إسرائيل أداة التغيير في الشرق الأوسط
عباس شيخموس

لم يكن السابع من أكتوبر مجرّد تاريخ أو حدث عابر مرتبط بقطاع غزة وحركة حماس، بل كان بداية لمرحلة جديدة في منطقة الشرق الأوسط.
تُعتبَر منطقة الشرق الأوسط ذات أهمية جيوسياسية بالنسبة للنظام العالمي المهيمن، والأنظمة الشرق أوسطية التي أنشأها النظام العالمي المهيمن في بدايات القرن العشرين، من خلال اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور واتفاقية لوزان، على أسس قوموية وإسلاموية لخدمة أجندته في المنطقة ولإبقاء سيطرته على المنطقة لمدّة مائة عام، لم تعد تلك الأنظمة ذات أهمية كبيرة بالنسبة له، ونظراً للأزمة التي يعيشها هذا النظام فقد وجب عليه إحداث تغيير في المنطقة بعدما أصبحت هذه الأنظمة المصطنعة عبئاً ثقيلاً عليه، خاصة مع استفادة الصين وروسيا من هذه الأزمة بتعزيز نفوذهما في العالم (أبرز المنافسين له)، ويبدو أنّ مهمة التغيير قد أوكلت إلى دولة إسرائيل استناداً للمشهد السياسي والعسكري والاقتصادي والأمني في المنطقة، وجعل الإسرائيليين في وضع وكأنّهم سيتعرّضون للإبادة من قبل دول المنطقة، لتبدأ حرب غزة في السابع من أكتوبر، مروراً بهزيمة حزب الله اللبناني، وطرد الفصائل الموالية لإيران من سوريا، ثم إسقاط النظام السوري وتضييق الخِناق على جماعة الحوثيين في اليمن، واليوم إيران، ولا يمكن استبعاد تركيا من هذه المعادلة في المستقبل، خاصة بعد الدور الإسرائيلي الجديد كأداة تغيير في المنطقة (القوة الإقليمية الأولى)، وبعد تصريحات المسؤولين الأتراك “القومويين” بأنّ تركيا هي الهدف النهائي، ودعوة أولئك المسؤولين لمواجهة التحديات المستقبلية، ويبدو أنّ عملية السلام تندرج في هذا السياق.
آليات عملية التغيير في المنطقة
تستند عملية التغيير الجارية في المنطقة إلى مجموعة من الآليات السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية، التي يعتمدها النظام العالمي المهيمن في دعم إسرائيل في المهمة:
- استهداف القيادات الكبيرة أو أصحاب القرار ممّن يشكّلون خطراً على النظام العالمي المهيمن وعلى الأمن القومي الإسرائيلي؛ فقد استهدفت إسرائيل قادة حماس وحزب الله وإيران والنظام السوري قبل تحييدها نهائياً كحركات وأنظمة تهدّد أمنها القومي، وهنا لا نعني أنّ هؤلاء هم أصحاب قضية وطنية، بل على العكس تماماً، فقد كانوا سبباً في خلق الأزمات داخل دولهم؛ حيث الحكم الشمولي، وتجاهل حقوق شعوبهم، ومحاربة الديمقراطية، وتنفيذ أجندة إقليمية ودولية تخدم مصالح أنظمتهم”، كما فشلوا في منع النظام العالمي المهيمن من التدخّل في شؤون دولهم ومحاولة السيطرة على المنطقة لمئة عام أخرى، كاستجابة لأزماتها بحجج كثيرة قائمة على الديمقراطية وتصحيح الأخطاء المرتكبة في أوائل القرن العشرين.
