انتخابات بلدية إسطنبول

على خلفية محاولات أردوغان عدم الاعتراف بالهزيمة والنيل من نتائج الانتخابات التي جرت في آذار من هذا العام، والتي لم تسفر عن نتائج اعتاد عليه حزب العدالة والتنمية طيلة سنوات حكمه منذ عام 2002، قررت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا في 6 أيار الماضي إعادة الانتخابات في بلدية إسطنبول في 23 حزيران الجاري، حيث شكلت تلك الانتخابات صدمة كبيرة للحزب بخسارته للمدن الكبرى والتي لها مكانة سياسية واقتصادية كبيرة في تركيا، إسطنبول، أزمير، أنقرة، حيث تعتبر خسارة هذه المدن الرئيسية الكبرى ذات دلالات سياسية أكثر أهمية وفعالية من النتائج الإجمالية والفعلية، حيث كان حزب العدالة والتنمية يرى في حال فوزه في الانتخابات التي جرت في أذار مرحلة من الهدوء السياسي المهيمن من قبله حتى موعد الانتخابات القادمة، خاصة بعد أن حول النظام الحكم في تركيا من البرلماني إلى الرئاسي من خلال سيطرته على البرلمان وصياغة نظام رئاسي يتوطد فيها دعائم النهج الفاشي لحزب العدالة والتنمية القائم على إنكار الاخر الشبيهة بسياسة مصطفى كمال أتاتورك العلمانية والتي كانت مبنية على تصفية الشعوب المتعايشة  وإنكار حقوقهم حينها ضمن الدولة التركية الحديثة التي أنشئت على أنقاض الامبراطورية العثمانية، حيث يعمل حزب العدالة والتنمية على سلك نفس المسار الكمالي في تركيا ولكن بحلة جديدة ألا وهي الإيديولوجية الإسلامية الفاشية وبدعم من حركة الإخوان المسلمين، بغية الوصول إلى تركيا إسلاموية خضراء وبما يتماشى مع سياسة هذا الحزب، حيث جلب هذا المسار تعميق المشاكل الداخلية والمتراكمة وإحداث أزمة اقتصادية في البلاد نتيجة تلك السياسة وعلى الصعيد الخارجي سببت هذه السياسة عزل تركيا عن جوارها وعن منطقة الشرق الأوسط .

وبالعودة إلى مجريات الانتخابات فقد قام أردوغان بوضع جميع إمكانيات الدولة من الدعم اللوجستي وتسخير كافة وسائل الإعلام في خدمة مرشحي حزبه، وممارسة انتهاكات بحق المعارضة أثناء الانتخابات والطعن بالأرقام النهائية والتي أستطاع من خلالها أردوغان وباتهامات باطلة  تقليص الفارق في نتائج بلدية إسطنبول من 28 ألف صوت إلى 13 ألف صوت على حساب المعارضة، وبالرغم من كل ذلك لم يفلح حزب العدالة والتنمية  إلا أنه تمكن في التأثير على اللجنة العليا للانتخابات وذلك نتيجة النظام الرئاسي الذي أسسه أردوغان وبضغط من سلطته رضخت اللجنة العليا لطلب حزب العدالة والتنمية في الإقرار بإعادة الانتخابات، وبناء على ذلك سيتوجه الناخبون في إسطنبول يوم 23 من هذا الشهر للتصويت في الانتخابات.

