مستقبل الاحتجاجات الإيرانية وتداعياتها على القضية الكردية

عبد الرزاق علي

السؤال الذي يقفز إلى الواجهة : لماذا تتوالى الاحتجاجات من سنة إلى أخرى في إيران؟ وما هي أسبابها ؟ وما هي دوافعها ؟ وما هي نتائجها المتوقعة ؟ وما مستقبل هذه الاحتجاجات في ظل نظام قمعي ؟ لكي نجيب على هذه التساؤلات لا بدّ من ربط الأسباب بالنتائج ربطاً منطقياً وجدلياً لكي نستخلص الأهداف. ولا بدّ من الوقوف على السياسة الداخلية والسياسة الخارجية لهذا البلد الذي رسم لنفسه سياسة فريدة في العالم تقوم على ولاية الفقيه وما لهذه السياسة من سلبيات وأخطاء تنعكس على الداخل والخارج فعلى سبيل المثال لا الحصر لقد فشلت حكومة رئيسي في إحياء اتفاق عام ٢٠١٥ الخاص بالبرنامج النووي الإيراني رغم شهور مضنية من المفاوضات العسيرة والتي تخللتها ثماني جولات من التفاوض غير المباشر مع الأمريكيين ورغم توجه إيران نحو الصين وروسيا لفك الحصار الاقتصادي الخانق والخروج منها لكنها لم تفلح وباءت جهودها بالفشل في جلب الاستثمارات لإنعاش اقتصادها المتهالك أضف إلى ذلك العمليات التي تشنها اسرائيل على امتداد السنوات باستهدافها منشآتها النووية وبرنامجها الصاروخي ومصانع طائراتها المسيرة وشخصياتها العلمية المرموقة ببرنامجها النووي وخيرة ضباطها في الحرس الثوري أدى كل هذا إلى إضعاف هيبة الدولة في نظر شعبها من هذه السياسات العقيمة في الداخل أولاً وفي الخارج ثانياً ثم ماذا كانت النتيجة ؟ انفجار الوضع الداخلي من خلال احتجاجات والتي تبدو مطلبية ولا تلبث أن تتحول إلى سياسية تدعو إلى إسقاط النظام وإطلاق الحريات والتركيز على أوضاع البلاد بدلاً من تبديد ثرواتها على مغامرات خارجية وفي المقابل كانت السلطات تتبع نفس الأساليب من قمع وزج بالسجون في مواجهتها إذ غالباً ما توصف الاحتجاجات بأنها مؤامرة مدبرة تدار وتمول من الخارج ولكي تبرر قمعها بعد أن تحجب خدمة الانترنيت عن مناطق الاحتجاج قبل أن تبدأ السطلة باستخدام العنف منعاً لانتشار أي مقاطع فيديو أو صور تسهم في تأجيجها لكن هذه المرة كان الوضع مختلفاً إذ سارعت الولايات المتحدة بإرسال أقمار صناعية لبث ما يجري على الأرض لأن هذه الاحتجاجات لها خاصية وفي وقت مناسبٍ تماماً من تراكم الأخطاء الجمة على مر العقود وهذا الاحتجاج يتمحور فعلياً حول موضوع اجتماعي جوهره التمييز ضد المرأة وتدخل السلطة في الحريات الفردية والخيارات الشخصية ومن هنا مثلت المرأة هذه المرة القوة الدافعة وراء اندلاعها واستمرارها وباتت قضية مقتل /مهسا أميني/ على يد شرطة الأخلاق الإيرانية أيقونة ورمزاً لاضطهاد المرأة وإملاءات النظام على الشأن الديني ومحركاً لغضب الإيرانيين نساءً ورجالاً وطلاباً وطالباتٍ مدارسٍ وجامعات وكافة فئات الشعب وفي كافة الولايات والمناطق.

