استفتاء كردستان

استفتاء كردستان

يعتبر الاستفتاء المزمع إجراؤه في (باشور كردستان) إقليم كردستان بتاريخ 25 أيلول 2017، هو أول استفتاء من نوعه يجرى في أحد أجزاء كردستان في العصر الحديث، حيث سيستفتى الشعب الكردي على تقرير مصيره للمرة الأولى، ولعل السؤال البنيوي الذي يخطر ببال أي مراقب هو ماهية الاستفتاء ومدى مشروعيته بالنسبة للكرد في التاريخ المعاصر.
,يعرف الاستفتاء بأنه إجراء من الإجراءات الديمقراطية التي تسمح بالتصويت بشأن منح أو تعديل الحقوق المدنية أو الحريات أو الارتباطات.
والاستفتاء على نوعين ملزم واستشاري:
1 – الاستفتاء الملزم: وفيه تلتزم السلطة الحاكمة بنتيجة الاستفتاء وهذا ما حصل في استفتاء جنوبي السودان عام 2011 حيث كان أمام الشعب خياران للتصويت إمّا لتأكيد وحدة السودان باستدامة نظام الحكم الذي أرسته اتفاقية السلام الشامل والدستور أو الانفصال، وقد اختار نسبة 99 بالمئة من الذي شاركوا في الاستفتاء على استقلال الجنوب السوداني.
2 – الاستفتاء الاستشاري: وهو استفتاء الذي تجريه إحدى السلطات العامة للدولة بغرض استشارة الشعب في موضوع ما ويملك هذا الاستفتاء قيمة أدبية كبيرة وإن لم تكن ملزمة للحكومة من الناحية القانونية، والاستفتاء في إقليم كردستان يعتبر من الاستفتاءات السياسية التي ترمي إلى تخيير الشعب بين الاستقلال أو التبعية لدولة من الدول أو الاتحاد معها.
اولاً : استفتاء الاستقلال أم الانفصال:
لقد دارت في الآونة الاخيرة الكثير من الحوارات والجدل حول ماهية الاستفتاء , هل هو استفتاء الاستقلال أم الانفصال؟ و للإجابة عن هذا السؤال وبكل موضوعية و شفافية وبعيداً عن العواطف لا بدّ من العودة إلى جذور المشكلة تاريخياً:
لقد قسمت معركة “جالديران” سنة (1514م) التي جرت بين الدولتين العثمانية والصفوية أراضي كردستان إلى قسمين قسم يتبع الدولة الصفوية وقسم آخر يتبع الدولة العثمانية, وكانت كردستان في تلك الفترة وما قبلها عبارة عن إمارات كونفدرالية مستقلة تعمل على تنظيم شؤونها الداخلية, وجاءت المعركة المذكورة لتضع أغلبية أراضي كردستان تحت سيطرة العثمانيين حيث انضمت أغلب الإمارات الكردية للدولة العثمانية بعمل جهود الملا ” إدريس
البدليسي” من جهة وبسبب الاختلاف المذهبي بين الكرد و الصفويين من جهة أخرى.
وتمكن “إدريس البدليسي” من عقد اتفاقية مع الأمراء الكرد بعد أن حصل على تفويض من السلطان العثماني سنة ( 1515م) تنص على :
اعتراف الدولة العثمانية بالسلطات الكردية وبقاء الحكم الوراثي فيها وبسيادة تلك الإمارات على كردستان.
مساندة استانة لتلك الإمارات عند تعرضها للغزو أو الإعتداء.
تدفع الإمارات الكردية رسومات سنوية كرمز لتبعيتها للدولة العثمانية.
تشارك هذه الإمارات إلى جانب الجيش العثماني في أية معارك تخوضها الإمبراطورية العثمانية.
ذكر اسم السلطان والدعاء له من على المنابر في خطبة الجمعة.
عمدت الدولتان العثمانية والصفوية على تكريس واقع تقسيم كردستان عبر عدة اتفاقيات لعل أهمها كانت اتفاقية أماسيا ( 1555م) ومعاهدة زهاو (1639) و”أرضروم الأولى” (1823م) و”أرضروم الثانية” (1847م) واتفاقية طهران (1911م) واتفاقية تخطيط الحدود بين الدولتين الإيرانية والعثمانية عام (1913م) في الأستانة، وكذلك بروتوكول الأستانة في العام نفسه, وكل هذه الاتفاقيات أدت إلى تعميق الأزمة الكردية في المنطقة.
ورغم كل هذه المعاهدات لم تستطع كلا الدولتين من فرض سيطرتها على كردستان وذلك بسبب جغرافيتها المعقدة من جهة وشجاعة الكرد في الدفاع عن وطنهم من جهة أخرى, وما زاد من تعقيد المشكلة الكردية أكثر فأكثر دخول الدول الأوربية “بريطانيا وفرنسا ثم روسيا والولايات المتحدة الأمريكية” إلى المنطقة في القرن التاسع عشر وتشجيعهم على النعرات الطائفية والقومية في المنطقة تمهيداً لبسط سيطرتهم على المنطقة خاصة وأن الدولة العثمانية كانت قد دخلت مرحلة الرجل المريض وبدأت هذه الدول تحاول تقاسم تركته.
حاولت روسيا من طرفها استمالة الشعب الكردي وذلك من أجل تأمين حدودها مع الامبراطورية العثمانية المنهارة مما أثار حفيظة بريطانيا لخشيتها من امتداد نفوذ الروس إلى كردستان ما يشكل تهديداً لها في المنطقة لذلك سعت كلا من فرنسا وبريطانيا للاتصال الغير مباشر بالكرد لإيجاد موطئ قدم لها في كردستان من جهة ولحماية نفسها من التمدد الروسي من جهة أخرى, وقد كان الكرد ميالين للاتصال ببريطانيا أكثر ويظهر ذلك من خلال محاولة الدبلوماسي الكردي شريف باشا الاتصال بالإنجليز عام (1914) لكي يعرض خدماته، لكن الحكومة البريطانية لم تستجب له، وبحلول عام (1918) وعند احتلال بريطانيا للعراق طلبت وزارة الخارجية البريطانية من السفير “برسي كوكس” أن يلتقي “شريف باشا” في مدينة مرسيليا الفرنسية للاستماع إلى أقواله فقط وهذا دليل على عدم جدية بريطانيا في حل المشكلة الكردية في المنطقة, كل ذلك أدى إلى خروج القضية الكردية من حيزها الإقليمي ودخولها في الطابع الدولي وأضحت بالتالي محطة للمساومات وتبادل المنافع ما زاد من تعقيدها أكثر فأكثر.
وفي ظل هذه التجاذبات الدولية والإقليمية كانت الولايات المتحدة الأمريكية الحاضر الغائب حيث حاول الكرد استثمار نتائج الحرب العالمية الأولى وخاصة بعد خروج الدولة العثمانية وحليفتها ألمانيا مهزومتين من الحرب، ولا سيما بعد أن صرح رئيس الولايات المتحدة الأميركية آنذاك “ويدرو ويلسن” بحق الشعوب في تقرير مصيرها في بنوده الأربعة عشر المشهورة لنيل حقوقهم المشروعة والاستفادة من هذه المبادئ, فقامت العشائر الكردية والجمعيات السياسية بتكليف “شريف باشا” لكي يمثلهم في مؤتمر الصلح الذي عقد في باريس عام 1919 الذي نص على : “إن الحلفاء والدول التابعة لهم قد اتفقوا على أن أرمينيا وبلاد الرافدين وكردستان وفلسطين والبلاد العربية يجب انتزاعها بكاملها من الإمبراطورية العثمانية”.
