الجديد والمتوقّع في الجولة السادسة من المفاوضات النووية بين إيران وأمريكا
د. أحمد سينو


المقالة تعبر عن رأي الكاتب
عاد التوتّر مجدّداً إلى منطقة الشرق الاوسط، وذلك على خلفية المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وقد بلغ التوتّر أشدّه بين إسرائيل والأذرع الإيرانية في لبنان واليمن وفلسطين لتظهر إيران نفسها أنّها لاتزال موجودة؛ حيث صرّح المرشد الإيراني علي خامنئي، قبل أسبوع تقريباً، بأنّ إيران لن ترضخ للولايات المتحدة الأمريكية، وأنّها تُبدي رباطة جأش وهدوءاً وتوازناً في تصريحاتها، على عكس الولايات المتحدة، وعلى عكس إسرائيل التي تقوم بالضخّ الإعلامي للتأثير على أجواء المنطقة في بثّ التوتّر والشحن النفسي، خاصة في المحيط الإقليمي المجاور لإيران، وربّما يأتي ذلك للتأثير على الداخل الإيراني المتابع بقلق لسوء الأحوال الاقتصادية وتراجع قيمة العملة الإيرانية، خاصة أنّ الجولة السادسة من المفاوضات بين الجانبين سوف تبدأ يوم الأحد في 15/6/2025م في مسقط عاصمة سلطنة عمان، ومن المرجّح أنّ المفاوضات جارية بطريقة غير مباشرة لحين التوصّل لتقارب حقيقي بين الجانبين؛ حيث يمارس الرئيس الأمريكي ترامب سياسة الضغط الأقصى للوصول إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني، في حين أنّ إيران تؤكّد أنّها مستعدّة لكل الاحتمالات، بما فيها الضربة العسكرية الأمريكية والإسرائيلية ضدّ منشآتها النووية، كما طلب الرئيس الأمريكي من روسيا التدخّل التوصّل لحلّ وتسوية مع إيران مقابل المساعدة الأمريكية لكل من روسيا وأوكرانيا لحلّ المسألة الأوكرانية، والتي بدورها لازالت في مخاض عسير بين الجانبين؛ ولذلك فقد اقترحت روسيا أن يتم تخصيب اليورانيوم في روسيا، إلّا أنّ إيران مصرّة على أن يكون التخصيب داخل الأراضي الإيرانية، كما أنّ الوكالة الدولية الطاقة الذرية بدورها صوّتت لصالح الولايات المتحدة؛ أي أنّ إيران لم تلتزم وقد خالفت شروط الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبالتالي يمكن القول أنّ الضغط الأمريكي والإسرائيلي لا يزال مستمراً، وتمثّلَ ذلك بترحيل الرعايا والموظفين الأمريكيين من السفارة في بغداد، ولاتزال الضربات الإسرائيلية مستمرّة في قطاع غزة ضد حماس، ولايزال الحصار مفروضاً على الفلسطينيين فيما يتعلّق بالمساعدات الإنسانية، ولا يزال العشرات منهم يُقتَلون في سبيل الحصول على تلك المساعدات.
وعموماً؛ فإنّ الوضع الراهن في الشرق الأوسط يتغيّر لصالح إسرائيل وبدور أمريكي وإسرائيلي؛ فقد تراجع وضَعُف دور حزب الله كثيراً وإن كان لايزال رهن إشارة من إيران، وحماس هي اليوم في أضعف حالاتها رغم أنّها لاتزال تكابر وتحتفظ ببقايا الرهائن وببعض الجثامين. أمّا بشار الأسد فقد ولّى هارباً بترتيب استخباراتي دولي وحلّ محلّه أحمد الشرع الذي وصل إلى قصر الشعب بترتيب أمريكي – بريطاني وبموافقة دولية؛ ولعلّ ذلك من أجل الوضع الراهن إقليماً لمواجهة الحشد الشعبي العراقي والفصائل الإيرانية في حال وقوع المحظور وحدوث ضربة ضدّ المُفاعل النووي الإيراني من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل. أمّا الذراع العراقي المتمثّل في الحشد الشعبي فيبدو أنّ مهمّته تنحصر في حماية المصالح الإيرانية في العراق وتوجيه ضربات ضدّ القواعد الأمريكية في المنطقة، خاصة في سوريا وإسرائيل، والمحافظة على جماعة الإطار التنسيقي الموالي لإيران، وهي ورقة أخيرة في يد النظام الإيراني، وبعد استهداف إسرائيل لقادتها وقصف مواقعها العسكرية والنووية يمكن لإيران أن تحرّك أذرعها، خاصّة جماعة الحوثيين لضرب إسرائيل ومصالحها في البحر الأحمر.
