أحداث ديرالزور وفشل المشروع المعادي

يسود التوتر وحالة استياء بين العشائر العربية في منطقة دير الزور، وذلك على خلفية وقوع سلسلة من الاغتيالات طالت بعض من زعماء ووجهاء من العشائر العربية، بدأت الاغتيالات باستهداف كل من الناطق باسم عشيرة البكارة سليمان الكسار، وسليمان الويس من نفس العشيرة، كان أخرها اغتيال شيخ قبيلة العكيدات مطشر الحمود الهفل، حيث تم استهداف هؤلاء بطريقة واحدة من قبل مجهولين كانوا يستقلون دراجات نارية.
والمثير في الأمر، تزامن الاغتيالات مع توقيع شركة نفط أميركية “ديلتا كريسنت إنيرجي” لاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية، لتطوير واستثمار حقول النفط في مناطق شمال وشرق سوريا وذلك برعاية الأميركية بحسب ما أكده وزير الخارجية مايك بومبيو.
وأثارت الاغتيالات موجة احتجاجات واسعة في شرقي دير الزور، خصوصا في مدينة البصيرة وقرى ديبان والشحيل والحوايج، وسط أجواء إعلامية محرضة وتضليلية ومفبركة تثيرها الوسائل الإعلامية المضادة من مختلف الجهات التي تعادي التعايش الأهلي السلمي في شمال وشرق سوريا، في ظل التعاطي السلبي لهذه الجهات الإعلامية، عبر حملة من الأخبار وفبركات إعلامية التي تدعو إلى إيصال المنطقة إلى اقتتال الداخلي، ويرتبط هذ الإعلام المضاد بعدة أطراف محلية وإقليمية من مصلحتها انزلاق الوضع إلى منعطف خطير تفتعل العنف.
نظرة عامة
بعد تحرير المنطقة الشرقية والشمالية من تنظيم داعش الإرهابي، بدأت الحرب الإعلامية الخاصة والمواقف المضادة من قبل دول الإقليمية ودولية ضد قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية والتحالف الدولي بشكل متواصل، حيث تتصدر الواجهة السياسية والإعلامية مفاهيم وأساليب قذرة، منها الاحتلال الكردي للمناطق العربية، وتشويه صورة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وإعطاء الطابع الاحتلالي لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، علماً أنه لولا تدخل القوات المحلية بقيادة قسد والغطاء الجوي للتحالف الدولي لا استحال على أي من الأطراف التي تعادي اليوم المشروع الديمقراطي في المنطقة أن تقوم بتحرير المنطقة من تنظيم داعش الإرهابي.
ثمة إشكالية معاشة في هذه المنطقة وخاصة في الريف الشرقي والشمالي لدير الزور، وهي سوء الخدمات الإدارية والمؤسساتية المعنية بالوضع الحياتي للعشائر والمواطنين، وهذا ما جعل العشائر تطالب مراراً وتكراراً من المجالس المحلية للإدارة الذاتية بتحسينها وتقديم الخدمات، طبعاً وبكل تأكيد لأبناء المنطقة كامل الحق للمطالبة بتحسين الأوضاع العامة الخدمية في مناطقهم، أما ما يعيق تحقيق تقدم وتطوير البنية التحتية في هذه المنطقة هو الوضع الأمني غير المستقر وخاصة في دير الزور بسبب وجود خلايا النائمة لتنظيم داعش الإرهابي، حيث تقوم بترهيب أبناء المنطقة وبمختلف العمليات الإرهابية، الأمر الذي يدفع بقوات سوريا الديمقراطية إلى القيام بحملات ضد هذه الخلايا.
وتعتبر الأطراف المعادية للتجربة الديمقراطية في شمال وشرق سوريا محاربة الخلايا النائمة من قبل أبنائها، ممارسةً للإرهاب بحق أبناء المنطقة، وتستغل هذه الأطراف عدم وجود الاستقرار الأمني في هذه المنطقة للتحريض وتأليب أبناء المنطقة ضد بعضهم.
والنقطة الهامة في هذا الصدد الانقسام والشرخ الموجود داخل العشائر، حيث باتت هذه العشائر وخاصة عشيرة الشعيطات والعكيدات والبكارة موزعين بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام والمرتزقة السوريين المرتبطين بتركيا، وإيران.
دوافع وأبعاد الاغتيالات
تدخل الاغتيالات التي حصلت منذ عدة أيام ضمن سياق برنامج ومخطط منظم ضد المنطقة، إعلامياً وسياسياً وعسكرياً، فمنذ تحرير المنطقة من الإرهاب لم تتوانى تركيا والنظام السوري وروسيا عن ممارسة السياسة التخريبية ضد المكونات والعشائر في شمال وشرق سوريا، ويمكن إبراز الدوافع من هذه التصرفات والمواقف التحريضية والتخريبية لكل من النظام السوري وتركيا وروسيا، ضمن هذا الإطار وفقاً لما يلي:
1ـ محاولة تعويم نفسه مجدداً عبر المقاومة الشعبية كما وصفه رئيس النظام السوري: النظام البعثي يحاول بكل ما في وسعه من إمكانياته المتاحة ضرب السلم الأهلي واستغلال العشائر لمجابهة قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي، ومع توقيع الاتفاقية بين قسد وشركة ” دلتا كريسنت إنيرجي ” وسريان قانون قيصر ضد النظام، مما أثرت بشكل كبير على مركزية النظام في سوريا، لأن استثمار الحقول النفطية في هذه المنطقة من قبل شركات أجنبية يعتبر خطوة هامة نحو الاعتراف الدولي والشرعية الدولية بالمنظومة السياسية والعسكرية الموجودة في شرقي الفرات، وقد تفيد عدة تصاريح سابقة من رموز النظام وخاصة تصريح بشار الأسد في دسمبر العام الماضي، والفيديوهات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل جنود النظام وهم من أبناء عشيرة الشعيطات، قبل أيام من حدوث الاغتيالات، حيث يتوعدون فيه قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي، ويدعو أبناء العشائر في الطرف الشرقي والشمالي من النهر بالوقوف ضد قوات سوريا الديمقراطية، وتكررت هذه الدعوات بمختلف الوسائل من قبل النظام السوري لتحريض العشائر ضد قسد.