- فرض العقوبات الاقتصادية على الدول التي يصنّفها النظام العالمي المهيمن كدول مارقة؛ وذلك نتيجة السياسات التي انتهجتها أنظمته المصطنعة في المنطقة، والتي تدفع شعوب المنطقة ثمن تلك السياسات؛ فالعقوبات الاقتصادية تضعف المنظومة الأمنية لهذه الأنظمة وتحيّد الشعوب في الصراع القائم بين إسرائيل وأنظمة هذه الدول. علماً أنّه لم تكن هذه الأنظمة أداة تعمير وبناء، بل كانت أداة أزمات ووباء على شعوبها؛ فالسياسة التي انتهجتها هذه الأنظمة مكّنت الولايات المتحدة والغرب من فرض عقوبات اقتصادية عليها (العراق – سوريا – إيران). وبالتالي؛ أوجدت العقوبات الاقتصادية أزمات داخلية في الأنظمة المستبدّة أو المارقة التي لا يمكن حلّها إلّا بإحداث تغيير جذري في سياساتها، أو بأسقاطها من الخارج، وإنشاء أنظمة جديدة بديلة عنها.
- الاستفادة من السياسة التي انتهجتها الأنظمة الاستبدادية في المنطقة (تركيا – إيران – العراق – سوريا) وتهميش إرادة شعوبها؛ هذه السياسة الاستبدادية القائمة على مبدأ الحزب الواحد أو القائد الواحد، جعلت هذه الدول هشّة من الداخل.
- المشاريع الاقتصادية التي يتم رسمها في المنطقة، حوّلت المنطقة إلى بؤرة أزمات وتنافس، وأضعفت السلام الإقليمي ممّا سهّل المهمّة على إسرائيل. كمحاولة تركيا إفشال مشروع الطريق التجاري (الهندي – الأوروبي) من خلال دعم حماس في حربها مع إسرائيل، وتفعيل طريق التنمية الذي يربط الخليج بأوروبا عبر تركيا الذي يضرّ بمصالح دول المنطقة، والتدخّل الروسي في سوريا لضمان احتكارها لواردات الغاز إلى أوروبا، والتنافس بين تركيا وإسرائيل ومصر حول مَن يكون مركزاً لعبور الطاقة إلى أوروبا. تجلّى نجاح هذه السياسة على سبيل المثال في عدم قدرة إيران وروسيا على منع سقوط النظام البعثي في سوريا، وعدم قدرة تركيا على بسط هيمنتها على كامل سوريا.
- اتخاذ الجماعات الراديكالية الإسلاموية، مثل تنظيم القاعدة وداعش وأتباعهما من الجماعات الجهادية، كذريعة للتدخّل العسكري المباشر في المنطقة، كما أنّ الجماعات المسلّحة التي تعمل وفق أجندة إقليمية (مرتزقة تركيا والميلشيات الشيعية) قد ساهمت في تفاقم أزمات المنطقة وأفسحت المجال في عملية التغيير.
- دعم التدخّلات السياسية والعسكرية والاقتصادية، والتي تنتهجها بعض الدول الإقليمية، في شؤون دول أخرى، خاصة مع انطلاقة ربيع الشعوب في المنطقة، لأهداف ومطامع متعلّقة بمشاريعها في الهيمنة، ما أثّر على وضعها الداخلي والخارجي. كما هو الحال في الأزمة السورية والتدخّل التركي والإيراني السافر بغية تنفيذ مشاريع تركيا وإيران في المنطقة (الهلال الشيعي الإيراني والميثاق الملّي العثماني) وتحت أنظار النظام العالمي القائم وإسرائيل؛ حيث سمحت القوى العظمى وإسرائيل لهذه الدول الإقليمية بالانخراط في الأزمة السورية لاستنزاف قدراتها وتوسيع نطاق الأزمة السورية، وفي نهاية المطاف نجاح الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية، وخروج إيران صفر اليدين من الأزمة السورية بل وبخسائر كبيرة، وعدم قدرة تركيا على استغلال الأزمة السورية لتنفيذ أجنداتها.
العوامل الذاتية والموضوعية في عملية التغيير
هناك عدّة عوامل ذاتية وموضوعية تؤثّر بشكل فعّال في عملية التغيير، يستفيد منها القائمون على عملية التغيير في دعم آليات هذه العملية. ومن هذه العوامل:
- العوامل الذاتية
لا يمكن تجاهل العوامل الذاتية فيما يحدث الآن في منطقة الشرق الأوسط؛ فالأنظمة الحاكمة التي أثبتت فشلها قد لعبت دوراً محورياً في إيصال المنطقة إلى ما هي عليه اليوم.