وفيما يتعلّق بالمواقف الإيرانية (حكومة ومعارضة) فلا تريد أن تكون بلادها ضعيفة ومستسلمة للطلبات الأمريكية فيما يتعلّق بسلمية البرنامج النووي الإيراني ونسبة تخصيب اليورانيوم، حتى لو أدّى الأمر إلى إشعال فتيل الحرب، ترغب إيران باتفاق نووي متوازن يحفظ ماء وجهها دولياً وإقليمياً، ويتم خلاله رفع العقوبات الدولية عن إيران وبشكل كامل ولا يتمّ تعليق هذه العقوبات كما حدث خلال الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، حيث أعلن وقتها الرئيس ترامب انسحابه من الاتفاق، ويبدو أنّ إيران بدورها قد حصلت على وثائق سرية من بعض الأطراف الأوربية، تتعلّق تلك الوثائق بكيفية تصنيع القنبلة النووية الإسرائيلية، وتتعلّق كذلك بالمواقع النووية الإسرائيلية في صحراء النقب؛ وهي بذلك تعمل على تقوية أوراقها في المفاوضات القادمة يوم الأحد في مسقط، كما أنّها على دراية بالموقف الأمريكي حيال كوريا الشمالية التي اندفعت لصنع القنبلة النووية نتيجة التهديدات الأمريكية. والولايات المتحدة أيضاً تدرك ذلك تماماً؛ فهي لا تريد أن تدفع بإيران والمرشد إلى تغيير العقيدة السلمية للبرنامج النووي الايراني.
الموقف الدولي من الصراع:
لا شكّ في أنّ الصين وروسيا ترغبان وتدفعان نحو دعم إيران لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، والصين على دراية بنوايا الولايات المتحدة التي سوف تتفرّغ لمواجهة الصين بعد أن تفرغ من إيران وأذرعها في المنطقة، كما ترغب الصين في تشتيت قدرات الولايات المتحدة واستنزافها، وتحقيق التوازن لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط الغنيّ بالنفط والغاز، كما أنّها تستثمر في الدول المخالفة أو المهمَلة في الفلك والسياق الأمريكي، كما حدث مؤخّراً مع مصر والجزائر وإيران وغيرها، والأمر ذاته حدث مع روسيا التي تريد الخروج من المستنقع الأوكراني بما يحقّق لها النصر مع ضمان أمنها القومي، وأن تكون أمريكا والاتحاد الأوربي الداعم لأوكرانيا مستنفذاً بقدراتها التي تتجاوز الوصف بتقديم المليارات من ذخيرة وأسلحة فتّاكة. أمّا الموقف الأوربي إزاء الملف النووي الإيراني، وحتى إزاء أوكرانيا فيبدو أنّه مهمّش، ويبقى القول الفصل في المسائل الحاسمة دولياً للولايات المتحدة الأمريكية.
التوقّعات بخصوص الملف النووي الإيراني:
رغم التوتّرات الجارية في المنطقة، والتي تتناقلها وسائل الإعلام المختلفة، ورغم الصخب والضجيج، ورغم الضربات الإسرائيلية الموجّهة ضدّ إيران؛ إلّا أنّه من المرجّح أنّ التفاهمات سوف تستمرّ لحين التوصّل إلى الاتفاق النووي بين الجانبين، وتخصيب اليورانيوم في إيران بما يلبّي مستلزمات البرنامج النووي السلمي، مع حفظ ماء الوجه لإيران وبضمانات دولية عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتحتفظ إيران بصواريخها البالستية، وتتحقّق تفاهمات بشأن الأذرع الإيرانية؛ في لبنان حزب الله، والحوثيين في اليمن بما يحقّق حرية الملاحة في البحر الأحمر، ويتم التوصّل لصفقة مع حماس فيما يتعلّق بالرهائن، وتعيين إدارة دولية في غزة لإعادة الإعمار، والقضاء على حماس عسكريا بقطع الإمداد الإيراني عنها وإيقاف تمويلها.
أمّا في سوريا فمن المتوقّع أن يقوم أحمد الشرع بإتمام التطبيع مع اسرائيل، وأن يتمّ رفع العقوبات كاملة عن سوريا، وأن تدخل برامج إعادة الإعمار، ويتم إخلاء الجنوب السوري كمنطقة عازلة لأمن إسرائيل.
أمّا بشأن مناطق الإدارة الذاتية فمن المتوقّع أن تستمرّ الاتفاقات بين الجنرال مظلوم عبدي وأحمد الشرع برعاية أمريكية وفرنسية وباقي دول التحالف، ومن المرجّح أنّ الوفد الكردي المنبثق عن كونفراس قامشلو يصل إلى دمشق ويلتقي بالرئيس الشرع، وأن تتحقّق اللامركزية، وأغلب الظن، لكل المكوّنات السورية وفق اللجان المشتركة والمنبثقة التي يتم تشكيلها من كل الأطراف.
أمّا السيناريو الأسوأ فهو إشعال فتيل الحرب في المنطقة، وسيكون ذلك كارثياً على الجميع، وسيتم تدمير معظم مواقع المفاعلات النووية في إيران، خاصة المعلومة منها، وتعلن إيران حرباً وتشنّ هجمات ضدّ القواعد الأمريكية في سوريا والعراق، وسوف تستهدف إسرائيل وتقوم بتحريك كامل أذرعتها في عموم الشرق الأوسط، في لبنان واليمن وسوريا والعراق، وسوف تنشط المعارضة الإيرانية وتسعى لضرب الحرس الثوري وتشنّ هجمات ضدّ مواقعه العسكرية، وسوف تنشط الحركات الوطنية المناهضة للنظام الإيراني في كل من شرق كردستان، وفي بلوشستان وأذربيجان وعربستان، وربّما يؤدّي ذلك في المحصلة إلى تغيير النظام الإيراني، وإقامة فيدراليات في إيران، ووضع دستور جديد، وحالياً يبدو ذلك صعباً على المدى المنظور.