سياسة أحمد الشرع بعد سقوط النظام البائد

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب)

يحاول الرئيس السوري أحمد الشرع أن يسوّق نفسه ليغدو مقبولاً بشكل أفضل من نظام الأسد البائد، إلّا أنّه يمرّ بمرحلة مخاض عسيرة، ويقع في أخطاء قاتلة “بغضّ النظر إن كانت أخطاء أو إملاءات” ويعاني فشلاً ذريعاً؛ ابتداءً من المؤتمر الوطني الذي عقده على عجالة، والذي فاحت رائحته من حيث اللجنة التحضيرية والمدعوين، وكذلك الأمر بشأن الإعلان الدستوري الذي صيغ على عجل، وجاءت نقاطه كلّها بشكل واحد ولون واحد ودين واحد ومكوّن واحد ولغة واحدة، والتي هي بعيدة كلّ البُعد عن سوريا ذات التاريخ العريق في الحضارات، لقد كان الإعلان الدستوري إقصائياً لكل المكونات السورية من الكرد والعلويين والدروز والسريان والآشوريين والإيزيديين، وجعل الفقه الاسلامي مصدراً أساسياً للقانون والدستور، ومعروف أنّ سوريا فيها المسيحيون من كل الطوائف التابعة للكنيسة الأرثوذكسية أو كنيسة الكاثوليك، ناهيك عن الطائفة الدرزية والعلوية والشيعية على اختلاف فرقهم ومذاهبهم؛ فلا يستقيم الأمر أن يكون الفقه الإسلامي مصدراً للتشريع، وكذلك بالنسبة للّغة حيث يجب قبول لغات كل المكوّنات لغاتٍ رسمية في الدولة السورية المستقبلية؛ والغالب أنتّه يجب إعادة النظر حتى في عَلَم الدولة الذي يرمز إلى العصور الإسلامية التي كانت شاملة ولم تقبل الآخر، كما أنّ هناك جدلاً واسعاً بين المكوّنات السورية فيما يتعلّق باسم الدولة؛ فوفق التاريخ السوري منذ أيام الانتداب الفرنسي وحتى بعد الاستقلال عام 1946م كان اسم الدولة “الجمهورية السورية” وهناك أدلّة دامغة تشير إلى هذه المسألة؛ كالعملة المعدنية والورقية والطوابع البريدية التي تحمل اسم “الجمهورية السورية” وليست الجمهورية العربية السورية كما يسعى الرئيس أحمد الشرع إلى تثبيتها في الواقع الحالي المعاصر.

 في ظل كل هذه التجاوزات قام الشرع بتشكيل الحكومة السورية المؤقّتة التي جاءت على مقاس توجيهات هاكان فيدان ورجب طيب أردوغان وهيئة تحرير الشام، متناسياً المكوّنات السورية من الدروز والعلويين والكرد والمسيحيين. لذا؛ يمكن القول أنّ حكومة الشرع الحالية لا تعاني من الولادة العسيرة في مخاضها فقط، بل يمكن القول أنّها تعاني العقم السياسي؛ لأنّ الحكومة التي شكّلها الشرع هي حكومة “ذرّ الرماد في العيون”، حكومة دون رئيس وزراء، وحكومة فيها وزراء أتباع وموالون له، على غرار حكومات الأسد المتعاقبة، وقد عيّن وزراء من الأقلّيات دون استشارة المكوّنات نفسها عن طريق قياداتها ومجالسها المنبثقة عنها، بل عيّنهم من الموالين له. كل ذلك دون الانتخابات التي يجب أن تجري وتتم برعاية الأمم المتحدة، كما تم تفكيك البرلمان ووضع في الإعلان الدستوري أنّ الرئيس الشرع سوف يعيّن تعييناً أكثر من ثلث أعضاء البرلمان، وحتى العَلَم واسم الدولة والدستور يجب أن يخضع للاستفتاء من قبل كل الشعب السوري وبرعاية أممية ودولية وعلى كامل الجغرافية السورية وبمشاركة كل المكوّنات التي سبقت الاشارة إليها.

حكومة الشرع والوضع الداخلي السوري:

ليس من التحامل القول أنّ الوضع السوري في العاصمة دمشق وفي المدن السورية ينحو نحو الأسوأ من الناحية الخدمية والاقتصادية والأمنية والتعليمية وحتى الدينية والاجتماعية؛ فالغلاء يضرب سوريا من أقصاها إلى أقصاها وهو متفاقم لدرجة كبيرة، بينما رواتب العاملين والموظّفين قد بقيت دون تغيير، ناهيك عن غلاء أجور المواصلات الخاصة والعامة بسبب ارتفاع أسعار الوقود، وتوقّف المستشفيات عن تقديم الخدمات والأدوية والعلاج الممنوح للمواطنين.

 لقد قطع أحمد الشرع كل سبل الحياة أمام السوريين، خاصة ما يتعلّق برواتب المتعاقدين من المعلمين والمدرسيين في مختلف المحافظات السورية، خاصة في مدينة الحسكة وفي القامشلي والمدن التابعة لها؛ فلم يتلقّوا رواتبهم منذ أكثر من خمسة شهور، كما أنّ هناك مسألة حيوية تتعلّق بالاتصالات بين مدن الإدارة الذاتية والمدن السورية الداخلية، ناهيك عن التعليم والامتحانات للطلبة المسجّلين في الشهادة الإعدادية والثانوية؛ فالمسألة يُرجّح أنّها لا تزال عالقة دون حل.