وقام الممثل الكردي “شريف باشا” بتقديم مذكرتين مع خريطتين لكردستان إلى المؤتمر:
– إحداهما بتاريخ (21/3/1919م) جاء فيها : “إن تجزئة كردستان لا يخدم السلم في الشرق”.
– والأخرى يوم (1/3/1920). جاء فيها : “إن الترك يتظاهرون علناً بأنهم مع المطالب الكردية، وإنهم متسامحون معهم، لكن الواقع لا يدل على ذلك مطلقاً”.
كما طلب من القائمين على شؤون المؤتمر تشكيل لجنة دولية تتولى تخطيط الحدود بموجب مبدأ القوميات، لتصبح كردستان المناطق التي تسكن فيها الغالبية الكردية، و طالب ايضاً رسمياً في رسالة إلى رئيس المؤتمر”جورج كليمنصو” جاء فيها: ” إنه منذ أن تسلمت جماعة الاتحاد والترقي السلطة فإن جميع الذين يحملون آمال الحرية القومية قد تعرضوا للاضطهاد المستمر، وإنه من الواجب الإنساني في المجلس الأعلى أن يمنع إراقة الدماء مجدداً، وإن السبيل لضمان السلم في كردستان هو التخلي عن مشروع تقسيم هذه البلاد (أي كردستان)، وطالبه أن يمارس نفوذه مع حكومة أستانة لمنع اضطهاد الشعب الكردي.
وتعمد” شريف باشا ” عقد اتفاقية مع ممثل الأرمن عندما لاحظ تعاطف الدول الأوروبية مع القضية الأرمنية ووقع الجانبان – باسم الشعبين – الاتفاقية، مؤكدين فيها على أن للكرد والأرمن مصالح وأهدافا مشتركة هي: الاستقلال، والتخلص من السيطرة العثمانية، وقدما نص الاتفاقية بمذكرة رسمية إلى المجلس الأعلى للمؤتمر، ووافق المجلس مبدئياً على المذكرة.
وبناء عليه صرح كليمنصو: “إن الحكومة التركية ليست قادرة وكفؤة لإدارة الأمم الأخرى، لذلك لا يوثق بها ولا يجوز أن تعاد إلى سيطرة الأتراك قومية عانت من مظالم الأتراك واستبدادهم”. وكان هذا التصريح بمثابة خطوة باتجاه النصر للقضية الكردية.
ولكن ما كان يدار سراً وفي الخفاء كان أعظم حيث اجتمع وزراء الخارجية الروسية والبريطانية والفرنسية، ودارت بينهم مباحثات سرية حول الترتيبات المقبلة للشرق الأوسط، في عام (1916) وتمخضت عنها اتفاقية “سايكس – بيكو” وتضمنت الاتفاقية تقسيم تركة الدولة العثمانية، وبما أن القسم الأكبر من كردستان كان تحت السيطرة العثمانية، فقد شملها التقسيم بين كل من بريطانيا وفرنسا التي تقاسمت كردستان، وهذا الوضع الجديد زاد من تعميق و تعقيد المشكلة الكردية, حيث تعد معاهدة سايكس – بيكو أول معاهدة دولية اشتركت فيها ثلاث دول كبرى، وكانت هذه الاتفاقية بمثابة الضربة القاضية التي حطمت آمال الشعب الكردي في تحقيق حقهم المشروع الاستقلال.
معاهدة سيفر (1920)
عقدت معاهدة سيفر في ” 10 أغسطس عام 1920″ وهي واحدة من سلسلة من المعاهدات بين الدول التي تشكل القوى المركزية، والتي وقعت عقب هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى . وقد تم توقيع المعاهدة، في قاعة المعرض بمصنع الخزف للصناعة الوطنية دو سيفر في سيفر، بفرنسا. تمثل معاهدة سيفر بداية لتقسيم الإمبراطورية العثمانية، والتي في نهاية المطاف، تضمنت الشروط التي نصت على نبذ كل الأراضي غير التركية التي كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية، والتنازل عنها لإدارة الحلفاء, نصت المعاهدة على:
حصول منطقة الحجاز على الاستقلال.
حصول أرمينيا على الاستقلال.
حصول كردستان على الاستقلال على حسب البندين 62 و63 من الفقرة الثالثة والسماح لولاية الموصل بالانضمام الى كردستان استناداً إلى البند 62 ونصه ”إذا حدث خلاف خلال سنة من التصديق علي الاتفاقية أن يتقدم الكرد القاطنون في المنطقة التي حددتها المادة ”62” إلى عصبة الأمم قائلين أن غالبية سكان هذه المنطقة ينشدون الاستقلال عن تركيا، وفي حالة اعتراف عصبة الأمم بأن هؤلاء السكان أكفاء للعيش في حياة مستقلة توصي بمنح هذا الاستقلال، علي تركيا أن تتعهد بقبول هذه التوصية وتتخلى عن كل حق في هذه المنطقة، وستكون الإجراءات التفصيلية لتخلي تركيا عن هذه الحقوق موضوعا لاتفاقية منفصلة تعقد بين كبار الحلفاء وتركيا.
وكان من المقرر أن يكون هناك استفتاء لتقرير مصيرها، وفقا للباب الثالث للمواد 62-64، والتي تشمل محافظة الموصل وإقليم كردستان.
لكن لم يكن هناك اتفاق عام بين الكرد على ما ينبغي أن تكون حدودها, بسبب التفاوت بين مناطق التسوية الكردية والحدود السياسية والإدارية في المنطقة، واقترحت الخطوط العريضة لكردستان ككيان في عام 1919 من قبل “شريف باشا” الذي يمثل جمعية الصعود لكردستان في مؤتمر باريس للسلام، وتم الاتفاق على الحدود العراقية التركية الحالية في يوليو 1926.
تعد معاهدة سيفر وثيقة فريدة في تاريخ القضية الكردية، وقد وصف”كمال أتاتورك” المعاهدة بأنها بمثابة حكم الإعدام على تركيا، وحاول بمختلف الوسائل وضع العراقيل لمنع تطبيق المعاهدة، ولذلك بقيت معاهدة سيفر حبراً على ورق، وبعد عام ونصف العام طرحت فكرة إعادة النظر فيها، وجاءت هذه المواقف من قبل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، واتخذ المجلس الأعلى للحلفاء قراراً بهذا الشأن يوم (25 يناير 1921)، إضافة إلى توجيه الدعوة إلى وفد حكومة أنقرة لحضور المؤتمر القادم، الأمر الذي دلّ على اعتراف الحلفاء بالواقع الجديد في تركيا.
وبنتيجة هذه الاختلافات عقد مؤتمر بلندن في فبراير/ شباط 1921 لبحث المشاكل العالقة، ومن ضمنها المشكلة الكردية، حيث اعتزم الحلفاء إعطاء تنازلات مهمة في هذه القضية، لكن الحكومة التركية أصرت على أن المسألة داخلية، يمكن حلها داخلياً، لا سيما وأن الكرد لهم الرغبة في العيش مع إخوانهم الأتراك حسب ما زعمت آنذاك، وأثناء انعقاد مؤتمر لندن، عقدت حكومة أنقرة عدداً من الاتفاقيات الدولية التي كرست الشرعية الدولية القانونية للنظام الجديد في تركيا، ثم قامت الحكومة الجديدة بإلغاء جميع الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمتها حكومة أستانة ومن ضمنها معاهدة سيفر. كل ذلك أدى إلى تعزيز مكانة الحكومة التركية الجديدة، وبذلك تم توجيه ضربة إضافية للآمال القومية الكردية, إلا أن هذا المعاهدة أصبحت وقوداً لنضال الحركة القومية الكردية فيما بعد.
معاهدة لوزان (1923):
هي المعاهدة النهائية والختامية للحرب العالمية الأولى، والتي تم التوقيع عليها من قبل ممثلي تركيا (خليفة الإمبراطورية العثمانية) من جهة، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، واليابان، واليونان، ورومانيا، ومملكة الصرب والكروات والسلوفينيين (يوغوسلافيا) من جهة أخرى. تم التوقيع على معاهدة لوزان، سويتز، في 24 يوليو 1923، بعد المؤتمر بسبعة أشهر.
اعترفت المعاهدة بحدود الدولة الحديثة في تركيا. وتقلصت مطالب الحلفاء من الحكم الذاتي لكردستان التركية وذلك بالتنازل التركي للأراضي إلى أرمينيا، والتخلي عن المطالبات بمناطق النفوذ في تركيا، وفرض الرقابة على المعاملات المالية بتركيا أو القوات المسلحة.
وقد أعلنت المضائق التركية بين بحر إيجة والبحر الأسود لتصبح مفتوحة للجميع.
بنود الاتفاقية
في آسيا، تخلت تركيا عن السيادة على بلاد ما بين النهرين وفلسطين (بما في ذلك الأردن)، وأصبحت ولايات بريطانية. سوريا (بما في ذلك لبنان)، والذين أصبحوا تابعين للانتداب الفرنسي. احتفظت تركيا بالأناضول. أصبحت أرمينيا جمهورية مستقلة تحت ضمانات دولية .
في أوروبا، تنازلت تركيا مع أجزاء من تراقيا الشرقية وبعض جزر بحر إيجه إلى اليونان، ودوديكانيز ورودس إلى إيطاليا، والإبقاء فقط على القسطنطينية (اسطنبول الحديثة) وضواحيها بما في ذلك منطقة المضيق (الدردنيل والبوسفور)، والذي تم تحييده وتدويله. حصل الحلفاء على المزيد من السيطرة الفعلية على الاقتصاد التركي مع حقوق الاستسلام.
تم قبول المعاهدة من قبل حكومة السلطان “محمد السادس” في اسطنبول لكنها لم ترفض من قبل الحكومة القومية المتنافسة في أنقرة, حيث جاءت فكرة عقد معاهدة لوزان بعد الانتصارات الكبيرة التي حققتها الحكومة التركية الجديدة على الجيش اليوناني، وبذلك ظهرت تركيا كدولة فتية قوية لأول مرة بعد قرنين، وقامت الحكومة الجديدة بتحسين العلاقة مع جارتها الاتحاد السوفياتي، وعقدت مباحثات المعاهدة على فترتين: استمرت الأولى نحو ثلاثة أشهر بين نهاية العام 1922 وبداية العام 1923، والفترة الثانية استمرت الفترة ذاتها ما بين ربيع وصيف عام 1923.
نصت معاهدة لوزان على أن تتعهد أنقرة بمنح معظم سكان تركيا الحماية التامة والكاملة، ومنح الحريات دون تمييز، من غير أن ترد أية إشارة للكرد فيها، كما لم تتم الإشارة إلى معاهدة سيفر، وعدّ الكرد هذه المعاهدة ضربةٌ قاسية ضد مستقبلهم ومحطمة لآمالهم، وبذلك يتحمل الحلفاء المسؤولية الأخلاقية الكاملة تجاه الشعب الكردي ولا سيما الحكومة البريطانية التي ألحقت فيما بعد ولاية الموصل التي يشكل الكرد فيها الأغلبية المطلقة بالعراق.
وأدى كل ذلك إلى ازدياد المشكلة الكردية تعقيداً بعد أن أصبح الشعب الكردي موزع عملياً وقانونياً بين أربع دول بدل دولتين، لتزداد معاناته وليبدأ فصل جديد من فصول علاقته بالدول الجديدة طغى عليها التوتر والعنف الذي لم يجد حتى اليوم حلولاً عادلة، فيما بدأت الأحزاب والقوى القومية الكردية تتشكل لكي تقود النضال والكفاح من أجل حق تقرير المصير.
وبالنتيجة نجد أن الاستفتاء هو استفتاء الاستقلال وليس استفتاء الانفصال كما يدعي الساسة العراقيون ومن يدور في فلكهم من الدول المحتلة لكردستان.
ثانياً : المواقف الدولية والإقليمية من الاستفتاء:
فور إعلان إقليم كردستان عن تحديد موعد نهائي للاستفتاء تتالت تصريحات ومواقف دولية وإقليمية حول هذا المشروع بين معارض ومحذر ومن يصفها بالخطير على أمنها القومي ولعل من أبرز هذه المواقف :
الأمم المتحدة : تبدي مرونة مشروطة تجاه اجراء الاستفتاء في اقليم كردستان :
حيث صرح المتحدث باسم السكرتير العام للأمم المتحدة “ستيفان دوواريك” خلال مؤتمر صحفي: ان لدى الامم المتحدة ملاحظات بشأن قرار سلطات إقليم كردستان لإجراء الاستفتاء، “إن موقفنا واضح ويوافق مع ما جاء في الدستور، داعياً إلى ضرورة الالتزام بالدستور العراقي الذي صوت عليه الكرد والعرب والمكونات الأخرى” وأضاف: إذا كانت نتيجة الاستفتاء للاستقلال بنعم وأراد الإقليم أن يكون عضواً في الأمم المتحدة مثل سائر دول العالم، فعلى المجلس أن يبت في الأمر وأن يصدر قراراً بشأن ذلك، لافتاً إلى أن الأمم المتحدة ستشارك كمراقب خلال التصويت على الاستفتاء في الإقليم لكن بشرط أن تطلب بغداد منها ذلك.
الولايات المتحدة تحذر:
حذرت الولايات المتحدة، من أن إجراء استفتاء على استقلال إقليم كردستان في أيلول/ سبتمبر القادم، قد يصرف الانتباه عن أولويات أكثر إلحاحاً مثل هزيمة “تنظيم داعش” الإرهابي. حيث تعتبر واشنطن من بين الدول التي اتسم موقفها بشكل عام بالرفض الذي لم يخلو من بعض التصريحات الإيجابيّة تجاه الاستفتاء، في حين بدت بعض المواقف غامضة بعض الشيء.
حيث صرح مدير الاستخبارات العسكرية الأمريكية الجنرال “فنسنت ستيوارت” في
24-5-2017، إن استقلال اقليم كردستان مسألة وقت، وأكد ممثل وزارة الخارجية الأمريكية، “هايزر ناويرت” في بيان “نقدّر تطلعات إقليم كردستان المشروعة لإجراء استفتاء الاستقلال لكن إجراءه قد يصرف الانتباه عن الحرب ضد داعش”.
وبتاريخ 9-6-2017، جدّدت الخارجيّة الأمريكية موقفها عبر بيان أصدرته عن قلقها من إجراء الاستفتاء المزمع اجراؤه في إقليم كُردستان العراق لإعلان الاستقلال، وأضافت: “إننا نشجع السلطات الإقليمية على التباحث مع حكومة العراق حول مجموعة كاملة من القضايا الهامة بما فيها مستقبل العلاقات بين بغداد وأربيل على أساس الدستور العراقي”.
وبتاريخ 26/6/2017، برز موقف جديد للخارجيّة الأمريكية عبر المتحدّثة “هيذر نويرت” قائلةً: “إذا استقر العراق، وإذا قرر الكرد إجراء عملية الاستفتاء، فهذا شأن داخلي خاص بالعراق”.
