوجّه إلى دمشق من مطار بغداد، وأيضا تضاربت التحليلات حول أنّ هذا الوفد أهلي برلماني لا يمثّل السياسة الخارجية للدول العربية، متجاهلين أنّنا في الشرق الأوسط لا نعيش أي نوع من الديمقراطية حتى تتجرّأ جهة أو لجنة أو نقابة أو ممثّل على تمثيل دولته دون موافقة سلطات النظام القائم فيها. إذًا؛ الاستنتاج البديهي أنّ انطلاقة الوفود البرلمانية العربية كانت الإشارة الأولى للاتفاق بالإجماع لتغير السياسة تجاه النظام السوري، وهذا لم يحدث دون موافقة الولايات المتحدة الأمريكية، في نهاية الأمر عادت سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، وحضر الرئيس السوري القمة العربية في الرياض 2023م وكذلك قمة البحرين 2024م، وتغيّرت النبرة العربية كلّيًا تجاه النظام السوري، وفعليًا بات الحضن العربي يسعى لضمّ سوريا من جديد، وإبعادها عن إيران أو على الأقل تضييق المساحات أمام الوجود الإيراني، وهو هدف عربي مشروع في ظلّ الصراع العربي – الإيراني وتدخّل إيران في الشؤون الداخلية لعدد من الدول العربية، وبالتالي؛ فإنّ النظام السوري الآن يتفاوض حول قبول شروط عربية لتبنّي حلّ الأزمة السورية وفق رؤيا أقرب ما تكون لصالح النظام، بعد الفشل الذريع الذي لاقته المعارضة بشقّيها السياسي والعسكري عندما وهبت نفسها بشكل كامل لتركيا، ليتم استخدام المرتزقة السوريين في صراعات خارجية خدمة للسياسة التركية وشركات العسكرة التركية، عندما أيقنت تركيا أنّ المعارضة السورية باتت مُستهلكة فقط وأفلست عمليا وباتت ساحة صراع لميليشيات وفصائل هدفها السرقة والنهب، وهي الآن على حافّة الهاوية لخسارة معركة تاريخية مع القضية الكردية، عندما أثبتت تجربة الإدارة الذاتية نجاح الساسة الكُرد تنظيميًا في تقديم تجربة ونموذج حلّ مثالي وإطلاق مبادرة حلّ لم تستطع دول طرحها.
والأسئلة الآن: ما هو موقف النظام السوري من المستجدّات تجاهه؟ لماذا اختارت تركيا العراق للعب دور الوساطة؟ إلى أيّ حدّ يمكن للوساطة العراقية إيصال التطبيع السوري – التركي؟
على مستوى النظام السوري:
النظام السوري وصل إلى الحصار الفعلي؛ عندما تنبّه الجميع إلى كمية المخدّرات الخارجة من سوريا (منطقة ” النظام”) وبدأت حرب دولية في مكافحة المخدّرات (المصدر المموّل للنظام في ظلّ الظروف الاقتصادية الراهنة)، والدول العربية تبنّت موقفًا جديدًا مشروطًا لإنهاء تعنّت النظام في رفض وضع صيغة لإعادة بناء سوريا على جميع المستويات، خاصة في ظلّ سطوة السعودية على المشهد العربي وفق تطوّر كبير تنفيذًا لرؤية \2030\ ولا بدّ من التعاون مع النظام لكبح تدفّق المخدّرات إلى الخليج، في الخطوة التالية السعودية تفتتح سفارتها من جديد في دمشق، ثمّ تصدر دول مجلس التعاون الخليجي بيانًا يتضمّن لغة جديدة أكثر سلاسة في التعامل مع النظام السوري واتصالات أخرى بين مسؤولين قطريين وسوريين، وبهذا الوضع بات النظام أكثر توازنًا مقارنة مع السلطات الأخرى على الأرض، باستثناء ردّ الفعل الأمريكي حيال هذه التطوّرات، وكيف سيكون ردّ الفعل الأمريكي بعدها؟ هل ستتمسّك الولايات المتحدة بوعودها وتدافع عن الإدارة الذاتية بشكل أكثر فعالية؟ فالأنسب في شكل هذا الدفاع هو الاعتراف بشرعية الإدارة الذاتية، وقد تكون هذه الخطوة هي الأكثر رعبًا لجهات عديدة منها النظام السوري الذي نشرت مواقع عديدة بأنه أعلن مؤخّرًا أنّه بصدد حوار مع الإدارة الذاتية لوضع آليات الحل دون استخدام القوة العسكرية، إلّا أنّ الحقيقة تقول أنّه ليست هناك إمكانية وجرأة لعمل عسكري على شرق الفرات في ظلّ وجود الولايات المتحدة الامريكية على الأرض، والرغبة بالحوار ليست بدافع حُسن النوايا؛ وإنّما هو التخوّف من خسارة محتمة في المواجهة، تتلاقى المصالح التركية مع النظام السوري في هدفهما بإخراج الولايات المتحدة الأمريكية من شرق الفرات والتخلّي عن الإدارة الذاتية، من جهة تريد تركيا إجهاض هذه التجربة وتفتيت أكثر للمكوّن الكردي وضمان عدم انتقال الفكر التحرّري إلى الداخل التركي ( مثل إعلان تمرّد علني في الداخل التركي والمطالبة بالإدارة الذاتية دون استخدام القوة العسكرية، وتتمسّك الحكومة السورية في دمشق بأنّ موضوع الإدارة الذاتية شأن داخلي يحلّ سياسيا وبحوار سوري- سوري، وفي مفاوضات التطبيع بين الجانبين السوري والتركي يطالب مسؤولو النظام السوري تركيا بالانسحاب الكامل من الأراضي السورية كشرط أساسي للتطبيع وقطع الدعم بشكل نهائي عن المعارضة السورية العسكرية والسياسية، ولكن على ما يبدو أنّ تركيا متمسّكة بفكرة إنشاء منطقة آمنة مزعومة عنوانها التغيير الديمغرافي، والهدف يتّضح من جديد وهو تفتيت التجمّعات الكردية وخلط النسيج المجتمعي السوري، وفي وساطة رئيس الوزراء العراقي” محمد شياع السوداني” تُكرّر سوريا مطالبها بانسحاب القوات التركية، وتتعامل مع اجتماعات المفاوضات بشكل متّزن ومُكمّل للجولات السابقة سواء في روسيا أو بوساطة إيرانية، وعلى ما يبدو أنّ الموقف السوري يزداد قوة في ظلّ حاجة تركيا إلى هذا التطبيع أكثر، ويعود ذلك إلى انفتاح الدول العربية على النظام السوري، كما أنّ الرسائل القادمة من الدول الأوربية مطمئنة للنظام السوري، وهذا يفضي إلى أنّ المضي قُدمًا في عملية التطبيع سيكون بالفعل بانسحاب تركي من الأراضي السورية، ولكن إن كان لا بدّ من عملية عسكرية، فقد يُسمح للنظام السوري بها وبتشجيع روسي وتخاذل أمريكي، بأن تقوم تركيا بعمل عسكري خاطف سواء برًّا أو جوًّا لإنهاء نيّة الإدارة الذاتية إجراء انتخابات البلديات غير المرضية للنظام السوري، لأنّ مثل هذه الانتخابات بالتأكيد ستفضح كل أشكال الانتخابات السابقة، ثم ستثبت الإرادة الشعبية على الأرض. إذًا؛ نستطيع القول أنّ موقف النظام يختلف شمالًا عن جنوب، والقصد أنّ موقف النظام في جولاته مع تركيا والوسطاء موقف قوي ومتصاعد في ظلّ إفلاس الجانب التركي وضعف أوراقه المتمثّلة بالمعارضة السورية التي فشلت في إثبات نفسها بإمكانية أن تكون بديلًا حقيقيًا للنظام السوري أو شريكًا إيجابيًا في عملية التغير في سوريا جديدة، وفي الجنوب بدأ الموقف السوري يضعف أكثر؛ فالدول العربية بدأت بشكل جدّي بفرض شروط على النظام السوري، والتهديد الذي يتخوّف منه النظام السوري هو استخدام كلّ الوسائل لإنهاء مصادر المخدّرات؛ وبالتالي انهيار كامل لاقتصاده، إضافة إلى ذلك ما يحدث في الجنوب السوري “السويداء” وإشارات التناغم مع إقليم شمال وشرق سوريا، بالنهاية قد تصل الرسائل إلى الدول العربية أنّ الإدارات الذاتية حلّ مثالي للأزمة السورية.