 الحكومة السورية تسعى لتكون مقبولة من كل السوريين، لكنّها عاجزة حتى الآن عن تقديم الخدمات الأساسية الضرورية للمواطنين، كما أنّ حكومة الرئيس أحمد الشرع قد ساهمت في تفاقم الوضع الأمني، وضربت السلم الأهلي في الساحل السوري وارتكبت مجازر بحق الطائفة العلوية بحجّة ملاحقة فلول النظام الذي يحاول الانتقام للعودة إلى سدّة الحكم؛ ونتيجة لذلك قُتل الآلاف من الاطفال والنساء والشيوخ، وطالب الأهالي بالحماية الدولية، كما طالبوا بتدخّل الجنرال مظلوم عبدي وقوات سوريا الديمقراطية؛ وهذا يُحسَب للإدارة الذاتية التي باتت مقبولة من قبل كل السوريين.

 هذه العمليات التي قامت بها فصائل هيئة تحرير الشام تحت مسمّى “الأمن العام” قد أضرّت بالنسيج الوطني السوري، وأفقدت السوريين الثقة وأضرّت بالأمن المجتمعي، ويُعدّ إمعاناً في الفشل والعقم السياسي ما جرى في السويداء وجرمانا وصحنايا؛ حيث هاجمت قوات الأمن العام أحياء الدروز في جرمانا وصحنايا، ووقع العشرات من الضحايا من الجانبين بسبب مقاومة الدروز في أحيائهم، لأنّهم رفضوا تسليم السلاح للأمن العام سابقاً؛ وقد استدعى ذلك تصريحات إسرائيلية بحماية الدروز، وزيارة وليد جنبلاط إلى الشرع في دمشق، وجرى اتفاق وتهدئة للأوضاع رغم مغادرة الطلبة الدروز والعلويين من المدن الجامعية في دمشق وحلب إلى قراهم وبلداتهم.

حكومة الشرع والإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا:

رغم الاتفاق الذي وقّع في آواخر شهر آذار بين الجنرال مظلوم عبدي وأحمد الشرع، والذي كان ذا صدى إيجابي، محلياً وإقليماً ودولياً، والذي كان ينطوي على دمج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري المزمَع تشكيله، ورغم تجاوزات قوات الأمن العام التابعة للشرع وفصائله الأجنبية في عفرين وكري سبي وحيّي الشيخ مقصود والأشرفية؛ إلّا أنّ تلك التجاوزات قد جاءت في الوقت الذي عقد فيه كونفرانس وحدة الصف الكردي في مدينة قامشلو، والذي تم فيه التأكيد على مطلب الفيدرالية واللامركزية، وتشكيل وفد موحّد للدخول في مفاوضات مع الحكومة السورية المؤقّتة بقيادة الشرع، وكان ردّ الحكومة السورية رافضاً لمؤتمر وحدة الصف الكردي في قامشلو، وبعده ازدادت التجاوزات بتعيين المرتزق أبو عمشه في قيادة الفرقة 25، وارتكاب فصيله المسمّى “سليمان شاه” جرائم بحق الكرد في عفرين من قتل وسرقات ونهب وتدمير للممتلكات، والأمر الذي زاد الطين بلة هو تعيين المرتزق حاتم أبو شقرا في قيادة الفرقة 86 في الرقة ودير الزور والحسكة، وكان على ما يبدو استفزازاً كبيراً لمشاعر الكرد وبقية المكوّنات في مناطق الإدارة الذاتية؛ حيث خرج الأهالي في مظاهرات واحتجاجات استنكاراً وتنديداً بهذا التعين لمجرم ارتكب جريمة بشعة بحقّ المناضلة هفرين خلف، هذه المسيرات والمظاهرات عمّت معظم مدن الإدارة الذاتية من القامشلي حتى كوباني؛ وكأنّ تعيين المرتزق حاتم أبو شقرا كان متعمّداً من قبل أحمد الشرع، وربما كان قرار التعيين بناءً على تعليمات تركيا التي لايزال مرتزقتها يعبثون في الشمال السوري المحتل.

يمكن القول أنّ حكومة الشرع لم تقدّم الدعم ولا المساعدة في حل مشكلة الرواتب للمتقاعدين في مناطق الإدارة الذاتية، كما لم تساعد تلك الحكومة الإدارة الذاتية في حل مشكلة الكهرباء والاتصالات، ولا في حل مشكلة قطع الماء من محطة علوك رغم صداقته مع تركيا وتبعيته لها. حتى الآن يثبت أحمد الشرع عقمه السياسي تجاه الإدارة الذاتية وكل المكوّنات رغم أنّ الإدارة الذاتية لها فضل كبير في أمن سوريا وحماية المنطقة برمّتها من خطر تنظيم داعش، وهذا باعتراف معظم الدول الأوربية، خاصة خلال زيارة الشرع الأخيرة إلى باريس التي طلبت منه أن يعطي دوراً كبيراً لقوات سوريا الديمقراطية شريكة التحالف الدولي، وقدّمت أكثر من 15 ألف شهيد، وأن يُشرك كلّ المكوّنات السورية في الحكم، وأن يُخرج الفصائل الأجنبية من صفوف قوات الأمن العام السوري، تلك القوات التي هدّدت النسيج الاجتماعي السوري؛ وبالتالي هي غريبة عن ثقافة السوريين، وعلى أحمد الشرع أن يحافظ على السلم الأهلي ويحقّق العدالة الانتقالية.

زر الذهاب إلى الأعلى
RocketplayRocketplay casinoCasibom GirişJojobet GirişCasibom Giriş GüncelCasibom Giriş AdresiCandySpinzDafabet AppJeetwinRedbet SverigeViggoslotsCrazyBuzzer casinoCasibomJettbetKmsauto DownloadKmspico ActivatorSweet BonanzaCrazy TimeCrazy Time AppPlinko AppSugar rush