النظام الإيراني وسياسته الداخلية في خنق الشعب اقتصادياً وثقافياً، قد حوّل إيران من بلد يملك ثروات هائلة يمكن استغلالها لصالح شعوبها ورفع مستوى المعيشة، إلى دولة عاجزة عن تحقيق الأمن الإنساني لمواطنيها، إلى جانب رفضه الاعتراف بحقوق مكوّنات شعبها، ورفض إنشاء نظام ديمقراطي؛ وذلك كلّه من أجل ديمومة نظامه. وكذلك سياسته الخارجية التوسّعية القائمة على تصدير ثورته الإسلامية، من خلال أذرعه الخارجية وحماية حلفائه والتدخّل في أزمات المنطقة؛ حيث أنفقت إيران المليارات على النظام البعثي وبالنتيجة سقط النظام بدلاً من تحويل هذه المليارات لمشاريع اقتصادية وتطوير البنى التحتية لديها، حتى أنّ عقيدته النووية لم تخدم الشعب الإيراني بل أصبحت عبئاً ثقيلاً عليه دون أن ينعم بهذه التكنولوجيا النووية (الطاقة الكهربائية)؛ كل ذلك جعل من إيران دولة ضعيفة متأزّمة.
النظام السوري البائد، والذي لا يختلف عن النظام الإيراني، جرّ البلاد لأزمة طويلة وما تزال آثارها مستمرّة حتى بعد سقوطه.
النظام العراقي الذي ما يزال، على الرغم من تحوّله إلى نظام اتّحادي، يؤمن بالنظام المركزي ويفتعل الأزمات مع حكومة إقليم كردستان، وقد عقد اتفاقيات اقتصادية وأمنية مع الدول المجاورة (إيران وتركيا) للإضرار بحكومة الإقليم؛ وهو ما ينعكس سلباً على الوضع السياسي والاقتصادي والأمني في العراق كلّه.
أمّا النظام التركي فتتجلّى سياسته الداخلية في عدم رغبته بإحلال السلام وإقامة نظام ديمقراطي، رغم مبادرة القائد الكردي عبد الله أوجلان للسلام؛ فتصريحات زعيم الحركة القومية العنصري، دولت بهجلي، للدعوة إلى إحلال السلام ما هي إلّا قراءة للوضع التركي المتأزّم ولعملية التغيير الجارية في منطقة الشرق الأوسط، وقد تكون هذه الدعوة متأخّرة نوعاً ما. وعدم اتخاذ النظام التركي أي خطوات تجاه مبادرة السلام تجعل من تركيا في دائرة التغيير. كما أنّ السياسة الخارجية التي انتهجها النظام التركي (أردوغان) والتدخّل في شؤون المنطقة (سوريا ومصر وليبيا والعراق)، والصراع غير المباشر مع إسرائيل؛ كل ذلك قد خلق أزمات داخلية وخارجية في تركيا.
- العوامل الموضوعية
تندرج هذه العوامل في سياق العلاقات التنافسية والعلاقات التصادمية بين الدول، والقائمة على المصالح العسكرية والاقتصادية في المنطقة، والمرتبطة بالصراع الدولي غير المباشر بين المعسكر الشرقي (الصين وروسيا) من جهة، والمعسكر الغربي الذي يمثل النظام العالمي المهيمن من جهة أخرى. حيث باتت منطقة الشرق الأوسط بؤرة صراع، لما لها من أهمية جيوسياسية في العالم، سواء في تمكين النظام العالمي الحالي أو في خلق نظام عالمي متعدّد الأقطاب، إلى جانب مشاريع إقليمية خلقت أزمات في المنطقة “المشروع الصيني حزام – طريق واحد، والمشروع الأمريكي الممرّ الاقتصادي الذي يربط الهند بالشرق الأوسط “منطقة الخليج العربي” بأوروبا، ومشروع التنمية التركي مع العراق، ومنتدى غاز شرق المتوسط، إلى جانب الشراكات والاتفاقيات العسكرية بين دول الشرق الأوسط والدول العظمى، وموقف الأنظمة الشرق أوسطية من الصراع القائم والحرب الروسية – الأوكرانية.