حيث كان صوت الناخب الكردي في مدينة إسطنبول هو المحرك لخسارة العدالة والتنمية لبلدية المدينة، ولذلك قام أردوغان بعد الانتخابات باستمرار في سياسة الإنكار ومحاربة الإرادة الكردية من خلال التصعيد من شن الحملات العسكرية على المواقع للحزب العمال الكردستاني في باكور كردستان وباشور، ومن ناحية أخرى يحاول أردوغان من خلال رفع العزلة عن أوجلان ووصف وسائل الإعلام التركية أوجلان (بزعيم) حزب العمال الكردستاني في الصحف اليومية بدلاً من وصفه (برئيس الإرهابيين) كما كانت تصفه سابقاً، رغم التصريح الذي أدلى به وزير العدل بعد لقاء المحامين بأن رفع العزلة عن أوجلان ليس لها علاقة بالانتخابات ولكن صحة هذا التصريح سيتبين بعد الانتخابات المرتقبة في 23 حزيران، ونجد هنا بأن سياسة أردوغان وحزبه حيال الكرد تكمن في القضاء على الإرادة الكردية ومحاربة حركة التحرر الكردستاني التي تمثل الكرد في باكور كردستان، ولجذب الكرد في هذه المرحلة التحضيرية للانتخابات يقوم مسؤولي حزب العدالة والتنمية باستخدام اللغة المرنة (مغازلة الكرد) في الفعاليات والنشاطات السياسية التي تقام في تركيا وباكور كردستان حيث قام بن علي يلدرم مرشح حزب العدالة والتنمية في إسطنبول بالحديث عن الكرد وكردستان أثناء إلقاء كلمة في مدينة آمد الكردستانية وذلك للتأثير على الكرد في مدينة إسطنبول لكسب أصواتهم، إلا أن جميع هذه المحاولات السطحية قد تبوء بالفشل لأن الأحداث والوقائع في الساحة التركية تناقض اللغة السياسية التي تستخدمها العدالة والتنمية وقرار إعادة الانتخابات قد تعطي دافع أقوى للناخب بالتصويت ثانيةً ضد حزب العدالة والتنمية  وخلق صورة في مخيلة المواطن التركي عن ديكتاتورية أردوغان وذلك بسبب عدم امتثال أردوغان وحزبه لنتائج التصويت ورفض أي نتائج لا تكون لصالحه، وهذا يعتبر إضعاف لأردوغان وفقدانه لقاعدته الشعبية، وتجعل المعارضة في موقف قوي وتتحد أكثر وترص صفوفها لخوض الانتخابات. ونظراً لعدم وجود مرشحين من حزب الشعوب الديمقراطية لبلدية إسطنبول تكمن أهمية صوت الناخب الكردي في التصويت لصالح المعارضة بقيادة حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول وتتوقفس على قدرة الحزب لكسب أصوات الأحزاب الأخرى كاليسار الديمقراطي الحاصل على 30 ألف صوت في إسطنبول في الانتخابات التي جرت في أذار عبر إقناع قيادات الحزب وخاصة بعد أن أكد مرشح حزب اليسار الديمقراطي لبلدية إسطنبول معمر أيدن عن عدم ترشحه للانتخابات بلدية إسطنبول، واستطاع حزب الشعب الجمهوري كسب الحزب الشيوعي التركي الحاصل عشرة ألف صوت وكسب مرشحة مستقلة حصلت على 2430 صوتاً، ، بينما حزب السعادة ما زال الغموض يلف حول موقفه إلا أن مرشح الحزب نجدت جوكجنار قال في المقابلة التلفزيونية في إحدى القنوات “أنا مستعد للانسحاب لصالح إمام أوغلو، سأنتظر قرار حزبي”. فيما يراهن العدالة والتنمية على المقاطعين للانتخابات التي جرت والتي تبلغ حوالي 15% وعلى الناخب الكردي من أنصار حزب الشعوب الديمقراطي.

وبناءً على ذلك إذ استطاعت الأحزاب المعارضة (أكرم إمام أوغلو) الحفاظ على الأصوات السابقة وإقناع فئات جديدة من المجتمع التركي سيكون النصر حليفها مهما حاول أردوغان التلاعب والتزوير في الانتخابات لن يستطيع كسب بلدية إسطنبول وتغيير نتائجها والتي ستكون بداية سقوط أردوغان وحزبه في تركيا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى