الاندمانج بين وزارة التربية في الحكومة السورية المؤقّتة و هيئة التربية والتعليم في إقليم شمال وشرق سوريا
د أشرف محمود

إعادة هيكلة العلاقة التربويّة بين وزارة التربية في الحكومة السورية المؤقّتة وهيئة التربية والتعليم في إقليم شمال وشرق سوريا:
نموذج المديريات كمسار لدمج النظامَين التعليميَّين وتوحيد الشهادات
مقدمة
يُعدّ التعليم أحد أكثر القطاعات حساسية في سوريا؛ إذ ألقى الانقسام السياسي والإداري بظلاله على المجتمع السوري خلال سنوات الأزمة، ومع تأسيس الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، ظهر نظام تعليميّ يحمل سماتٍ خاصةً من حيث تعدّد اللغات، والحفاظ على الهويات الثقافية، وإعداد منهاج باللغات الرسمية الثلاث، وهيكلية إدارية، وأهداف تربويّة متوافقة مع فلسفة التربية والتعليم في إقليم شمال وشرق سوريا؛ ولبدء مسار تفاوضيّ بين الطرفَين، تبرز الحاجة الماسّة إلى بناء إطار عمل مشترَك يُعيد تنظيم العلاقات التربويّة بين الحكومة المؤقّتة في دمشق والإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، بما يضمن خصوصية المناطق والهويات الثقافية.
يسعى هذا المقال إلى طرح تصوّر موسّع لإعادة هيكلة العلاقة التربويّة بين وزارة التربية في الحكومة السورية المؤقّتة وهيئة التربية والتعليم في إقليم شمال وشرق سوريا؛ وذلك عبر صيغة إدارية مرنة تسمح بدمج النظامَين تدريجيًا وتحقيق الاعتراف المتبادل بالشهادات، ووضع أسس تعاون تربويّ مستدام.
أولًا: السياق العام للمنظومة التعليمية في الطرفَين
- 1. المنظومة التربويّة في دمشق:
يُعدّ النظام التعليمي الرسمي منظومة مركزية، تتولّى فيها وزارة التربية الإدارة المباشرة للمناهج، وإعداد الكادر، وتحديد السياسات التعليمية والادارية، وإجراء الامتحانات الوطنية وإصدار الشهادات. يقوم هذا النظام على:
- مركزية اتّخاذ القرار.
- منهج موحّد على مستوى سوريا وبهوية ثقافية ولغوية واحدة.
- هيكل هَرَميّ يبدأ من الوزارة وينتهي بالمدرسة.
- 2. المنظومة التربويّة في الإدارة الذاتية:
شهدت مناطق شمال وشرق سوريا بروز نموذج تربويّ جديد يعتمد على:
- اللامركزية.
- تدريس لغات متعدّدة (الكردية، السريانية، العربية).
- منهاج تربويّ يضمن فيه الطابع الاجتماعي–الثقافي المتنوّع في إقليم شمال وشرق سوريا.
- مجالس وهيئات ولجان تربويّة محلّية لها سلطة واسعة في ميدان عملها.
وفي ظل ما ذُكر؛ يتبيّن لنا وجود منظومتَين مختلفتَين من حيث الأسس التي بُنيت عليها.
ثانيًا: الحاجة لإعادة هيكلة العلاقة التربويّة
تنبع أهمية الدمج التربويّ من عدّة عوامل:
- 1. اعتماد الشهادات: بحيث تصبح كافة الشهادات الصادرة في الأراضي السورية معتمَدة رسمياً داخل سوريا وخارجها.
- 2. ضبط جودة التعليم: تحقيق حالة الدمج سينجم عنه الارتقاء بالمستوى العلميّ والتربويّ وطرق التقييم ومخرجات التعليم.
- 3. تحقيق الاستقرار المجتمعي: التعليم الموحّد يسهم في تقليل الانقسام المجتمعي ودعم السلم الأهلي وبناء هوية وطنية مشتركة وجامعة.
- 4. الاستجابة الواقعية للتفاوض السياسي: الملفّ التربويّ هو أحد أهمّ الملفات التي تحقّق التقارب السياسي.
ثالثًا: التباينات البنيوية بين النظامَين
- 1. المناهج:
– منهاج دمشق يعتمد على مركزية المحتوى والهوية والثقافة.
– منهاج الإدارة الذاتية يعتمد على مفاهيم: المجتمع، والبيئة، والديمقراطية، والتعدّدية الثقافية، وحرية المرأة.
- 2. لغات التدريس:
– دمشق تعتمد العربية فقط.
– الإدارة الذاتية تعتمد: الكردية والسريانية والعربية.
- 3. الهيكل الإداري:
– الوزارة → المديريات → مجمعات التربويّة → المدارس
– هيئة التربية والتعليم في شمال وشرق سوريا → هيئات التربية في مقاطعات → لجنة التعليم → إدارة المدارس →المدارس (مجلس أولياء الأمور)
- 4. الكادر التربويّ: الفروق تشمل: التأهيل والتوظيف والتدريب والتراتبية الوظيفية.
رابعًا: التحدّيات التي تواجه الدمج:
- 1. تحدّيات سياسية: في الحكومة المؤقّتة هنالك تخوّف من فقدان السيطرة المركزية، وحساسية الاعتراف بالهويات القومية والثقافية.
- 2. تحدّيات قانونية: غياب إطار رسمي ينظّم العلاقة بين الجهتَين والحاجة إلى مرسوم أو اتفاق ملزِم للطرفَين.
- 3. تحدّيات تربويّة: مناهج مختلفة جذريًا وفجوة في إعداد المعلمين.
- تحدّيات تقنية وبنيوية: تفاوت البنية في الفعالية التحتية ونقص الموارد المالية واللوجستية.
خامسًا: نموذج المديريات كخيار واقعي
يقوم هذا النموذج على تأسيس هيكل إداري مشترك بين وزارة التربية السورية وهيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية، بحيث يضمن:
- 1. توزيع واضح للصلاحيات
– صلاحيات وزارة التربية في الحكومة المؤقّتة:
اعتماد الشهادات.
الإشراف على مناهج متّفق عليها.
إدارة الامتحانات الوطنية.
معايير الجودة التربويّة.
– صلاحيات هيئة التربية والتعليم في شمال وشرق سوريا:
إدارة مديريات التربية والمدارس في إقليم شمال وشرق سوريا.
تطوير المواد الثقافية والاجتماعية واللغوية المحلّية.
تأهيل وتعيين الكادر التربويّ والإداري.
إعداد خطط الأنشطة التربويّة الخاصة بالمنطقة.
- 2. بنية المديريات
أ. المجلس التربويّ المركزي المشترك يضمّ ممثّلين من الطرفَين، ويتولّى:
رسم السياسات التربويّة العامة.
مراجعة المناهج.
الإشراف على التدريب التربويّ.
ب. مديريات التربية في مقاطعات شمال وشرق سوريا، حيث تُنشأ في كل مقاطعة ضمن الإدارة الذاتية.
ج. لجان المناهج الموحّدة؛ حيث تتولّى:
صياغة منهاج مشترك في المواد العلميّة.
المحافظة على الخصوصية المحلّية للمقاطعات في شمال وشرق سوريا في المواد الاجتماعية والثقافية.
د. دائرة الامتحانات والاختبارات المشتركة لضمان:
نزاهة الامتحانات.
وحدة الشهادة السورية.
الاعتراف بالتعليم المتعدّد اللغات.
سادسًا: خريطة طريق تنفيذية لدمج النظامَين (3–5 سنوات)
السنة الأولى: التحضير وبناء الثقة
اعتماد الشهادات.
تشكيل لجان مشتركة للإشراف على عملية الدمج.
تبادل البيانات والإحصاءات.
السنة الثانية والثالثة: الدمج الفنّي
توحيد الامتحانات المركزية أو اعتماد نظام التقييم في الشهادتَين الإعدادية والثانوية.
تدريب الكوادر التربويّة.
اعتماد لغة مكوّن في كل محافظة
السنة الرابعة والخامسة: الدمج المؤسّسي
اعتماد المديريات بشكل كامل.
توحيد الشهادات الوطنية.
إعداد مناهج معتمدة.
سابعًا: مؤشّرات النجاح
- 1. اعتماد الشهادات الصادرة عن هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية.
- 2. انخفاض الفجوة بين المناهج والأساليب والأنظمة التربويّة.
- 3. تحسين جودة التعليم وفق معايير موحّدة.
- 4. زيادة معدّلات الالتحاق بالمدارس والجامعات.
- 5. ثقة المجتمع بالعملية التربويّة.
الخاتمة
إنّ إعادة هيكلة العلاقة التربويّة بين وزارة التربية في الحكومة المؤقّتة وهيئة التربية والتعليم في إقليم شمال وشرق سوريا تمثّل خطوة محورية في مسار إعادة بناء الدولة والمجتمع. ويشكّل نموذج “المديريات” مقاربة عملية ومرنة تسمح بدمج النظامَين دون إلغاء خصوصية أي منهما، وفي الوقت ذاته تضمن وحدة الشهادة، وتطوير جودة التعليم، وتعزيز الاستقرار. ويُعدّ هذا النموذج أحد الخيارات القابلة للتطبيق الواقعي في ظل التعقيد السياسي والإداري السائد؛ ممّا يجعله إطارًا مهمًّا لأي اتفاق مستقبليّ.