الحرب الإسرائيلية – الإيرانية كآخر المستجدّات الحالية في عملية التغيير
لم يكن مستغرباً قيام إسرائيل بشنّ عملية عسكرية ضدّ المواقع العسكرية في إيران واستهداف قيادات الصف الأول فيها؛ فإسرائيل التي بدأت بإضعاف قوة أذرع إيران في سوريا ولبنان كانت لحماية أمنها القومي من الدول المجاورة لها، وذلك من خلال عدم السماح للنظام الإيراني باستغلالها في ضرب إسرائيل، كما أنّ فشل المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، ومهلة الستّين يوماً التي منحها ترامب والتي كانت بمثابة تحذير لإيران، قد منحت إسرائيل الحجّة لضرب مشروعها النووي واستهداف علمائها النوويين وأهم قادتها العسكريين.
إنّ ردّ إيران المتأخّر قد جعلها في موقف الضعف، كما أنّ استهداف المناطق السكنية الإسرائيلية قد أعطى ذريعة للجيش الإسرائيلي لاستهداف حقل يارس الجنوبي للغاز؛ ما يعني قيام إسرائيل بزيادة الضغط على إيران اقتصادياً باستهداف البنى الاقتصادية الإيرانية، وضرب طهران العاصمة؛ وهو مؤشر قد يكون خطيراً في الحرب الإسرائيلية – الإيرانية ويعقّد من عملية التغيير. وتبدو إيران في موقف ضعيف استناداً إلى مواقف حلفائها التي ما تزال ضمن التصريحات المناهضة والمندّدة، وعدم قدرة أذرعها تقديم دعم تكتيكي لها.
تتّجه معظم المؤشرات في سياق هذه الحرب إلى حدوث عملية تغيير في السياسة الداخلية والخارجية الإيرانية، وستحدّد تطوّرات هذه الحرب شكل ومستويات هذه العملية. بشكل عام؛ يمكن تحديد بعض النتائج المستقبلية المحتمَلة للحرب الإسرائيلية – الإيرانية، وأبرزها:
- انعكاسها سلباً على النظام الإيراني وإضعافه داخلياً، ومنح فرصة للمكوّنات الإيرانية للضغط على النظام الإيراني للحصول على حقوقها السياسية والاقتصادية والثقافية، وانعكاسها أيضاً على باقي الأنظمة في منطقة الشرق الأوسط.
- إنهاء ما يُسمّى بمحور المقاومة؛ حيث تمكّنت إسرائيل من تحييد حركة حماس كتهديد داخلي وكحركة يتم استغلالها من قبل بعض الدول الإقليمية، وتحييد حزب الله اللبناني، فحزب الله اللبناني، والذي يُعتبَر الذراع الرئيسي لإيران في المنطقة، لم يقم بأي ردّ حتى الآن تجاه العملية العسكرية الإسرائيلية ضد إيران. كما أنّ الميليشيات الشيعية في العراق قد اكتفت حتى الآن بالتهديد والوعيد؛ وهي مؤشّرات تدلّ على انتهاء ما يسمّى بمحور المقاومة في المنطقة.