وبتاريخ 3-7-2017 وعبر المتحدث باسم البيت الأبيض “جوش إيرنست” الذي قال:
إن أمريكا تعارض استقلال كردستان، وأضاف أن البيت الأبيض يدعو جميع العراقيين إلى الوحدة في مواجهة تنظيم داعش.
وبتاريخ 5-7-2017، أعاد سفير واشنطن لدى بغداد “دوغلاس سليمان”، موقف الخارجيّة الرافض للاستفتاء. وقال في مؤتمر صحفي عقد في مقر السفارة الأمريكية في العاصمة العراقية، “بأن أي تقرير للمصير يجب أن يجرى وفق الدستور والقوانين العراقية والتفاهم بين حكومتي بغداد وأربيل”
وبتاريخ 13-7-2017، جدّد المبعوث الأمريكي “بريت ماكغورك” لدى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش موقف بلاده الرافض للاستفتاء، مشيراً إلى أن واشنطن تعتقد أن إجراء استفتاء في منطقة كردستان ذاتية الحكم في العراق في سبتمبر المقبل”سيزعزع الاستقرار بشكل كبير”.
وأوضح أيضاً أن أمريكا أعلنت موقفها من الاستفتاء بوضوح، بما في ذلك خلال اجتماع لشركاء التحالف خلال الأسبوع الجاري بوزارة الخارجية: “لا نعتقد أن الاستفتاء يجب أن يجري في سبتمبر”. ولكن اللافت في كلامه أنهم ليسوا ضد مبدأ الاستفتاء من حيث المبدأ ولكنهم ضد التوقيت, أي أن الموقف قابل للتبدّل والتغيير في وقت لاحق. ولعل ذلك يظهر وبشكل جلي بأن موقف ماكغورك قد أثر أيضاً على رؤية البيت الأبيض أيضاً تجاه الاستفتاء، حيث قام الموقع الرسمي التابع للبيت الأبيض بإطلاق استطلاع حول هذا الموضوع بتاريخ 28-7-2017. وأشار الموقع إلى “أن سلسلة الاضطهاد التي تعرض لها الشعب الكردي خلال العقود الأخيرة”، وأكد أنه في حال شارك أكثر من 100 ألف شخص في هذا الاستطلاع، فإنه سيقدم لإدارة الرئيس “ترامب” من أجل المطالبة بدعم مشروع الاستفتاء.
في 3-8-2017، قال المستشار السابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب “كنيت تيمرمن” إن الكونغرس الأمريكي يدعم الاستفتاء على استقلال إقليم كوردستان، مشيراً إلى أن واشنطن تحفظت بشأن توقيت الاستفتاء فقط، لافتاً إلى أن أمريكا ستستمر في دعم إقليم كردستان.
وأضاف تيمرمن “أمريكا طالبت إقليم كردستان بتأجيل موعد الاستفتاء لكن القيادة الكردية مصرة على الموعد لذا أعتقد أن واشنطن ستقتنع بإجراء الاستفتاء، وهي لن تتخلى عن كردستان بسبب التحالف الاستراتيجي والمصالح المشتركة بين الجانبين”.
روسيا الاتحادية:
أكد وزير الخارجية الروسي “لافروف” أن موسكو تنظر إلى الاستفتاء على أنه : “تعبير عن تطلعات الشعب الكردي”، وأنه يحظى بدعم أغلب سكان إقليم كردستان العراق ونأمل أن يؤخذ في الحساب عند اتخاذ القرارات النهائية ما يترتب على هذه الخطوة من نتائج سياسية، وجيوسياسية، وديموغرافية واقتصادية، من مبدأ أن المسألة الكردية تتجاوز حدود العراق الحالية، وتؤثر في أوضاع عدد من دول الجوار, وللمسألة الكردية دور كبير ومكانة بارزة في إطار عملية تسوية الأزمات القائمة في المنطقة حاليا”.
وشدد لافروف على أن “التطلعات الشرعية للشعب الكردي أسوة بالشعوب الأخرى، يجب أن تتحقق وفق القوانين الدولية”، مضيفاً أن هذا “ينطبق أيضا على قرار إجراء الاستفتاء الذي نفهمه على أنه قرار أربيل النهائي”.
الاتحاد الاوربي:
صرح وزير الخارجية البريطاني”بوريس جونسون” بشأن الاستفتاء في بيان له “إننا نتفهم تطلعات الشعب الكردي و نواصل دعمه سياسياً و ثقافياً و اقتصادياً داخل العراق, إلا إن إجراء الاستفتاء في هذا الوقت سوف يصرف الاهتمام عن الأولويات الأكثر إلحاحاً لهزيمة داعش”.
وأضاف أن المملكة المتحدة تدعم عراقاً موحداً مستقراً ديمقراطياً, فيما عبر وزير الخارجية الألمانية “سيجمار جابرييل” في بيان عن مخاوف أوربية مشابهة, مشيراً إلى أن بلاده تحذر من اتخاذ خطوات أحادية الجانب في هذه القضية خصوصاً أن إعادة رسم الحدود الدولية هي ليست الطريقة الصحيحة وقد تؤدي إلى تفاقم الموقف الصعب والمضطرب أصلاً بين أربيل وبغداد. وأكد السفير الفرنسى في العراق”بورنو أوبيير” رفض بلاده لاستفتاء إقليم كردستان، مشدداً على دعم موقف الحكومة العراقية ووحدة أراضي العراق.
وأكد السفير بحسب البيان أن “موقف فرنسا الرافض للاستفتاء في إقليم كردستان، ودعم موقف الحكومة العراقية ووحدة أراضي العراق”.
إسرائيل:
تعتبر اسرائيل أول دولة تدعم استقلال كردستان حيث صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي
“بنيامين نتنياهو” في تغريدة له قال فيها إن بلاده ” تدعم الجهود المشروعة التي يبذلها الشعب الكردي من أجل الحصول على دولة خاصَّة به”. و يعتبر هذا الموقف ليس بالجديد حيث كان قد صرح في الأعوام السابقة بأنه يدعم “تطلع الشعب الكردي لتحقيق مصيره وإقامة دولته المستقلة” وشهد يوليو 2014 اتصالاً من وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، أفيغدور ليبرمان، بنظيره الأمريكي جون كيري، وحثه على تغيير موقف واشنطن من استقلال كردستان، على اعتبار أن العراق مقسم عملياً.
الحكومة الاتحادية:
تؤكد التصريحات الواردة من المسؤولين العراقيين على رفضهم المطلق لعملية الاستفتاء وحاولت من خلال تصريحاتها ثني الإقليم عن القيام بهذه العملية وبدأت حدة هذه التصريحات تتوالى كلما اقترب موعد الاستفتاء حتى وصلت لدرجة التهديد بالتدخل العسكري في حال إصرار الإقليم على المضي قدماً في عملية الاستفتاء، وقال المتحدث باسم الحكومة سعد الحديثي: إن أي موقف أو خطوة تتخذ من أي طرف في العراق يجب أن تكون مستندة إلى الدستور وأي قرار يخص مستقبل العراق المُعرَّف دستورياً بأنه بلد ديمقراطي اتحادي واحد ذو سيادة وطنية كاملة يجب أن يراعي النصوص الدستورية ذات الصلة.
وأضاف: أن مستقبل العراق ليس خاصاً بطرف واحد دون غيره، بل هو قرار عراقي وكل العراقيين معنيون به، مشيراً إلى أنه لا يمكن لأي طرف وحده أن يحدد مصير العراق بمعزل عن الأطراف الأخرى.