ويتبادر إلى الذهن سؤال مفاده لماذا استمرت الاحتجاجات أكثر من أي مرّة أخرى؟ فالجواب لأنها مرتبطة بالأوضاع الاقتصادية المتفاقمة وشعور أغلبية الشباب بالاغتراب والتهميش وانعدام الأمن وغياب مستقبل هذا الجيل الجديد الذي لم يعرف غير هذا النظام وما زادها اشتعالاً العقوبات الأمريكية بعد الانسحاب من الاتفاق النووي عام ٢٠١٨ وسياسة الضغوط القصوى التي أنتهجتها الإدارة الأمريكية ضد إيران أوصلها إلى بلوغ درجات عليا من الفقر والحرمان وأضحى ٤٠ مليون إيراني تحت خط الفقر في حين تعيش الفئة الباقية والمتربعة على مفاصل الدولة في عز وترف وما زاد الطين بلةٍ جائحة كورونا التي عصفت بالبلاد وبرهنت على عجز الدولة وحصدت أرواحاً وصلت إلى ١٥٠ ألف حسب الإحصاءات الرسمية وكمحصلة تدهور الناتج الإجمالي القومي إلى النصف وارتفاع أسعار السلع الأساسية أضعاف مضاعفة.

جاءت الأزمة الأوكرانية ملقية ظلالها على العالم أجمع حيث بلغ نسبة التضخم الإيراني ٥٠% وانخفض سعر العملة الوطنية إلى مستوى غير مسبوق مقابل الدولار وكل ما ذكرناه داخل البلاد وخارجها كانت أسباباً لاستمرار هذه الاحتجاجات ولكي تخرج إيران من أزمتها لجأ إلى هجمات صاروخية على إقليم كردستان تحت ذرائع شتى وكانت نتيجتها سقوط ١٣ مدنياً ولم يسلم من هذه الهجمات والمدارس والمباني المدنية والبنى التحتية وكلما تتصاعد وتيرة الاحتجاجات كلما زاد الهجوم على الإقليم مبرراً بأن الإقليم يمثل تهديداً استراتيجياً لها من منطلق الجغرافية وكذلك التخوف من العلاقات الدولية المتنامية باشور كردستان ومناطق الإدارة الذاتية وتطورها مما يثير التوتر في نفوس الطغم الحاكمة في كل من إيران وتركيا وسوريا لأن القضية الكردية هي قضية شعب له تاريخ وأرض جزّأتها وقسمتها الاتفاقات. ويمكنني القول كباحث بأن إيران وغيرها يخشون كثيراً من العلاقات الأمريكية الكردية والأوروبية لما لهذه الجغرافية الكردية من أهمية اقتصادية كبيرة وموارد باطنية من نفط وغاز وثروات مجهولة غير مكشوفة لذلك يلجؤون إلى محاربة الكرد من منطلق بأن الإقليم بوابة على إيران يشكل خطراً بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك بتضخيم الوجود الإسرائيلي الكبير فإنهم يغطون الشمس بالغربال ودوماً يعلقون أزماتهم الداخلية على شماعة الكرد والهدف منها صرف الأنظار عن الاحتجاجات في الداخل الإيراني والتي تشتعل لهيباً يوماً بعد يوم وتكاد تتخطى الخط الأحمر علماً بأنها لا زالت عفوية وتفتقر إلى التنظيم وقيادة واضحة لكنها مستمرة نتيجة تراكم الغضب والاحتقان في المجتمع الإيراني ونتيجة اتساع الهوة بين تطلعات الإيرانيين واهتماماتهم وبين سياسات حكومتهم المتصلة بقضايا داخلية ذات طبيعة اقتصادية أو اجتماعية وتركيزها على السياسة الخارجية وطموحاتها الإقليمية

فسيناريو الاحتجاجات تتأرجح ما بين مفصلين أساسيين إما أن تهدأ الأحداث وتتراجع وتيرتها كسابقاتها من دون تنازلات كبيرة من النظام يتجلى بإجراءات شكلية كاللباس والمظهر الخارجي أو يزداد عمقاً وانتشاراً مما يدفع النظام لاستخدام العنف المفرط الذي يولد العنف وهذا ما يدخل البلاد في نفق مظلم وصراع أكبر والتاريخ أكبر شاهد على ذلك سقوط الشاه المدوي تحت ضربات الجماهير الثائرة.

في الشأن الإيراني أعطي الأولوية للسيناريو الثاني لأنه الأقرب ترجمة للواقع الإيراني المرير وبالتالي سقوط النظام الإيراني المدوي سيخدم القضية الكردية جملة وتفصيلاً لأن عجلة التاريخ لا تتراجع أبداً.

المقالة تعبر عن رأي الكاتب

زر الذهاب إلى الأعلى