- احتمالية انتقال عجلة التغيير لتطال تركيا؛ وذلك في حال بقي النظام التركي متمسّكاً بسياسته الداخلية المستمرّة منذ تأسيسه على يد الثالوث (أمريكا – إنكلترا – إسرائيل) تلك السياسة القائمة على التهميش والإصرار على الحل العسكري لإنهاء القضية الكردية. إنّ عدم إحداث أي تغيير في شكل نظامه الحالي، وعدم اتّخاذ أي خطوات جدّية حتى الآن تجاه حل القضية الكردية القائم على مبادرة السلام، وعدم تغيير سياستها الخارجية القائمة على التدخّل في شؤون الدول المجاورة (سوريا والعراق)، سيؤثّر على الوضع الداخلي في تركيا بشكل كبير؛ فتصريح دولت بهجلي بأنّ هذه الهجمات “ليست موجّهة إلى إيران فقط، بل تحمل في الوقت ذاته رسالة غير مباشرة إلى تركيا” وأضاف: “إنّ بلادنا باتت محاطة بالنيران، والهدف النهائي هي تركيا”، إلى جانب تصريح دوغو برينجيك، زعيم حزب الوطن التركي، والذي ندّد فيه “بأنّ الهدف الاستراتيجي للهجوم الإسرائيلي هي تركيا نفسها، وجميع إجراءات إسرائيل تؤدّي في النهاية إلى تقسيم تركيا”
- خلق فسحة لشعوب المنطقة لتنعم بالحرية والديمقراطية وتمكين نفسها، إلّا أنّ هذه الفسحة مرتبطة بقدرة شعوب المنطقة على تنظيم نفسها في بناء مجتمع ديمقراطي، وكذلك مرتبطة بالأجندة الخارجية والتي تتطلّب منها إفساح هامش معيّن من الحرية لشعوب المنطقة، ومحاولة استخدامها كورقة ضغط ضدّ الأنظمة الحاكمة.
- الضربات الإسرائيلية ضدّ إيران لا تُعتبَر نهاية نظام ولاية الفقيه فيها، بل يمكن اعتبارها المرحلة الأولى في طريق التغيير، فما تزال إيران بسياستها الداخلية والخارجية بشكل مباشر أو غير مباشر تقدّم خدمات جليّة للنظام العالمي المهيمن في منطقة الشرق الأوسط، كما أنّ سقوط نظام ولاية الفقيه في هذا الوقت، سيخلق فوضى عارمة في المنطقة لا يمكن السيطرة عليها.
- إمكانية الوصول إلى اتفاق نووي بين الولايات المتحدة وإيران بعد العملية العسكرية التي شنّتها إسرائيل ضدّ إيران، خاصة أنّ كِلا الطرفين في وضع لا يمكن لهما الاستمرار في عملياتهما العسكرية؛ كون استمرار العمليات العسكرية سيفاقم وضعهما الداخلي المتأزّم. كما أنّ هذا الاتفاق الذي قد يحدث، ربّما يخفّف الأزمة بين الطرفين إلى حدّ ما، إلّا أنّها أيضاً مرحلة مؤقّتة؛ فإسرائيل لن تتوانى عن استهداف إيران حين تدرك أنّ إيران تشكّل خطراً على أمنها القومي، وقد تستهدفها من الداخل دون القيام بعملية عسكرية مباشرة؛ فالأضرار التي لحقت بإسرائيل تفوق قدرتها على التحمّل، نتيجة للبيئة الاجتماعية التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي نتيجة ارتفاع نسبة المعارضة الداخلية لسياسات نتنياهو. وتشير معظم المعطيات إلى أنّ رياح التغيير ستعصف بإيران، ما لم تقم بإحداث تغييرات جذرية في بنيتها، وما لم تكن تلك التغييرات قائمة على أسس ديمقراطية.