وقال “حيدر العبادي” رئيس وزراء العراق في مقابلة مع وكالة “أسوشيتد برس” إذا كان السكان العراقيون مهددين باستخدام القوة خارج القانون فسنتدخل عسكرياً”. ورأى أن الاستفتاء الذي سيجري في 25 سبتمبر/ أيلول الحالي “تصعيد خطير” وسيتسبب بانتهاك سيادة العراق.
وتقدم رئيس الوزراء حيدر العبادي بطلب إلى المحكمة الاتحادية العليا لإصدار أمر حول عدم دستورية قرار الاستفتاء حيث أصدرت المحكمة الاتحادية العليا، أعلى سلطة قضائية في العراق، أمراً بإيقاف الاستفتاء المرتقب حول استقلال إقليم كردستان في 25 أيلول/ سبتمبر الحالي , وقال “إياس الساموك” مدير المكتب الإعلامي للمحكمة الاتحادية العليا في بيان إن المحكمة و”بعد المداولة ولتوفر الشروط الشكلية القانونية في الطلبات، أصدرت أمراً ولائياً بإيقاف إجراءات الاستفتاء المنوي إجراؤه في 25 أيلول/ سبتمبر لحين حسم الدعاوى المقامة بعدم دستورية القرار المذكور”.
تركيا :
تحاول تركيا وبكل قوة الضغط من أجل دفع حكومة الإقليم للتخلي عن خيار الاستفتاء مستخدمة في ذلك كل وسائل الضغط السياسي والدبلوماسي معتمدة على وسائل الإعلام والحرب الخاصة التي تمتلكها كونها تخشى تعاظم قوة الكرد في الشرق الأوسط والذي سيؤثر بدوره على الجزء الشمالي من كردستان التي تحتلها تركيا, حيث صرحت الخارجية التركية بأن قرار إقليم كردستان بتنظيم استفتاء حول الاستقلال في 25 أيلول/ سبتمبر المقبل هو خطأ فادح.
واعتبرت الخارجية التركية أن هذا الاستفتاء يهدد وحدة وسلامة أراضي العراق، داعيةً إلى المحافظة على وحدة التراب العراقي، والوحدة السياسية في العراق، ومعتبرة أن هذه الأهداف هي واحدة من أسس السياسة التركية تجاه العراق.
واعتبر الرئيس التركي، “أردوغان” أن تصريحات رئيس إقليم كردستان العراق، “مسعود البرزاني” حول استفتاء الانفصال عن بغداد “خاطئة للغاية؛ لأنه يعلم حساسيتنا تجاه وحدة التراب العراقي”. وشدد على أن “البرزاني” سيرى بشكل واضح مدى حساسية أنقرة تجاه الاستفتاء، عقب اجتماع مجلس الأمن القومي، المزمع عقده في 22 سبتمبر الجاري، واجتماع مجلس الوزراء, ولفت إلى أن لبلاده حدوداً تمتد لـ 350 كيلومتراً مع العراق، إضافة إلى إيران وسوريا.
كما وصف رئيس الوزراء التركي “بن علي يلدرم” خطة كرد العراق لإجراء استفتاء على الاستقلال بأنها “غير مسؤولة” مضيفاً أن “المنطقة بها ما يكفي من المشاكل” كما أضاف: “نريد أن يعيش العراقيون جميعهم معا كأمة واحدة”، مشيراً إلى أن “إضافة مشكلة أخرى إلى المنطقة ليس أمراً صائباً”.
وفي خضم هذه التصريحات بدأت القوات المسلحة التركية مناورات عسكرية في منطقتي سيلوبي وخابور في ولاية شرناخ قرب الحدود العراقية جنوب شرقي تركيا، بحسب ما ذكره الجيش، قبل أسبوع واحد فقط من إجراء الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق، الذي دعت أنقرة إلى إلغائه.
إيران:
تحاول إيران جاهدة الضغط على إقليم كردستان من أجل العدول عن قرار الاستفتاء من خلال استخدام الأذرع الداخلية السياسية والعسكرية لها في العراق بين التهديد و الوعيد واستغلال نفوذها لفرض هيمنتها الاقتصادية والسياسية على كردستان في المستقبل مهددة بإغلاق الحدود أحياناً وإلغاء كافة الاتفاقات المبرمة مع حكومة الإقليم أحياناً أخرى من هنا توالت حدة التصريحات النارية للمسؤولين الإيرانيين الرافضين لقرار الاستفتاء. حيث أعلن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني “الأميرال علي شمخاني” أن إجراء استفتاء عام حول كردستان العراق سيؤدي إلى عزلة أكراد العراق وتقويض قدرات كردستان وبالتالي هذا البلد تماماً، مبينا أن المتابعات الرامية إلى تنفيذ الاستفتاء في منطقة كردستان ترمي إلى فصل هذه المنطقة وبث الفرقة وشق الصف وتندرج ضمن مخططات بعض الدول الإقليمية والخارجية لتقويض العراق وباقي الدول الكبرى في منطقة غرب آسيا.
ولعل السبب الرئيس وراء رفض إيران للاستفتاء هو خشيتها على إثارة الأكراد في الداخل الإيراني وزعزعة استقرارها الداخلي وما يترتب عليه من مطالبة أكراد إيران بشيء مماثل وإن استقلال كردستان قد يقف حائلاً دون تحقيق الطموح الإيراني في إتمام مشاريعها التوسعية في المنطقة وعلى رأسها الهلال الشيعي.
وكذلك صرح السفير الإيراني الأسبق لدى العراق “حسن كاظمي قمي” “اعتبر الاستفتاء على استقلال كردستان تهديداً لمصالح دول المنطقة، وخطوة غير محسوبة قد تؤدي إلى انهيار المنجزات الكردية وتهدد مصالح دول المنطقة أيضاً”. مؤكداً أن تغيير الحدود السياسية في المنطقة وفقاً للمنطلقات القومية، يعني أن جميع الحدود السياسية في منطقة غرب آسيا ستتغير.
الضغط الاقتصادي الإيراني تواصل مع إغلاق إيران للحدود البرية مع كردستان وفرض طهران قيوداً على الاستيراد عبر أراضيها وكذلك عبر وسط العراق وجنوبه عن طريق الموالين لها في الحكومة العراقية.
ولعل من أبرز المؤيدين للسياسية الإيرانية في المنطقة والذين يدورون في فلكها:
رئيس التحالف الوطني “عمار الحكيم”، تحدث عن قلق اقليمي ودولي تجاه هذه الخطوة، لافتاً إلى سعيه لتكوين ما أسماه رؤية جامعة مشتركة لتشجيع وتحفيز الأكراد على أن يتوقفوا عن مثل هذه الخطوة لأنها تعرضهم وتعرض العراق لخطر كبير.
وزير الخارجية ورئيس تيار الإصلاح الوطني “إبراهيم الجعفري”، لم يخفِ دفاعه عن طهران عبر الادعاء بان الاستفتاء المنوي إجراؤه في كردستان لا يصب في مصلحة ووحدة العراق وأن الجميع يؤمِن أن وحدة العراق مُهمة لاستقرار المنطقة.
ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه “نوري المالكي”، شن حملة شعواء وحرباً كلامية على السياسيين في كردستان العراق خدمة للتعليمات القادمة من طهران معتبراً أن مشروع الكرد في الاستفتاء مشروعٌ استراتيجي لا بد من مواجهته باستراتيجية أقوى قادرة على إبطاله، وهو يعتبر بمثابة مخالفة دستورية وقانونية مشدداً على أن حكومة العبادي في بغداد لن تسمح بإجرائه.