على مستوى النظام التركي:
بالفعل؛ إنّ “الارتماء في الأحضان” هو العنوان المناسب لسعي تركيا وراء التطبيع مع النظام السوري بضمانات تمكّنه من إفشال الإدارة الذاتية بعد عدّة محاولات، سواء بالعمليات العسكرية أو التهديد أو التهجير وإجراء التغير الديمغرافي، وفي الوساطة العراقية لا يُستبعد أن تكون تركيا هي التي ذهبت إلى العراق وطلبت الوساطة، وبالطبع إذ اما أردنا التدقيق في حيثيات المكان والزمان والوسيط نجد الخبث السياسي التركي واضحًا؛ فعمليًا العراق بحاجة لاستعادة دوره في المنطقة للوصول لمرحلة المطالبة بخروج الولايات المتحدة الأمريكية نهائيًا من العراق وأيضا الرغبة الشعبية بقطع التدخّلات الإيرانية بالشؤون العراقية، وهذه المرحلة لا يمكن الوصول إليها إلّا بعد استعادة العراق لدوره الإقليمي، فتستغلّ تركيا هذه الحاجة وتمضي قُدُمًا في توريط العراق بصراعها مع حزب العمال الكردستاني بحجّة تجاوزاته على السيادة العراقية وزيادة عمق تدخّلاتها العسكرية، حيث تجد تركيا في إدخال العراق في الوساطة عدة عوامل إيجابية للمستقبل القريب، ومنها عمليات المفاوضات التي تجري لتقريب وجهات النظر وتتطلّب من العراق تقديم ما يمكن تقديمه من مساعدة ووعود باستكمال بنود التطبيع إن حدث؛ فمثلًا قد تطلب تركيا من القوات العراقية ضمان الحدود السورية – العراقية، وإنهاء أيّة عملية اتصال برّي بين إقليم كردستان العراق وإقليم شمال وشرق سوريا، والمشاركة بفرض حصار خانق، ومن الممكن أن يصل الأمر بالمطالبة بمشاركة الجيش العراقي بعمل عسكري يستهدف حزب العمال الكردستاني، خاصة عندما تتعامل تركيا مع الوساطة العراقية بأنّها فرصة تمنحها تركيا للعراق لاستعادة دوره الإقليمي، من جانب آخر لم تعد تركيا قادرة على اللحاق بالركب في ظلّ اللكمات العديدة التي صُفعت بها من قبل الإدارة الذاتية والتنظيم الاجتماعي والالتفاف الجماهيري حول ما يصدر من تنظيم عن الإدارة الذاتية، فمن لكمة العقد الاجتماعي الذي أنذر بما هو قادم من منح الحقوق لأصحابها، إلى تطبيق واقعي بإعلان إجراء انتخابات البلديات، لتذهب تركيا مهرولة إلى النظام السوري وتفتح ملفّ التطبيع من جديد و تطلق بشكل موازٍ التهديدات بالعمليات العسكرية غير المستبعدة، تماشيًا مع واقع التخبّط التركي والقرارات الأخيرة من تعديل دستوري يمنح الرئيس التركي حقّ إعلان الحرب دون الرجوع لجهة أخرى.