الحرب ليست حلّاً لمشاكل وأزمات المنطقة
لم تكن الحرب في يوم من الأيام حلّاً نهائياً لإنهاء الأزمات التي عصفت بالمنطقة لأكثر من مئة عام، بل قد تكون جزءاً من الحلّ تجاه تعنّت الأنظمة المستبّدة في المنطقة؛ فالشعب السوري قد تخلّص من النظام الاستبدادي المتمثل بالنظام البعثي، إلّا أنّ الأزمة السورية ما تزال مستمرّة وقد تجرّ سوريا إلى أزمة أعمق وأكثر دموية طالما بقي النظام السوري الجديد متمسّكاً بسياسته القائمة على الاستفراد بالسلطة وفقاً لمقاربة طائفية، وطالما بقي خاضعاً للأجندة الإقليمية والدولية. فعملية التغيير التي تشهدها المنطقة بيد إسرائيل ما هي إلّا انتقال من أزمة إلى أزمات أخرى تخدم النظام العالمي القائم، حتى وإن وجدت شعوب المنطقة حيّزاً من الحرية وسقطت أنظمة استبدادية، فستبقى المنطقة ضمن دائرة الأزمات التي تفتعلها القوى العالمية طالما بقيت مقتنعة بالحروب كوسيلة لضمان سيطرتها. لذا؛ يبقى الطريق الوحيد لمواجهة التحدّيات المستقبلية وتجنّب الصراعات والأزمات الجديدة يمرّ من خلال السياسة الديمقراطية القائمة على إنشاء أنظمة تعدّدية ديمقراطية تستند على الحوار والتفاوض بدلاً من الحروب التي تُطوِّرها الدول سعياً وراء السلطة والهيمنة، لا من أجل إنهاء أزمات المنطقة، بل إنّها تُلحق ضرراً جسيماً بالشعوب، حيث اتُّضِح أنَّ الحرب لا تحلّ أي مشاكل، بل تفتح الطريق للمعاناة والخسائر والدمار، وتعمّق المشاكل، ولتجنّب ذلك فإنّ الأنظمة القائمة في المنطقة، وفي ظل التغييرات القادمة من الخارج، يتوجّب عليها تغيير سياستها الداخلية والخارجية بما يخدم مصالح دولها وشعوبها، ويمكن أن تكون مبادرة “أوجلان” للسلام نهجاً وطريقاً لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية في منطقة الشرق الأوسط.
استناداً لما سبق؛ فإنّ الأزمة التي يعيشها النظام العالمي الحالي ومحاولاته لتخفيفها عن طريق إحداث تغييرات جذرية في منطقة الشرق الأوسط بعد استكمال الأنظمة القوموية والإسلاموية مهامها الموكَلة إليها بشكل مباشر أو غير مباشر، قد جعلت منطقة الشرق الأوسط بؤرة صراع، وزادت من الغضب الشعبي الناجم عن الأزمات التي تسبّبت بها السلطة وسياسة الهيمنة وذهنية الدولة القوموية أو الإسلاموية المستبدّة ذات الحكم الألوهي “الحاكم” أو الحزب الواحد التي أنشأتها الحداثة الرأسمالية في القرن العشرين، وتركت الشرق الأوسط في حالة من التخلّف والجمود والضعف والتشتّت، وفسحت المجال للنظام العالمي المهيمن للتدخّل بشكل سافر في المنطقة بذريعة محاربة أنظمتها (المصطنعة) والتي يبدو أنّها باتت جزءاً من أزمتها العالمية.
إنّ تغيير الولايات المتحدة الأمريكية لاستراتيجيتها العسكرية في عدم الخوض في حروب مباشرة، قد دفعت بإسرائيل لأن تكون أداة التغيير في المنطقة. فإسرائيل لديها استراتيجية واضحة كنظام دولتي، وهي الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط كوكيل للنظام العالمي المهيمن، حيث تمكّنت إسرائيل من إخضاع حركة حماس ولبنان وسوريا وحتى العراق لسياستها الإقليمية، وتئنّ إيران تحت الضربات الإسرائيلية، وتتسابق الدول العربية للتطبيع معها وإنهاء ما يسمّى بالصراع العربي – الإسرائيلي. إنّ إسرائيل ليست مجرّد دولة صغيرة، وإنّما تمثّل جزءاً من هرم النظام الرأسمالي، كما أنّها تمتلك مقوّماتٍ ماديةً وإعلاميةً واستخباراتيةً، ودعماً دولياً غير محدود يمكّنها من قيادة عملية التغيير في منطقة الشرق الأوسط، دون أي تحرّك فعليّ من المجتمع الدولي لمعاقبتها أو إجبارها على وقف مخطّطاتها.