وهاجم عضو الائتلاف “محمد الصهيود”، الاستفتاء مبيناً أن كردستان وفق القانون الدولي لا يحق لها إجراء الاستفتاء على اعتبار أن تقرير المصير يكون للشعوب المستعمرة والشعب الكردي جزء من الدولة العراقية وليس مستعمراً.

ثالثاً : المبررات الدستورية لاستفتاء إقليم كردستان:
دأب القادة العراقيون على معارضتهم لاستفتاء الإقليم واصفين الاستفتاء بغير الدستوري وفي هذا الصدد يقول رئيس التحالف الوطني الشيعي عمار الحكيم: (إن الدستور العراقي لا يمنح الكرد ولا أي فئة قومية أخرى حق تقرير المصير أو الاستقلال), فيما صرح سعد الحديثي المتحدث باسم الحكومة العراقية بأن (الاستفتاء في إقليم كردستان خطوة غير قانونية وتتنافى مع دستور العراق).
وبالعودة إلى الدستور العراقي نجد أن أقوال المسؤولين العراقيين في هذا الشأن (كلمة حق يراد بها باطل), ويمكننا أن نسوق المبررات الدستورية لاستفتاء الإقليم كالتالي:
من الملاحظ أن الدستور العراقي لعام 2005 لم يخلق الكيان الكردستاني وإنما أقره فقط أي اعترف به, كما أن الدستور العراقي في المادة /141/ اعترف بجميع التشريعات والقرارات الصادرة من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية الكردستانية منذ عام 1992 وبذلك أصبحت هذه الأجهزة دستورية, ونتيجة لكل ما سبق فإن إقليم كردستان دخل في اتحاد مع العراق بشكل اختياري.
ترى حكومة إقليم كردستان بأن حكومة بغداد أمعنت في خرقها الدائم للدستور العراقي المتفق عليه لدرجة أن نائبة عراقية تباهت علناً بأنها عرقلت تنفيذ المادة /140/ من الدستور دون أن تحقق الجهات النيابية العراقية معها.
إن الانتهاكات التي يتعرض لها الكرد على كامل الجغرافية ودفعهم إلى الهجرة إلى إقليم كردستان قسراً والتمييز بينهم وبين العرب يدفع الحكومة الكردستانية إلى المضي قدماً في إجراء الاستفتاء.
أن تنصل الحكومة العراقية من واجباتها تجاه إقليم كردستان عسكرياً واقتصادياً يجعلها فاقدة الشرعية تجاه سكان الإقليم وبالتالي فإن حكومة الإقليم ملزمة تجاه شعبها بالمضي قدماً في إجراء الاستفتاء.
إن الخرق المستمر من قبل الحكومة العراقية للدستور يجعل هذا الدستور حبراً على ورق, ويجعل عملية الالتزام به ضرباً من الخيال.
لكل ما سبق نجد أن حكومة بغداد ماضية في سياساتها الطائفية وبالتالي لا سبيل للخروج من هذه الأزمة إلا بإجراء استفتاء يحدد مستقبل الإقليم.
رابعاً : مواقف الأحزاب الكردية من استفتاء إقليم كردستان:
تباينت مواقف الأحزاب الكردية في الإقليم بين مؤيد ومعارض لا لمبدأ عملية الاستفتاء وإنما لتوقيت عملية إجرائه, وفيما يلي نعرض بعض مواقف الأحزاب السياسية الرئيسة في الإقليم:
حزب الاتحاد الوطني الكردستاني :
منذ سنوات يطالب المسؤولون الكرد بإجراء استفتاء على استقلال إقليم كردستان هذا العام في خطوة يتوقعون خلالها وضع حد للعديد من الأزمات خاصة بعد مرور أكثر من مئة عام على اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت الكرد ووزعتهم على أربع دول من بينها العراق.
وقال الاتحاد الوطني الكردستاني في بيان صدر بعد اجتماع لمكتبه السياسي في السليمانية إنه يؤيد مسألة إجراء الاستفتاء حيال استقلال إقليم كردستان إلا أن الأمر يتطلب إجماعاً بين مختلف الأحزاب الكردية.
وقد صرح عادل مراد – العضو المؤسس لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني لموقع بي بي سي عربي : “إن المسألة ليست في إعلان الدولة الكردية بل في قدرتها على الاستمرار والتطور، إذ يشهد الإقليم حالة انهيار سياسي واقتصادي لدرجة عدم توفير أبسط الخدمات للمواطن كالكهرباء والماء ورواتب العاملين في الدوائر الحكومية, يحدث هذا بالرغم من تصدير 580 ألف برميل نفط يومياً, وتعد تجربة جنوب السودان نموذجاً قريباً لحالة الاختلاف بين الرغبة الذاتية والظروف المحيطة بتلك الرغبات”.
و”إن من حق الشعب الكردي ومعه المكونات القومية الأخرى في كردستان أن يقرروا مصيرهم بما في ذلك إعلان الدولة المستقلة، فهي حقيقة لا اختلاف حولها في الداخل الكردستاني. أما تحديد موعد الاستفتاء كمقدمة للاستقلال من خلال اجتماع حزبي بعيداً عن البرلمان المُعَطّل منذ أكثر من سنتين فهذا يعني خلق حالة اختلاف (كردي – كردي) لا على مبدأ الاستفتاء، بل على آليته وتوقيته ومن مبدأ التفرد بالقرارات المصيرية لشعب كردستان.
وقد صرح كفاح محمود – المستشار الإعلامي لمكتب رئاسة إقليم كردستان لموقع
بي بي سي عربي: “بعد قرن من الزمن وتحديداً بعد اتفاقية سايكس – بيكو وما نتج عنها من تقسيم لأراضي كردستان، فإن الشعب الكردي هو الضحية الأكبر في المنطقة. وظننا أن الحقبة السوداء في عام 2003 قد انتهت بسقوط النظام الدكتاتوري حيث سارعنا إلى بغداد لوضع أسس دولة ونظام جديدين يحفظ حقوق كل المكونات بشكل ديمقراطي. وبالرغم من تشبثنا بإنجاح التجربة والحفاظ على عراق اتحادي، إلا أن النظام الحاكم في بغداد تحول إلى نظام ديني طائفي، أقصى كل المكونات المختلفة بمن فيها الكرد حيث تم خرق الدستور في أكثر من 50 مادة، متمثلة في تهميش وإقصاء الإقليم من حصته من الموازنة السنوية، وإيقاف مرتبات مليون ونصف المليون موظف في الإقليم لحد يومنا هذا، بهدف نشر الفقر والفوضى وإيقاف عجلة الازدهار التي تميز بها الإقليم”.
ولذلك لم يكن أمام القيادة السياسية في إقليم كردستان أمام ضغط الشارع الكردستاني إلا الذهاب إلى خيار الاستفتاء على حق تقرير المصير، وهو ممارسة ديمقراطية حضارية تعتمد الحوار والتفاوض.
وقد صرح كاوا محمود – سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكردستاني لموقع بي بي سي عربي: “إن الجغرافيا هي مفتاح السياسة، فبدون قراءة سياسية للجغرافيا المحيطة بأي قرار، تكون النتائج كارثية. لهذا فإن الحوار مع الأتراك والإيرانيين أمر لا بد منه بغرض كسب تفهمهم للقرار الكردي وعدم اتخاذهم مواقف عدائية تجاه ما يقرره شعب كردستان”.
