قمّة كورسيكا الأوربية والتجاوزات التركية في شرقي المتوسط وآثارها الإقليميّة

د.أحمد سينو

التطلّعات التركية:

تعاني تركيا في وضعها الداخلي والاقتصادي والمالي من أزمات خانقة تتعلّق بتدهور قيمة الليرة التركية أمام الدولار، كما تعاني من نسب كبيرة من التضخّم المالي، ولا يزال الملايين من اللاجئين السوريين والعراقيين وغيرهم في المدن التركية بانتظار حلّ الازمات في بلادهم، ولتركيا دور في هذه الازمات في الشرق الأوسط؛ وتحاول فرض هيمنتها في سوريا من أجل القضاء على مشاكلها وأزماتها الداخلية كخطوة للهروب إلى الأمام، كما تريد من خلال الهيمنة على إدارة الشرع أن تنال حصّة في مسائل اللاجئين السوريين، وأن تقوم شركاتها بالمساهمة في إعادة الإعمار، وتتطلّع تركيا للحصول على المناطق النفطية في شمال شرق سوريا، وتخوض حرباً همجية عن طريق الفصائل التابعة لها للتوغّل في مناطق كوباني وعين عيسى وتل تمر، ولكنّها تُجابَه بمقاومة أسطورية على يد أهلها وكذلك قوات سوريا الديمقراطية، وتقدّم تركيا العروض تلو العروض في ملف داعش ومحاربة الإرهاب، كما تزعم، للولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي وللإدارة السورية بقيادة أحمد الشرع، كما يطمح أردوغان لإقامة قواعد عسكرية تركية في شمال ووسط سوريا، ويرغب كذلك برسم الحدود البحرية في المياه السورية التي تحوي مليارات مكعّبة من النفط والغاز؛ وهو في ذلك على عجلة من أمره قبل أن تتشكّل في سوريا حكومة دستورية ومنتخَبة، وقبل انعقاد المؤتمر الوطني السوري الجامع، ووضع دستور للبلاد وإجراء انتخابات تشريعية وتنفيذية في سوريا.

كما يتطلّع أردوغان إلى ترتيب البيت الداخلي التركي، من أجل الفوز بالانتخابات القادمة ليصبح زعيماً تركياً بمرتبة كمال أتاتورك؛ ومن أجل ذلك نسّق مع دولت بهجلي الذي طرح لقاء الزعيم الكردي عبدالله أوجلان عن طريق الأحزاب الكردية والبرلمانيين الكرد، لأجل قيام حزب العمال الكردستاني بإلقاء سلاح المقاومة في تسوية وفق المزاج القومي التركي والدولة العميقة فيها، كما يسعى أردوغان، عن طريق هذه التسوية المزمَعة، للقضاء على الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، أو تقليص نفوذ قوات سوريا الديمقراطية عن طريق أحمد الشرع رئيس سوريا للمرحلة الانتقالية، وذلك بطروحات وفق أجنداته للاندماج في الجيش السوري، وهناك محاولات من الأحزاب الكردية الممثّلة في البرلمان التركي لزيارة أربيل والسليمانية في كردستان الجنوبية للوقوف على الآراء والطروحات الكردية؛ هذه التطلّعات التركية التي يسعى إليها أردوغان صعبة المنال، إن لم نقل أنّها مستحيلةن لتسوية الأوضاع الداخلية التركية.

العقبات الصعبة أمام تركيا:

تحاول تركيا، كما سبق وأشرنا، أن تهيمن على سوريا، ولكنّها سوف تصطدم بالتطلّعات الإسرائيلية التي لن تسمح لها بإقامة قواعد في وسط سوريا، كما أنّ التطلّعات التركية سوف تتعارض مع بعض دول التحالف الدولي، وبشكل خاص فرنسا وألمانيا واليونان، والتي أبدت موقف الحليف للكرد وقوات سوريا الديمقراطية؛ من خلال إعلان تلك الدول أنّ قسد هي التي قضت على الإرهاب، وأنّ الكرد شركاؤنا في التحالف ضدّ الإرهاب، وأنّهم جديرون بالثقة أكثر من تركيا، ومن إدارة أحمد الشرع في سوريا التي مازالت تبدي ليناً، ولكن على أرض الواقع هناك الكثير من التجاوزات.

