قوات سوريا الديمقراطية والذكرى السنوية العاشرة للتأسيس
د. مرشد اليوسف
المقالة تعبر عن رأي الكاتب
تأسّست قوات سوريا الديمقراطية في رحم الأزمة السورية والفراغ الأمني الذي أعقبها، لتكون امتداداً طبيعياً لتجربة وحدات حماية الشعب (YPG) التي تشكّلت أساساً في المناطق الكردية.
ولم يكن تأسيس قوات سوريا الديمقراطية مجرّد ردّ فعل عسكري في مواجهة تمدّد تنظيم داعش الإرهابي، بل كان تعبيراً عميقاً عن رغبة المكوّنات المختلفة لشمال وشرق سوريا في بناء نموذج للحكم الذاتي، يقوم على فكرة الإدارة الذاتية الديمقراطية.
وتبنّت قوات سوريا الديمقراطية، منذ بداياتها، خطاباً سياسياً يجمع بين الدفاع عن الذات والتمسّك بحقوق المكوّنات المختلفة في سوريا، مسلّحةً برؤية أيديولوجية مستمَدّة من فكر القائد الكردي عبد الله أوجلان، الذي يؤكّد على الكونفدرالية الديمقراطية والتشاركية كبديل عن نموذج الدولة المركزية.
وضمن هذا السياق؛ قدّمت قوات سوريا الديمقراطية نفسها منذ البداية كمشروع شامل لجميع سكان المنطقة، وليس كقوات عِرقية فحسب؛ وهو ما تجلّى في انضمام عناصر عربية وسريانية وآشورية إلى صفوفها.
ومن مواجهة الإرهاب إلى الصراعات المعقّدة، شكّلت المواجهة العسكرية المحور الأساسي الذي حدّد مسار هذه القوات وبنت سمعتها الدولية. ومثّلت المعارك ضدّ تنظيم داعش المعركة المصيرية لقوات سوريا الديمقراطية؛ بدءاً من الدفاع البطولي عن مدينة كوباني في 2014 على يد وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، التي أصبحت رمزاً للمقاومة العالمية ضد الإرهاب، وصولاً إلى تحرير الرقة، عاصمة التنظيم المفترضة، في 2017 على يد قوات سوريا الديمقراطية. هذه المعارك الطاحنة لم تكن مجرّد عمليات عسكرية، بل كانت صراعاً وجودياً بالنسبة للإدارة الذاتية، وأكسبتها دعماً دولياً بقيادة التحالف الدولي، ومثّلت العمليات العسكرية التركية والعدوان ضدّ عفرين عام 2018، ثم كري سبي/ تل أبيض، وسري كانييه/ رأس العين عام 2019 منعطفاً أمنياً وسياسياً بالغ الأهمية بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية.
ولم تكن هذه الهجمات سوى استهداف لأمن المدنيين ومحاولة لتفكيك نموذج الإدارة الذاتية. دافعت قوات سوريا الديمقراطية عن هذه المناطق لا باعتبارها أراضٍ كردية بحتة فحسب، بل كمناطق نموذجية لمشروعها السياسي متعدّد المكوّنات.
وظلّت العلاقة مع نظام الأسد واحدة من أكثر المحاور تعقيداً؛ حيث كانت تتراوح ما بين التنسيق الأمني المحدود في بعض المناطق، والصراع الخفيّ على النفوذ في مناطق أخرى. قوات سوريا الديمقراطية ترفض فكرة العودة إلى سلطة الدولة المركزية بالشكل السابق، في حين يرى النظام الحالي أنّ وجود قوات سوريا الديمقراطية يمثّل تحدّياً لسيادته.
اللامركزية كحل
تمثّل اللامركزية العمود الفقري للمشروع السياسي الذي تتبنّاه قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية؛ ولا يُنظَر إلى هذا المطلب على أنّه خطوة نحو الانفصال، بل كوسيلة لإعادة بناء سوريا على أساس عقد اجتماعي جديد يعترف بتنوّعها ويوزّع السلطة والثروة بعدالة أكبر.
ويسعى هذا المشروع إلى:
ضمان الحقوق الثقافية واللغوية للمكوّنات غير العربية، وخاصة المكوّن الكردي والسرياني، وإدارة الموارد المحلّية بشكل مباشر، بعد عقود من التهميش من قبل المركز، وبناء مؤسسات محلّية منتخَبة تقوم على تمثيل جميع المكوّنات.
وتقف قوات سوريا الديمقراطية اليوم على مفترق طرق حاسم، تواجه مجموعة من التحدّيات الجسيمة التي ستحدّد مصيرها ومصير مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية. وتبقى احتمالية حدوث عدوان عسكري من قبل السلطة السورية الجديدة ضدّ الإدارة الذاتية قائمة؛ ممّا يضع مستقبل المنطقة بأكمله أمام مجازر جديدة.
وتجد قوات سوريا الديمقراطية نفسها في قلب الصراعات الإقليمية والدولية على الأرض السورية، ما بين الدعم الأمريكي المتقلّب، والعداء التركي الثابت، والمفاوضات المتعثِّرة مع النظام السوري.
والحقيقة؛ تمثّل تجربة قوات سوريا الديمقراطية نموذجاً فريداً في سياق الأزمة السورية والصراع الإقليمي، فهي ليست مجرد قوة عسكرية، بل هي مشروع سياسي واجتماعي يحاول تقديم بديل عن نموذج الدولة المركزية من جهة، وعن نموذج الدولة الدينية من جهة أخرى. ومستقبل هذا المشروع لا يزال معلَّقاً بين مطرقة العداءات الإقليمية وسندان التعقيدات الداخلية.
ونأمل أنّ يتمّ تنفيذ الاتفاق الأخير بين الجنرال مظلوم عبدي والرئيس الشرع واللجان العسكرية من الطرفين حول انضمام قوات سوريا الديمقراطية إلى الجيش السوري على شكل فيالق، وأن يكون بداية للتفاهمات المهمّة الأخرى حول النظام اللامركزي السياسي.
ورغم كل الصعوبات؛ فإنّ قوة قوات سوريا الديمقراطية في الذكرى العاشرة لتأسيسها، وقوة تجربتها، وقوة أهدافها، ومطالبها المشروعة، والدعم الشعبي الذي تحظى به من جميع المناطق السورية؛ إنّما تجعلها الطرف الاقوى في المعادلة السورية الحالية.