الاستعجال التركي في طلب مفاوضات التطبيع متعلّق بالانفتاح على النظام السوري وتصاعد موقفه الذي قد يصل به إلى قوة جعل التطبيع مع تركيا ثانويًا، وقد تتشكّل تحالفات عربية – دولية تطالب تركيا بالانسحاب وإنهاء الدعم للمعارضة السورية، وهذا ما قد يوفّر على النظام السوري تقديم تنازلات في مفاوضات التطبيع، وفي نفس الوقت تتقدّم الإدارة الذاتية بذاتها ويتصاعد موقفها قوة، والأصح هو أنّها حين تقوم بمثل هذه الانتخابات في ظلّ الوضع الاستثنائي السوري فهي إنّما تخلق درعًا جماهيريًا حقيقيًا، ولا يمكن التعامل معه سوى أنّه قرار شعبي شرعي.
على مستوى الحكومة العراقية:
من حق الحكومة العراقية بذل الجهد في تحقيق أول تجربة سياسية خارجية وامتحان لما توصّل إليه العراق من استعادة لدوره في ظل التطوّرات داخل العراق الذي يشهد قفزات نوعية على مستوى الاقتصاد والخدمات والأمن والرضى الشعبي، إنّ عودة العراق ليكون محطة وسيطة بين تركيا وسوريا ونجاحها في هذه المهمة قد ينتقل بها إلى وساطات أخرى، وتكون محطّ نظر ساسة آخرين لتدخل في القضايا الشائكة؛ ممّا يمنح ثقة شعبية أكبر في الداخل العراقي، كما ويُمنح العراق مقام الأخذ بالرأي بخصوص القرارات الإقليمية التي قد تتّخذها الدول الفاعلة في المنطقة أو الدول المجاورة، مثلاً: من خلال الوساطة القائمة الآن سيتم إعلام العراق بأي عمل عسكري تقوم به تركيا في شمال سوريا أو إقليم كردستان العراق، وهذا ما لم يكن قبل الوساطة. من جهة أخرى؛ إنّ العراق بحاجة لقنوات تواصل أكثر فعالية بشأن الحدود السورية – العراقية لمحاربة تنظيم داعش، الأمر الذي لا تقوم به العراق حاليًا لوجود قوات سوريا الديمقراطية على الجانب الآخر، وعدم تبيان الموقف العربي من قوات سوريا الديمقراطية، والتعاون الصريح مع الإدارة الذاتية، وقد ترى الحكومة العراقية في التطبيع السوري -التركي أملاً في عودة القوات السورية إلى الحدود العراقية -السورية تنفيذًا لشروط تركيا للتطبيع؛ وهذه فرصة لضبط أكبر للحدود من وجهة نظرهم؛ ما يجعل هذا الأمر قاسمًا مشتركًا خطيرًا على إقليم شمال وشرق سوريا.
سبق أن أعلن إقليم كردستان العراق استفتاءً أثار حفيظة العراق وسبّب تحرّكًا عسكريًا، حيث تلعب تركيا على هذا الوتر في محاكاة تعامل الحكومة العراقية والنظام السوري، وذلك في سبيل تجريد الواقع من الحقيقة تحقيقًا لرؤيا العثمانية في تفتيت الوجود الكردي، الحكومة العراقية -كما مجاوريها- تخشى بشكل أو بآخر تطوّر تجربة الإدارة الذاتية، لأنّها أكثر حقيقة وأكثر مشاركة شعبية من نظيرتها هناك في جنوب كردستان ، وبذلك تقوم تركيا بوصف تجربة الإدارة الذاتية بالانفصالية، وتصطنع المؤشّرات لخطورة خطوات الإدارة الذاتية، وهو إنّما عزف على الوتر الحسّاس الذي يثير حفيظة الدول العربية وإيران من دعاية وتوجيه تهمة الإجراءات الانفصالية لما تسعى إليه الإدارة الذاتية لوضع ضوابط الاستقرار وبناء السلام.