القمّة الاوربية في كورسيكا:

القمّة الأوربية، التي تضمّ كلّاً من فرنسا واليونان وإيطاليا وإسبانيا وقبرص ومالطة والبرتغال، تهدف لوضع حدّ للتجاوزات التركية في التنقيب عن الثروات النفطية والغاز شرقي البحر الأبيض المتوسط في مناطق تابعة لليونان وقبرص، في المياه والحدود الإقليمية للدولتين المذكورتين، وتزعم تركيا أنّ هذه المناطق تعود للجرف القارّي التابع لحدودها، وتستمرّ تركيا في ممارسة هذه الانتهاكات منذ سنوات خلَت، والموضوع يتفاقم من حين لآخر من خلال تحرّكات تركيّة مستفزّة ضدّ اليونان، وتستقوي تركيا بتاريخها العثماني عندما كانت اليونان تحت سيطرتها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وخلال الحروب التي خاضها كمال أتاتورك ضدّ الإنكليز واليونانيين بعد الحرب العالمية الأولى.

 القمّة الاوربية التي انعقدت في الجزيرة الفرنسية برئاسة الرئيس الفرنسي ماكرون، والتي سُمّيت بقمة / ميد 7 / لإعادة التوازن في شرقي البحر المتوسط وإعادة تركيا إلى حدودها الإقليمية في مياه المتوسط، يبدو أنّ الشهية الاستعمارية لتركيا تتزايد مع تزايد أزماتها الداخلية والسياسية والاقتصادية، وتستغلّ تركيا موقعها الجيوسياسي وعضويتها في الناتو وكذلك قوتها العسكرية، وربما تعوّل على نجاح ترامب في تولّيه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، للخروج بحصة لها من كعكة النفط والغاز من اليونان وقبرص، كما يستغلّ أردوغان رغبة ترامب في فرض التزامات على الاتّحاد الأوربي الذي يقف مسانداً لليونان وقبرص، خاصة كلّ من فرنسا وألمانيا.

وتقف كلّ من اليونان وقبرص في مواجهة الأطماع التركية في شرقيّ المتوسط، وأبدت فرنسا بوضوح وبتصريحات قويّة اللهجة على لسان الرئيس الفرنسي، ضرورة وضع حدّ للتجاوزات التركية، وقد وصفت تركيا هذه التصريحات بالوَقِحة، ونشرت فرنسا سفناً حربية وطائرات مقاتلة تحسّباً للتصعيد التركي الذي ما إن يهدأ حتى يستغلّ أي ظرف دولي وإقليمي ليعود مجدّداً، خاصة في عهد أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية، والغالب أنّ الوضع لن يستمرّ على هذه الحال؛ فالرئيس الفرنسي ماكرون قد صرّح بأنّ تركيا لم تعد شريكةً، وسيجد الأوربيون مخرجاً لوضع حدّ لهذا الخلاف عبر مؤتمر سيُعقَد لأجل غاز ونفط المتوسّط، وذلك عبر لجان متخصّصة وعلماء لتوضيح كلّ الغموض والإشكاليات الخلافية بين اليونان وتركيا وبين تركيا وقبرص.

الإدارة الذاتية الديمقراطية وقوات قسد:

لاشكّ أنّ الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا على دراية بالمطامع والأجندات التركية في سوريا والعراق وفي الشرق الأوسط، وعلى دراية كذلك بالمخطّطات التركية وتعدّياتها في البحر الأبيض المتوسط والشواطئ الليبية. على الإدارة الذاتية تعزيز تحالفاتها مع الاتحاد الأوربي، خاصة فرنسا، ويجب أن يلعب ممثّلو الإدارة الذاتية دوراً في تعزيز التحالف مع فرنسا ومع ألمانيا ومع كلّ من اليونان وقبرص، ويجب رفع مستوى التمثيل والتعاون مع هذه الدول على الصعيد السياسي والثقافي والعسكري، خاصة مع تعالي بعض الأصوات الأوربية المطالِبة بإخراج تركيا من حلف شمال الأطلسي والوقوف بوجه انضمامها للاتحاد الأوربي مستقبلاً، خاصة أنّ معظم الدول الأوربية تنضوي ضمن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والتي كان لقوات سوريا الديمقراطية الدور البارز في القضاء عليه في آخر معاقله في الباغوز، وبالتالي؛ فإنّ تصريحات مسؤولي الاتحاد الأوربي تشير إلى أنّهم مدينون لقوات سوريا الديمقراطية، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث أوضح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذلك بقوله أنّ الكرد قد دافعوا عن أمريكا وأوروبا والعالم كما دافعوا عن أنفسهم ضدّ الإرهاب.

المقالة تعبر عن رأي الكاتب

زر الذهاب إلى الأعلى