مصر والسعودية وأزمة جزر (تيران وصنافير)

 

يمكن القول أنّ للجزيرتين أهمية إستراتيجية كبيرة، فهما تقعان في شمال البحر الأحمر عند مدخل مضيق (تيران) الذي يفصل خليج (العقبة) عن البحر الأحمر،  تبلغ مساحة (تيران)  حوالي 80كم مربع وتبعد 6كم عن الاراضي المصرية في شبه جزيرة سيناء و8كم من السواحل الغربية للسعودية، وإلى جوارها جزيرة (صنافير) من الشرق بمسافة 2.5 كم وتبلغ مساحتها 33كم مربع، كما تقعان وسط قارّتين كبيرتين هما آسيا وأفريقيا، ويمكن من خلالهما ربط القارّتين مع بعضهما البعض برّيًّا بواسطة جسر، وهذا المشروع قدّمته المملكة العربية السعودية ولازالت تعمل عليه رغم عدم الاستقرار في المنطقة؛ بسبب الحروب التي قامت بين إسرائيل والدول العربية عام 1967 و 1973 والتوتّر الذي ساد وحروب الاستنزاف وغيرها من التوتّرات الإقليمية التي لم تهدأ بشكل مستدام، والجزيرتان تقعان عند مدخل (خليج العقبة) الذي يفضي إلى ميناء (العقبة) الميناء الوحيد للأردن وأحد المنافذ المهمّة للدولة العبرية؛ لأنّه يؤدّي إلى ميناء (إيلات) وقربهما -أي الجزيرتان المذكورتان- من منتجع (شرم الشيخ) المصري، وللجزيرتين أهمية سياحية؛ ففيها الكثير من الشُّعَب المرجانية وعدد من الأسماك الملوّنة والنادرة التي تجذب السيّاح من جميع أنحاء العالم، تعرّضت الجزيرتان للاحتلال أيّام العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م أثناء تأميم (قناة السويس) من قبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وهذا العدوان شنّته كلّ من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ثم انسحبت منها، وأعادت إسرائيل احتلال الجزيرتين عام 1967م ثم انسحبت منها عام 1982م بموجب معاهدة (كامب ديفيد) عام 1979م؛ فعادت الجزر إلى إدارة القاهرة دون أن يكون لها أي وجود عسكري، واعتبرت (كامب ديفيد) مضيق (تيران) وخليج (العقبة) ممرّين دوليين تحت إدارة دولية متعدّدة الجنسيات لترسيخ الأمن بين الجانبين المصري والإسرائيلي.

وقضية الخلاف حول هذه الجزر تعود إلى عقود من الزمن، فعندما شعرت المملكة العربية السعودية بالخطر الإسرائيلي في شمال البحر الأحمر طلبت من مصر احتلال الجزر حتى لا تخسر هذه الجزر لصالح دولة إسرائيل، خاصة وأنّ المملكة لم تكن تملك القوة البحرية التي تمكّنها من مواجهة اسرائيل. فالجزر في الأساس هي جزر سعودية وتقع ضمن المياه الإقليمية السعودية، وتاريخيًّا حتى شبه جزيرة (سيناء) كانت تابعة للحجاز بما فيها خليج (العقبة) قبل قيام المملكة العربية السعودية عام 1932م زمن ملك الحجاز الشريف حسين الذي تنازل عن (العقبة) لصالح الأمير عبدالله ولده الذي كان أميرًا على شرقي الأردن.

على أيّة حال فقد تمّ ترسيم الحدود بين الدولتين، خاصة بعد زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز لمصر عام 2016م شهر نيسان ووقّع العديد من الاتفاقيات، من بينها اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين بعد دوام الخلاف في وجهات النظر مدّة نصف قرن، وكان آخرها الجولات التي استمرّت مدّة ستّ سنوات، وأعلنت مصر ورئيسها عبد الفتاح السيسي الإنتهاء من ملفّ الجزيرتين بإعترافه الرسمي ببيان أنّ الجزيرتين سعوديتان والقرار يجب المصادقة عليه من قبل مجلس النواب المصري، وقتها ضجّ الشارع المصري وقامت بعض المظاهرات هنا وهناك، وأُثيرَت القضية في المحاكم المصرية المختلفة منها الإدارية والدستورية على أنّ أنّ الجزر هي مصرية وأنّ الجزر ربّما بيعت للسعودية، وأُثير كثير من اللغو والخلط وارتفع منسوب الحالة العاطفية في الشارع المصري، إلّا أنّ الحكومة المصرية كانت ماضية في إقرارها وبيانها حتى الآونة الأخيرة حيث تعرّضت مصر إلى ضغوط اقتصادية كبيرة؛ وانخفضت قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي فقد بات كل 34جنيها يساوي دولارًا واحدًا، هذا عدا عن ضغوط صندوق النقد الدولي الذي يطلب بشكل عاجل 40مليار دولار لتقدّمها الدول الخليجية لدَين مصر والالتزامات المطلوبة منها، والغالب أنّ هذا كان سبب انعقاد القمّة السداسية العربية المصغّرة في (أبو ظبي) في دولة الإمارات العربية المتحدة التي حاولت دعوة مجلس التعاون الخليجي لنجدة مصر ولكن دون جدوى، فقد تغيّبت كلّ من السعودية والكويت بحجج مختلفة.

وإجراءات تسليم الجزيرتين كانت سلسة وماضية إلّا أنّ ضائقة مصر هي التي دفعت الرئيس السيسي إلى إيقافها؛ ربّما للضغط على وليّ العهد السعودي لتقديم الدعم والمساندة لمصر للخلاص من أزمتها الخانقة، والغالب أنّ الدول الخليجية سوف تستجيب ولو جزئيًّا للمطالب المصرية، لأنّها تستظل دائمًا ولو معنويًّا وعربيًّا بالمساندة المصرية لتمرير مخطّطاتها واتّفاقياتها السياسية، ومساندة مصر لها في مواجهة الأجندات الإيرانية والتركية، فالمنطقة حُبلى بالأزمات والتدخّلات و” إنّ غداً لناظره لقريب”.

زر الذهاب إلى الأعلى