أما الخلاف الحالي الموجود بين القوى السياسية الكردستانية حول توقيت الاستفتاء فيرجع إلى ملفات سياسية تتعلق بالصراعات السياسية والتي بدورها تنعكس على المواقف من الاستفتاء، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017. وبالنسبة لنا، قرار الاستفتاء قرار وطني كردستاني مستقل لا دخل للولايات المتحدة أو أية جهة خارجية في صياغته وتبنيه. وعلى العالم العربي والأوروبي احترام استقلاليتنا في قراراتنا والتوقيت الذي نراه مناسباً.
وقد صرح بابكر درايي – وهو عضو مؤسس في حركة التغيير (كوران) لموقع بي بي سي عربي: “إن توقیت الاستفتاء بعید عن الواقعية السیاسیة بشکل صارخ لأن الوضع السياسي بین القوی السیاسیة متأزم وغیر مهيأ لأي إجراء مصیري کبیر مثل الاستفتاء على الاستقلال”. “ولأن الأرضية القانونية خارج إرادة البرلمان، وممثلي الشعب، فهذا يسقط الشرعية عن الاستفتاء، عدا عن تدهور الوضع الاقتصادي في الإقليم وعدم جاهزية الدول الإقليمية والعالمية لفكرة الاستفتاء على الاستقلال”.
أظهرت تجربة السنوات الماضية أن استراتيجية الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقوده مسعود برزاني هي البقاء في السلطة والهیمنة الکلیة على الحکومة ولیس النضال من أجل الحقوق المشروعة لأبناء الشعب الکردستاني. حيث أكدت النائبة عن حركة التغيير تافكة أحمد: إن الحزب الديمقراطي الكردستاني ومن شاركه بالحكم تعودوا على التفرد بالقرارات الخاصة بإقليم كردستان، وهذا الأمر منافٍ للديمقراطية والمشاركة في حكم كردستان، مضيفةً إن عقد اجتماع بقيادة شخصية فقدت شرعيتها في رئاسة اقليم كردستان أمر مرفوض ويعارض القانون والدستور.
ولفتت إلى أن الاستفتاء الذي ينادي به حزب برزاني يعتبر سياسي يراد منه توسيع نفوذ الحزب والضغط على حكومة بغداد متى ما شاء، مبينةً أن عملية الاستفتاء تحتاج إلى عدة معطيات كمفوضية انتخابات نزيهة ومحايدة وقرار يصدر من برلمان كردستان وموافقة حكومة المركز، وبالتالي بدون تلك المعطيات يكون الاستفتاء فاقداً للشرعية ويصبح حزبياً أكثر مما هو شعبي.
كشف القيادي في الجماعة الإسلامية الكردستانية شوان رابر, عن وجود تباين ملحوظ في مواقف الأحزاب الكردية الرئيسة بشأن آليات إجراء الاستفتاء, لافتاً في حديث له: “هناك قطاعات كبيرة ما زالت تنظر بريبة إلى قضية إجراء الاستفتاء”. و أوضح:
أن “عدد من الأحزاب التي شاركت في الاجتماع الذي دعا إليه رئيس الإقليم مسعود البرزاني قد وافقت على إجراء الاستفتاء, واشترطت تفعيل البرلمان قبل إجراء الاستفتاء.
وقد صرح شاسوار قادر – زعيم حملة “لا للاستفتاء الآن” لموقع بي بي سي عربي: “لا أعتقد بأن الوقت مناسب على الإطلاق، لأنه ببساطة لا يمتلك الكرد مؤسسات فعلية ولا اقتصاداً مستقلاً ولا جيشاً (بيشمركة) موحداً. والهدف من الاستفتاء ليس إنشاء الدولة الكردية، بل التغطية على المشاكل الداخلية في إقليم كردستان وبقاء القادة الكرد في السلطة لمدة ٢٦ سنة أخرى تحت عنوان “إنشاء الدولة.”
وفي 13\6\2017 كشف الرئيس المشترك لمنظومة المجتمع الكردستاني جميل بايق عن موقفهم من استفتاء الاستقلال بقوله “الاستفتاء الذي أعلن عنه في جنوب كردستان, يأتي نتيجة للوضع المفاجئ في المنطقة والعالم, مضيفاً أن الاستفتاء على استقلال جنوب كردستان” حق ديمقراطي لا أحد بإمكانه الوقوف ضده”.
وبنتيجة التباين في الرؤى بين الأحزاب الكردستانية حول الاستفتاء المزمع إجراؤه في الخامس والعشرين من أيلول لعام 2017 في إقليم كردستان العراق والمناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم. فقد أصدرت الأحزاب الكردستانية عدا حركة التغيير والجماعة الإسلامية بياناً بعد اجتماع عقدته، جاء فيه، إن المجتمعين قرروا بالأغلبية المطلقة الموافقة على النقاط التالية:
أولاً: تم تحديد يوم الخامس والعشرين من أيلول/ سبتمبر لعام 2017 موعداً لإجراء الاستفتاء في إقليم كردستان العراق والمناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم.
ثانياً: تقوم الأحزاب السياسية في كردستان اعتباراً من هذا الاجتماع وحتى يوم الاستفتاء بالعمل على إعادة تفعيل البرلمان وحل المشاكل السياسية من أجل تحقيق وحدة الصف الوطني ووحدة الموقف.
ثالثاً: شدد المجتمعون على ضرورة رفع المستوى المعيشي لشعب كردستان والالتفات إلى المشاكل الاقتصادية لمواطني إقليم كردستان والموظفين وذوي الدخل المحدود.
رابعاً: قرر الحاضرون تشكيل لجنة عليا للاستفتاء برئاسة مسعود برزاني، وأمهل المجتمعون الأحزاب السياسية في كردستان مهلة محددة لتسمية ممثليهم في اللجان المعنية بالاستفتاء وبفترة ما بعد الاستفتاء الممتدة حتى يوم 6-12-2017م.
وقد صرح طارق جوهر – المستشار الإعلامي لرئاسة برلمان كردستان لموقع بي بي سي عربي: “رغم المشاكل الاقتصادية والسياسية التي يمر بها إقليم كردستان، إلا أن توقيت الاستفتاء مناسب جداً نظراً للانتصارات التي تحققها قوات البيشمركة في حربها ضد الإرهاب، فضلاً عن التعاطف الدولي مع القضية الكردية”.
لو كان برلمان كردستان غير معطل حالياً لكان الوضع أفضل حالاً ولتجنبنا اختلاف المواقف حول توقيت الاستفتاء. نحن نعلم بمعارضة الدول الإقليمية (تركيا، إيران وسوريا) لمشروع الاستقلال لكن في نهاية المطاف فإن الواقع الجديد ودولة كردستان هي التي ستفرض نفسها وسيتعامل العالم معه على أساس الأمر الواقع.
ولا يمكن للشعب الكردي الانتظار 100 عام أخرى حتى تأتي الموافقة من بغداد أو الدول الإقليمية، لم نعد نؤمن بالعراق الذي كان من المفترض أن يكون ديمقراطياً. أن نكون دولتين جارتين وصديقتين أفضل من أن نكون حكومتين متخاصمتين ضمن دولة واحدة.