الموقف العربي:
لا شكّ أنّ العراق يحصل على دعم كافٍ من الدول العربية في عملية الوساطة مع تركيا، وذلك دعمًا لرغبة العراق في أخذ فرصته في استعاده دوره، كما أنّ العراق يبقى من الدول التي لا تمتلك مقوّمات الضغط المناسبة على النظام السوري، عكس تلك التي تمتلكها دول الجوار الأخرى والدول العربية، إذًا؛ رغبة الدولة العربية في تصعيد موقفها تجاه النظام تضمن بقاء نافذة التفاوض مفتوحة بوساطة عراقية، ثم إنّ التطبيع مع تركيا قد يرفع سقف التوقّعات بتقريب وجهات النظر بين المعارضة والنظام، وضمان سحب ثقة المعارضة من تركيا لتخضع من جديد لطاولة التفاوض دون أن تحمل في ملفّاتها أجندة عثمانية تركية؛ وإنّما السعي لتحقيق السلم الأهلي وسوريا جديدة بمشاركة جميع الاطياف.
وتتّفق الأهداف في العواصم العربية على ضرورة تقليص النفوذ الإيراني في سوريا وانحساره مبدئيا في لبنان والعراق لأهمية الموقع الجيوسياسي لسوريا، وهذا الهدف يتقاطع مع رغبة غير مخفية لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا وتركيا، وتعمل إيران مع خطوات التطبيع التي انطلقت من منبر في طهران بصمت واستراتيجية خاصة، كون أهداف إيران في المنطقة لها بعد أيديولوجي بحت منفصل عن بقية اهداف الفاعلين الآخرين، وسبق أن أثارت الشكوك في تعاون الاستخبارات السورية في استهداف قيادات إيرانية في سوريا من قبل إسرائيل.
نتذكّر جميعًا أنّ الثورة السورية عندما بدأت كانت السعودية وقطر والدول العربية الأخرى حاضرة بكل أنواع الدعم على الأرض بالمال والسلاح، ولكن في مرحلة من المراحل انسحب الجميع وقُطع هذا الدعم؛ والسبب يعود لاستخدام تركيا للمعارضة السورية وسيلة لتنفيذ أجندة خاصة بالفكر العثماني، واستخدام السوريين بتدخّلات خارجية، وهذا ما قد يفتح المجال أمام الوساطة العراقية بتلقّي دعم كافٍ من الدول العربية سعيًا لإنهاء استخدام تركيا للمرتزقة السوريين، وإمكانية فرض هذا التطبيع من قبل روسيا “صاحبة اليد الطولى” في الأزمة السورية، ويتّضح ذلك من خلال خطوات النظام على مستوى القرارات العسكرية التي أعلن عنها مؤخّرا، لتردّ تركيا بخطوة الحركات التي تقوم بها مجموعات في الشمال السوري لمنح جوّ مناسب لتركيا في اتخاذ الخطوة التالية باتخاذ قرارات جديدة على مستوى الدعم اللوجستي للفصائل المسلّحة، كلّ ما يحدث إنّما يحدث برعاية روسية وبغضّ نظر أمريكي وصمت من جهة إيران التي اتخذت دور المراقب لما يحدث.
الشمال السوري في ظلّ التطبيع:
حاجة الشعب السوري للعودة الى دياره أصبحت في المرحلة الأكثر إلحاحًا للمهجّرين في الداخل والخارج؛ ففي الداخل مهجّرو عفرين وسري كانيه وكري سبي يرفضون سلطات المرتزقة ويطالبون دائمًا باستعادة ممتلكاتهم ووضع آليات للعودة الآمنة، وذلك بالتوازي مع عودة اللاجئين من الداخل السوري الذين استوطنوا في أراضي الكرد والعرب في المناطق المذكورة تنفيذًا للرغبة التركية في محاولات التغير الديمغرافي، لكن على ما يبدو أنّ الأرض والطبيعة قد رفضتهم ورفضت هذه الانتهاكات؛ فليس هناك ما يكرّس استمرار هذا الاستيطان.
