مؤتمر حزب العمال الكردستاني منعطف جديد في مسار الصراع والسلام وإعادة تشكيل الشرق الأوسط

عقد حزب العمال الكردستاني مؤتمره الأخير في الفترة ما بين ٥-٧ من شهر أيار/مايو الجاري، وسط ظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد، تميّزت بتسارع التحوّلات الجيوسياسية، وتبدّلات في مواقف القوى الكبرى من قضايا المنطقة، وعودة النقاش حول مستقبل الكيانات السياسية في الشرق الأوسط.

 المؤتمر الذي انعقد استجابة لنداء الزعيم المعتقَل عبد الله أوجلان، يأتي في لحظة فارقة تشبه – حسب بعض المراقبين – التحوّلات التي شهدتها أيرلندا خلال عملية السلام مع الجيش الجمهوري، وكذلك تشبه تحرّكات نيلسون مانديلا خلال مرحلة إنهاء الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

فما الذي يجعل هذا المؤتمر استثنائياً؟ ولماذا يُنظَر إلى قراراته على أنّها قد تُحدث تأثيراً يتجاوز الشأن الكردي إلى إعادة تشكيل ميزان القوى الإقليمي؟

 إذاً؛ يتوجّب قراءة أبعاد المؤتمر، في ضوء السياقات الداخلية والخارجية، واستشراف تداعياته المحتمَلة على قضايا السلام والسلطة والهوية في الشرق الأوسط.

أولاً: البنية الرمزية للمؤتمر واستدعاء “نداء أوجلان

عندما يعقد حزب العمال الكردستاني مؤتمره المركزي بناءً على “نداء عبد الله أوجلان”، فإنّ ذلك لا يحمل دلالة تنظيمية فحسب، بل يفتح الباب أمام مقاربة فلسفية وسياسية عميقة؛ فأوجلان، المحتجز في جزيرة إيمرالي منذ أكثر من عقدين، لا يزال يشكّل “العقل الفلسفي” للحركة الكردية في نسختها الأيديولوجية الحديثة، وقد تبنّى منذ أوائل الألفية مفهوماً جديداً للحرية والديمقراطية يتمثّل في “الكونفدرالية الديمقراطية” كنموذج بديل للدولة القومية؛ فهذا النداء قد يشير إلى لحظة انتقال جديدة قد تكون نحو مراجعة سياسية داخلية شاملة، أو نحو مبادرة سلام موسّعة، أو ربّما إعادة تعريف للوظيفة التاريخية للحزب في المشهد الكردي والإقليمي.

ثانياً: الأطر الإقليمية والدولية… زمن التحوّلات لا الجمود

انعقاد المؤتمر في هذا التوقيت، وفي ظل استقطابات حادة تشهدها المنطقة، يشير إلى إدراك الحزب لضرورة التكيّف مع متغيّرات متعدّدة، ومنها:

  • انكفاء الولايات المتحدة عن دورها المهيمن في المنطقة، والفراغ الذي تملؤه روسيا والصين وإيران بدرجات متفاوتة.
  • تحوّلات في العلاقة التركية – العربية، والتقارب الخليجي- التركي؛ ما يعيد صياغة توازنات الصراع في سوريا والعراق، ولا سيّما في المناطق ذات الغالبية الكردية.
  • صعود القضية الفلسطينية إلى واجهة الصراع العالمي؛ وهو ما يفرض على الحركات التحرّرية (ومنها الحزب) إعادة التموضع ضمن فضاء أكبر من الهويات الضيّقة.
  • تصاعد التنافس الإقليمي حول مصادر الطاقة والمعابر الحدودية؛ حيث تكتسب المناطق الكردية أهمية استراتيجية مضاعفة.