وبناء عليه ولتذليل العقبات قرر تفعيل البرلمان الذي عقد أول جلساته في 15 أيلول/سبتمبر بعد انقطاع دام أكثر من عامين نتيجة الخلافات السياسية بين كل من حركة التغير والحزب الديمقراطي الكردستاني حيث صادق برلمان إقليم كردستان العراق على إجراء استفتاء على استقلال الإقليم يوم 25 سبتمبر/ أيلول بالرغم من غياب نواب المعارضة التي دعت إلى مقاطعة الجلسة الأولى للمجلس منذ أكثر من عامين. متجاهلاً معارضة العراق وإيران وتركيا وقلق واشنطن ودول غربية من احتمال أن يثير الإجراء صراعات جديدة في المنطقة.
وأكد رئيس المفوضية العليا للانتخابات والاستفتاء في إقليم كردستان, هندرين محمد:
إن بعثة الأمم المتحدة في العراق “ينامي” سيكون لها موقف محايد من إجراء الاستفتاء في الإقليم. و قال في مؤتمر صحفي إن “لدى اليونامي مكتباً خاصاً بالانتخابات وتدعم السلطات الانتخابية والمفوضية العليا للانتخابات في كردستان جزء من عمل طاقم اليونامي. وبينت أن وفد اليونامي أكد أنه لن يتدخل وسيكون للأمم المتحدة موقف محايد حيال الاستفتاء, ولكنها ستساعدنا في تدريب وتسجيل الإجراءات الخاصة بالعملية.
واخيراً يمكن القول إن استفتاء إقليم كردستان العراق هو من أكثر المواضيع الجدلية في وقتنا الراهن لما تشكله القضية الكردية من معضلة على الساحة الإقليمية والدولية. لذلك فإن إجراء عملية الاستفتاء تجد صعوبات في وجهها من معارضات و تهديدات داخلية من جانب الحكومة المركزية العراقية، وإقليمية من قبل الحكومتين التركية والإيرانية, إلا أن الاستفتاء ماضٍ قدماً رغم كل المواقف المتناقضة والمتضاربة بسبب قبول معظم الأحزاب والأطراف الكردستانية في داخل إقليم كردستان العراق وأجزاء كردستان الأخرى, وكذلك رغبة الشعب الكردي في التغيير والتخلص من الوضع الراهن في الشراكة مع الحكومة العراقية الاتحادية. إن الوضع غير المستقر والحرب على إرهاب داعش في كل من سوريا والعراق أعطى القوى الكردية الشرعية في التطلع إلى تحقيق أحلامهم في التخلص من جور وطغيان الدول المسيطرة على كردستان لأن القوى الكردية هي من أكثر القوات كفاءة في محاربة الإرهاب العالمي وهذا ما أدى إلى عدم قدرة القوى الدولية التهرب من مسؤولياتها تجاه أي استحقاق متعلق بالكرد رغم ادعائهم بأن الاستفتاء سيصرف النظر عن محاربة داعش. فبغض النظر عن كل مواقف الاعتراض على الاستفتاء من قبل الحكومة العراقية وذلك بالقول إن الاستفتاء غير دستوري أو غير قانوني, فالمبررات الدستورية أو القانونية التي تتحجج بها الحكومة العراقية لن تثني حكومة كردستان العراق في المضي نحو الاستفتاء لأن الحكومة المركزية نفسها هي التي بدأت بخرق الدستور عندما لم تنفذ المادة 140 من الدستور المتعلق بمدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها في عام 2007, كذلك بالرغم من كل التبريرات التي تقدمها إيران و تركيا بشأن معارضتها لاستقلال كردستان العراق لأن إعادة رسم حدود الدولة العراقية سيزعزع سائر أمن المنطقة وسيؤدي إلى نشوب حروب أخرى في المنطقة نحن بغنى عنها أو سيحرك مشاعر الكرد في دول المنطقة حيث أن ذلك سيشكل خطراً على الأمن القومي لتلك الدول, وإن رغبة حق تقرير المصير لأي مجتمع منصوص عليها في ميثاق ومبادئ الأمم المتحدة , وهذا ما يشجع الشعب الكردي للمطالبة بحقوقه, لذلك يجب عدم العودة إلى الوراء فيما يتعلق بإلغاء أو حتى تأجيل الاستفتاء و خاصةً بعد الالتفاف الشعبي الجماهيري والأحزاب الكردستانية حول الاستفتاء ودعم استقلال إقليم كردستان العراق, كما أن عملية الاستفتاء قد تؤدي إلى توحيد وجهات النظر بين الأطراف الكردية المختلفة ولو لفترة مؤقتة لما يشكله الاستفتاء من موضوع حساس وفي وقت مصيري لكردستان, فيجب على الأحزاب الكردية أن تضع خلافاتهم السياسية جانباً وهذا ما يجب أن يحصل. لذلك تمت حوارات جدية بين الأحزاب الكردية أفضت إلى استئناف جلسات برلمان كردستان بعد تعطيل دام حوالي سنتين بالرغم من معارضة بعض الأحزاب الكردية لهذه الخطوة من قبل الحزبين (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني), وكذلك إعلان الأحزاب الكردية في الأجزاء الأخرى من كردستان عن عزمها في الدفاع عن الإقليم في حال تعرضه لأي اعتداء من قبل الدول المجاورة حيث أبدى حزب العمال الكردستاني عن جاهزيته في الدفاع عن كركوك أو أي جزء من إقليم كردستان إذا تعرض للخطر وقام الأخير بنشر عدد من مقاتليه في الجبهة الجنوبية لمدينة كركوك.
إن الاستفتاء سيؤدي إلى استقلال كردستان عن العراق وسوف تكون نتيجة حتمية بنعم للاستقلال مما سيؤدي إلى عدة عراقيل في وجه الاستقلال من قبيل تنفيذ حصار اقتصادي على الإقليم من قبل الحكومة العراقية وتركيا وإيران أو قد تنفذ تهديداتها بشن عمليات عسكرية في الإقليم مما سيؤدي إلى مواجهة مع القوى الكردية في تلك الدول وقد ينعكس ذلك على الوضع الداخلي في تلك الدول وزعزعة الاستقرار فيها، ولذلك سوف يتعاملون بحذر مع نتائج الاستفتاء.
الاعتراف أو عدم الاعتراف بنتائج الاستفتاء من قبل القوى العالمية والمنظمات الدولية سيكون له التأثير على إعلان الاستقلال, فمن المحتمل أن تتعالى الأصوات حول نتائج الاستفتاء مباشرةً قد تكون إيجابية أو سلبية, وبالتالي سوف تكون هناك اجتماعات ولقاءات مكوكية بين القوى ذات العلاقة بكردستان قبل وبعد الاستفتاء. حيث تم تقديم مقترح من قبل الأمم المتحدة إلى حكومة إقليم كردستان لتأجيل الاستفتاء مقابل ضمانات وتنازلات من الحكومة العراقية، وكذلك الاجتماع الذي جرى بين مسؤولين من كل الحكومات العراقية والتركية والإيرانية لإرغام حكومة الإقليم لتأجيل أو إلغاء الاستفتاء وهذا كله قبل الاستفتاء. من هنا يجب أن تكون كلمة الأحزاب الكردية كلها واحدة، وأن تضع خلافاتها جانباً وأن تمضي قدماً في عملية الاستفتاء، كما فعلت الدول المحتلة لكردستان, حيث اختلفت على كل شيء ولكنها اتفقت بوجه أي مشروع كردي في المنطقة.
…………………………………………………………………………………………….
مصادر للاستزادة :
– أسماء سعد الدين – المرسال.
– د. عبد الله محمد علي العلياوي- جذور المشكلة الكردية.
– موقع اليقين الاخباري.
– موقع قناة بي بي سي.
– موقع إيلاف الإخباري.

فرع الحسكة – قسم التحليل

زر الذهاب إلى الأعلى