إنّ حجم خطورة التطبيع السوري – التركي على الشعب في إقليم شمال وشرق سوريا يتوقّف على بنود الاتفاق التي سيتم التوقيع عليها؛ ويمكن افتراض ثلاثة سيناريوهات لشكل التطبيع -إن حدث-:
– السيناريو الأول:
التطبيع بالتآمر على الإدارة الذاتية؛ وذلك بفرض حصار أكثر ضراوة وبمشاركة الحكومة العراقية وسلطات إقليم كردستان ، وقد يصل إلى السماح بعمل عسكري في شمال سوريا واستمرار استهداف البنى التحتية بموافقة من روسيا والنظام وغضّ بصر غربي. وهذا ما سيحدث بعد تفكيك الفصائل المسلّحة أو إنهاكها ووضعها دائما تحت رحمة “مطرقة” الأعمال العسكرية الروسية والسورية، وتسليم المنطقة إن لم يتم الرضوخ للتطبيع.
– السيناريو الثاني:
يستطيع النظام السوري فرض شروطه بانسحاب تركيا من الأراضي السورية وعودة أهالي عفرين ورأس العين (سري كانيه) وتل أبيض (كري سبي)، وتقديم سوريا وروسيا ضمانات تأمين الحدود، وهذا ما تقوم الإدارة الذاتية بطرحه دائمًا؛ حيث تؤكّد أنّها جزء لا يتجزّأ من سوريا، وأنّ حماية الحدود هي مهمّة القوات السورية رفضًا لتهمة الانفصالية، كما أنّ أبرز ما يمكن حدوثة هو أن يصبح إقليم شمال وشرق سوريا ملاذاً آمنًا للمدنيين المعارضين الذين يفضّلون العيش في كنف الإدارة الذاتية على العيش تحت سلطة النظام، حيث عبّروا عن ذلك علنًا في اللافتات التي رُفِعت في مظاهرات مناهضة للتطبيع.
– السيناريو الثالث:
يتوقّف على درجة الوطنية الحقيقية لدى كلّ الأطراف المعنية والشعب السوري، وذلك بإعلان حوار وطني سوري في الحدّ الأدنى، وفيه يجب أن يخطو كلّ طرف خطوات لتقريب وجهات النظر، والتخلّي عن التعنّت في المواقف، وتقبّل الآخر؛ وهذا الحوار لن يكون مجديًا إلّا بحوار عام وشامل بحضور المعارضة السورية والإدارة الذاتية والنظام السوري وممثّلين عن الجنوب السوري، بذلك يمكن أن نصل إلى خطوات أسرع، واختصار مراحل شاسعة في عودة اللاجئين السوريين وتوحيد الدعم المقدّم وإعادة اعمار شامل لسوريا، وتلعب فيه الدول الفاعلة دور الرقابة الدولية والضمان لتحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية في صياغة دستور سوري جديد.
إنّ انتخابات البلدية الآن يمكنها أن تُسمّى بالفعل ” ساعة الصفر” لما تحمله من أهمية ومحطّة توضّح وجهة الأزمة السورية، فالقبول بها أو حتى إجراءها يمكن أن يكون اعترافًا ضمنيًا بمشروع الإدارة الذاتية.
كما أنّ الاتصال مع الدول العربية والعراق ضرورة ملحّة للإدارة الذاتية، وإن أرادت الدول العربية لعب دور إيجابي في حلّ الأزمة السورية يجب عليها تقبّل هذا الاتصال والبحث أكثر في حقيقة ما يحدث في شمال وشرق سوريا، ووضع حدّ للتهديد التركي والانتهاكات تطلق المستمرّة بحقّ الشعب السوري.