الوضع في سوريا ومستقبل المفاوضات… أبرز السيناريوهات المُحتمَلة

عبد الرزاق علي

عانى الكرد في عهد النظام البائد من الإقصاء والتهميش والقمع لعقود من زمن، حيث حُرِموا من التحدّث بلغتهم، ومن إحياء أعيادهم القومية، بل وأكثر من ذلك فقد تمّ تجريد العديد منهم من جنسيّتهم.

نما نفوذ الكرد أثناء اندلاع النزاع عام 2011م؛ حيث تمكّنوا من تأسيس إدارة ذاتية في شمال شرق سوريا، وبنوا مؤسسات تربوية واجتماعية وعسكرية، وتحت مظلّة التحالف الدولي قاتلوا أعتى منظمة إرهابية، لكن مع وصول الفصائل الإسلامية الراديكالية إلى دمشق بتوليفة بريطانية – أمريكية وإسرائيلية، أبدى الكرد انفتاحاً ومرونة للتعاون، معتبرين أنّ هذا التغيير فرصة تاريخية لبناء سوريا جديدة وبدستور عصري جديد يضمن حقوق جميع المكوّنات.

لكن ماذا حدث؟!!

استبعدت هذه الفصائل المكوّناتِ الأساسية عن حضور المؤتمر وعن المشاركة في الإعلان الدستوري، وتمّ انتخاب أحمد الشرع كرئيس للدولة لمرحلة انتقالية من قبل هذه الفصائل؛ وهو الأمر الذي أثار حفيظة كافة المكوّنات بسبب ترسيخ اللون الواحد لما له من تداعيات كارثية على البلاد.

ثم جاء الاتفاق ما بين الجنرال مظلوم عبدي والرئيس أحمد الشرع في العاشر من آذار وبوساطة أمريكية وفرنسية، لوضع اللّبِنة الأولى لسوريا ديمقراطية تعدّدية لا مركزية، ووضع حدّ لأي جهة داخلية أو خارجية تحاول زرع الخلافات والفتن بين الطرفين. تزامن هذا الاتفاق – وليس مصادفة – مع مُضيّ أسبوعين من نداء السلام لزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في إعلان تاريخي مفاده حل الحزب وإلقاء السلاح في خطوة فاجأ بها العالم؛ لأنّه أدرى بحيثيات القضية الكردية، هذه الخطوة تردّد صداها في الأوساط الحزبية والكردية والإقليمية بإشراف دوليّ غير معلَن؛ وهو الأمر الذي حشر تركيا في زاوية ضيّقة، لما لهذه الخطوة الجريئة من تداعيات إيجابية على عموم كردستان والعالم أجمع، ولأنّها تسدّ الذرائع ودوافع العدوان وترسم خارطة السلام.

لكن ما يثير المخاوف، وخصوصاً في هذه الآونة الأخيرة، هي السياسية الأمريكية المضطربة في المنطقة نتيجة عدم التوافق التام في دوائر صنع القرار الأمريكي؛ فعلى سبيل الحصر المواقف من الشرع الذي كان مطلوباً أمريكيا مقابل مبالغ مالية كبيرة، ومن بعد ذلك لقاء الشرع برئيس أمريكا في السعودية ومحاولة تعويمه، بل أكثر من ذلك حيث تمّ رفع العقوبات وبسرعة غير متوقّعة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى عدم تقيّد الشرع بشروط عدم تقليد الفصائل الإسلامية المراكز والمناصب في الجيش والدولة، ليعطي بعد ذلك موافقة بضمّهم في لواء.

 كلّ ما سبق يوضّح لنا التناقض في المواقف وخلط الأوراق، ومّا يزيد من شرخ عدم الثقة بهكذا قرارات هي كاريزمية ترامب، وتناغمه مع أردوغان يبعث برسائل غير مُطَمْئِنة، لكن الإدارة الذاتية مدركة تماماً لما يحدث، وتجيد اللعبة بذكاء، وما يساعدها هو قرارها المستقلّ وخصوصيتها في المواقف إزاء ما يجري، لأنّها على دراية كافية بحقيقة السياسة التركية المتذبذبة تاريخياً.

تحاول تركيا – بشتّى الوسائل – استغلال ما أمكن استغلاله وتوظيفه، حتى الإعلان التاريخي للسيّد عبد الله أوجلان، من أجل اتهام قوات سوريا بالارتباط بحزب العمال الكردستاني، وأنّ على تلك القوات أن تُلقي سلاحها لأنّ قرار إلقاء السلاح – حسب زعم تركيا – يشملها أيضاً، ومن خلال نفوذها وعلاقتها القوية مع الشرع تحاول تركيا دمج هذه القوات بمؤسسة الجيش السوري.

لكنّ هذه الإدارة كان ردّها صاعقاً؛ حيث عملت على عقد كونفرانس لكافة الأحزاب الكردية للخروج بوثيقة لتوحيد الموقف والصفّ الكردي، مضمونها سوريا تعدّدية، ديمقراطية، لا مركزية.

السؤال الذي يطرح نفسه هو: ماهي أهداف تركيا من هذه العملية؟

– أول هذه الأهداف هو إجهاض مشروع الإدارة الذاتية، سواء أكانت لا مركزية أو فدرالية؛ ويتجلّى هذا الأمر في التصريحات اليومية لأردوغان ورئيس وزرائه هاكان فيدان بتطبيق هذه الاتفاق ودمج قسد بالجيش.

– أمّا الهدف الثاني فهو الاستثمار الاقتصادي، مستغلّة نفوذها وعلاقتها ودخول شركاتها لإعادة البناء والإعمار، وبالتالي؛ الغاية هي الهيمنة الاقتصادية والسياسية على سوريا الجديدة.

– أمّا الهدف الثالث فهو تمكين السلطة الجديدة من السيطرة على منابع الغاز والنفط في شمال شرق سوريا، الغنية بمواردها الطبيعية والخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية؛ والغاية منها حرمان الإدارة وتخفيف مصادر الاقتصاد لديها.

– إزاء كل هذه الأهداف؛ تمضي الإدارة الذاتية في خطّها الثالث حاملة مشروعها في عدم الإفراط بحقوق الشعب الكردي الذي قدّم التضحيات الجسام في سبيل نيل تلك الحقوق، وهي التي تفرض شروطها ولا تستجدي الاستسلام بل تنتزع حقوقها.

إذاً؛ سوريا تمرّ في مرحلة المخاض، وهي على أعتاب مرحلة جديدة؛ فإمّا أن تتوافق مع مطالب كافة المكوّنات وتستجيب لخصوصية القضية الكردية، أو أن تختلف، وتلك هي الطامّة الكبرى. وقد برزت تحدّيات في وجه هذا الاتفاق، ويبقى الحوار سيّد الموقف لتذليل العقوبات والوصول إلى الإنجازات.

فما هي أبرز تلك التحدّيات؟

  • التحدّي الأول هو صياغة الدستور.
  • عدم فسح المجال للفكر الظلامي للفصائل الراديكالية في اتخاذ القرارات التاريخية.
  • التركيز على الأولويات وعدم التشتّت والإغراق في الخلافات الجانبية.
  • ضمان حقوق كل المكوّنات في الدستور الجديد، وإيلاء الخصوصية للقضية الكردية وبموضوعية لما لها من أهمية.
  • التحدّي الأكبر هو الاختلاف الأيديولوجي.

 وعلى ضوء ما تم سرده من وقائع وأهداف وأحداث؛ لابدّ من طرح السيناريوهات المُحتمَلة لهذا الاتفاق:

  • السيناريو الأول:

– التحلّي بروح المسؤولية، وتغليب الموقف الوطني.

– الأمر الذي يطمح إليه كل فرد في سوريا لكي تنعم البلاد بالأمن والأمان؛ هو أنّه لابدّ لرئيس البلاد أن يبتعد عن الضغوطات التركية، وأن يكون وطنياً وبامتياز، وأن يضع حقوق الشعب السوري بالحسبان؛ وهذا ما أراده في هذا السيناريو وسوف يتحقّق مهما طالت مدّة المفاوضات.

  • السيناريو الثاني:

الوضع القائم في سوريا مرهون بالإرادات الدولية، أمريكا والكتلة الأوربية وروسيا، في الضغط باتجاه سوريا لا مركزية وتعدّدية؛ وهذا ما أتوقّعه بغية الوصول إلى التفاهمات والتسويات ضمن الحدود الإقليميّة لحلّ العقدة.

  • السيناريو الثالث:

إذا لم تستجب السلطة الجديدة لحقوق الشعب السوري في الحياة، وإذا لم تراعِ الخصوصية الكردية والتي هي العقدة في هذا الاتفاق المزمع عقده، فسينفجر الوضع من جديد وتعود سوريا مقسّمة ومُقطَّعة الأوصال، وربما تعود إلى المربع الأول؛ وهو الأمر الذي لا يقبل به المجتمع الدولي ولا الشعب السوري.

زر الذهاب إلى الأعلى
RocketplayRocketplay casinoCasibom GirişJojobet GirişCasibom Giriş GüncelCasibom Giriş AdresiCandySpinzDafabet AppJeetwinRedbet SverigeViggoslotsCrazyBuzzer casinoCasibomJettbetKmsauto DownloadKmspico ActivatorSweet BonanzaCrazy TimeCrazy Time AppPlinko AppSugar rush