ثالثاً: من المقاومة إلى الدولة الرمزية… مراجعة فكرية

تشير بعض التسريبات إلى أنّ المؤتمر قد يكون قد ناقش بشكل جادّ الانتقال من “المقاومة المسلّحة” إلى “الوظيفة المجتمعية والتنظيم السياسي المدني”، وهي تحوّلات سبق أن مرّت بها حركات مشابهة (كالجيش الجمهوري الإيرلندي أو حزب المؤتمر الإفريقي).

فهل يعني هذا تراجعاً عن الكفاح المسلّح؟!

 ليس بالضرورة؛ بل يبدو أنّ الحزب يميل إلى إعادة تموضع الكفاح المسلّح كـ”تكتيك دفاعي” ضمن استراتيجية أوسع قائمة على التنظيم الذاتي، وبناء المجتمع، وصياغة مشروع أخلاقي-سياسي يفرض نفسه على الأرض دون انتظار اعترافات دولية.

رابعاً: تداعيات المؤتمر على قضايا سوريا والعراق وتركيا

في سوريا؛ قد يعكس المؤتمر دعماً لتوسيع دور “الإدارة الذاتية” ليشمل بُعداً أعمق من الحكم المحلّي، وربّما يمهّد لتشكيل مظلّة سياسية موحّدة تجمع بين شمال وشرق سوريا والمعارضة الديمقراطية؛ وهذا قد يخلق فضاء تفاوضياً جديداً مع دمشق، وربّما مع أنقرة في المستقبل.

في العراق؛ يشير التحرّك إلى احتمال تفعيل البُعد السياسي للحزب في الساحة العراقية، خاصة بعد ضعف أداء القوى الكردية التقليدية؛ وهو ما قد يسمح له بلعب دور المرجعية الثورية للقضية الكردية في كردستان العراق.

في تركيا؛ لا يمكن فصل المؤتمر عن الاستحقاقات السياسية التركية القادمة، خاصة في ظل تراجع الدعم الشعبي لحزب العدالة والتنمية، واحتمال عودة النقاش حول “السلام الداخلي” بشروط جديدة، يكون فيها حزب العمال الكردستاني رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه.

خامساً: نحو شرق أوسط جديد

إذا صدقت التوقّعات بأنّ قرارات المؤتمر تتّجه نحو “إعلان سياسي شامل” يُعيد تعريف دور الحزب، فإنّ ذلك قد يكون مقدّمة لتحوّلات أعمق، أهمّها:

  • بلورة “محور ديمقراطي بديل” عابر للحدود القومية، يضمّ حركات إثنية وطبقية ونسوية وشبابية من العالم العربي وتركيا وإيران.
  • خلق شبكات تضامن أممية تستند إلى مبادئ العدالة المناخية، والمساواة الجندرية، والاقتصاد الاجتماعي؛ وهي مقاربات يتبنّاها الحزب منذ سنوات.
  • تقويض سرديات الهيمنة القومية والدينية لصالح سردية “الهوية المركّبة والمجتمع الأخلاقي السياسي”.

بينما ينتظر الجميع الإعلان الرسمي لقرارات المؤتمر، من الواضح أنّ حزب العمال الكردستاني قد دخل مرحلة جديدة من التأمّل والمراجعة الاستراتيجية، وإذا ما نجح في المزج بين المبادئ الثورية والواقعية السياسية، وبين التطلّعات الكردية والطموحات الأممية، فإنّ المؤتمر قد لا يكون مجرّد اجتماع تنظيمي، بل لحظة تاريخية تُعاد فيها صياغة العلاقة بين الشعب والدولة، وبين الشرق الأوسط والحداثة، وبين السياسة والكرامة.

زر الذهاب إلى الأعلى
RocketplayRocketplay casinoCasibom GirişJojobet GirişCasibom Giriş GüncelCasibom Giriş AdresiCandySpinzDafabet AppJeetwinRedbet SverigeViggoslotsCrazyBuzzer casinoCasibomJettbetKmsauto DownloadKmspico ActivatorSweet BonanzaCrazy TimeCrazy Time AppPlinko AppSugar rush