2ـ ضرب العلاقة التألفية بين المكونات ببصمات تركية: تعتبر تركيا من أهم المستفيدين مما يجري في شمال وشرق سوريا، فمن مصلحتها ضرب العلاقة بين قوات سوريا الديمقراطية والعشائر، وذلك لأن تركيا تعتبر أن أي مشروع يتواجد فيه الكرد من أجل سوريا تهديداً لأمنها القومي، ومن خلال المواقف التي ظهرت من المرتزقة والائتلاف السوري التابع لها، وما يدعى بمجلس العشائر العربية في سوريا في مؤتمر صحافي له في مدينة روها يوم الجمعة الماضي، حيث عكس ما جاء في البيان الذي أدلى به هذا المجلس من الدعوة لطرد قوات سوريا الديمقراطية من المنطقة الشرقية وتدخل القوات التركية، أن تركيا ليست ببعيدة عن دائرة الأحداث الدنيئة التي حصلت في الأيام الماضية، وأيضاً تركيا سارعت إلى إدانة الاتفاق بين شركة دلتا كريسنت إنرجي الأميركية وقوات سوريا الديمقراطية.
الاحتمالات الأكثر ترجيحاً
في الآونة الأخيرة تظهر حالة تنافس شديدة بين النظام السوري وحلفائه وتركيا، لكسب ود العشائر العربية بشكل مطلق في المنطقة الشرقية وتحريضها على الوجود الأميركي والانتفاض ضد الإدارة الذاتية، ومن جهة يدرك النظام السوري وحلفاؤه، لاسيما إيران، ومن جهة أخرى تركيا، أن إخراج القوات الأميركية من المنطقة لن يكون سهلا في ظل اختلال موازين القوى، وأن الحل يكمن في الرهان على السكان المحليين من خلال دفعهم إلى الانتفاض ضد هذا الوجود.
وأمام هذا الواقع ومن خلال المصادر المختلفة التي استقصت الأراء أهالي المنطقة، تتجه أصابع الاتهام إلى كل من النظام السوري وحلفائه وتركيا من خلال الاحتمالات التالية وفقاً لما يلي:
1ـ المواقف التي ظهرت من قبل تركيا وأعوانها، لا يستبعد فرضية أن تكون تركيا تقف خلف عمليات الاغتيال الجارية في محاولة لتأليب العشائر ضد قوات سوريا الديمقراطية وإحداث النزعة العنصرية في ظل رفض تركيا للاتفاق بين قسد والشركة الأمريكية ودعوة مجلس العشائر العربية التابعة لها إلى طرد قوات سوريا الديمقراطية وهذا واضح من البيان الذي أدلى به نصر الحريري رئيس الائتلاف التابع لتركيا.
ليست تركيا المستفيد الوحيد من الأجواء المتوترة في المنطقة، فالنظام السوري وحلفائه يرفضون أية هيكلية إدارية وجسم سياسي خاص لمكونات المنطقة في أي ترتيبات مستقبلية لسوريا الجديدة، وخاصة تأكيد بشار الأسد على أن المقاومة الشعبية هي الحل الوحيد لإجبار الولايات المتحدة الامريكية على الخروج من سوريا.
وهناك مؤشرات قوية حصلت تفيد بوقوف النظام وراء عميات الاغتيال، من خلال الاحداث التي حصلت في الفترة الأخيرة من اجتماع ضباط النظام في مدينة دير الزور مع بعض العشائر والإعلان الذي تلا الاجتماع حول تشكيل مجلس عسكري من كافة عشائر قبيلة العكيدات تحت قيادة النظام الأسد، والدعوة إلى الانتفاضة ضد قوات سوريا الديمقراطية من قبل مرتزقته، وقصف قواته للمناطق التي كانت من المفترض أن تجابه قسد قبل حوالي يومين.
2ـ وهي الأكثر ترجيحا من الاحتمال الأول، القوى التي تقف ضد الاتفاقية بين قوات سوريا الديمقراطية وشركة ” ديلتا كريسنت إنيرجي ” الأمريكية وهي القوى التي ترى في الاتفاقية معاداة لها وتهديدا لمصالحها في سوريا، هم من يقفون خلف عمليات الغدر بحق العشائر العربية في شمال وشرق سوريا.
وفي المحصلة تبين أن أبناء المنطقة وعشائرها ومكوناتها تقف خلف إدارتهم الذاتية وقواتهم سوريا الديمقراطية وأن مساعي القوى المعادية مرة أخرى ذهبت أدراج الرياح.

زر الذهاب إلى الأعلى