أبعاد بناء الجدار على الحدود العراقية السورية
وليد الشيخ
أعلن المتحدث باسم مجلس الوزراء العراقي حسين ناظم في 25 يناير2022 ” أن قيادة الجيش العراقي ستبدأ الشروع ببناء جدار أسمنتي على طول الحدود السورية العراقية وسيتم تمويله من وزارة الداخلية” ما يصف هذا القرار بالغريب كون مشكلة الحدود قفزت فجأة إلى أولوية الجيش العراقي والحكومة العراقية وخاصة أن داخل العراق أكثر سخونة من أي ساحة أخرى فكان الأحرى بالقيادة العراقية اتخاذ قرارات وإيجاد سبل لاجتثاث الخلايا النائمة والنشطة من تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي داخل العراق فضلاً عن الفساد المتعمق في المؤسسات وسوء الخدمات وهذا ما يمكن أن ينطقه لسان الشعب العراقي إلا أن القيادة العراقية أخذت قرارها ببناء جدار على طول 610 كلم ولم يتوقف الفصل بين البلدين على جدار أسمنتي فقط بل أيضا سبقه هذا بقرار أخذ في 2018 بحفر خندق على طول الحدود بعمق ثلاثة أمتار وعرض ثلاثة أمتار ومد أسلاك شائكة على ذات المسافة بالإضافة إلى وجود أسلاك مكهربه ومن ضمن القرار الأخير هو مراقبة الحدود بالكاميرات الحرارية المتقاطعة عمليا في رصدها للحدود وبناء نقاط مراقبة (أبراج اسمنتية ) بأبعاد قريبة تضمن تداخل وتقاطع النيران كل ذلك في سبيل ضبط الحدود الساخنة مع سورية بحسب المعلن عن المتحدث باسم مجلس الوزراء العراقي حسين ناظم.
ما سبق بديهياً يوضح التكلفة المادية الضخمة التي سيتطلبه إنجاز ما ذكر على طول الحدود مما يثير الشك في مصداقية رواية أن تكون وزارة الداخلية بهذه الجرأة لتمويل هذا المشروع علما أنه في 2018 كانت العراق قد شرعة ببناء الأسلاك المكهربة وأسلاك منفاخيه دائرية وحفر الخندق والآن بدأ العمل ببناء جدار على الحدود التي تقابل سنجار بمساقة مبدئية بطول عشر كلم.
أراء الخبراء الأمنيين والعسكريين العراقيين حول هذا المشروع يرون أن هدف العراق ليس فقط ضبط الحدود أمام تسلل الإرهابيين أنما أيضاً يوجد تهريب مخدرات وسلع تجارية خاصة في ظل أنهيار الليرة السورية وهذا يرجع بفوائد كبيرة من الناحية الأمنية والاقتصادية للعراق وهي خطوة كان يجب أخذها من سنوات بطبيعة الحال هذه الأسباب المعلنة من المتحدثين العراقيين يوضح أنها أسباب تستحق ليكون هذا المشروع في الأولوية وتجاوز كل المشكلات والأزمات التي يعاني منها العراق في كافة الأصعدة ولكن يجب البحث عن الحقيقة والأسباب الخفية التي من الممكن أن تفسر الكثير من الغموض والضبابية وإشارات الاستفهام حول قفز هذا المشروع الى الأولويات وتأمين ضخامة تمويله
من الممكن أن نستعرض الفرضيات التالية بملاحظة أن منطقة سنجار المقابلة للهول في سوريا والتي يقوم بشؤون إدارتها أهالي المنطقة وفق مشروع الأمة الديمقراطية وإن التجارب السابقة في التضييق أو خلق متاعب للإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا بإغلاق المعابر مع الحكومة السورية ومعبر سيمالكا ومقاومة الشعب للواقع في شمال شرق سوريا في ظل الحصار أوحى لأطراف أخرى انه قد تكون هناك طرق تعتمدها الإدارة الذاتية في سنجار تحديداً ولا نستبعد إطلاقاً أن تكون فكرة المشروع تركية خالصة في سبيل اجهاض مشروع الأمة الديمقراطية بكل الوسائل ما يدعم ذلك ان هناك مناطق تعتبر أكثر سهولة لتسلل الإرهابين ولا يتم ضبطها على عكس الحدود عند سنجار التي تبذل قوات سوريا الديمقراطية جهوداً جبارةً في حماية حدودها ليس فقط في الهول إنما على طول الحدود وفي المدن وكان من الأفضل تقوية التنسيق بين الجيش العراقي وقوات سوريا الديمقراطية للوصول الى إلية تساعد الطرفيين في تحقيق الأمان في سوريا والعراق
الفرضية الثانية التي من الممكن أن تكون قد دفعت العراق لاتخاذ هذا القرار وهو أن يكون مقترح أو من الممكن أن يرتقي إلى مثابة أمر عسكري من الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى من خلال تواجدها في سوريا والشرق الأوسط عموما الحد من النفوذ الإيراني ومنع تشكل الهلال الشيعي وتعتبر الولايات المتحدة الحدود العراقية السورية ممر بري واسع بين إيران والحكومة السورية وإنها تستخدم تجار الحدود في تمرير البشر والسلع والأسلحة ومن هذا المنطلق بالتأكيد سيكون من المفيد فصل الحدود السورية العراقية بكل هذه التقنيات
الفرضية الأخرى المعاكسة للفرضية الثانية وهي أن يكون هذا القرار بموافقة إيران كونها تتحكم بشكل غير مباشر بمؤسسات الدولة العراقية وقد تكون معطلة للقرارات التي لا ترضى عنها إيران ويكون تفسير هذا أنها تهدف لحماية ميلشيات الحشد الشعبي الشيعي المأمور من الحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر تحت عباءة قادة من الشيعة في مواجهة استهداف تنظيم داعش لهم إلا أن هذا التفسير ضعيف للغاية وللحصول على تفسير أوضح لهذه الفرضيات يمكننا النظر إلى أكثر المستفيدين من هذا الجدار وبهذا نستعرض الآتي:
بالنسبة للمنفذ الحكومة العراقية فيما لا شك فيه أن الوضع الأمني في العراق وسوريا يحتاج لهذا المشروع ولكن بالتأكيد ليس في هذه الظروف الاقتصادية ووجود أزمات ومشاكل شائكة تحتاج أيضا لضخ مالي لحلها وبالتالي لا اعتقد أن العراق أبرز المستفيدين
بالنسبة لإيران لا اعتقد أنها من المستفيدين باستثناء ما قد تستفيد الحكومة السورية بقدر ما قد يتسبب لها من أضرار في فصل أطراف نفوذها في العراق وسوريا
والآن يمكن استعراض المستفيد الأبرز تركيا التي سبق وأعلنت نيتها شن عملية عسكرية للسيطرة على شنكال كل ذلك في مسعى منه لفرض حصار مطبق على الإدارة الذاتية وكون هذه العملية لم تنفذ حتى الآن يمكن أنه تم التمهيد لها أو تعويضها من خلال هذا الحاجز وهذا يقودنا إلى أمر واضح يبرر قفز هذا الجدار الى أولويات العراق من خلال الاستنتاج بأن تركيا المقترحة والدافعة لهذا المشروع وتشارك بالنسبة الأكبر من التمويل ان لم تكن قد تكفلت به بالكامل ولا يستبعد انها قدمت مستشارين كونها صاحبة تجربة سابقة بوضع سوريا ضمن سور أسمنتي
وبهذا الجدار تلتقي تركيا مع حكومة إقليم شمال العراق وحكومة دمشق في اتخاذ كل ما أمكن لمحاصرة الإدارة الذاتية وإجهاض المشروع الشعبي في شمال شرق سوريا
كان من الأفضل أن تقوم القيادة العراقية بإعلان رفع مستويات التنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري لضبط الحدود بطريقة الاجتماع بحضور الأطراف المعنية بالحدود والمساهمة باتخاذ الأنسب للطرفين
ما يمكن فعله في ظل هذه الخطوة التي اتخذتها العراق بشكل فردي هو توجيه رسالة واضحة إن ما نعانيه في شمال شرق سوريا من خطر داعش وعملياته يتم التخطيط له في العراق لذلك يجب على الجيش العراقي رفع جهوده وجاهزيته في إفشال هذه الخطط وتبادل المعلومات مع غرف العمليات في قوات سوريا الديمقراطية وفي سياق آخر يجب التنبه للتسهيلات التي يقدمها إقليم كردستان للمد التركي وتخطيطهم الدائم لضرب الكرد بالكرد
ومن ناحية أخرى يتوجب على الهيئات والمؤسسات في الإدارة الذاتية تحديد السلع والمواد الاستراتيجية وتخزينها ووضع خطط زمنية لاستهلاكها وضبط احتكارها وتهريبها ويتوجب إصدار البيانات التي توضح هذه الخطوة وعدم الإنجرار وراء نتائجها التي تهدف إليها تركيا في التضييق على لقمة عيش الشعب بالدرجة الأولى ضاربة عرض الحائط كل الضروريات الأخرى في سبيل تحقيق هدف واحد تشترك معه مع المحيط الإقليمية وزعزعة العقد الاجتماعي نقطة قوة للإدارة.
المقالة تعبر عن رأي الكاتب